سارت العروس إيفلين سيكغالكان بثوبها الأبيض في الممر، تمسك بيد "أختها في الزواج" شيرلي مولالا، إذ كانت الأولى على وشك أن تصبح زوجةً ثانية لزوج الأخيرة، في حفل زفاف جماعي نظمته كنيسة في جنوب أفريقيا تُشجع تعدد الزوجات.
خلفهما، تقدم العريس ليسيبا مولالا، الذي كان يحتفل بزواجه من زوجة جديدة في حفل فخم أُقيم داخل كنيسة "القداسة الخمسينية الدولية" الواقعة في جنوب غرب جوهانسبرغ.
كان هذا الزواج ضمن حفل زفاف جماعي ضمّ 55 زيجة، أُقيم خلال عطلة عيد الفصح وسط احتفالات صاخبة استمرت لساعات في أجواء مفعمة بالفرح.كانت سبع زيجات فقط من تلك الزيجات تعددية، ولكن جميع الأزواج والزوجات الجدد في ذلك الحفل كانوا منفتحين على فكرة القيام بذلك في المستقبل.
"إن الرب يوافق على تعدد الزوجات"، كان هذا ما تردد مراراً وتكراراً في القاعة المكتظة.
وفي عشية حفل الزفاف، قالت لي شيرلي، الزوجة الثانية لمولالا التي تزوجت به منذ 25 عاماً: "أنا أحب تعدد الزوجات لأنه متجذر في التعاليم الإنجيلية"، في إشارة إلى مقاطع من العهد القديم في الكتاب المقدس."شيرلي كانت من اختيار زوجته الأولى التي توفيت لاحقاً، بينما انضمت زوجة ثالثة إلى العائلة فيما بعد، لكنها انسحبت بعد نشوب خلافات.
أوضحت شيرلي، البالغة من العمر 48 عاماً، أن بدء العلاقة من منطلق روحي سهّل عليها تقبّل الزوجة الجديدة "أختاً وصديقة".
ومضت تقول: "كنا، الزوجات الثلاث الأوائل، نتفق لدرجة أننا كنا نرتدي ملابس متطابقة، لقد تعلمت ذلك من عائلة مولالا، ولهذا السبب تمكنت من فعل الشيء نفسه مع إيفلين".
وقبيل انطلاق المراسم الرسمية التي اقتصرت على تبادل الخواتم دون تبادل عهود منطوقة، اجتمع الحضور المبتهجون خارج القاعة قرابة الظهيرة وسط مشهد صاخب من الألوان والأصوات.
وتنافست مكبرات الصوت التي كانت تبث أغاني الكنيسة مع هتافات الآلاف من المهنئين، بعضهم كان يرتدي الزي الأزرق والأبيض للكنيسة، بينما ارتدى آخرون أفضل ما لديهم.
وعلى مدار الساعات الخمس التالية، واصلت فرق الأزواج (التي ضمت وصيفات العروس أيضاً) الوصول وسط مظاهر احتفال صاخبة، في منافسة لافتة بين كل مجموعة. إحدى الفرق تميّزت بوصيفات يرتدين درجات مختلفة من الأخضر الليموني، بينما برز أحد العرسان ببدلة من تصميم "غوتشي".
كان مسؤولو الكنيسة قد فحصوا الملابس عند البوابة مسبقاً للتأكد من أن كل الحاضرين يرتدون ملابس مناسبة، حيث لا يُسمح للنساء بارتداء ملابس ضيقة أو أزياء بأذرع عارية أو سراويل، وكان عليهن أيضاً تغطية رؤوسهن.
وتتبع الكنيسة قواعد أخلاقية صارمة، حيث يجلس الرجال والنساء بشكل منفصل داخل القاعة أثناء الخدمات العادية، ولا يُسمح بالمواعدة.
ومن جانبه، قال ليسيبا مولالا، البالغ من العمر 67 عاماً، لبي بي سي: "إنني لم أعلم عن تعدد الزوجات إلا عندما انضممت إلى الكنيسة حيث تعلمت أن مجرد مواعدة امرأة أمر غير مسموح به، ولأنني أدركت أن امرأة واحدة لن تكفيني، قررت أن أتزوج أخرى بدلاً من الخيانة."
وتقام حفلات الزفاف الجماعية هذه ثلاث مرات في السنة، في المقر الرئيسي للكنيسة في بلدة زوربيكوم الريفية الصغيرة في عيد الفصح، وفي شهري سبتمبر/ أيلول وديسمبر/ كانون الأول.
وبعد انتهاء مراسم الوصول الصاخبة، سارت مجموعة الأزواج والزوجات على السجادة الحمراء لالتقاط الصور.
ثم حان الوقت لوصول رأس الكنيسة، ليونارد فريدريك جي موديسي، وكان دخوله بمثابة سرقة للعرض تقريباً.
ويشار إليه باسم "الروح القدس"، وقد جاء - برفقة عائلته - في موكب تضمن فرقة موسيقية، واستعراض للخيول، وسلسلة من السيارات الفاخرة، من بينها سيارتان رولز رويس.
