الماوردي وكتابه (الأحكام السلطانية) .

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٣ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كان الماوردي (على بن محمد بن حبيب) (ت 450 ) شيخ الفقهاء الشافعية في عصره، وكان شيخاً للخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ وكان منتظراً من الخطيب البغدادي أن يورد في كتابه "تاريخ بغداد "تفصيلات عن حياة ذلك الفقيه النابغة صاحب المؤلفات الكثيرة، ولكنه نقل لنا ترجمة مختصرة للماوردى، يقول فيها إنه( أي الخطيب) كتب عنه أي تتلمذ على يديه ويصفه بأنه" كان ثقة " أي في علم الحديث،ويقول "مات في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول من سنة خمسين وأربعمائة، ودفن فى مقبرة باب حرب وصليت عليه فى جامع المدينة"!!.
ومع تلك المعرفة الشخصية فلم تكتمل ترجمة الماوردي في كتاب وتاريخ بغداد نصف الصفحة،بل حتى لم يذكر مؤلفات شيخه الماوردى،واكتفى بالقول عنه "وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه وفي غير ذلك" ومع أن الماوردي تولى القضاء في بلاد كثيرة إلا أن الخطيب البغدادي لم يذكر شيء عن تلك البلاد وكيف أدار منصب القضاء فيها.
ومعلوم أن للماوردي مؤلفات مشهورة خصوصاً في الفقه مثل كتاب "الحاوي" وقد اختصره في كتاب " الإقناع " وقد قال الماوردي "بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة وقد اختصرته في أربعين" وله أيضاً من المصنفات"المقترن"، والنكت" في التفسير،و" أدب الدنيا والدين".على أن أهم مؤلفاته هو"الأحكام السلطانية والولايات الدينية" وهو من أهم الكتب في بابه.
وكتاب " الأحكام السلطانية " يحمل البصمة العلمية للماوردي ، فهو ليس مجرد فقيه نظري ،ولكنه فقيه عمل بالقضاء وخالط الناس، واكتسبت كتاباته الفقهية نبض الواقع وحرارة المعايشة، ولذلك فإنه في كتابته للأحكام السلطانية يمزجه بين العلم والخبرة،ومنهما حرص في كتاب الأحكام السلطانية أن يوضح الأمور لأصحاب السلطان والفقهاء أيضاً كل ما يخص ذلك الجانب الهام من تولى المناصب الديوانية والدينية.
وأهمية كتاب الأحكام السلطانية أنه اقتحم مجال التنظير السياسي للولايات وأهمها" الخلافة والإمارة" ولكنه التزم بفقه أهل السنة في الموضوع وهو المذهب الرسمي للدولة العباسية التي عمل في خدمتها قاضياً، ولسنا في مجال مناقشته أو متابعته في الجانب السياسي من كتابه، وإنما نكتفي بعرض موجز لكتابه على أمل التوقف معه بالتحليل و النقاش ، لو شاء رب العزة وأعان .
لقد تحدث الماوردي عن الأمانة والخلافة والوزارة وإسناد الإمارة أو الولاية على البلاد والأنصار ، والمارة على الجهاد وفي الحروب وولاية القضاء والولاية على الأشراف وإمامة الصلاة والولاية على الحج . وبعدها دخل في الولايات أو الدواوين الخاصة بالأمور الاقتصادية والمالية مثل جمع الصدقات والفيء والغنيمة والجزية والخراج واستصلاح الأراضي والقطاع والأراضي المحمية للمصلحة العامة وأنهى كتابه بالحديث عن النظم الديوانية وترتيبها والحدود والجرائم وعقوبتها وأحكام الحسبة وحقوق العباد .
ويبدأ الجانب الاقتصادي في(الأحكام السلطانية) بموضوع الصدقات أو "ولاية الصدقات" والماوردي يتبع فيه منهج الفقيه الذي يوفق بين المذاهب الفقهية إذا استطاع، وبعد أن يذكر أقوال الأئمة والمذاهب يتحدث على ما ينبغي على والي الصدقة من التنفيذ بالنسبة لتلك الخلافات الفقهية، أي أنه يضع معلوماته الفقهية وخبرته العلمية في خدمة القارئ والقائمين على الوظائف.
وتحدث بعد الزكاة والصدقة عن الفيء والغنيمة بنفس المنهج وإن أضاف إليه الاستشهاد بروايات التاريخ عن اجتهادات عمر في ذلك الباب وبعد الأحكام الفقهية ذكر ما ينبغي على عامل الفيء أو القائم عليه.
وتحدث عن الجزية والخراج والفرق بينهما وأحكامهما الفقهية ثم بعدها تحدث عن كيفية قياس الأرض التي تدفع الخراج والعملة النقدية من درهم ودينار وكسور الدرهم والدينار وأوزانهما وضربهما وكيفية أخذ الخراج النقدي والعيني.
ويذكر الماوردي أن ما سوى الحرم والحجاز فإن بلاد المسلمين تنقسم أربعة أقسام من حيث الخراج(أرض عشور) أسلم أهله عليه، و(أرض معشور) استصلحه المسلمون و(أرض معشر) وقع غنيمة ثم (الفيء) وهو الأرض التي صولح عليها أهلها، وبعد ذلك التقسيم شرح بالتفصيل الأحكام الاقتصادية الفقهية في تحصيل الخراج من الأرض الزراعية في العراق، وتكلم فيها عن المساحة المزروعة للعراق في عهده وتحصيل الخراج منه قبل الفتح الإسلامي وبعده ومقدار الخراج والتغييرات التي حدثت في هذا وذاك .
وعقد باباً خاصاً بالأحكام الخاصة باستصلاح الأراضي واستخراج المياه وذكر فيه آراء الفقهاء والمذاهب في الملكية للأرض ومقدار الخراج عليها وقسم في المياه المستخرجة إلى مياه انهار ومياه آبار وعيون وتحدث عن حكم الاستفادة والملكية للآبار التي يحفرها الناس ،وحكم العيون المائية إذا كانت طبيعية أو أسهم الناس في استنباطها وحفرها .
وتحدث عن" الحمى والإرفاق" وهى الأرض المخصصة للمنافع العامة والتي لا يجوز تمليكها للأفراد وتحدث عن أحكام (الإقطاع) وأنواعه من أقطاع التمليك وإقطاع الاستغلال وقسم أقطاع التمليك ثلاث أقسام تبعاً لنوعية الأرض(أرض موت وأرض عامرة وأرض معادن) وتحدث عن أصناف كل قسم وأحكامه وما يجب فيه بالنسبة للدولة.
وبعد تلك المباحث الاقتصادية ختم الكتاب بمباحث تجمع بين النظام والاقتصاد فتحدث عن ترتيب ديوان الجيش وعطاء الجندي وما يخص المواطنين أو العمال من تقليد وعزل وما يخص بيت المال من دخل ومنصرف ومهمة كاتب الديوان ثم تحدث عن الجرائم وحدود الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف واللعان والقصاص والتعزير .. وكان آخر باب في الكتاب يتناول وظيفة الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقسامهما وحقوق الله وحقوق العباد.

اجمالي القراءات 41193