تأييدك لجمال مبارك تجسس لحساب إسرائيل!

محمد عبد المجيد في الأربعاء ١٩ - أغسطس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أوسلو في 19 أغسطس 2009

 

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو   النرويج

عندما أجاب الرئيس حسني مبارك عن سؤال يتعلق برفضه تعيين نائب له كان صريحا وواضحا وهو أنه لم يجد من بين المصريين من يستحق أن يقف بجانبه، وأن الرئيس الراحل أنور السادات كان سعيدَ الحظ ِأنْ عثر على نائبه حسني مبارك في المصادفة المعجزة.

ترجمة حديث الرئيس لا تحتاج لأدنى قدر من الذكاء وهي أنه يحتقر ويزدري هؤلاء المصريين المتخلفين والغوغاء الذين يحكمهم ، فنحن أولاد كلب نجس نريد أن نستعيد بلدنا منه وقد تناسينا أنها ملكية خاصة لأسرة مبارك، حقيقة لا مجازاً، فكيف نحلم بالسيادة على أرضنا؟

الرئيس مبارك صريح إلىَ أبعد الحدود في احتقارنا، ولو أراد جلد رئيس الوزراء ووزير العدل ورئيس مجلس الشعب ووزراء الداخلية والدفاع والخارجية والاعلام في ميدان عام وعلى مؤخراتهم العارية لما رفع أحد منهم عينيه أمامه.

لم يحدث في تاريخ مصر القديم أو الحديث، حتى عندما تولى الحكمَ مملوكيٌ من الرقيق لم يبلغ السادسة من عمره فكان هناك وصي على العرش ، أنْ استعذب شعبٌ بكافة قطاعاته، وصفوة مثقفيه، ونخبة مفكريه، ورجال العدالة فيه الضرب على القفا كما في بلدنا المنكوب، ومع ذلك فلا يزال هناك من يغالط نفسه، ويخادع ضميره، ويدّعي أنَّ كرامته محفوظة، وأنه سيختار عن طواعية ورغبة ابنَ الرئيسِ ليصبح الرئيسَ الابن!

إذا أردتَ أنْ تعمل جاسوسا لصالح إسرائيل فلستَ بحاجة إلى الذهاب للسفارة الاسرائيلية في عاصمة المعز، فيكفي أنْ تؤيد ، ضِمنا أو صراحة أو صَمتاً، جمال مبارك في الركوب فوق ظهرك، وهو سيتولي الباقي، ولن يمر وقت طويل على توليّه وأصدقائه رجال الأعمال حُكم بلدك حتى تتسول أنت وأهلك الطعامَ من بوركينا فاسو وأوغندا ودارفور!

الصفقة مع تل أبيب وواشنطون تحتاج فقط إلى قلم أنيق يخرج من جيب الرئيس، ويوقّع به على وثيقة نقل ملكيتك منه إلى ابنه، وضمان الغاز والبترول والأمن وقناة السويس ومنطقة عازلة مع غزة وتعاون أمني كامل بين الشاب القادم وأجهزة الأمن الاسرائيلية، وحينئذ نهنئك مسبقا ففي العهد الجديد سيمكنك بيع أعضاء أولادك وبناتك بالشيكل الاسرائيلي فكثيرون من أولاد العم يحتاجون لقلب وكلى وكبد وعيون فهي أرخص سعرا من مثيلاتها التي تتولى المافيا الروسية والبالطيقية بيعها! 

لستَ في حاجة إلى الثورة والغضب والردّ على مقالي وتفنيد أكاذيبي والتقليل من شأن كتاباتي، فالرقيق لا يغضبون، وبامكانك البدء في تلميع وتليين قفاك لئلا يؤذي كفَّ الرئيس الشاب أو أحدَ أجلافِ رجاله عندما يهوي عليه.

لا أحتاج إلى كتابة المزيد عن فواجع وطن لا يستطيع أبناؤه التفرقة بين العدو والصديق، ولا أظن الحديث مُجديا ومؤثرا ومشحذا الجهاز العصبي لأبناء شعبنا، فقد تم نشرُ ما يغضب الجمادَ، لكنه لم يُحرّك ساكنا في أرض الكنانة، وأحسب أنه تحصيل حاصل إنْ كتبت عن الفقر والمرض والمجاعة وسكان المقابر وثلاثة ملايين منزل آيل للسقوط والعشوائيات والأميّة وسبعة من كل عشرة من المصريين أصابهم عهد مبارك بأمراض وبائية..

أو لو كتبت عن تسعة ملايين عاطل عن العمل وبيع الدم الملوث وتلوث الهواء والماء ونفوق الثروة السمكية ودفن نفايات الحديد تحت الأرض الزراعية والفساد ونهب أموال الشعب والرشوة والقمامة وفشل التعليم ومليون من أطفال الشوارع وتسع ملايين عانس والطائفية وعشرين مليون قضية أمام المحاكم لم يُبتّ فيها بعد وتراجع دور مصر وغياب المشروع القومي والحضاري ومضاعفة مدمني المخدرات وسلوكيات المصريين والاستعانة بالمسجلين خطرين واهدار أموال الدولة في جهاز أمن يحمي أسرة مبارك ..

أو لو كتبت عن مجلس الشعب ودوره المهتريء، والقضاة وغيابهم عن الساحة، والجيش الذي يكتم مبارك أنفاسه ويراقب كل جنرالاته، وعن عشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين، وعن احتقار السلطة القضائية فيعود البريء إلى السجن بعد أن يبصق مبارك على حُكم القضاء ..