رأس الكنيسة ليونارد فريدريك جي موديز في موكب ضم سيارتي رولز رويس صدر الصورة،NHLANHLA PHILLIPS
التعليق على الصورة،جاء رأس الكنيسة ليونارد فريدريك جي موديز في موكب ضم سيارتي رولز رويس
مع غروب الشمس، حان وقت بدء البرنامج الرسمي، حيث دخل كل فرد إلى القاعة ليشق طريقه ببطء على طول الممر المفروش بالسجاد الأبيض.
والتقيتُ بمولالا وزوجتيه قبل أن يحين دورهم، وكانت إيفلين متحمسة، وابتسامتها تعلو وجهها.
وانتهت المراسم، التي استمرت حتى الساعة العاشرة مساء، بمباركة من موديسي للأزواج الجدد مع استمرار الاحتفالات حتى وقت متأخر من الليل.
وفي حين أن مثل هذه الاحتفالات ترتبط في كثير من الأحيان بحفلات الزفاف فإن مراسم الزواج الجماعية أمر غير عادي، حتى في بلد متنوع ومتعدد الثقافات مثل جنوب أفريقيا.
وينطبق الأمر نفسه على تعدد الزوجات، فبينما يُسمح بتعدد الزوجات - زواج الرجل من عدة نساء - في جنوب أفريقيا، تُسجل هذه العلاقات عادةً كزيجات عرفية ولا يُحتفل بها في الكنيسة.
ومع ذلك، فإن كنيسة القداسة الخمسينية الدولية هي واحدة مما يسمى بالكنائس المستقلة الأفريقية، التي يُسمح لها بإقامة هذه الزيجات، طالما أن الزيجات مسجلة أيضاً لدى وزارة الشؤون الداخلية في البلاد.
ووفقاً لتعداد عام 2022، فإن أكثر من 85 في المئة من سكان جنوب أفريقيا يعتبرون أنفسهم مسيحيين، يليهم 8 في المئة قالوا إنهم يمارسون المعتقدات الأفريقية التقليدية.
وتمزج العديد من الكنائس ذات التجمعات الكبيرة بين النظامين العقائديين - مثل كنيسة القداسة الخمسينية الدولية - على الرغم من أن الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية السائدة تظل الطوائف الأكبر.
وبالنسبة لكنيسة القداسة الخمسينية الدولية، تم تدريس وتشجيع تعدد الزوجات و"تطور مع الكنيسة" منذ إنشائها في سويتو في عام 1962 إلى جماعة تضم اليوم 3.1 مليون شخص في جميع أنحاء جنوب أفريقيا، كما قال المسؤول الكبير في الكنيسة مفو ماكوانا لبي بي سي.
وتزوج السيد مولالا زوجته الأولى عام 1999، بعد 6 سنوات من انضمامه إلى الكنيسة. وكانت هي الأخرى عضواً فيها، وهو عامل مهم لمن يرغب في الزواج حيث تُحرّم الكنيسة صراحةً الزواج من الغرباء.
وبعد 9 سنوات، اجتمع مولالا وزوجته لمناقشة توسيع العائلة، وبعد بحث شامل في الكنيسة، استقر الزوجان على شيرلي، التي كانت آنذاك في الثالثة والعشرين من عمرها.
وقالت شيرلي: "لقد شعرت بأهميتي لأنني كنت محط اهتمام مقارنة بالعديد من النساء في الكنيسة".
وتم اختيار إيفلين أيضاً بعد عملية بدأتها الكنيسة في فبراير/ شباط الماضي، واعترفت أنها استغرقت بعض الوقت لتتقبل فكرة تعدد الزوجات، إلا أن موقف شيرلي المتقبل سهّل عليها الأمر.
وترعرعت إيفلين، البالغة من العمر 44 عاماً، في الكنيسة لكنها ترتكها لاحقاً وأنجبت ثلاثة أبناء، قبل أن تعود إليها منذ بضع سنوات.
وبزواجه من إيفلين، تبنى مولالا أبناءها بشكل غير رسمي، ليصل إجمالي عدد أبنائه إلى 13.
وتعيش كل زوجة من عائلته في منزل منفصل، على الرغم من أن إيفلين ستنضم إليه في منزل شيرلي خلال المراحل الأولى من الزواج.
العروس تمسك باقة وىد وتقف جنبها امرأة في الحفلصدر الصورة
التعليق على الصورة،كانت هناك 7 فقط من تلك الزيجات التعددية ضمن حفل زفاف جماعي ضم 55 زواجًا في عيد الفصح بكنيسة القداسة الخمسينية الدولية
رغم أن تعدد الزوجات يُمارس تقليدياً في بعض الثقافات في جنوب أفريقيا، إلا أنه يثير انقساماً بين الناس في البلاد. وقد سلطت برامج الواقع في السنوات الأخيرة الضوء على حياة العائلات المتعددة الزوجات، وأثارت نقاشات حول مدى ملاءمة هذه الممارسة في العصر الحالي.
