مصر من أسوأ 10 دول في العالم بالنسبة للعمال"، كانت هذه خلاصة آخر تقرير لـ"مؤشر الحريات النقابية العمالية" في المنطقة العربية في تصنيفه مصر الصادر في 10 مارس/آذار 2025، والذي رصد الحريات النقابية والعمالية خلال عام 2024. ووفقًا للتقرير الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، جاء تصنيف مصر ضمن أسوأ عشر دول في العالم بالنسبة للعمال، وفي المركز الأخير، وبأسوأ تصنيف وهو (5) الذي يشير إلى أنه "لا ضمان للحقوق" في هذا البلد ضمن "تصنيف 5".
ورصد تقرير مؤشر الحريات النقابية لعام 2024، الذي يصدره "الاتحاد العربي للنقابات"، 18 انتهاكًا للاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر بشأن الحريات النقابية وعلاقات العمل العادلة، تحت عنوان "لا ضمانات للحقوق". وهذه ثالث مرة منذ عام 2022 تحتل مصر نفس هذا "التصنيف الخامس"، الأسوأ في المؤشر الدولي للحقوق والحريات، ضمن التقرير السنوي بشأن الحريات النقابية في المنطقة العربية، حيث حازت نفس التصنيف عامي 2022 و2023.
وتعني المجموعة ذات التصنيف العالي (5) أن العمال في البلاد ليس لديهم الحق في التعبير عن آرائهم الجماعية بسبب فشل الحكومة في ضمان الحقوق. و"المركز العربي للنقابات"، الذي أصدر التقرير، هو جزء من الاتحاد الدولي للنقابات العمالية، ويصدر سنويًا "مؤشر الحريات النقابية"، الذي يتكون من خمسة تصنيفات، من رقم 1 إلى 5، حيث 1 هو "الأفضل"، و5 "الأسوأ"، وفقًا لتقييم أداء الدول من حيث التزامها بالمعايير الدولية للحريات النقابية وعلاقات العمل العادلة.
ولا يؤخذ مستوى التنمية الاقتصادية وحجم أو موقع البلد بالحسبان نظرًا لأن الحقوق الأساسية تُعتبر عالمية، ومن حق جميع العمال في كافة أنحاء العالم أن يحظوا بها. ويرتكز التقرير في توثيق الانتهاكات على "معايير الحقوق الأساسية في العمل"، وبالتحديد "الحق في حرية التجمع" و"الحق في الإضراب"، وبناءً على تلك المعايير، رصد التقرير انتهاكات مصر للاتفاقيات الدولية في عدة نقاط.
وبحسب مؤشر الحريات النقابية، تمثلت أبرز السلبيات، في ما يخص الحريات النقابية في مصر، في أن قانون النقابات العمالية (رقم 213 لسنة 2017) يتيح حق تكوين المنظمات النقابية، وحرية ممارسة النشاط النقابي، ويحظر أي تمييز في ذلك، "إلا أن الممارسة العملية تعكس غير ذلك"، وفق التقرير. ويقول التقرير إن "هناك أحكامًا ووثائق قضائية تتضمن عدم قانونية تأسيس نقابات مستقلة للعاملين في قطاعات مختلفة، كما أن هناك قيودًا أمام تأسيس هذه النقابات"، بخلاف الوجه المنصوص عليه في الاتفاقية (رقم 87)، فضلًا عن غياب للأحكام التي تتعلق بالعقوبات أو سبل الانتصاف.أيضًا، هناك "أشكال متكررة للقيود على العمل النقابي، مثل فرض السلطات متطلبات، بشكل مفرط وغير منطقي، على تسجيل النقابات المستقلة التي حُلَّت في عام 2018"، حتى إن 11 لجنة نقابية لا تزال في انتظار التسجيل. وفي ما يتعلق بعلاقات العمل، رصد المؤشر انتهاكات خاصة بالتمييز بين العاملين، سواء في حرمان فئات منهم من المظلة التشريعية باستبعادهم من قانون العمل، مثل العمالة المنزلية، أو التمييز ضد النساء بعدم مساواتهن في الأجور مع الرجال.
كما أشار التقرير إلى أن "هناك ارتفاعًا لسقف التدخلات في العمل النقابي من قبل السلطات"، كتحديد اختصاصات اللجان التنفيذية وإجراءات انتخاب النقابات العامة من قبل السلطات، وفرض قواعد مفصلة على عضوية اللجان التنفيذية وتحديد وظائفها، ومنح الوزير المختص صلاحية وضع لوائح النظام الأساسي، والنظام المالي، والنظام الإداري للمنظمات النقابية العمالية، وتخويله إصدار قرار بحل المجلس الإداري للمنظمة النقابية.
وأشار التقرير إلى انتهاكات أخرى لحقوق العمال في مصر على مستوى السلامة والصحة المهنية، موضحاً الانخفاض الحاد في عدد مفتشي العمل المكلفين بعمليات التفتيش في مجال السلامة والصحة المهنيتين. وذكر أن معظم أنشطة تفتيش السلامة والصحة المهنية ارتكزت على المؤسسات الكبيرة من دون الانتباه إلى المؤسسات المتوسطة والصغيرة، ما يعني توسع الانتهاكات في المؤسسات التي يقل عدد موظفيها عن (50 عاملًا).
كما أن الحكومة لا توفر معلومات حول أنشطة الرقابة في أماكن العمل التي تضم أقل من 15 عاملًا، وتخلو التقارير السنوية من أنشطة تفتيش العمل في أماكن العمل الزراعية. وركز التقرير على قضية الأجور في ظل ما هو معروف في مصر من خلل فيها وعدم مساواة، فضلًا عن عدم تنفيذ المصانع والشركات ما تعلنه السلطات من رفع للحد الأدنى للأجور، الذي وصل إلى سبعة آلاف جنيه بينما لا تزال مؤسسات تصرف ألفين وثلاثة آلاف فقط.
