وفي ذلك فليتساءل المتسائلون

يحي فوزي نشاشبي في الخميس ١٣ - أغسطس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

بسم الله الرحمن الرحيــم
 
وفي ذلك فليتساءل المتسائلـــون
 
       نـزل أمر الله العلي العظيم ، الموجه للذين آمنوا أن اسعوا إلى ذكر الله في يوم الجمعة. وهذا الأمر معروف لا شك فيه،وهو موضح ومفصل في الآيات رقم 9 + 10 + 11 في سورة الجمعة.
       وحسب رأي أحد المفكرين الكتاب الذين  جاهدوا في الله – رحمه الله – فإن الفترة الزمنية ما بين نزول ذلك الأمر ويوم ارتفاع رسول الله –عليه الصلاة والتسليم- إلى رحمة الله ، هي فترة زمنية تعدّ بعشرة أعوام، وأن ذلك يعني أن النبي يكون لبّـى أمر الله وسعى إلى ذكر الله في يوم الجمعة وأدّى خطب الجمعة في المسجد طيلة عشرة أعوام.
       والعملية الحسابية تفيد أن عدد خطب الجمعة يكون حوالي خمسمائة 500 خطبة يزيد أو ينقص قليلا أو كثيرا. ويعني أن محمدا ، النبي – عليه الصلاة والتسليم – قال خطب الجمعة خمسمائة مرة أمام الملأ وأمام مجموعة من المؤمنين المستمعين وهي مجموعة تعدّ حتما بالعشرات أو المئات.
       ويعني أن هذه الجموع يوم الجمعة كانت ترى أمامها بعيونها وبصفة مباشرة النبي الإنسان وهو واقف ، وكانت تسمعه بآذانها – ودون أي وسيط- يقول ما علّمه الله أن يقوله في هذه المناسبة تنفيذا لما أمره به في سورة الجمعة. ومن المفروض أن هؤلاء المؤمنين كانوا يعون ما يسمعون، لاسيما وأن ما كان يتفوه به النبي الخطيب وما كان يخرج من بين شفتيه لا يمكن أن يختلف اثنان في كونه هو أهم ما يكون النبي نطق به في حياته كلها وهو عابد ربه الرحمن الرحيم.
       ومن المعتقد أن كل ما ذكر صحيح لا ريب فيه، وهكذا توالت أيام الجمعة فبلغت المئات الخمس، فرحل الرسول عليه الصلاة والتسليم وتتابعت أيام الجمعة وخطب الجمعة.
       ومرّت سنون وسنون...
       - ثم انفجرت ظاهرة ، ولعل الصحيح هو انتشارت حُمّى جمع أقوال رســول الله – عليه الصلاة والتسليم – وجمع ملاحظاته ،وتصريحاته ، وحركاته وسكناته ، وصمته، وأفعاله ، وردود أفعاله، وبإسراف واسع وبلا هوادة وضبطت كل كبيرة وصغيرة في حياته العائلية الشخصية.
       - المفروض أن الرواة الذين صلوا صلاة الجمعة طيلة فترة عُشر قرن من الزمن وراء رسول الله بعد أن استمعوا إلى خطبه، المفروض أنهم يعدّون بالآلاف إن لم يكن بالملايين، ويحق لكل واحد منهم أن يقول سمعت رسول الله وهو واقف أمامنا في خطبة الجمعة وهو يقول.....
       - وماذا يا ترى كان رسول الله يقول وهو يخطب أمام الناس في مناسبة صلاة الجمعة وهم جالسون أمامه وقد تحولوا جميعهم إلى حواس سمع ووعي ؟
       - هل كان يتلو عليهم ما تيسر من الحديث الذي أنزله بواسطته الرحمان  االرحيم؟                                                                             
       - أم  كان يتجاوز ذلك بتعليقاته الخاصة حسب رايه ومزاجه وتقديراته ونصائحه وإرشاداته؟  
       - ولنفرض أن كل ما نسب من أحاديث إلى رسول الله – عليه الصلاة والتسليم – لنفرض أنها جمعت ،وهي – كما نعلم جميعا- ذات حجم هائل ومهول، ولا أدلّ على ذلك الحجم مما جمع أرباب الجمع – الكبار- ومما أبعدوه وأثبتوه.
       - إذا جمعنا كل ذلك فقد نفاجأ أن ذلك الحجم يفوق بقليل أو بكثير كل ما كان الرسول – حتما – قاله في خطبه في أيام الجمعة، التي تكون تجاوزت الخمسمائة خطبة ، وهذا – طبعا- إذا سلمنا أن الفترة الزمنية بلغت ما تكون احتوته من أيام جمعة، السنوات العشر .
       - وما هو – إذاً - السبب يا تراى ؟ وماذا حدث ؟ وكيف حدث ؟ أن ضُرب هذا السور العالي السميك وهذا السكوت المطبق عن خطب الجمعة وقد كان فيها الخطيب محمد بن عبد الله ، ذلك الرجل الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ ذلك الشخص الذي شاء الله العليم الحكيم أن يبعث حديثه خلاله للعالمين؟