وقال البروفيسور موسى زولو، الخبير الديني في لجنة حقوق المجتمعات الثقافية والدينية واللغوية في جنوب أفريقيا، إن من الشائع أن نلتقي بعائلات في زيجات تعددية تضررت بشدة في المراحل الأولى من وباء فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، الذي عصف بالبلاد.وأضاف لبي بي سي أن الوضع استقر، على الرغم من أنه لا يزال يمثل "مشكلة كبيرة".
وقال ماكوانا إن كنيسة القداسة الخمسينية الدولية قد تناولت هذه المسألة بشكل مباشر، حيث وضعت تدابير منذ حوالي عقد من الزمان لحماية الأزواج الذين أقدموا على الزيجات المتعددة من فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز بعد تجربة إحدى العائلات، التي كانت بمثابة "جرس انذار" لقيادة الكنيسة.
ويجب على الأشخاص الذين يعتزمون الزواج إجراء فحص فيروس نقص المناعة البشرية أولاً.
وقال: "لا يمكن المضي قدماً دون المرور بهذه العملية، لذلك لن تكون هناك مفاجآت في المستقبل".
ويجب على الزوجين أن يخبرا بعضهما البعض بنتائج اختبار الإيدز، ويقررا ما إذا كانا سيستمران، ثم تقوم الكنيسة بحفظ النتائج في السجلات.
وأضاف أن هذه "الشفافية بنسبة مئة في المئة" أدّت أيضاً إلى تقليص عدد حالات الطلاق التي كانت تحدث في كثير من الأحيان عندما يتم الكشف عن الخداع.
وقال البروفيسور زولو إن الكنائس مثل كنيسة القداسة الخمسينية الدولية، على الرغم من أنها تتبنى "نهجاً انتقائياً للمسيحية، نصف مسيحي ونصف أفريقي"، إلا أنها لديها مبررات عقائدية لتقاليدها بالإضافة إلى "آليات حل النزاعات الداخلية".
وقال: "إنهم سوف يساعدون العائلات التي تعاني من ضائقة".
وتشارك كنيسة القداسة الخمسينية الدولية بشكل كبير في عملية التدقيق بعد قبول عرض الزواج، وتستغرق العملية عدة أشهر، وتشهد ثلاثة مراسم ما قبل الزواج.
وقال ماكوانا إنه خلال هذا الوقت يتم "إخضاع الأزواج لعملية روحية للتأكد من أنهم يعرفون ما يلتزمون به".
ومعظم الأزواج يكونون غرباء نسبياً قبل تقديم عرض الزواج الرسمي، كما كان الحال بالنسبة لفريدي ليتسوالو، البالغ من العمر 35 عاماً، ورينداني مايمو، البالغة من العمر 31 عاماً.
وقد عقدا قرانهما في زوربيكوم خلال عيد الفصح، وكلاهما يتزوج لأول مرة.
وقال ليتسوالو إنه رأى عروسه لأول مرة في حفل زفاف أحد أصدقائه منذ ما يقرب من عقد من الزمان، والذي تم الاحتفال به أيضاً في أحد مراسم الزواج الجماعي.
لكنهما "لم يتحدثا أو يفعلا أي شيء آخر" بعد لقائهما الأول، حسبما قال لبي بي سي.
ومضى قائلاً: "لقد كان حباً من النظرة الأولى، ولكن تذكروا، نحن نعرف تعاليم كنيستنا".
عروس تمشي على الشريط الأبيض وخلفها ال
التعليق على الصورة،قالت رينداني مايمو لبي بي سي إنها نشأت في الكنيسة، وكانت تعلم دائمًا أنها قد تكون "زوجة أولى أو ثانية"
وبينما أصبح الاثنان فيما بعد صديقين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فقد اقتصرت تفاعلاتهما على التهاني بعيد الميلاد، وكان ذلك حتى ديسمبر/كانون الأول من عام 2024 عندما بدأ ليتسوالو تنفيذ خطته، حيث نبه أسرته أولا ثم قيادة الكنيسة إلى نواياه.
"لم أكن أعلم أنه مهتم بي، وعندما أدركتُ ذلك شعرتُ بالحماس، فلطالما حلمتُ بيوم زفافي"، هكذا أخبرتني مايمو، التي نشأت في الكنيسة، قبل الزفاف وهي خجولة.
لقد تحقق حلمها، وبدت رائعة الجمال قبل أن تسير في الممر مع 9 من وصيفات الشرف في ثوب مرصع بالكريستال وتاج وذيل فستان الزفاف الذي يبلغ طوله عدة أمتار.
وفي حين يركز الزوجان حاليًا على حياتهما الجديدة معًا، فإن كلاهما على استعداد لاحتضان تعدد الزوجات إذا سنحت الفرصة المناسبة في المستقبل.
وقالت مايمو: "أعلم أن هناك احتمال أن زوجي سوف يرغب في الدخول في زواج متعدد، وأنا أؤمن بتعدد الزوجات".
وجهة نظر قد تكون مثيرة للجدل بالنسبة للعديد من مواطني جنوب أفريقيا.