أفادت لجنة العدالة (كوميتي فور جستس) بأنّ استخدام الولاية القضائية الجنائية العالمية يُعَدّ أداةً قانونية حاسمة لملاحقة مرتكبي جرائم الإخفاء القسري عالمياً، خصوصاً في الحالات التي تعجز فيها السلطات الوطنية عن تحقيق العدالة أو ترفض محاسبة المسؤولين، لكنّ هذا الوضع لا ينطبق على حالتَي مصر والسودان.
وبيّنت اللجنة، في تقرير لها نشرته اليوم الاثنين، أنّه وعلى الرغم من أنّ مبدأ الولاية القضائية العالمية يتيح للدول مقاضاة مرتكبي عدد من الجرائم، بغضّ النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية الجناة أو الضحايا، فإنّه لم يُطبَّق عملياً في مصر ولا في السودان، وأضافت لجنة العدالة أنّ الدولتَين المذكورتَين لم تحاكما مرتكبي الجرائم الخطرة استناداً إلى هذا المبدأ، كذلك لم تُحرَّك أيّ قضايا ضدّ جناة أجانب على أراضيهما، وتابعت اللجنة أنّ هذا الوضع يعكس عقبات هيكلية وقانونية وسياسية تعرقل تطبيق الولاية القضائية العالمية فيهما، فالدولتان تواجهان تحديات داخلية كبيرة في محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، نتيجة ضعف الأنظمة القانونية والمؤسساتية.
وأوضحت لجنة العدالة، في تقريرها، أنّ "الإفلات الممنهج من العقاب (يُعَدّ) أحد العوائق الرئيسية أمام تحقيق العدالة في حالات الإخفاء القسري"، مشيرة إلى أنّ "الصراع في دارفور مثال بارز على هذه المشكلة في السودان، وعلى الرغم من انضمام السودان إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري في عام 2021، فإنّ الإطار القانوني المحلي ما زال يفتقر إلى أحكام صريحة تسمح بمقاضاة هذه الجرائم بموجب الولاية القضائية العالمية، كذلك فإنّ المحاكم الخاصة بدارفور، التي أُنشئت في عام 2005 لمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطرة، لم تحقّق العدالة الفعّالة بسبب التدخل السياسي وغياب الاستقلال القضائي".
أمّا مصر، فلم تُدمَج "التزاماتها بموجب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري في القوانين المحلية بما يكفي، إذ لا يجرّم القانون المصري الإخفاء القسري كلياً، كذلك لا تتوفّر أحكام صريحة لتطبيق الولاية القضائية العالمية"، بحسب لجنة العدالة، وأضافت أنّه "علاوة على ذلك، فإنّ القضاء المصري، المتأثّر بالسلطة التنفيذية، لا يبدي رغبة في ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم، الأمر الذي يعزّز ثقافة الإفلات من العقاب"، وقد وثّقت اللجنة "أكثر من 633 حالة إخفاء قسري في مصر حتى الآن، في حين تستمرّ السلطات المصرية في نفي مسؤوليتها عن هذه الانتهاكات، وتعرقل التحقيقات وتستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين".
ورأت لجنة العدالة، في تقريرها، أنّ "العوائق لا تقتصر على غياب التشريعات فحسب، بل تمتدّ إلى ضعف استقلالية القضاء، ما يجعل من المستحيل تقريباً ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطرة بموجب الولاية القضائية العالمية. ففي مصر، يتردّد القضاء في محاكمة المسؤولين الحكوميين، كذلك يجري استخدام قوانين الطوارئ والتشريعات المناهضة للإرهاب لحماية الجناة بدلاً من محاسبتهم"، وشرحت اللجنة أنّ "هذه الآلية تتيح للمحاكم الوطنية، في أيّ دولة، مقاضاة الأفراد المتورّطين في مثل هذه الجرائم الخطرة، بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية الجناة والضحايا، ما يساهم في مكافحة الإفلات من العقاب، ويوجّه رسالة قوية بأنّ المجتمع الدولي لن يتسامح مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".وفي ما يتعلق بمشاركة الضحايا ومنظمات المجتمع المدني في التحقيقات والمحاكمات، أوضحت لجنة العدالة في التقرير أنّه "لا آليات تضمن إشراكهم بفعالية في القضايا المرفوعة بموجب الولاية القضائية العالمية، ففي كلّ من مصر والسودان، يواجه الضحايا مخاطر جسيمة، مثل المضايقات والاحتجاز التعسفي والتشهير، ما يجعل من الصعب عليهم الإدلاء بشهاداتهم أو تقديم أدلة تدعم القضايا ضدّ الجناة، كذلك فإنّ منظمات حقوق الإنسان والمحامين العاملين في هذا المجال يتعرّضون للقيود والتهديدات، مثلما حدث مع الناشط المصري إبراهيم متولي، الذي تعرّض للاعتقال بسبب عمله في الدفاع عن ضحايا الإخفاء القسري".
