بين مؤيّد ومُعارض تسارعت تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، بمختلف شرائحهم، بخصوص مقترحات تعديلات مدونة الأسرة التي كُشف عنها، صباح اليوم الثلاثاء.
وكان الملك المغربي، محمد السادس، قد دعا حكومته إلى التواصل المُباشر مع المغاربة لشرح مضامين التعديلات على مدونة الأسرة (قانون الأسرة)، وذلك خلال ترؤسه بالقصر الملكي بالدار البيضاء، مساء أمس الاثنين، جلسة عمل لمراجعة مدوّنة الأسرة، عقب رفع الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، تقريرها، للملك، بعد انتهاء مهامها.
وبحسب بيان للديوان الملكي، وصل "عربي21" نسخة منه، فإنّ: "تقرير هيئة مراجعة مدونة الأسرة تضمن أكثر من 100 مقترح تعديل على المدونة"، مردفا: "الملك -بصفته أميرا للمؤمنين- أحال التعديلات المرتبطة منها بنصوص دينية على نظر المجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى هيئة دينية في المغرب، والذي أصدر بشأنها رأيا شرعيا".
أيضا، دعا الملك، المجلس العلمي الأعلى لـ"مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية (لم يحددها) التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تساير متطلبات العصر"."تعدّد الزوجات" في الواجهة
في لقاء تواصلي، صباح اليوم الثلاثاء بالعاصمة المغربية، الرباط، كشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن أبرز التعديلات المقترحة في إطار مراجعة مدونة الأسرة، التي عُقدت بخصوصها جلسة عمل ملكية، مساء أمس الاثنين.
وقال وهبي بخصوص "تعدد الزوجات"، إنه سيتم العمل على: "إجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط".
في حال غياب هذه الشروط، أكّد وهبي أنّ "المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد، سيصبح محصورا في: إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى يقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية". وهو ما خلّف موجة من تباين الآراء على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات القليلة الأخيرة.
Image1_12202424204647375518959.jpg
Image1_12202424204620630366338.jpg
ماذا بخصوص الحضانة والإرث؟
خلال اللقاء التواصلي ذاته الذي تمّ بحضور الوزراء والمسؤولين الحكوميين ورؤساء هيئات دستورية ورئيسي مجلسي البرلمان، وأعضاء من المجلس العلمي الأعلى، تابع وهبي: "جعل النيابة القانونية حقا مشتركا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية وبعد انفصالها".
وأبرز وزير العدل المغربي: "في حال نشوء خلاف حول أعمال النيابة القانونية، فإنه سوف يتم الرجوع إلى قاضي الأسرة للبت فيه، وفق ضوابط ومعايير قانونية واضحة".
أما فيما يتعلّق بالحضانة، أكد وهبي: "اعتبار الحضانة حقا مشتركا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية، مع إمكانية تمديد هذا الحق بعد الطلاق إذا اتفق الطرفان"، مضيفا: كما تمّ "تعزيز حق الأم المطلقة في حضانة أطفالها، حتى في حالة زواجها، وضمان الحق في سكن المحضون؛ مع تنظيم ضوابط جديدة لزيارة المحضون أو السفر به، بما يضمن مصلحة الطفل".
وفيما يتعلّق بالإرث، وهو ما كان يشكّل نقطة خلاف أساسية بين كافة الأطراف، أوضح وهبي: "تمّ اعتماد مقترح المجلس العلمي الأعلى بخصوص إرث البنات، الذي يتيح إمكانية هبة الأموال للوارثات قيد الحياة، مع اعتبار الحيازة الحكمية كافية".
ومن أبرز المستجدات أيضا، التي كشف عنها وزير العدل المغربي، هي: "فتح المجال أمام الوصية والهبة بين الزوجين عند اختلاف الدين".ماذا عن زواج القاصرين؟
بحسب وزير العدل المغربي، فإنه: تم تحديد سن الزواج في 18 سنة شمسية كاملة، مع استثناء يسمح بالزواج في سن 17 سنة إذا توفّرت شروط صارمة لضمان الحماية.
أيضا، تقرّر وفقا لما كشف عنه وهبي "تعزيز الرقابة القضائية للتأكد من أن الاستثناء يبقى ضمن إطار الحالات الضرورية فقط".
كذلك، نصت مقترحات التعديلات الرّاهنة، على إمكانية توثيق الخطبة، واعتماد عقد الزواج لوحده من أجل إثبات الزواج كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية، وتعزيز ضمانات زواج الشخص في وضعية إعاقة، مع مراجعة للإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة، بغية توثيق عقد الزواج.
