1 ـ نؤكد فى البداية على إدانتنا قتل أى نفس بريئة من إى جنس أو عرق أو دين أو مذهب أو بلد .. وبالتالى فليس هذا بأى حال دفاعاً عن القاتل أو تبريرا لجريمته، وأنما هى محاولة موضوعية للتحليل قبل أن تتحول مأساة قتل مروة إلى استخدام سياسى يرفع لواءه المتطرفون السنيون من جهة ، ويدفع ثمنه أبرياء من الجهتين.
هذه الموضوعية مطلوبة قرآنيا ، إذ يأمرنا الله تعالى بقول الحق حتى لو كان فى مصلحة الخصم ، وحتى لو كان ضد مصلحتنا أو مصلحة أقاربنا ( 4 / 135) (5/ 8) ( 6 / 152) . وهذه أحدى التفصيلات التى تقع ضمن باب التناقض بين دين الاسلام الذى جاء فى القرآن ، وأديان المسلمين الارضية .
الموضوعية هنا تتطلب أن نضع أنفسنا موضع القاتل ، أى نتجول فى عقله ، حين فقد عقله وانطلق بلا وعى يطعن الراحلة مروة الشربينى ، دون ان يكون قاتلا محترفاً أو مجرماً صاحب سوابق ، دليلا على أن الأمر فاق الاحتمال عنده.
ونتمنى أن تكون حالة فردية حتى لا يدفع الثمن الأبرياء المسلمون فى الغرب والأقليات المسيحية فى الشرق الأوسط .
2 ـ المفترض فى القاتل أنه مواطن المانى متعصب ، يبالغ فى الاعتزاز بقوميتة الآريه وثقافته المسيحية ووطنه الألمانى وطريقة الحياة الألمانية التى يحياها كل الألمان فوق تراب أرضهم . وهو يرى ـ ومعه الحق ـ أن ليس للعرب والمسلمين ثأر لدى ألمانيا ، فلم يسبق لألمانيا ان احتلت بلداً عربياً أو مسلماً ، كما فعلت انجلترة وفرنسا و ليبيا وهولنده ، وليس لألمانيا تاريخ فى استئصال العرب والمسلمين فى أراضيها كما حدث فى اسبانيا و البرتغال ، بل فتحت ألمانيا أبوابها للعرب والمسلمين وغير العرب والمسلمين . وهذا القاتل المتعصب يرى أنه بينما اندمج المهاجرون لألمانيا من كل الاجناس الاسيوية والافريقية ، فإن المهاجرين العرب والمسلمين رفضوا الاندماج فى المجتمع الألمانى ، وعاشوا منعزلين عنه متمسكين بلغاتهم الأصلية وبثقافة دينية استعلائية تتهم أهل البلاد بالكفر وأن مأواهم جهنم وبئس المصير. وكل هذا قد تبلور فى رمز واحد معلن للتحدى ، هو الحجاب للمرأة.
وفى عقلية هذا القاتل أنه لو اقتصر الأمر على مجرد الاستعلاء لكان هينا ، ولكن الاخطر انها ثقافة ابن لادن التى تقسم العالم الى معسكرين:معسكر الايمان والسلام ، ومعسكر الحرب والكفر ،ويجعلون ألمانيا ضمن معسكر الكفر و الحرب ،أى دار حرب ، ويراهم يقومون بترديد هذه الثقافة وتلقينها لابنائهم فى مساجدهم ومدارسهم ،ويعلنها ابن لادن فى تصريحاته التى تذيعها أجهزة الإعلام بكل اللغات ، وتتردد صريحة فى مظاهراة المسلمين الغاضبة حتى فى داخل الغرب . ولا يتوقف الأمر على مجرد القول بل يترجم ابن لادن تلك الثقافة الى اعمال ارهابية تقتل الابرياء المدنيين فى وسائل المواصلات، كما حدث فى نيويورك ولندن ومدريد ، وتتناثر التهديدات من ابن لادن بمتابعة الهجمات الارهابية ، ولا يقل اصراراً عنها ذلك التمسك بالحجاب تحديا للغرب ، فأصبح الحجاب عنواناً للتحدى والتميز والاستعلاء.