       - كيف حدث أن هناك خطبة عـدّت آخر خطبه وسميت بخطبة الوداع ؟
       - كيف حدث أن وقع الحرص على أن تحفظ هذه الخطبة التوديعية كاملة ؟ ولا تحفظ خطب أو حتى بعض أقوال من خطب تفوه بها الرسول في المسجد وهو واقف على المنبر وهو شارع في طاعة ربه.؟ ليسمعه العشرات أو المئات أو الألاف من الذين لبوا النداء فسعوا إلى ذكر الله ؟
       - أيكون حدث ذلك النسيان أو تلك الغفلة أو ذلك التقليل من الأهمية ، لأن ما كان يقوله الإمام الخطيب رسول الله – عليه الصلاة والتسليم – وبالمسجد ، كان مجرد دويّ  أو روتين ممل، أو مجرد صلاة جمعة عادية تتلى فيها آيات خفيفات تتبعها الركعتان الخفيفتان فقط ، والكل في غموض أو رتابة لا إثارة فيها .؟
       - هل يعقل أن يتصور أن يصاب المؤمنون بذهول مكبّل مسكت ومبكم ؟ لاسيما بعد وفاة محمد ، عبد الله ورسوله بفترات لا يعلم مداها إلا الله ؟ - وقد قدرها المؤرخون بقرن ونصف أو يزيد - ثم فجأة يصابون بحمّى التسابق في جمع أقواله وأفعاله وردود أفعاله ونطقه وصمته بل وحتى حركاته وسكناته داخل وفي عقر داره وانتهاك حرمة ما يتعلق به هومع أهله ؟ وبدون أدنى حرج ، ثم محاولة تحويل ذلك إلى مصدر موثوق به واتخاذه مرجعا في عبادة الله ؟ وفي إطار ما يفهم من وراء ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ؟) .
       - أما عن إثبات ما أصاب الناس من هذه ( الإنفلونزا ) الغريبة في بابها ، أو الغريبة الأطوار، فهو أمر لا ريب فيها ويستحيل أن يختلف فيه اثنان ، والسبب هنا واقف أمامنا بكامل  قامته وحجمه وثقله وبتحــدّ . ولنتفحص شكله وآثاره وحدوده فما علينا إلا أن نسأل عنه أرباب هذه المذاهب وتلك الملل والنحل .
       - ألا يمكن أن تفسر مواقف المسلمين بعد هذا الصمت الرهيب عن خطب الجمعة في عهد حياة الرسول ، وبعد ذلك الحرص – بالمقابل- على إطلاق العنان للسان الرواة والتسابق في ذلك والتفاخر، ألا يفسر كل ذلك بأن جوابنا هو نعم لقد تقوّلً الرسول على الله كثيرا من الأقاويل وليس بعض الأقاويل ، على الرغم من أن ما أوحي إليه هو تنزيل من رب العالمين .( الآية رقم : 44 – في سورة الحاقة ) .
       ألا تفسر مواقفنا، تلك التي عملت وتعمل جاهدة على إحاطة كل ما نسب إلى رسول الله – عليه الصلاة والتسليم –بتلك الهالة وذلك التقديس، لاسيما ما يأتي مخالفا لما يقصده الخالق سبحانه وتعالى في تعليماته على الرغم من كونها بيّنات ومبينـات ، ؟ - - وهنا بيت القصيد- ألا تثير هذه الشهوة وهذا النهم إلى أننا مأخوذون بل وصرعى متعة 
فاقت كل المتع ؟ تلك التي جعلتنا ننبذ حديث الرحمان الرحيم وراء ظهورنا لنشتري به ثمنا قليلا لكننا ما زلنا نراه كثيرا ؟
       ثم لنلتفت ونتفحص مليا كلمة أو فعل : اشترى – يشترون به ثمنا !
       ألا يعني ذلك أن الثمن أمر جذاب ، أخذ ألبابنا، وأن هذا الثمن المسيل للعاب كمثل أية متعة أخرى ، متعة الجنس، أو متعة جمع المال ، أو أية متعة أخرى من متع الحياة كالحكم والسلطة وحب الظهورـ والحمد ، والجاه، والعلو ؟
       ألا تكون هذه المتعة الخلابة ، ألا تكون خطيرة جدا، ما دامت مؤثرة على المرء إلى درجة أنها تجعله ينسى أو يتناسى تعليمة من تعاليم الخالق ، ويقلل من شأنها  ولا يتورع في أن يدوسها دوسا مفضوحا وينتهكها ويروّج أو يعتمد بدلها تلك المنسوبة إلى ذلك الإنسان ذي الخلق العظيم ، إلى من هو برئ منها ، محمد بن عبد الله المظلوم المفترى عليه ؟
       ولأمر ما قال الله سبحانه وتعالى في الآية رقم 187 في سورة آل عمران:(( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون)).
       وفي الأخير ألا يشير كل هذا إلى أن هناك إجحافا ما أو مؤامرة  ما ؟
       ألا تكون النصيحة أخيرا وبعد كل شئ: وفي ذلك فليتساءل المتسائلون ؟
 
     
   
اجمالي القراءات 12278