أو لو كتبت عن الانحياز لاسرائيل، واشعال فتنة طائفية في مصر بين المسلمين والأقباط، وفي العالم العربي بين الشيعة والسنة، وعن انحسار دور الثقافة والفنون والآداب والتسامح والحرية والديمقراطية..

أو لو كتبت عن ديون مصر، وبيع أراضي الدولة، وتصفية ممتلكات المصريين في الخصخصة، وعن سرقات الوزراء العلنية من جيوب شعبنا، وعن انعدام الأمن والأمان والسلام، وعن زائر الفجر وسلطة القمع، وعن الكراهية التي زرعها مبارك لتفصل بين الشعب وبين أجهزة أمنه، فأصبح الضابط عدوا للشعب، وأضحى الشعب ضحايا سلخانات السادة الساديين..

أو أكتب عن نصائح الأطباء أن لا يشرب المصريون الماء وأن لا يأكلوا في بطونهم مزروعات العهد الأسود المشؤوم فكلها تعجّل في المرض والموت ..

إنني على يقين، وتلك قناعاتي الشخصية ولا ألزم بها أحدا، بأن من يؤيد مبارك وابنه يكره مصر كراهية صريحة، ولو أقسم بأغلظ الايمانات من يدعم توريث جمال مبارك الحُكمَ أنه يحب مصرَ فهو كاذب .. كاذب .. كاذب!

أي مثقف أو مفكر أو عالم أو أديب أو إعلامي أو رجل دين إسلامي أو رجل دين قبطي أو محام أو قاض أو مستشار أو ضابط أو فنان يؤيد جمال مبارك فهو كمن يُسَلّم الموسادَ الاسرائيلي تقريرا ضد مصر، ومن يرى في جمال مبارك أملا لمستقبل مصر كمن يرى في احتلال اسرائيل لمصر عملا وطنيا !

ليس هناك وقت للادعاء بأننا لا نعرف، أو أن تفكيرنا هدانا إلى اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفهوش، أو أنها وجهات نظر مختلفة، أو أنه حق ديمقراطي في الاختلاف، أو أنها رسالة حب لمصر، أو أنه خيار لحماية مصر من مستقبل مظلم، فهذا تزييف في أوراق وطن، وشهادة زور، وكذب أحمق، وجريمة مع سبق اصرار وترصد، فمن يقف مع جمال مبارك لا يختلف عن ايللي كوهين أو عزام عزام!

كلنا نعرف، باستنثاء الأميين وأنصاف المتعلمين ومن يعيشون في عزلة مكانية في أقاصي الصعيد أو عمق الصحراء، أنَّ سببَ المصائب والنكبات والفواجع والكوارث هي أسرة مبارك الطاغية، لذا فأيّ تبرير بالخوف من البديل حجة واهية ، والموقف الوطني لا يحتاج هنا لأكثر من رفض أعداء مصر وكارهي شعبها وهما مبارك وابنه!

هذا ليس مقالا، لكنه عريضه اتهام لا يستطيع المتهم أنُ يعثر على دفاع واحد في أنه يحب مصر ويؤيد مبارك وابنه في الوقت عينه!

نقيضان لا يجتمعان، حبك لمصر وحبك لمبارك، وكاذب ومخادع وأفّاق ومنافق من يدعي أنه يحب الاثنين معا.

الآن وقبل أن يسقط الفأس فوق رأس كل مصري بعد الصفقة الأخيرة، أنت أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تؤيد جمال مبارك، صمتا أو جهرا أو ضمنا، فتتلقى تهنئة من أرواح كل طغاة الدنيا، وستجد اسمك في قائمة عملاء الموساد الاسرئيلي، أو تحتضن مصر .. أم الدنيا، وتبكي على ما فعل بها هؤلاء الأوغاد، وتذهب إلى المسجد أوالكنيسة معلنا توبتك أمام الله، وتقرر الرفض في أي صورة من الصور.

تحركات جيش العبور التي يراقبها الأمريكيون والاسرائيليون لحساب مبارك لا يعلمها إلا الله، فإما النجاح وتحرير مصر من مبارك، أو الفشل، أو الصمت إذا كانت همومُ مصر ليست من أولويات جيشنا البطل.

إذا حكم مصرَ جمال مبارك فلن تمر سنوات قليلة حتى تحدث أكبر مأساة انسانية من جراء التلوث الجماعي، من المياه أو المزروعات أو التلوث، فلا يستطيع الأحياء احصاءَ ملايين الموتى في شوارع مصر وأزقتها وحواريها، والجثث الملقاة في الأنهار والترع ومياه النيل الخالد، وحينئذ سنلطم جميعا وجوهنا على صمت طال، وعلى غضب الله علينا عندما فرّطنا في كرامتنا وأهليتنا للحياة.

الآن يمكنك أن تختار: الله ومصر والحياة .. أو تختار جمال مبارك والموت والعار!

معذرة، أخي في الوطن،  فقد نسيت أنك محصن ضد الكتابة والغضب والدفاع عن أهلك وشعبك وأولادك ومستقبلهم، لكنها محاولة غير يائسة لعلها تساهم مع آخرين في انقاذ مصر قبل فوات الأوان.

اجمالي القراءات 11214