هذا ما يراه الالمانى القاتل لمروة التى تمسكت بحجابها وذهبت إلى المحكمة متحدية مشاعر الالمان.
3 ـ يزيد من ذلك أن مروة وغيرها من المسلمين و المسلمات لا يملكون فى بلادهم العربية والاسلامية التمتع بتلك الحرية فى الغرب ، فلا تستطيع مروة ـ لو بقيت فى مصر ـ أن تطالب بحقها فى ارتداء زى فى الشارع تتحدي به مشاعر (المسلمين) ، ولا تستطيع أن ترفع دعوى لتطالب بحق لها يخالف الثوابت التى لدى المسلمين .
أكثر من هذا : فى مصر يتعرض الأقباط للاضطهاد وتتعرض القبطيات للأسلمة القسرية ، ولا يستطيع الأقباط اصلاح دورة مياه فى كنيسة الا باذن ريئس الجمهورية أو من يقوم مقامه ، ولو حاول قبطى تحويل بيته الى مصلاة تحول الأمر إلى ساحة قتل وقتال.
ليس فقط الأقباط ، الشيعة فى مصر ممنوعون من اقامة مساجد لهم ، والقرآنيون مجبرون على الصلاة فى المساجد السنية المتعصبة ليسمعوا تكفيرهم وتحقيرهم واهانتهم فى دنيهم . هذا بينما يستطيع المسلمون فى المانيا أو أى دولة غربية شراء كنيسة وتحويلها إلى مسجد .
الالمانى القاتل يرى أن أولئك (المسلمين ) قد اختطفوا التسامح الغربى وقيمه العليا فى حرية الفكر والعقيدة واستخدموها ضد أصحاب البلد أنفسهم ، بينما لا توجد فى بلاد المسلمين سوى التعصب والتطرف والتزمت ومصادرة الحريات .
4 ـ الالمانى القاتل يرى أيضا أن مواطنية الالمان تعرضوا للقتل حين ذاهبوا إلى مصر سواحاً ...
جاءوا إلى مصر سياحا ينفقون أموالهم فى مصر ، يستفيد بهم النظام المصرى والمواطن المصرى العادى ، ويفترض أن ذلك السائح قد أعطى تأشيره دخول هى بمثابة عهد وعقد يضمن حمايته طيلة أقامته على التراب المصرى فى زياردته القصيرة ، ولكن الذى حدث أن المتطرفين من أصحاب الحجاب والنقاب واللحية والجلباب قتلوه ، ربما لا نعرف بالتحديد عدد السياح الألمان الذين قتلهم المتطرفون فى مصر خلال التسعنيات فقط ، ولكن قتل سائح واحد يعتبر جريمة عظمى تنضاءل إلى جانبها جريمة قتل مروة التى ذهبت اإلى المحكمه تتحدى بحجابها أهل البلد الذين استضافوها واستضافوا أسرتها ، ومكنوها أن تدخر من مكاسبها فى ألمانيا لتبعث بها إلى أهلها فى مصر كما يفعل كل المصريين المغتربين .
5 ـ أفظع ما يؤرق هذا الالمانى وغيره هو المستقبل الذى يحمل خطرا محققا على الأجيال الألمانية القادمة .
بعد حربين عالميتين خرجت ألمانيا تعانى نقصا حاداً فى عدد السكان ، وفى عدد الذكور بالذات ، واقترن هذا بدخول ألمانيا وأروبا الغربية كلها فى رحلة التناقص السكانى ، وانخفاض عدد المواليد باستمرار . وفى المقابل دخلت الشعوب العربيه والمسلمة فى مرحلة الازدياد السكانى ، والجاليات العربية والمسلمة فى المانيا والغرب يزداد عدد مواليدها زيادة غير طبيعية . وبسب المميزات التى تعطى فى الغرب وفى المانيا بالذات لكل الامهات والمواليد الجدد ، فقد أصبح من عوامل الارتزاق لدى المهاجرين العرب والمسلمين أن يزيدوا فى عدد مواليدهم للحصول على دخل أضافى ، وبالتالى يخشى الألمان أنه فى المستقبل القريب ستتحول تلك الأقلية العربية المسلمة فى المانيا إلى أغلبية مع تناقص عدد الألمان أصحاب البلاد الاصليين.
