مصر بين الاستدانة والخصخصة: السيسي يعيد تاريخ الخديوي إسماعيل بكل تفاصيله

في الأحد ٠٤ - مايو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في 3 مايو 2025، تلتقي مصر مع تاريخها القديم، حيث يمر مئة وخمسون عامًا على تأسيس “صندوق الدين” في عهد الخديوي إسماعيل، ذلك الصندوق الذي كان بمثابة بداية الاستعمار المالي الأوروبي، الذي فرض وصاية اقتصادية على البلاد.

اليوم، نجد أن السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي تبدو وكأنها تعيد تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبها سابِقوه، حيث تزداد الديون ويتزايد الاعتماد على القروض الدولية في ظل مشروعات ضخمة لا تحقق أي إصلاحات جوهرية.

موقع “أخبار الغد” يسلط الضوء على آراء مختلف المواطنين والخبراء الذين يرون أن مصر تقف عند مفترق طرق تاريخي، حيث يواجه الشعب المصري تحديًا غير مسبوق في ظل تزايد الديون وبيع الأصول، بينما تحاكي السياسات الحالية سيناريوات الماضي، ما يفتح المجال للتساؤل عن مصير الدولة ومستقبلها المالي.

وعلى الرغم من مرور عقود، يثير تكرار السياسات الاقتصادية في مصر تساؤلاتٍ حول العودة إلى مستنقع الاستدانة والتبعية.

البداية: مفارقة التاريخ والتوازي بين الماضي والحاضر
كانت بداية انطلاق صندوق الدين في يوم 3 مايو عام 1876، الذي أسس لحقبة من الاستعمار المالي، ومع تطبيق سياسات مشابهة من قبل النظام الحالي بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يظهر تكرارٌ لسيناريو قديم يشبه إلى حد بعيد وضع الخديوي إسماعيل الذي غرق في دوامة الديون.

في مقال تحليلي بعنوان “السيسي .. الخديوي إسماعيل الجديد؟“، رصدت مجلة Conflits الفرنسية كيفية تشابه السياسات الاقتصادية بين الحقبين.

يتساءل المقال: هل سيكون مصير السيسي مشابهًا لمصير الخديوي إسماعيل، حيث تنهار البلاد بسبب الاستدانة غير المترشّحة؟

الآراء حول الوضع الحالي وتأثير الاستدانة على مستقبل مصر:
سياسات الاستدانة: تكرار أخطاء الماضي وتهديد للاستقرار المالي
أكد الدكتور أحمد المليجي، أستاذ الاقتصاد بإحدي الجامعات، أن ما يحدث الآن في مصر ليس مجرد حالة من استدانة جديدة، بل هو استنساخ لمشاهد تاريخية مكررة.

فعلى الرغم من الوعود بالاستثمار والتطوير، فإن العجز المالي يُصاحب الجميع، حتى وإن بدت المشاريع ضخمة. الأمور الاقتصادية لا تقاس بالكماليات، بل بالاستدامة. والآن، بينما ينفق النظام على مشروعات ضخمة في غير مكانها، يرتفع الدين الخارجي بشكل غير مسبوق.

أشارت سارة عبد الرازق، الناشطة السياسية، إلى أن الأوضاع الحالية في مصر تشير إلى أن البلاد تتجه نحو نفس المسار الذي انتهت إليه فترة الخديوي إسماعيل.

وقالت: السيسي اليوم يكرر أخطاء التاريخ، حيث يضيع فرصة الإصلاح الاقتصادي الحقيقي بينما يغرق في ديون جديدة وشروط قاسية من المؤسسات الدولية. في النهاية، الشعب هو من يدفع الثمن.

أوضح الدكتور خالد الشاذلي، الخبير الاقتصادي، أن المشروعات الضخمة التي يطلقها الرئيس السيسي تعتمد بشكل رئيسي على التمويل الخارجي، وهو ما يعني المزيد من الاستدانة.

وأضاف: لن يستطيع الاقتصاد المصري أن يتحمل هذه الديون المفرطة. في وقت ما، ستسقط قيمة الجنيه ويصل الوضع إلى نقطة حرجة.

أكد مصطفى الجندي، الناشط الحقوقي والخبير الاقتصادي، أن ما يحدث الآن هو استنساخ لمرحلة الخديوي إسماعيل. وأشار إلى أن الرؤية الاقتصادية الحالية لم تتضمن إصلاحات جذرية أو تغييرات هيكلية حقيقية، بل هو تكرار لفكرة المشاريع الكبرى التي ستؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة: المزيد من القروض الخارجية والأعباء على المواطن.

أوضح يحيى الزهيري، خبير السياسات الاقتصادية، أن الوضع الحالي في مصر يشير إلى أزمة حقيقية. وقال: لا يمكن أن تستمر سياسة الاستدانة بلا حساب. يجب أن نفكر في بدائل اقتصادية حقيقية غير القروض الدولية.