وبشأن ما يتعلق بحماية الضحايا والشهود والدعم النفسي والاجتماعي، فإنّ "الأوضاع في مصر والسودان تعاني من غياب تام للآليات الرسمية التي تضمن سلامتهم. ففي مصر، يواجه الضحايا ومحاموهم مخاطر جسيمة، مثل الملاحقة الأمنية والتشويه الإعلامي والاعتقال التعسفي، ما يجعل من الصعب عليهم متابعة القضايا أو التعاون مع المحاكم الدولية"، بحسب ما ضمّنت لجنة العدالة تقريرها.
وتابعت لجنة العدالة أنّه في ظلّ هذه الظروف، "من غير المرجّح أن تمتلك حكومتا مصر والسودان أو مؤسساتهما القضائية القدرة أو الإرادة السياسية لقبول القضايا بموجب الولاية القضائية العالمية، فضلاً عن عدم القدرة على توفير الحماية اللازمة للشهود أو الضحايا، فكلاهما أظهرتا تجاهلاً صارخاً للقوانين الدولية والوطنية، ما سمح بانتشار الإخفاء القسري سياسةً ممنهجةً من دون أيّ محاسبة".
وعلى الرغم من ذلك، شدّدت لجنة العدالة على أنّ "الولاية القضائية العالمية تظلّ أداة رئيسية لمكافحة الإفلات من العقاب، مثلما أثبتتها قضايا سابقة، مثل إدانة الضباط الأرجنتينيين في إسبانيا في عام 2007، والمحاكمات المتعلقة بفترة حكم (أوغوستو) بينوشيه في تشيلي، وهو ما يثبت أنّ العدالة ممكنة حتى في الحالات التي تبدو مستعصية"، وأكملت "لذا ينبغي على المجتمع الدولي تعزيز استخدام الولاية القضائية العالمية آليةً لمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطرة في مصر والسودان، وتشجيع الدول التي تتيح تشريعاتها ذلك على فتح تحقيقات جدية في هذه القضايا لضمان تحقيق العدالة".
ولفتت لجنة العدالة إلى أنّ "هذه النتائج جاءت، في إطار تقديم اللجنة تقريرها بشأن البحث، الذي يجريه الفريق العامل المعني بحالات الإخفاء القسري لدى الأمم المتحدة حول استخدام الولاية القضائية الجنائية العالمية في قضايا الإخفاء القسري، المقرَّر تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر/ أيلول 2025، إذ تهدف هذه المبادرة المهمّة إلى تقييم تطبيق الولاية القضائية العالمية في معالجة هذه الانتهاكات الجسيمة، والتعرّف إلى التحديات والدروس المستفادة والممارسات الجيدة التي تعزّز المساءلة وتحقيق العدالة".
وقد استندت لجنة العدالة، في إعداد تقريرها الأخير، إلى خبرتها الواسعة في توثيق حالات الإخفاء القسري ومكافحتها في منطقة شمال أفريقيا، لا سيّما في مصر والسودان، كذلك اعتمدت على مجموعة متنوّعة من المصادر العامة، بما في ذلك الاتفاقيات الدولية والإقليمية واجتهادات آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وتقارير وتحليلات منظمات أخرى، مع التأكيد على التزام اللجنة المستمرّ بمكافحة الإفلات من العقاب وضمان العدالة لضحايا الإخفاء القسري وعائلاتهم.