وجهت السلطة القضائية في العراق المحاكم بمتابعة وتدقيق عقود الزواج ذات المهور المرتفعة بعد تسجيل مهور بمبالغ كبيرة جدا، محذرة من استغلال القضاء من خلال تلك العقود "الوهمية" في أسلوب جديد لغسل الأموال وتهريبها، مشددة على المحاسبة القانونية للحد منها. ووثقت المحاكم العراقية في السنوات الأخيرة ارتفاعا غير مسبوق في المهور، يصل أحيانا الى أكثر من مليار دينار عراقي، وقد تكررت الحالات في العديد من محاكم البلاد، وهو ما عد ظاهرة مبتكرة مريبة قد تتم لأجل غسل الأموال من قبل الفاسدين.
وأمس الأحد، ووفقا لكتاب صادر عن رئيس مجلس القضاء فائق زيدان، تداولته وسائل إعلام محلية، فإنه "بالنظر لخطورة جريمة غسل الأموال ومن إحدى صورها استغلال القضاء من خلال مراجعة محاكم الأحوال الشخصية وتسجيل عقود زواج وهمية وإدراج مهور زواج مرتفعة جدا ومن ثم إيقاع الطلاق بعد فترة وجيزة واستحصال المبلغ، اقتضى التوجيه الى المحاكم بأنه في حال كان مهر الزواج المثبت في معاملة العقد مبالغاً فيه (مبلغا كبيرا)، يتوجب على المحكمة تكليف طرفي العقد ببيان مصدر الأموال قبل إجراء عقد الزواج".
وأضاف أنه "تم التوجيه القضائي إلى أنه في حال عدم قناعة القاضي بمشروعية مصدر هذه الأموال، واقتناعه بعدم وجود نية حقيقية للزواج، وكون العقد صورياً لغرض تمرير مبلغ المهر، يتم إحالة طرفي العقد إلى مكتب مكافحة غسل الأموال للتحقق من مشروعية مصدر المهر".
لا سقف للمهور في العراق
من جهته، أكد المختص بالشأن القانوني عماد النائلي أن خطوة القضاء جاءت بعد تسجيل الكثير من عقود الزواج بمبالغ خطيرة، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "الظاهرة تم تسجيلها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأن بعض المهور زادت عن المليار دينار عراقي، وهو مبلغ لم تعتد المحاكم في البلاد تسجيله من قبل بعقود الزواج"، وأكد أن "المشرع لم ينص لا في الفقه ولا في القانون على مساءلة أحد طرفي عقد الزواج عن سبب ارتفاع قيمة المهر"، مشيرا إلى أن "القانون لم يحدد سقفا معينا للمهر وإجراءات الزواج، ولا توجد حدود عليا لعمليات التحويل المالي المتعلقة في هذا الجانب، ما يجعل هذه الطريقة سهلة ومتاحة لمن يمتلك المال ويريد تحويله بسهولة إلى الخارج".
وأشار إلى أن "الافتراض هو أن من يأتي بهذه القيمة المالية نطالبه ببراءة ذمة من دائرة الضريبة لنعرف طبيعة عمله"، داعيا إلى أن "تكون هناك محددات قانونية بأن تكون هناك وثائق رسمية تثبت أن صاحب العقد غير مطلوب للمال العام، أو متورط بملفات فساد، أو عليه مبالغ للمحاسبة الضريبية وغير ذلك"، واعتبر أن "الظاهرة غير صحية ومثيرة للريبة، وهي لا تتناسب مع التقاليد العراقية ولا الدين".
خطوات حكومية عراقية لمكافحة غسل الأموال
من جهته، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي مقداد المسعودي أن "خطوات العراق جيدة باتجاه مكافحة غسل الأموال بكافة أساليبه"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أنه "من المرجح أن تكون تلك العقود هي وهمية لأجل عمليات تهريب الأموال بشكل قانوني"، وأشار إلى أن "الإجراءات الحكومية تؤكد سعي العراق للامتثال للوائح غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي تتماشى مع توصيات دولية تهدف إلى تعزيز سلامة النظام المالي الدولي ومكافحة الأنشطة المالية المشبوهة".
ويأتي هذا القرار في إطار جهود العراق لمكافحة غسيل الأموال، التي تضمنت أساليب عديدة وأثرت على الوضع المالي للعراق. وسبق أن اتخذ العراق أخيرا خطوات وقرارات لملاحقة غسيل الأموال، وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد رحبت بالتحركات العراقية بهذا الاتجاه، وفي الوقت الذي مارست فيه واشنطن ضغوطا على العراق في سبيل منع تهريب الدولار إلى إيران، وسعت إلى تحسين معايير الامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعرض التعاون المستمر في تحديث القطاع المصرفي.