الخصخصة وبيع الأصول: هل تعود مصر إلى التبعية الاقتصادية؟
أشار أحمد يوسف، رجل الأعمال، إلى أن المستثمرين الأجانب يمكنهم أن يحققوا مكاسب ضخمة على حساب الشعب المصري في ظل السياسات الحالية. وقال: إن فرص الخصخصة وبيع الأصول الوطنية تجعل السوق المصري مغريًا للمستثمرين، ولكن على حساب مصلحة المواطن المصري.

أشار الدكتور كريم العريان، الخبير في الشؤون المالية الدولية، إلى أن صندوق النقد الدولي يلعب دورًا محوريًا في السياسة الاقتصادية المصرية. وقال: اليوم، مثلما كان صندوق الدين في عصر الخديوي، بات صندوق النقد الدولي يُفرض عليه شروطًا قاسية، وهو يتحكم في مصير الاقتصاد المصري.

أوضح سامي حسن، مهندس معماري، أنه يشعر أن مصر بدأت تتراجع في مسألة السيادة الاقتصادية. وقال: المشاريع الجديدة هي مجرد واجهة ترويجية، بينما تتزايد الديون وتفقد مصر سيادتها على اقتصادها.’

أكدت هند عز الدين، المحللة السياسية، أن الواقع السياسي في مصر قد يكون في طريقه لتكرار أخطاء الماضي. وقالت: نعيش اليوم نفس الشروط التي فرضتها الدول الأوروبية على مصر في القرن التاسع عشر. السيسي يتبع نفس الطريق الذي سار عليه الخديوي إسماعيل، مع فارق واحد وهو القمع السياسي.

أكد طارق عبد العزيز، المستشار القانوني، أن قوانين الخصخصة والتسهيلات للمستثمرين الأجانب قد تؤدي إلى بيع الأصول الحيوية في مصر.

وقال: إذا استمرت هذه السياسات، سيكون لدينا تبعية مالية كاملة، وهو ما لا يمكن أن يقبله أي مواطن مصري.

التاريخ يعيد نفسه: هل تكرر مصر فخ الخديوي إسماعيل؟
أوضحت ياسمين حسني، مواطنة من القاهرة، أن المواطنين لا يشعرون بتحسن حقيقي رغم الوعود. وقالت: نحن نرى الأسعار في ازدياد مستمر، ولا نرى أي تحسن في مستوى المعيشة. كل هذه المشاريع الضخمة لا تهمنا في شيء، بل نحن بحاجة لتحسين حياتنا اليومية.

أكد الدكتور محمد عماد، أستاذ التاريخ الحديث، أن الحكومة الحالية لا تدرس دروس التاريخ، وأوضح أن الاستدانة الأوروبية في عهد الخديوي إسماعيل كانت بداية انهيار كبير. اليوم نرى نفس السياسات تتكرر، وقد نصل إلى نفس النتيجة إذا لم يُتخذ موقف حاسم نحو السيادة المالية.

أوضحت فاطمة الكومي، أستاذة الاقتصاد، أن المواطن المصري هو من يدفع الثمن. فالديون تتزايد، والعملة المحلية تتراجع، والتضخم يصل إلى مستويات خطيرة. لا يمكن أن تستمر هذه السياسات على المدى الطويل دون أن تكون لها تبعات اقتصادية قاسية.

أكد يوسف عبدالله، موظف حكومي، أن معظم الناس لا يثقون في السياسات الاقتصادية الحالية. وقال: لقد تعودنا على الوعود الكبيرة، ولكن في النهاية نعيش في أزمة اقتصادية مستمرة. الأسئلة التي يطرحها الناس هي: ماذا تغير؟ ولماذا تزداد الأوضاع سوءًا؟

أوضحت عبير مصطفى، محامية، أن النظام الحالي يتجاهل الأثر الطويل المدى للديون. وقالت: الديون ستؤثر في الأجيال القادمة. علينا أن نتوقف عن إغراق البلاد في ديون ضخمة دون خطة واضحة للخروج من الأزمة.

المستقبل المجهول: بين الأمل في الإصلاح والانهيار المحتمل
بينما يتزايد القلق حول مسار الاقتصاد المصري، حيث يشير إلى أن سياسات الاستدانة والخصخصة الحالية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة إذا لم تُتخذ خطوات جادة نحو الإصلاح الهيكلي.

تظل الأسئلة عميقة وجوهرية هل تتكرر أخطاء الماضي لتضع مصر في نفس المأزق الذي أوقعها فيه الخديوي إسماعيل؟ أم أن هناك بصيص أمل في إصلاح حقيقي قادر على تجاوز هذا الدمار؟

وبينما يشير العديد من الخبراء والمواطنين إلى تكرار أخطاء الماضي، تبقى الإجابة على السؤال الكبير معلقة هل ستكون مصر قادرة على تجنب تكرار تاريخها المظلم، أم أننا في طريقنا إلى العودة لنفس الأخطاء التي حددت ملامح معاناتنا في السابق؟

وتبقى الأزمة الاقتصادية تحديًا كبيرًا أمام الحكومة والمجتمع المصري بأسره، ويجب على جميع الأطراف النظر في تاريخهم بدقة قبل أن يعود إليهم الانتقام من فواتير الماضي.