أما بخصوص المغاربة المقيمين في الخارج، فتمّ السماح بإمكانية عقد الزواج، دون حضور الشاهدين المسلمين، في حال تعذر ذلك، وفقا لوزير العدل المغربي.
ماذا عن الطلاق؟
مقترحات التعديلات التي كشف عنها وهبي، والتي لن تسري إلا بعد مناقشتها والتصويت عليها في البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين)؛ شملت كذلك، ما وصفه بـ"تقليص مدة البت في قضايا الطلاق والتطليق إلى ستة أشهر كحد أقصى، مع اعتماد وسائل إلكترونية من أجل توثيق العقود وتبليغ القرارات القضائية".
أيضا، تم إقرار تضمين مدونة الأسرة التي يتواصل النقاش بخصوصها، "إنشاء هيئات للوساطة والصلح لمعالجة النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء". فيما شدّد وهبي على أن "مضامين مراجعة مدونة الأسرة تسعى لتجاوز بعض النقائص والاختلالات التي ظهرت عند تطبيقها القضائي".
وتقرّر كذلك، وفقا لوهبي، تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثمين عمل الزوجة داخل المنزل واعتباره مُساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية.
وسيتقرّر كذلك، اعتماد الوسائل الإلكترونية الحديثة من أجل التبليغ في قضايا الطلاق والتطليق مع قبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة.مدونة الأسرة.. مراجعة جوهرية
بحسب وهبي، فإن المقترحات الجديدة، تهدف كذلك إلى "مواءمة تطور المجتمع المغربي وديناميته. وما تفرضه متطلبات التنمية المستدامة، وكذا ملاءمتها مع التطورات التشريعية، بما في ذلك الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بلادنا".
وأكد وزير العدل: "نحن اليوم أمام مراجعة جوهرية لنص مدونة الأسرة، تستجيب للمبادئ والمرجعيات كما حددتها الرسالة الملكية السامية، ووفق الضوابط والحدود التي وضعتها".
وختم بالقول إنّ: "غايتها إنجاز صيغة جديدة لمدونة الأسرة تناسب مغرب اليوم، قادرة على الاستجابة للتطورات المجتمعية التي يشهدها، في حرص شديد على أن تكفل مقتضياتها، في الآن ذاته، تعزيز مكانة المرأة وحقوقها، وحماية حقوق الأطفال، والمحافظة على كرامة الرجل".
عشر قضايا وافق عليها المجلس العلمي
في سياق النقاش نفسه، بخصوص مدونة الأسرة في المغرب، أوضح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أنّ عشر قضايا قد وافق عليها المجلس العلمي الأعلى كما اقترحتها اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة.
وهذه القضايا تتعلق بـ"سن الزواج، وشهادة الشاهدين المسلمين في الخارج، والنيابة الشرعية المشتركة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في ثروة الزوج، ووجوب نفقة الزوجة بالعقد، والعمرة الإجبارية للسكنى للزوج الباقي حيا، ومرتبة ديون الزوجين المتعلقة بالأموال المكتسبة، وبقاء حضانة المرأة التي تزوجت، والمتعة للمرأة طالبة التطليق، والمساواة بين أبناء الأبناء والبنات في استحقاق الوصية الواجبة مهما نزلوا".
تجدر الإشارة إلى أنه بعد سنوات من توالي المطالب بإصلاح قوانين الأسرة في المغرب، كان الملك محمد السادس، قد وجّه الحكومة، إلى إعادة النظر في "مدونة الأسرة"، ومنحها ستة أشهر كمُهلة من أجل رفع المقترحات، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على البرلمان للمصادقة.
وفي وقت سابق، ذكر بيان الديوان الملكي المغربي أن الملك أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية، عبد العزيز أخنوش، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، ورفع التوصيات إليه في غضون ستة أشهر، فيما أسند الملك المغربي "الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع".
ودعا الملك المغربي، خلال البيان الذي وصل "عربي21" نسخة منه، إلى أن "تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين".
إلى ذلك، فإن آخر مدونة للأسرة، للمغرب، قد تم سنّها في عام 2004، وكانت آنذاك، قد أدخلت تغييرات كبيرة فيما يخص عددا من الأمور الرئيسية مثل الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال. فيما كان قانون الأحوال الشخصية لعام 1958 يسمح للرجل بتعدد الزوجات دون اشتراط موافقة زوجته (أو زوجاته) الحالية، وكان حق المرأة في الطلاق مقيدًا بشدة، ولم يكن مسموحا للمرأة الزواج دون موافقة الوصي القانوني (الولي).