إنه الله جل وعلا ..يا أيها الناس ..!!

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٣ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :-

دار جدال داخل موقع أهل القرآن حول موضوع شهادة الإسلام حين كتبت أنها شهادة واحدة هى ( لا إله إلا الله )، وأن إضافة إسم محمد وجعلها شهادة مثناة فيه تفريق بين الرسل وتفضيل للنبى محمد على من سبقه من الأنبياء وهذا منهى عنه ، ثم أنه النواة الأولى للوقوع فى الشرك يترتب عليها ماهو واقع اليوم من تحول معظم المسلمين إلى ( محمدين ) يجعلون محمدا شريكا لله تعالى فى الصلاة والآذان والتشهد والحج ، أى شريكا لله تعالى فى الدعاء والعبادة ، يستغيثون به ويعبدونه مع الله تعالى ويجعلونه بالشفاعة المزعومة مالكا ليوم الدين .
بعض الأحبة إعترض قائلا إن إضافة محمد للشهادة ليس من الشرك فى شىء،فوعدت أن أكتب مقالا ختاميا فى سلسلة التفريق والتفضيل وشهادة الإسلام .وهذا هو المقال .

أولا: - ما قدروا الله حق قدره

1 ـــ أخترت أن يكون العنوان " إنه الله ..يا أيها الناس " للتذكير بعظمة الله عز وجل التى عادة ما ينساها الإنسان فيكون من الذين ما قدروا الله حق قدره .

2 ـــ المشكلة هنا أن الله عز وجل هو غيب بالنسبة لنا ، لا نراه . ولكن نرى بعض آلاء صنعه فينا وفيما حولنا (الذاريات 20 :21 ). فى السموات آيات تلقى من الإنسان عدم إكتراث ( يوسف 105-106 ).، بحيث لا يسأل الإنسان نفسه هل الذى خلق كل هذا الكون وحده يحتاج إلى شريك ؟! أو يستحق أن يذكر إلى جانبه بشر من المخلوقات

3 ـــ إن التفكير العقلى الموضوعى فى خلق السماوات والأرض فريضة إيمانية على أولى الألباب تنتهى بهم إلى أنه لا إله إلا الله (آل عمران 190 : 191 ). ولقد تهيأ لنا فى عصر العلم أن نرى عجائب الخلق فى أعماق المحيطات وأعماق الفضاء وأعماق الخلية وهندستها الوراثية وأعماق الذرة والنواة ، هذه العظمة فى الخلق هى بعض دلائل العظمة فى الخالق جل وعلا. مع أننا لم نكتشف سوى الساحل ، ولأن ما يمكن أن نصل إليه ونراه – من عوالم الغيب – أعظم ، وحين نرى بعضه فى لحظة الموت ، وفى الأخرة سيتحول لدينا العلم البسيط إلى (علم اليقين)والحق البسيط إلى(حق اليقين) ، والرؤية الظاهرية الى (عين اليقين) .
رؤيتنا البسيطة للكون تبهرنا. هذا الكون مجرد عبارة (ما بينهما ) فى قوله تعالى : (
اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ : السجدة 4 ) هذا الكون بنجومه ومجراته وفراغاته هو مجرد فناء خلفى للسموات الدنيا ، كلها تظهر لأعيننا مجرد نقط لامعة فى سواد الليل، وصفها الله جل وعلا بما يناسب عقلنا بأنها مصابيح للسماء الدنيا التى لا ندرى عنها شيئا ( الصافات 5-6 ).
يبهرنا أن نتعرف على بلايين السنوات الضوئية داخل هذا الكون ، ويبهرنا ما نتعرف عليه عن الثقوب السوداء والثقوب البيضاء وأحجامها التى تبتلع النجوم والمجرات ، ويبهرنا أننا لازلنا نلهو على شاطىء التعرف على هذا الفناء الخلفى للسماء الدنيا وهو الكون، ويبهرنا أن عقلنا يتوه فى التفكر فى هذا الكون وبلايين سنينه الضوئية ..
ويبهرنا أن الله تعالى أقسم بمواقع النجوم (الواقعة 75- 77 ) ، ليس القسم بالنجوم هنا ولكن بمواقعها لأن ما نراه الآن ليس النجوم الحاليه ، ولكن ما يصل إلينا من ضوئها من ملايين السنين ، أما هى فربما إنفجرت وتحولت إلى ثقب أسود غير مرئى لنا أو لا تزال باقية ولكن تغير موقعها .
مع كل هذا الإنبهار ببعض ما نكتشفه من آلاء الله عز وجل فى أنفسنا وفى الأرض وفى الكون فإن هذا الإنبهار لا نترجمه إيمانا يقدر الله عز وجل حق قدره ، بدليل أن بعض أهل القرآن لا يزل يتسامح فى أن يجعل أحد البشر قرينا لله تعالى جل وعلا فى شهادة الإسلام التى تعبر عن الوحدانية ، مع أن محمدا قد مات مثلما يموت كل البشر ، أى تعفن جسده ، وتحول إلى سوأه ، ثم أنتهى إلى تراب. يأخذون من التقديس المفروض أن يكون خالصا لله عز وجل وحده ، ويعطونه إلى عبد من عباد الله تعالى ، لذا نقول لهم : آن لنا أن نقدر الله سبحانه وتعالى حق قدره.!!.

