حذّر خبراء اقتصاد، في أحاديث مع "العربي الجديد"، من أن زيادة حيازات الأجانب واستحواذهم على مزيد من أدوات الديون المصرية، ورغم أن الهدف منها زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، وضبط أسعار العملات، إلّا أنه قد يكون له وجه آخر، هو غسيل الأموال عبر هؤلاء الأجانب، أو المؤسسات الأجنبية في ظل حالة الضبابية التي تخيّم علي الهوية الحقيقية لمن يشترون هذه الديون.
وزاد المستثمرون الأجانب حيازاتهم من أدوات الدين الحكومية مجدداً بعد أن كانت الاستثمارات الأجنبية قد شهدت انخفاضاً طفيفاً في بداية شهر مارس/ آذار على خلفية استحقاق أذون الخزانة لأجل عام.
وارتفعت حيازة الأجانب من أدوات الدين العام من 38 مليار دولار، في الربع الأول من العام الماضي، إلى 39.3 مليار دولار في نهاية يونيو 2024، ثم ارتفعت مجدداً إلى 41.3 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2024، وفقاً لبيانات وزارة المالية المصرية.
وقالت الوزارة في التقرير نصف السنوي للأداء المالي للموازنة المصرية 2024-2025 إن قيمة الاستثمار الأجنبي في سندات الخزانة طويلة الأجل وصل إلى 8.3 مليارات دولار في نهاية 2024 مقارنة بـ1.6 مليار دولار في يونيو حزيران 2024.
ضبابية حول شراء الديون المصرية
وقال الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي إنّ اللجوء إلى الأموال الساخنة والمستثمرين الأجانب، بموجب آلية شراء ديون الحكومة، ليس مؤشراً ايجابياً، لأنّ ما يحكم وجود الأجانب في هذه السوق هو سعر الفائدة والفترة التي يخرجون فيها بسرعة من السوق المصرية بعد تحقيق أرباح سريعة.
أوضح لـ "العربي الجديد" أن شراء الأجانب للديون المصرية تسوده "الضبابية"، والمؤسسات الأجنبية التي تقبل شراء الديون في مصر تحتاج أن نطرح أسئلة هامة بشأنها مثل: "هل تقوم هذه المؤسسات بعمليات غسل أموال، عبر شراء الديون المصرية، وبالتالي فشراؤها ديوناً مصرية هي عملية قذرة تنتهي بغسيل الأموال؟".وتابع أن جنسيات هذه المؤسسات التي تشتري الديون غامضة، ومن الممكن أن يكون بعضها تابعاً لدول خليجية داعمة لمصر، وتستهدف تقليص تقديم ديون لمصر، في صورة ودائع بالبنك المركزي، وتلجا لآلية سهلة هي شراء الدين بغرض الربح، وهو ما يؤدي لارتفاع معدلاته التي وصلت لاستحواذ الأجانب على 38 مليار دولار من أصل ديون مصر.
وأشار إلى أن هذه الأموال الساخنة، وشراء الديون هي مشكلة أكثر من كونها حلاً، لأنّ مصر لجأت أكثر من مرة إلى الأموال الساخنة، وهذا الإقبال على سوق الديون المصرية من الأجانب لا يشير إلى أداء جيّد للاقتصاد المصري، لأنّ هذا الاقتصاد لو كان جيداً ما لجأ أصلاً لاستخدام آلية الديون.
لكن مصر تلجا إلى هذا الآلية كي توفّر معروضاً من النقد الأجنبي يساعدها على استقرار سعر الصرف الأجنبي، ولزيادة احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي، وفي هذه الحالة يكون هذا المؤشر، أي شراء الأجانب للديون، غير معبر عن حقيقة الأداء الاقتصادي؛ لأن المفترض أن يكون احتياطي النقد الأجنبي من موارد ذاتية لا من الديون.
لماذا 41.3 مليار دولار؟
وشهد مارس/ آذار الجاري زيادة في حيازة الأجانب للدين الحكومي، ورُفع حجم حيازاتهم إلى 41.3 مليار دولار، وسط زخم كبير في سوق الدين الحكومي، إذ اشترى المستثمرون الأجانب أدوات دين حكومية تخطت قيمتها ملياري دولار.
وكانت حيازات الأجانب من أذون الخزانة المصرية، قد قفزت لتصل إلى 35.5 مليار دولار في إبريل الماضي، وهو ما يعني ارتفاعاً بنحو 180% منذ بداية العام، بحسب بيانات البنك المركزي المصري، وبلغت حيازة الأجانب لأذون الخزانة المصرية بنهاية العام الماضي 12.7 مليار دولار.ويوم 18 مارس الماضي، ضخ الأجانب والعرب 1.23 مليار دولار في السوق الثانوية للدين الحكومي المصري ليرتفع صافي مشترياتهم خلال أسبوع إلى 2.5 مليار دولار، بحسب بيانات البورصة المصرية.
وأشارت بيانات البورصة إلى استثمار الأجانب، سواءً العرب أو الجنسيات الأخرى، في الديون المحلية لمصر نحو 18.2 مليار دولار خلال العام الماضي 2024، منها نحو 3.58 مليارات دولار للعرب، و14.62 مليار دولار، للأجانب والصناديق الدولية.
ويرجع خبراء الإقبال الكبير من المستثمرين الأجانب على شراء الديون المصرية إلى تراجع التضخم، وتوقعات بخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة، ما يدفعهم إلى شراء أدوات الدين، لكنّهم يشيرون لتركيز الشراء على أذون الخزانة لأجل 91 يوماً، بسبب التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
لكن توقعات اقتصادية جديدة تشير لاحتمالات تأثير رسوم ترامب التي أربكت العالم على هذه الحيازة، لو استمر ارتباك الأسواق العالمية، على شراء الأجانب أذون وسندات الخزانة المصرية، واحتمالات انخفاضها.