حذّرت منظمة هيومن رايتس ووتش من أن التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية العراقي يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق النساء ويُشرع الزواج غير المسجل، وكان البرلمان العراقي قد أقر قانون الأحوال الشخصية في الـ21 من يناير/ كانون الثاني الماضي، على الرغم من أنه قوبل برفض من قبل قوى سياسية وفعاليات شعبية ومنظمات مجتمع مدني، إذ يضم فقرات وبنوداً اعتبرت تفسيرات دينية لا تناسب البلاد المتنوعة ثقافياً ودينياً ومذهبياً، كما يضمّ فقرات اعتبرت أنها حد أو حرمان لحقوق الأم والزوجة، وتحيز للرجال.
وقالت المنظمة، في تقرير لها، إن "تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، الذي دخل حيز التنفيذ بعد شهور من المشاحنات القانونية والسياسية، ينتهك حقوق النساء والفتيات في المساواة أمام القانون، ويعرّضهن لخطر انتهاكات أخرى"، مؤكدة أن "الضغط والمناصرة المستمرين من قبل جماعات حقوق المرأة خففا جزئياً من الأضرار، من خلال الإبقاء على أحكام تتعلق بالحد الأدنى لسن الزواج، وحضانة الأطفال، وتعدد الزوجات، إلا أن القانون المعدل لا يزال يحتوي على أحكاما تهدد حقوق النساء والفتيات".
وقالت سارة صنبر، باحثة العراق في "هيومن رايتس ووتش": "من المحبط جداً أن نرى قادة العراق يدفعون البلاد إلى الوراء بدلاً من إحراز تقدم في مجال حقوق المرأة والفتيات، رغم أن النص النهائي يتضمن تعديلات مهمة، خاصة بما يتعلق بالحد الأدنى لسن الزواج، إلا أن هذه التغييرات لم تفّعل أكثر من تحويل القانون من فظيع إلى سيئ جداً".
ثغرة في قانون الأحوال الشخصية تسمح بزواج الأطفال
وحذّرت المنظمة من أن "التعديل يُشرّع الزواج غير المسجّل، ما يشكل ثغرة تسمح بزواج الأطفال، وهو ما وثقته المنظمة سابقاً. ووفقاً لـ"بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق"، فإن 22% من الزيجات غير المسجلة في البلاد شملت فتيات دون سن 14 عاماً.
وأشارت المنظمة إلى أن "هذا التعديل ينتهك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي صادق عليها العراق عام 1986، حيث يحرم النساء والفتيات من حقوقهن على أساس جندرهن، كما يخالف اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها العراق عام 1994، من خلال السماح بزواج الأطفال، وتعريض الفتيات لخطر الزواج القسري، والانتهاكات الجنسية، وإهمال المصلحة الفضلى للطفل في قضايا الطلاق".
ويرى تقرير المنظمة أن "التعديل ينتهك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال حرمان بعض المواطنين من حقوقهم بناءً على دينهم". وأشارت صنبر الى أن "التأثيرات الممتدة لهذا القانون ستكون واسعة النطاق، ومن المرجح أن تغيّر نسيج المجتمع العراقي، على حساب استقلالية النساء والفتيات العراقيات، وقدرتهن على اتخاذ قراراتهن بأنفسهن".
وعلى الرغم من إقرار القانون، إلا أن حملات الرفض لتعديله لم تتراجع لجهة الوقفات الاحتجاجية والبيانات والاجتماعات والنقاشات، تُضاف إلى ذلك المعارضة البرلمانية التي تقودها عضوات في مجلس النواب. لكنّ أحزاباً دينية دعمت التصويت على التعديل، وقد قادت حملة إعلامية كبيرة في هذا الاتجاه، على الرغم من كونه يضمّ فقرات تحدّ من حقوق المرأة، ولا سيّما الزوجة، أو تحرم المرأة من حقوق لها، وتتحيّز للرجل.
وكان قانون الأحوال الشخصية في العراق، قبل التعديل، ينصّ على أحقيّة الأمّ بحضانة ولدها وتربيته في حال الزواج وبعد التفرقة، من دون أن تسقط حضانة الأمّ المطلّقة بزواجها ثانية. لكنّ التعديل الجديد الذي جرى التصويت عليه يسلب الأمّ حقّ حضانة الولد في حال تزوّجت من جديد. وفي القانون غير المعدّل، كان يحقّ للولد المحضتن اختيار إقامته، عند بلوغه الخامسة عشرة من عمره، مع مَن يشاء من أبوَيه إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، لكنّ عملية تخييره تجرى عند بلوغه السابعة من عمره بعد التعديل. كذلك كان القانون المعمول به قبل التعديل ينصّ على أن يكون التفريق وفقاً للقانون المدني، لكنّ التعديل ينصّ على أن يكون وفقاً للفقه السنّي أو الشيعي بحسب اختيار الثنائي، علماً أنّه في حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي للاحتكام إليه تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما بما يتعلّق بالحقوق.وتضمّن تعديل قانون الأحوال الشخصية إدخال الوقفَين السنّي والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو أمر يعدّه رافضو القانون "ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء"، وكذلك "ابتعاداً عن الدستور الذي نصّ على مدنيّة الدولة العراقية". وتجاهل التعديل الأخير حالات رفض الثنائي عقد الزواج وفقاً للمدارس الفقهية السنية أو الشيعية، وهي ظاهرة متزايدة في المجتمع العراقي الذي يشهد زيجات مختلطة من ديانات أو مذاهب متعدّدة، بعد أن كان القانون قبل التعديل يمنح الدولة العراقية منذ عام 1959 ممثّلة بالقضاء المدني عقد القران والتفريق وفقاً للقانون لا بحسب الطوائف أو الأديان.