ثانيا :- إخلاص الدين لله تعالى وحده يمنع أن نضيف اسم مخلوق شريكا مع الله جل وعلا.

1 ـــ سبق أن أكدنا أن عمل الصالحات وحده لا يكفى فلابد أن يصدر عن عقيدة لا مجال فيها لتقديس المخلوقات ، أى لا تقديس ولا عبادة ولا دعاء إلا لله تعالى وحده ، وسبق التأكيد على أن مصير المشرك أن يحبط الله عمله الطيب فيكون مصيره الخلود فى النار ( النساء 48 ،116 )،(المائدة 72 ).

2 ـــ إخلاص الدين لله تعالى هو محور الإسلام،فلله تعالى وحده الدين الخالص:( الزمر 3 )،(البينة 5 ) ، والدين له شقان : العبادة ، ويجب أن تكون العبادة خالصة لله تعالى (الزمر 2 ،11،14 ) ، والعقيدة أى الإستغاثة والدعاء وطلب العون فلا يكون إلى بالله تعالى ومن الله تعالى ( الأعراف 29 ) ، ( غافر 14 ، 65 ) .
وفى سورة الفاتحة يؤكد المسلم أن الله تعالى وحده هو الذى نعبده،وهو وحده الذى ندعوه ونستعين به ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، وهو إيجاز رائع لمعنى الإخلاص .

3 ـــ بالإخلاص لله تعالى ينجو المؤمن من مكر إبليس:(الحجر:39-40)(ص: 82 ـ)، وينجو من الوقوع فى المعصية:(يوسف 24)،وفى قصص الأنبياء السابقين نجا من الهلاك من أخلص دينه لله عز وجل،والمخلصون هم فى النهاية أصحاب الجنة :( الصافات: 71-74 ،127-128 ، 38 -43 ).

4 ـــ وإخلاص الدين والعقيدة والعبادة هو حالة دائمة مستمرة عند المؤمن صحيح الدين لأنه ينظف قلبه دائما بذكر الله تعالى وحده وبتلاوة القرآن الكريم وتدبره.
ويعرف المشركون الاخلاص لله تعالى عند المصائب فقط،عند الغرق مثلا يفزعون ويدعون الله تعالى مخلصين له الدين ( يونس 22 )(العنكبوت 65 )( لقمان 32 )، حتى فرعون نفسه مر بهذه التجربة فى الوقت الضائع( يونس 90 ـ ).
وليتذكر الإنسان منا نفسه وهو فى موقف عصيب يدعو الله تعالى راجيا باكيا تائبا عندما يشرف على الهلاك من مرض أو غرق أو مصيبة هائلة قاهرة ، عندها يعرف معنى الإخلاص ، هذا هو الإخلاص المؤقت الذى سرعان ما ينساه المشرك بعد زوال المحنة ، والمطلوب أن يتحول إلى إخلاص دائم ومستمر حتى يلقى ربه بقلب سليم .

5 ـــ ومن التعبيرات القرآنية عن إخلاص الدين لله تعالى أن يتوجه وجهك لله تعالى وحده ، أو أن تسلم وجهك لله تعالى، وبالتالى فلا يكون هنا شريك فى عقيدتك مع الله تعالى :(الأنعام 79 ) ، (الأعراف 29 )،(آل عمران 20 ).وبذلك يلقى المؤمن ربه يوم القيامة بقلب سليم (الشعراء 88-89 ) .

