مع عودة الجدل حول قانون حرية التعبير في العراق، الذي تسعى أحزاب دينية إلى قراءته وإقراره بسرعة في البرلمان، توضح قصصٌ واقعية كيفية تراجع الحريات في بلاد الرافدين. اليوم، صار المتضررون من هذا الواقع أكثر جرأة في كشف وفضح ما يجري بالكتابة عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع تحذيرات متواصلة من الحركات المدنية ومنظمات المجتمع المدني من تبعات تقليص الحريات وقمع حرية التعبير في العراق.
وحاولت الكتل السياسية الكبيرة المتنفذة في البلاد عبر مجلس النواب أن تُمرر مشروع قانون "حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي"، المعد من قبل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، لكن اعتراضات كثيرة تلاحق هذا المشروع، ما يدعو نواباً ومنظمات إلى الدفع نحو التريث في إقراره أو تأجيله إلى الدورة البرلمانية اللاحقة لأجل التوصل إلى نسخة معدّلة وتليق بالطموح الديمقراطي.
وشهدت البلاد خلال الأيام الماضية حادثتين تبينان تراجع حرية التعبير في العراق والتعسف باستخدام الحق القانوني من قبل المسؤولين. وجرت الحادثة الأولى مع مقدم البرامج السياسية على قناة العراقية صالح الحمداني، الذي كتب على منصة إكس عن رأيه بالتغيير في سورية والإطاحة بنظام بشار الأسد، قائلاً: "الخطوات في سورية متسارعة، وصلوا بأسبوعين لما لم نصل له في العراق بـ20 عاماً". ولم يعجب هذا الموقف رئيس مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي ثائر الغانمي، الذي رد على الحمداني بالقول: "والإجراءات القانونية ستكون متسارعة أيضاً، لدرجة أنها ستصل، خلال أسبوع واحد، لما لم يصل إليه الآخرون خلال ستة أعوام، عن حقيقة الموقف من دولتنا وشعبنا وثوابتنا، ومنها إلى جدوى البقاء في شبكتنا".وقوبل تهديد الغانمي الضمني بفصل الحمداني من وظيفة مقدم برامج باستنكار ورفض كبيرين من صحافيين وناشطين عراقيين.
أما الحادثة الثانية، فقد تضرر منها موظف عراقي اسمه علي البياتي، الذي لم يتردد في كشف ما جرى معه من أذى بسبب وزير الثقافة أحمد الفكاك عبر "فيسبوك". وكتب البياتي: "بلطجة الحزب الحاكم ضد المواطنين في الأنبار، أثناء وجودي في مكتب المحافظ، قال المحافظ تمنيت أن تكون ضمن موظفي الإدارة المحلية حتى أعلمك من هو الجايجي، بس آني أعرف شلون أتعامل معك، وقام بالاتصال بوزير الثقافة الذي ينتمي لنفس حزبه وقام بفتح سماعة الهاتف، وقال الوزير للمحافظ (ابشر باجر انعلك والديه وأطيح حظه)، بعدها قام بإقفال سماعة الهاتف وبدأ بالتكلم عن انتمائي السياسي، وأني أقوم بالتحريض والتشهير ضد شخص المحافظ".
ويدخل بعض أعضاء في مجلس النواب العراقي على خط الدفاع عن المتضررين من تعسف المسؤولين ضد الصحافيين والناشطين، وحتى الموظفين في دوائر الدولة ممن لديهم مواقف سياسية معينة، ما يؤدي عادة إلى زيادة زخم الرفض للتجاوز على مفهوم حرية التعبير، كما أنه يساهم في حماية المعارضين وتأجيل التصويت على بعض القوانين التي يشعر أصحاب الرأي أنها تكبلهم وتمارس تضييقاً عليهم.
معارضة قانون حرية التعبير في العراق
تجد الجهات المعارضة لإقرار قانون حرية التعبير في العراق أن البلاد ليست بحاجة للقانون أصلاً، وخصوصاً أن حرية التعبير هي حق دستوري كفله الدستور العراقي ضمن المادة 38، ولا توجد أي إشارة إلى أنه ينظم بقانون. بالإضافة إلى ذلك، حملت النسخة التي تتداولها الأحزاب العراقية المؤيدة للقانون بنوداً تتضمن عقوبات وفقرات جزائية كثيرة في موضوع حق التظاهر والاجتماع السلمي، وأخذ الإذن للتظاهر قبل فترة معينة. كما ينتقد الناشطون بعض المصطلحات والعبارات في نسخة المشروع.
وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب إن "تمرير قانون مرفوض شعبياً أو يستهدف الصحافة والأصوات والأقلام الحرة هو أمر نرفضه تماماً"، مضيفاً: "إننا ندعم الديمقراطية في البلاد"، وأشار إلى أن "النسخة في شكلها الأخير باتت خالية من أي عقوبات ضد أصحاب الرأي"، مؤكداً أن "القانون أنجز، وتم رفعه إلى هيئة رئاسة البرلمان، وقد تعاونت وزارة الثقافة على إعداده بما ينسجم مع تطلعات الصحافيين والناشطين".
وأضاف الصالحي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "مشروع القانون جاهز للتصويت، ويمكن الحديث عنه بجدية الآن، وهو لا يتضمن أي مفردة أو عبارة قد تسيء إلى الصحافة أو الحركات المدنية"، واعتبر أن "حرية التعبير مكفولة وفق الدستور العراقي، وأن من مميزات مشروع القانون أن حق التظاهر لن يتطلب في المستقبل الموافقة الحكومية، بل يكفي أن يتم إبلاغ رئيس الوحدة الإدارية بوقت ومكان التظاهرة، كما أن الاجتماعات العامة والخاصة مباحة".