بدأت هيئة قناة السويس، في 11 فبراير/شباط الجاري، التشغيل الفعلي لمشروع ازدواج القناة بطول 10 كيلومترات في القطاع الجنوبي أمام حركة التجارة العالمية، بعدما أنجزته بتكاليف بلغت تسعة مليارات جنيه (178 مليون دولار)، بحسب تصريحات رئيس الهيئة أسامة ربيع. فهل تتمكن من تحقيق أرباح أم سيكون مصيرها الخسارة؟
وقال ربيع إن مشروع الازدواج سيحسن من حركة الملاحة بالقناة بنسبة 28%، بيد أن خبراء نقل أكدوا لـ"العربي الجديد" أن "مشكلة مشاريع توسيع القناة المستمرة منذ عام 2015 أنها بلا عائد حقيقي لمصر حتى الآن، بسبب تراجع حركة التجارة العالمية عبر القناة، وقرب منافسة مشاريع برية عديدة لها، ولأن ازدواج جزء من القناة دون بقيتها لا يحل مشاكل تأخير مرور السفن عبرها، فضلا عن تأثير مشكلات تجارية وحروب على إيراداتها".
وكان الفريق أسامة ربيع أكد، في الثالث من فبراير الجاري، أن مشروع ازدواج القناة يزيد من زيادة الطاقة الاستيعابية للقناة بمعدل من ست إلى ثماني سفن يومياً، وإضافة 10 كيلومترات، تضاف إلى تفريعة قناة السويس الجديدة التي تمت عام 2015، ليصبح طولها 82 كيلومتراً بدلاً من 72.
وخلال السنة المالية 2022/2023، حققت إيرادات قناة السويس رقماً قياسياً بلغ 9.4 مليارات دولار، ومن المتوقع أن تصل الإيرادات إلى تسعة مليارات دولار في السنة المالية 2024/2025، وتتحسن نسبيا أواخر مارس/آذار المقبل، على الرغم من تراجع الإيرادات بنسبة 40% منذ بداية هذا العام مقارنة بعام 2023، بسبب حرب غزة وقصف الحوثيين في اليمن للسفن المارة باتجاه القناة، بحسب موقع الإحصائيات "ستاتيستا" وشبكة "بلومبيرغ". (الدولار= 50.56 جنيهاً).
وتقلص عدد السفن المارة بالقناة إلى 30-32 سفينة يوميا في الوقت الراهن، مقارنة بـ72-75 سفينة يوميا قبل الحرب على غزة، وفق بيانات القناة الرسمية، وهو ما أدى لتراجع إيرادات القناة سبعة مليارات دولار، بانخفاض قدره 61-62%، وهي تقريباً نفس الأرقام التي أعلنتها رئاسة الجمهورية في بيان نهاية 2024.
وخلال مؤتمر صحافي أواخر عام 2024، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن عائدات قناة السويس انخفضت بنحو 60%. وأعلنت الرئاسة المصرية عن خسارة حوالي سبعة مليارات دولار من العائدات لعام 2024، كما أشار رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع إلى أنه بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2024، غيرت أكثر من 6500 سفينة مساراتها.
وأثّرت هجمات الحوثيين على السفن المارة في البحر الأحمر عبر باب المندب على إيرادات مصر من قناة السويس بسبب الانخفاض الحاد في حركة السفن الذي شكل ضغوطا كبيرة على المالية العامة للدولة المصرية.واستهدف مشروع ازدواج قناة السويس تحويلها إلى قناتين، بطول 193 كيلومتراً، لحل أزمة انتظار السفن عدة ساعات للعبور في قوافل، لكن تبين أنه سيختصر ساعتين فقط من عبور السفن من 11 إلى تسع ساعات رغم تكاليفه المعلنة التي بلغت تسعة مليارات جنيه. وقالت التقارير الحكومية المصرية إن الازدواج سيؤدي لمضاعفة عدد السفن المارة من 70 و80 يومياً إلى 160 و170، رغم أن العدد لم يزد طوال 10 سنوات الماضية بحالة من الأحوال عن 97 سفينة كأقصى عدد مر من القناة.
لماذا تتراجع إيرادات قناة السويس؟
رغم أن الهدف من مشاريع توسيع القناة التي تكلفت مليارات الدولارات هو زيادة الإيرادات، إلا أن الأرقام المعلنة من جانب البنك المركزي بشأن إيرادات القناة، وما يدخل منها للموازنة العامة للدولة يتقلص تدريجيا، حتى أن إيرادات القناة ومساهمتها في موازنة الدولة عام 2015 لم تتحسن كثيراً عن عام 2023.