وفى عقلية القاتل الألمانى فلن يكون الأمر بهذا السوء لو كان العرب والمسلمون مثل بقية المهاجرين لالمانيا الذين يندمجون فى المانيا وفى سكانها ويحبون المانيا وأهلها. سيكون الأمر غاية فى السوء فى ضوء ثقافة الحجاب ، ثقافة ابن لادن التى تقسم العالم إلى معسكرين ، ويعتبرون المانيا ضمن دار الحرب ، وبالتالى يكون المسلمون المهاجرون المقيمون فى المانيا هم الطابور الخامس فى تلك الثقافة السنية الوهابيه لابناء بن لادن . أى أن المستقبل يحمل نذر خطر قادم لأجيال المانيا القادمة ..
والحجاب هو الذى يعلن مقدماً نذر الهلاك هذه ...
من أجل هذا فقد ذلك الالمانى عقله وانطلق يطعن مروة بلا وعى ..
6 ـ ولنتخيل أن نكون نحن فى موقف المانيا ، ويكون أحدنا فى موقف ذلك الالمانى القاتل .
نتخيل أن المانيا لا تزال تعيش تحت نير الاستبداد النازى ،أو فى ظل حاكم مستبد مثل حكامنا العرب. ولنتخيل اننا نحظى بديمقراطية وعدل ، ونفتح أبوابنا للمضطهدين فى العالم ، ومنهم الألمان ...
ونتخيل أن مئات الالوف من الالمان هاجروا إلى بلادنا هرباً من استبداد هتلر وطغيانه ولكنهم يؤمنون بكل ما يقوله هتلر من عنصرية واستعلاء ، ثم نرى هؤلاء الألمان ـ وهم يعيشون بيننا ـ متمسكين بدينهم وثقافتهم وعنصريتهم ، ويعملون من أجل اليوم الذى يسيطر فيه هتلر أو خلفاؤه على بلادنا ، ثم هم يسيرون فى شوارعنا يرتدون ما يخالف تقاليدنا ، يرتدون المنيى جيب ويمارسون الحرية الجنسية علنا ، ويشترون المساجد ليحولوها إلى كنائس ، ويقومون بنشر المسيحية بين المسلمين ، ويهللون كلما أرسل هتلر أعوانه لتدمير المترو ومحطات القطار ...
فاذا عبرنا عن عقيدتنا فى رفض ارتدائهم للملابس الفاضحة والمينى جيب ارتدت إحداهن مايوها ورفعت قضية فى المحكمة لتأخذ حكما يحمي حريتها فى ارتداء الشورت والمايوه والميكروجيب. فهل سنسكت أم سنقيم مذبحة لكل الجالية الألمانية ؟
الجواب معروف ، فيكفى أن المتطرفين أصحاب النقاب والحجاب واللحية والجلباب يجعلون جهادهم فى قتل السياح الأبرياء فى بلاد العرب المسلمين ، ويقتلون الابرياء فى بلاد الغرب وبلاد المسلمين .. ثم اذا تعرض أحدهم إلى القتل انطلقوا فى مظاهرات الشجب والاستنكار والمطالبة بالثأر.
7 ـ من المؤكد أن ما يعتقده القاتل الألمانى صحيح بالنسبة للمتطرفين السنيين ، ولكن ليس الرد على ذلك بقتل السيدة مروة ، وهو أيضا مخطىء لو ظن أن كل المسلمين فى الغرب متطرفون . الأغلبية المهاجرة تريد العيش فى أمان واستقرار ، ولكن الأقلية المتطرفة السنية هى صاحبة السيطرة والصوت العالى . ومهمة الغرب أن يحمى الأغلبية المسلمة المسالمة من الوقوع فى براثن ثقافة بن لادن . بذلك يحمى الغرب نفسه قبل أن يحمى الأكثرية المسلمة المهاجرة .
8 ـ مسكينة تلك الأغلبية المسلمة المسالمة فى بلاد الغرب . هم ضحية المتعصبين من الطرفين .