مُبارك وائتلاف المنُظمات المصرية فى المهجر نموذجاً للداخل المصرى

سعد الدين ابراهيم في السبت ٢٢ - أغسطس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 
نظم المصريون فى أمريكا الشمالية عدة أنشطة تزامنت مع زيارة الرئيس محمد حُسنى مُبارك للعاصمة الأمريكية واشنطن يومى ١٧ و١٨ أغسطس ٢٠٠٩.
فمن ناحية كانت أخبار باستعدادات مُنظمات المصريين فى الخارج للزيارة معروفة، سواء للسفارة المصرية فى واشنطن أو للسُلطات المصرية فى القاهرة. ومن ناحية أخرى دأبت كل من السفارة والمسؤولين فى القاهرة، والكنيسة القبطية (من خلال البابا شنودة ومبعæعوثه الخاص إلى أقباط المهجر وهو الأنبا يؤانس) على صرف الأقباط عن المُشاركة فى أى عمل احتجاجى ضد الرئيس مُبارك أثناء تلك الزيارة.
وضمن ما فعله النظام لتفريق المنظمات المُشاركة فى الائتلاف، إرسال كل مدفعيته الثقيلة، لتبديد وحدة المُنظمات التسع المُشاركة فى ائتلاف ٢٨ فبراير. فقد شهدت العاصمة الأمريكية فى الشهور الستة التالية لولادة ائتلاف ٢٨ فبراير وزيارة الرئيس مُبارك زيارات تمهيدية، على التوالى من الشخصيات التالية:
١ـ السيد أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية.
٢ـ السيد جمال مُبارك، نجل الرئيس وقطب الحزب الوطنى الحاكم.
٣ـ وفد من لجنة السياسات بنفس الحزب، شارك فيه د. حسام بدراوى، ود. عبد المنعم سعيد، والمُحامية مُنى ذو الفقار.
٤ـ وفد برلمانى برئاسة د. مُصطفى الفقى.
٥ـ وفد كنسى قبطى برئاسة الأنبا يؤانس.
ورغم أن هذه الوفود ربما كان لها مهام أخرى، إلا أن مُهمة مُشتركة بينها جميعاً كانت تشتيت، وتبديد، وشرذمة ائتلاف ٢٨ فبراير، قبل زيارة الرئيس مُبارك. وكاد بعضهم ينجح فى ذلك بالفعل فى أعقاب وفاة حفيده (محمد علاء مُبارك) وحالة الحزن التى شاركه فيها مُعظم المصريين فى الداخل والخارج، ومنهم هذا الكاتب.
ولكن لأن لكل شىء نهاية، فكذلك فترة الحداد على حفيد الرئيس، الذى عاد لنشاطه المُعتاد بعد الأربعين. ولذلك استأنف تحالف ٢٨ فبراير بدوره نشاطه فى السعى للإصلاح السياسى فى الوطن الأم.
وكان لهذا النشاط محوران، أولهما موجّه للداخل المصرى. فكتبوا للسفير المصرى وللرئيس مُبارك شخصياً بمطالبهم الإصلاحية، والتى هى نفس مطالب الحركة الوطنية المصرية، وأهمها:
١ـ إنهاء العمل بقانون الطوارئ.
٢ـ استعادة القضاء المصرى لاستقلاله الكامل.
٣ـ الإفراج عن المُعتقلين السياسيين أو تقديمهم لمُحاكمات عادلة أمام قضاتهم الطبيعيين ـ وليس أمام محاكم أمن دولة أو محاكم عسكرية أو طوارئ.
٤ـ إطلاق الحُرية الكاملة لوسائل الإعلام.
٥ـ إطلاق حُرية إنشاء الجمعيات والأحزاب.
٦ـ الإسراع بإصدار القانون الموحد لدور العبادة.
٧ـ إلغاء المادتين ٧٦ و٨٨ من الدستور، من خلال استفتاء عام تحت إشراف دولى، وإلا فإنه لا يُعتد بشرعية الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ولأن المطلب السابع لا يُذكر بالمرة فى الصحافة الرسمية، ولا يتكرر كثيراً فى الصحافة المُستقلة، فإنه يستحق بعض التفصيل.
فالمادة ٧٦ تم تعديلها عام ٢٠٠٥، ضمن تعديلات ٣٣ مادة أخرى. ورغم أن كل تلك التعديلات وُلدت ولادة قيصرية، أو مُبتذلة، فإن أكثرها «فجوراً» كان المادة ٧٦، الخاصة بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية. فقد جاءت هذه الشروط تعجيزية، وتفصيلاً على شخصين، هُما الرئيس ونجله. ولتعمّد صياغة المادة على «مقاسهما»، فقد جاء منطوقها فى حوالى ثلاثمائة كلمة ليجعلها أطول مادة، لا فقط فى أى دستور مصرى منذ عام ١٨٦٥، ولكن أيضاً فى أى دستور فى العالم المُعاصر. فعادة لا يتجاوز منطوق أى مادة فى الدستور أو القانون ثلاثين كلمة (٥ سطور).
فلماذا تعمّد «ترزية القوانين» فى الحزب الوطنى هذه الصياغة الطويلة والغريبة؟
حينما يكون المطلوب من الناخب أن يقرأ صفحتين، بهما عشرة شروط للترشح للمنصب الرئاسى، ويُطلب منه أن «يوافق» عليها جميعاً أو «لا يوافق» عليها جميعاً جُملة واحدة، فهذا هو الابتذال نفسه. لأن الطبيعى أن يكون بين هذه الشروط ما يوافق عليه (مثل شرط العُمر وهو ٤٠ عاماً) بينما يكون بينها ما لا يوافق عليه (مثل عضويته فى قيادة أحد الأحزاب الشرعية!).