ففي عام 2022/2023 بلغت إيرادات القناة سبعة مليارات دولار، ودخل الموازنة العامة منها 3.8 مليارات، بينما كان دخلها عام 2015/2016، هو خمسة مليارات، ودخل منها لموازنة الدولة 3.6 مليارات دولار. ووفقاً لبيانات البنك المركزي، بلغ دخل القناة عام 2014/ 2015 (قبل إنشاء تفريعة قناة السويس الجديدة) 5.3 مليارات دولار، دخل منها للموازنة العامة 4.5 مليارات دولار.وفي عام 2015/ 2016 الذي شهد افتتاح تفريعة القناة الجديدة، بلغت إيرادات القناة خمسة مليارات دولار، دخل منها للموازنة العامة نحو 3.6 مليارات دولار. وعام 2016/ 2017 بلغت إيرادات القناة 4.9 مليارات دولار فقط، بينما كان يجري الترويج لأن دخلها سيصل إلى 100 مليار دولار، ودخل منها للدولة نحو 3.1 مليارات دولار، واستمر نفس النقص في الإيرادات خلال عام 2017/ 2018 حيث بلغت قيمة إيرادات القناة 5.7 مليارات دولار، دخل منها لموازنة الدولة نحو 3.2 مليارات دولار.
وعام 2018/ 2019، بلغت الإيرادات 5.7 مليارات دولار، دخل منها للموازنة العامة 3.4 مليارات دولار، وعام 2019/ 2020، كانت إيرادات القناة 5.8 مليارات دولار حصلت منها الموازنة على نحو 3.9 مليارات دولار. وعام 2020/ 2021، كانت إيرادات القناة 5.9 مليارات دولار، وبلغ ما دخل منها للموازنة العامة 4.2 مليارات دولار. وعام 2021/ 2022 كانت الإيرادات سبعة مليارات دخل منها في الموازنة نحو 3.8 مليارات دولار.
وقد ارتفعت الإيرادات في عام 2022 /2023 لأول مرة إلى 9.4 مليارات دولار، وفق أسامة ربيع، ثم تراجعت عام 2023/2024 إلى 7.2 مليارات، جراء اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر على أثر هجمات جماعة الحوثي على السفن. وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، من المتوقع أن تظل إيرادات قناة السويس عند مستوياتها المتدنية، خلال الفترة من أكتوبر 2024 إلى سبتمبر 2025 لتسجل 3.7 مليارات دولار فقط.
هل لازدواج قناة السويس عوائد اقتصادية؟
كانت فكرة مشروع ازدواج قرابة 80 كيلومتراً من قناة السويس من 193، بحيث يكون هناك مساران لأول مرة منذ شقها عام 1859، والذي أعلن عنه رئيس هيئة قناة السويس، خلال مشاركته في المؤتمر السنوي الدولي للنقل البحري واللوجستيات، في الثالث من مارس 2024، مثار انتقادات من جانب خبراء اقتصاد وسياسيين مصريين، لأن المشروع الأول الذي تم أيضا لتوسيع القناة عام 2015، لم يحقق أي زيادات كبيرة في مرور السفن أو الإيرادات، بل وتسببت التوسعة الأولى عام 2015، وتكلفت 8.2 مليارات دولار، في أزمات وأدت لنقص الدولار، ما أدى لتعويمه عام 2026.وقد انتقد سياسيون مصريون وخبراء سياسيين المشروع واعتبروه "خطيرا جدا على الأمن القومي المصري، لأنه سيعزز عزلة سيناء، ويضاعف مخاطر احتلالها، ويضاعف قدرة مصر على حمايتها والدفاع عنها عسكريا وأمنيا، كما سيزيد تكاليف حمايتها ماديا". بيد أن خبيرا عسكريا قلل من هذه المخاوف، موضحا لـ"العربي الجديد" أن سيناء مربوطة بمصر بستة أنفاق تحت قناة السويس، وسبعة كباري عائمة، ما يعني أن الازدواج لن يعطل حركة الجيش عن حماية سيناء لو تعرضت لخطر، دون أن ينفي زيادة تكاليف التسليح لحماية القناة وسيناء.
وانتقد "حزب الإصلاح والتنمية" برئاسة محمد أنور السادات، مشروع ازدواج قناة السويس، وتساءل عن جدواه الاقتصادية في ظل الانفاق الكبير على هذه المشاريع دون عائد فعلي لها في وقت تعاني فيه مصر من الديون الباهظة. وكانت ردود الفعل الرافضة للمشروع الثاني لازدواج القناة تدور حول أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرر أخطاءه الاقتصادية، لأن مشروعه السابق "تفريعة قناة السويس" عام 2015 لم يأت بأي أرباح، ولم يكن له أي جدوى بسبب الدراسات التي أكدت تراجع حجم التجارة العالمية حينئذ.