وقرر المجلس القومي للأجور في مصر، في فبراير/شباط الماضي، زيادة الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص ليصل إلى سبعة آلاف جنيه مصري (ما يعادل 139.36 دولارًا)، بدلًا من ستة آلاف فقط، إلا أن هناك شكاوى عمالية من أنهم لم يصرفوا الحد الأدنى السابق ولا ما قبله.
ومر الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري بتطورات منذ إقراره أول مرة في يناير/كانون الثاني 2022، إذ بدأ بـ2,400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2,700 جنيه في يناير 2023، وثلاثة آلاف جنيه في يوليو/تموز 2023، ثم 3 آلاف و500 جنيه في يناير 2024، وستة آلاف جنيه في مايو/أيار 2024، وصولًا إلى سبعة آلاف جنيه اعتبارًا من مارس/آذار الجاري.
وقد أشار التقرير إلى أن أحكام المساواة في الأجر لا تعكس بالكامل أيضًا مبدأ الأجر المتساوي للرجال والنساء عن العمل متساوي القيمة على النحو المنصوص عليه في (الاتفاقية رقم 100). وتطرق تقرير مؤشر الحريات النقابية العمالية في مصر إلى اعتقال عمال وانتهاكات بحق آخرين، وتهديدات للعمال من جانب السلطات.
وركز التقرير على انتهاك السلطات المصرية الاتفاقيات الدولية، مثل تجديد القضاء المصري فترة حبس النقابي شادي علي محمد المتهم بالانتماء لجماعات إرهابية (رغم أنه يساري)، وكذلك رفض السلطات القضائية المصرية إطلاق سراح المدون علاء عبد الفتاح رغم انتهاء مدته المقدرة بخمس سنوات. وتناول التقرير أسماء عمال ونقابيين آخرين، أمثال النقابي أحمد عبد الفتاح الأمين العام المساعد للجنة النقابية للعاملين بشركة شرق الدلتا للنقل والسياحة، والعامل سانح زكريا الموظف بهيئة الإسعاف والمعتقل منذ عام 2022.
وانتقد الاتحاد، في تقريره السنوي الصادر في العاشر من مارس 2025، حول "انتهاكات الحقوق والحريات النقابية في المنطقة العربية عام 2024"، مشروع قانون العمل الجديد، الذي يمرره البرلمان المصري حاليًا، وجرت الموافقة على 261 مادة من أصل 297 من مشروع القانون حتى 15 مارس الجاري. وأوضح أن "محاولات ضرب الصوت النقابي في مصر من خلال إصدار مشروع قانون عمل جديد يفاقم من هشاشة العلاقات المهنية ويفسح المجال لعمليات تسريح جماعية للعمال".
ويواصل مجلس النواب مناقشة مشروع قانون العمل الجديد والموافقة على أغلب مواده، وسط اعتراضات واسعة على الكثير من بنوده وعلى رأسها مواد الإضراب وخفض الرواتب ووكالات التوظيف، خشية الاعتقالات. وينظم القانون أوضاع ما يقرب من 30 مليون عامل بمنشآت القطاع الخاص، ومن المقرر أن تستكمل المناقشات في الجلسة القادمة.وتنص المادة (231) من مشروع قانون العمل الجديد على أن "للعمال حق الإضراب عن العمل للمطالبة بما يرونه محققًا لمصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية، شريطة استنفاد طرق التسوية الودية للمنازعات أولًا"، بيد أن هذا البند لا يتحقق حيث عمدت السلطات إلى اعتقال عمال أضربوا في الآونة الأخيرة وهددت آخرين. ورغم السماح بالإضراب في المادة السابقة، وُضعت المادة (232) من المشروع التي تجهض هذا الإضراب فعليًا، حيث تنص على "ضرورة إخطار صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل تاريخ الإضراب بعشرة أيام على الأقل"، ما قد يفقد الإضراب شرعيته.
كما حظرت المادة (234) الإضراب في المنشآت الحيوية التي تؤثر على الأمن القومي أو تقدم خدمات أساسية للمواطنين، من دون وضع أطر حول كيفية تحديد هذه المنشآت، بحيث تظل هذه المنشآت الحيوية مستثناة من الإضراب، ما يعطي السلطة حق تفسير أي إضراب بأنه يعطل الأمن القومي وتقمعه. وكان وزير القوى العاملة محمد جبران قد قال إن قانون العمل الجديد يعتبر تشريعًا متوازنًا ما بين أصحاب الأعمال والعمال، ويمثل نوعًا من أنواع الاستقرار والأمان الوظيفي للعامل.
وانتقد عمال ونشطاء تصريحات الوزير معتبرين أنه تصريح مُضلل، إذ إن مشروع قانون العمل الجديد ينحاز في الكثير من مواده إلى أصحاب الأعمال، كما لا يوفر آليات واضحة للأمان الوظيفي، وكذلك ينتقص فعليًا من حق العمال في الإضراب، بحسب مواد القانون وبيانات منظمات حقوقية ونقابات، على عكس ما ادعى جبران. وقال المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو أحد أكبر المراكز الحقوقية المصرية المهتمة بحقوق العمال، إن مشروع قانون العمل الجديد لا يحقق التوازن المطلوب بين حقوق العمال وأصحاب الشركات. وأكد نقابيون عماليون أن "قانون العمل يجب أن يواكب الاتفاقيات الدولية التي تكفل حرية التنظيم النقابي، الذي لا يمكن منحه في المواثيق الدولية وسلبه بالتشريعات الوطنية".