ماذا لو كان الشخص مُستقلاً مثل د. أحمد زويل أو د.محمد البرادعى؟. على أى الأحوال فإن مُجمل ما يُطالب به ائتلاف ٢٨ فبراير، قد تجاهله الرئيس مُبارك تماماً. فقرر الائتلاف الاحتجاج فى مُظاهرة أمام البيت الأبيض يوم ١٨ أغسطس، وأثناء اجتماع الرئيسين المصرى والأمريكى.
وكانت السفارة المصرية تعلم موعد الزيارة، واحتفظت بها سراً إلى يوم ٤/٨. وحينما بادر ائتلاف ٢٨ فبراير بالاتصال بشرطة العاصمة للحصول على تصريح للتظاهر أمام البيت الأبيض، ردت الشرطة بأن السفارة المصرية، من خلال تنظيمات «وهمية» قد حجزت كل الأرصفة المُحيطة بالبيت الأبيض. وبالتالى لم يكن أمام المُنظمات التسع التى يتكون منها ائتلاف ٢٨ فبراير سوى عمل شيئين لإسماع أصواتهم لكل من الرئيسين أوباما ومُبارك:
أولاً، عقد مؤتمر صحفى فى نادى الصحافة بواشنطن فى اليوم السابق للزيارة (١٧/٨)، للحديث عن المطالب السبعة المذكورة أعلاه، إضافة إلى مطالب تقدمت بها تنظيمات أبناء النوبة.
ثانياً، الطعن القانونى على تصرف شرطة واشنطن لمنحها تصاريح بالجُملة لمُنظمات وهمية لا وجود لها إلا على الورق. وبالفعل اضطرت الشرطة إلى أن تطلب من هذه المُنظمات الموالية للسفارة ما يُفيد جديتها من حيث الوجود القانونى وحجم عضويتها. وألغت بالفعل أحد هذه التصريحات، ومنحته لائتلاف ٢٨ فبراير.
صحيح أن الرصيف الذى حصل عليه الائتلاف كان الأبعد عن البوابة الرئيسية للبيت الأبيض، التى استخدمها الرئيس مُبارك للدخول والخروج، على أمل من الذين خطّطوا للسفارة، ألا يرى الرجل المُتظاهرين المُحتجين أو يقرأ اللافتات التى تذكر المظالم، وتُندّد بسياساته، وترفع المطالب السبعة.
ولكن عوّض الائتلاف ذلك (١) بالعدد الأكبر، وهو حوالى ألف مُتظاهر، مُقابل الموالين للسفارة، والذين لم يتجاوز عددهم المائة. (٢) الهتافات الأعلى صوتاً ورنيناً، والتى كان لا بد أن يسمعها الرئيس مُبارك (٣) الموسيقى والأغانى الاحتجاجية ذات الوقع المؤثر، والتى جاء فى إحداها:
ديمقراطية، ديمقراطية
لا عصبية ولا طائفية
أم الحضارة والمدنية
مصر القدوة مية المية
لقد كان مشهد وأداء مُنظمات الائتلاف رائعاً ـ سواء فى المؤتمر الصحفى أو قُرب البيت الأبيض. وكان الأقباط هم الأغلبية فى المُظاهرة، لأنهم الأكثر عدداً فى الولايات المتحدة، ويشعر أقاربهم فى مصر بظلم أكبر.
ويليهم فى ذلك أبناء النوبة، و»القرآنيون»، والإخوان المسلمون. ولكن ذلك لم يمنع المُنظمات المدنية الأخرى ـ مثل أصوات من أجل مصر ديمقراطية، وروابط المصريين الأمريكيين، و»مركز ابن خلدون» و»المصريون الأمريكيون المستقلون»، ومنُظمة كل الناس، من لعب دور بارز فى هذا الاحتجاج التاريخى غير المسبوق على الساحة الأمريكية، فى شؤونه وتأثيره الإعلامى الواسع.
إن ما نجح فيه ائتلاف ٢٨ فبراير، كان نتيجة عدة عوامل، منها ديمقراطية اتخاذ القرار، والشفافية الكاملة، وتناوب القيادة، والموضوعية والدقة الشديدة فيما يصدر عن الائتلاف من معلومات وبيانات، وهو ما أكسب الائتلاف أيضاً ثقة الكونجرس، والإعلام الأمريكى، ومسؤولى البيت الأبيض والخارجية والمُنظمات الحقوقية الأمريكية.
لقد تفقّد بعض أعضاء الوفد الصحفى المصرى المُرافق للرئيس ـ مثل الأستاذة فريدة النقاش والأستاذ حمدى رزق ـ وقائع المؤتمر الصحفى والمُظاهرة.
وأظن أنهما وغيرهما يشهدون للائتلاف بروح المسؤولية والتهذيب وعدم الابتذال. حتى إن بعض من أرادوا التلويح بالأحذية أمام الموكب الرئاسى، تم منعهم، بل وإخراجهم من المُظاهرة تماماً.
إن تجربة ائتلاف ٢٨ فبراير جديرة بالمُحاكاة من قوى المُعارضة والمُجتمع المدنى فى مصر والوطن العربى. فمثلها مثل غيرها من المُبادرات الناجحة هى الأمل فى تعبير سلمى يُجنب الوطن والأمة مغبّة العُنف والانفجار.. وعلى الله قصد السبيل.
اجمالي القراءات 9692