وقد لمح السيسي نفسه، في خطابات أعوام 2016 و2017 و2023، أن فكرة مشروع تفريعة القناة عام 2015 وجدواه "معنوية" للفخر، أكثر منها "اقتصادية"، وأكد "لم ننظر للعائد المادي لمشروع قناة السويس الجديدة وحرصنا على الجانب المعنوي".
وتكلفت أعمال حفر التفريعة الأولي عام 2015 نحو 8.2 مليارات دولار، وتحدث المسؤولون أن المشروع سيساهم في زيادة إيراداتها السنوية من 5.3 مليارات دولار إلى 13.2 مليار سنويا بحلول عام 2023، وهو ما لم يحدث، حيث حققت قناة السويس في العام المالي 2022-2023 عائدات مالية بلغت 9.4 مليارات دولار، وهي أعلى إيرادات سنوية تسجلها، وفق أرقامها الرسمية، بعدما ظلت تتراوح بين 5 مليارات دولار فقط وسبعة مليارات عام 2020.ويشير خبراء اقتصاد إلى عنصر هام لعدم جدوى المشروع الثاني لازدواج القناة اقتصاديا، هو أن هذا الازدواج لن يدفع شركات السفن والحاويات لزيادة عدد سفنها المارة، لأن حجم التجارة العالمية كما هو ويتقلص بفعل الحروب والصراعات والغلاء وتدشين محاور مرورية برية في المستقبل أرخص وأكثر أمناً. واختصرت تفريعة عام 2015 وقت عبور السفن من 18 ساعة إلى 11 ساعة، أما "مشروع ازدواج القناة" فسيختصر وقت عبور السفن من 11 إلى 9 ساعات، أي سيوفر حوالي ساعتين زمن فقط على السفن العابرة، وهو زمن لا يذكر في العرف الملاحي، وقد لا يؤثر على زيادة السفن العابرة.
وتوضح دراسة لـ"مركز حلول للدراسات البديلة"، التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة، 6 أغسطس/آب 2023 أن ضعف حركة التجارة الدولية وانخفاض أسعار النفط ينعكس دائما على إيرادات القناة. وأكدت "ارتفاع إيرادات قناة السويس خلال السنوات المالية الأخيرة، لكن بمقارنتها بالمصروفات التي تتضمن الأجور والضرائب ونفقات أخرى، فإن نسبة التكلفة (الخسارة) إلى الدخل في تزايد". وأرجع "مركز حلول للدراسات البديلة" تحسن إيرادات قناة السويس لأسباب أخرى بخلاف التوسعة هو "بفضل تبني سياسات تسعيرية وتسويقية مرنة".
وقد أوضح المحلل السياسي والاقتصادي ماجد مندور، في تقرير نشره بموقع مركز "كارنيغي" في الثاني من فبراير/شباط 2023 تحت عنوان "إخفاق السيسي في قناة السويس"، أن صندوق القناة المعلن "غير شفاف ويسيطر عليه وعلى موارده الجيش". وقال معلقاً على قانون إنشاء "صندوق قناة السويس" إن هدفه، وفق السيسي، السماح لهيئة القناة بتكوين احتياطاتها النقدية الخاصة لتمويل المشاريع الإنمائية الضرورية في القناة من دون أن تُضطر إلى العودة إلى وزارة المالية للحصول على الأموال اللازمة.ولكنه نبه إلى أن التعديل "لم يأت على ذكر أي إشراف تشريعي على عمليات الصندوق"، وهو ما اعتبره مندور مؤشرا على "غياب الإرادة السياسية لإصلاح الصيغة العسكريتارية لرأسمالية الدولة". وأوضح أن هيئة قناة السويس خاضعة لسلطة المؤسسة العسكرية، حيث يتسلم ضباط سابقون في البحرية رئاسة الهيئة من دون انقطاع منذ عام 1964، ويتقاضى الجيش عمولة غير رسمية على جميع المراكب التي تعبر القناة. وحفاظاً على هذا التقليد، أعلن السيسي أن الصندوق سيكون تحت إشراف "كيان سيادي"، وهو مصطلح مخفف يقصد به أجهزة الاستخبارات أو المؤسسة العسكرية، وفق مندور. وذلك على الرغم من أن تعديل قانون قناة السويس ينص على أن "سلطة التعيينات في مجلس إدارة الصندوق منوطة بمجلس الوزراء الذي هو – نظرياً – هيئة مدنية". وقال: "طالما سيكون الصندوق تحت إشراف "كيان سيادي"، سيتيح ذلك للجيش الوصول إلى الصندوق غير الخاضع للإشراف، حيث يمكنه سحب مبالغ طائلة من عائدات القناة من دون أي رقابة مدنية".