6 ـــ الإخلاص يعنى أن يكون التقديس لله تعالى 100 % ، وبالتالى فإن أى ذرة شرك تحول هذا الإخلاص الى شرك وكفر، ولا يكون القلب سليما عند لقاء الله جل وعلا.
إن الناس تعتقد أنه يكفى أن يعبدوا الله ويكفى أن يؤمنوا به ، وأن يعترفوا بوجوده. هذا ماكان عليه العرب فى الجاهلية،وهو ما عليه المحمديون اليوم على إختلاف أديانهم الأرضية.
ينسون أن المطلوب أن يؤمنوا بالله تعالى وحده إلاها وأن يعبدوه وحده وأن يقدسوه وحده ، وهذا هو معنى الإخلاص ، وبالتالى فلا مجال للتسامح مع أى ذرة شك ، لأنه لا شريك له جل وعلا حين خلق هذا الكون وحين خلق الأنسان ، ولأن من الظلم لرب العزة أن تشرك به أو أن تضيف لمقامه المقدس مخلوقات من خلقه .
لذا فإن التعبير القرآن عن الشرك يجعل أقل من 100% يكون شركا وكفرا ،بمعنى أنه لو أشركت بالله جل وعلا ذرة شرك واحده وحيدة وحافظت عليها حتى الموت فقد حبط عملك وتحتم خلودك فى النار.
7 ـ وقد قالها رب العزة: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)(النساء 36 ).
فالأمر هنا (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ) يؤكده النهى (وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)، والمعنى أن الله تعالى هو الذى شيأ الأشياء أو خلق الأشياء ، ومن جعل أى نسبة من تلك الأشياء المخلوقة شريكا لله تعالى فقد وقع فى الشرك ، يستوى إن كان هذا الشىء ملكا من الملائكة أو نبيا من الأنبياء أو مجرما من أرباب السوابق .
ولذلك لا مجال للتوسط هنا بين الإسلام والكفر ، فإما إخلاص (100% ) لله تعالى وحده وإما كفر وشرك وشراكة مع الله تعالى ولو بنسبة واحد فى المائة .بمعنى آخر فأى شائبة إعتقاد فى شىء مع الله ،أو أن يقل الاخلاص عن درجة (100%) فهو شرك وكفر. بمعنى آخر :إما حق وإما باطل ، ولا وسطية بينهما (يونس 32 ) ، فلا مجال للشركة أو للقسمة على إثنين(النحل 51-52 ) حتى لو كان لأحدهما نسبة 0.1% فقط .لذلك يأتى التحذير للمؤمنين فى حياتهم بتصحيح إيمانهم حتى لا يعيشون مؤمنين حسب الظاهر ، بينما يلقون الله تعالى كافرين خالدين فى النار( النساء 136 ).
أى لا بد أن يفهمواأن الإخلاص يعنى إحتكار الإيمان كله بالله تعالى وحده إلها ،.والكفر أو الشرك يحوى إيمانا بالله تعالى وبغيره.هذا الإيمان المختلط المغشوش الخالى من الإخلاص لا يقبله الله تعالى ويلعن أصحابه( النساء 52،46، 155)(البقرة 88 )(الحاقة 41 )، ومصير صاحبه إلى النار(السجدة 29 ) .
8 ـــ وليس إخلاص الدين لله تعالى مشكلة عسيرة،لأنها إختيار قلبى، فالذى يريد الهداية بإخلاص يجدها فى المتناول،أما الذى يصمم على عقيدته ويتلمس لها الأدلة ويتعسف لها الحجج فتراه يستسهل الوقوع فى الشرك ولا يعتبر ما يعتقده شركا طالما – فى نظره – يؤمن بالله تعالى ...
وعلى العكس ، فلا مجال للتساهل فى عقيدة ( لا إله إلا الله ) بينما يتساهل فيها المحمديون والمشركون، بل يلاحظ أن الله تعالى أباح الأعذار فى العبادات ، فهناك القصر فى الصلاة وأعذار فى الصوم وفى الحج الواجب على المستطيع فقط وأعذار فى الصدقة لمن لا يستطيع وأعذار فى الجهاد، ولكن لا عذر مطلقا لمن يقع فى الشرك والكفر ويظل به دون توبة إلى أن يموت .
نتكلم هنا عن الإرادة القلبية أى القلب المخلص لله تعالى مقابل الذى شرح بالكفر صدره ، فلو إمتلأ قلبك إخلاصا لله تعالى فلا عليك إن إضطررت تحت الإكراه أن ينطق لسانك بما يخالف قلبك. هذا مسموح لك (النحل 106)،
9 ـ لا مجال فى عقيدة الإخلاص لأى اعذار ولا مجال فيها لعذر النية الطيبة .
النية مجالها فى العمل للمؤمن صحيح العقيدة فقط ...فالله تعالى يغفر لمن يخطىء ناسيا ولمن لا يقع فى التعمد ، مثل القسم بالله تعالى(المائدة 89)، وسائر الأعمال :(الأحزاب 5 )(النساء 93 )(المائدة 95 ).
هذا كله يخص عمل المؤمنين صحيحى العقيدة .أما المشرك فقد إنتهى أمره من قبل ،إذ أحبط الله تعالى كل أعماله الصالحة .
10 ـ وفى النهاية فالإخلاص القلبى أوالشرك القلبى هو إختيار ممكن وسهل لكل من أراد ، ولهذا يستسهل الناس إتباع ما وجدوا عليه آباءهم ، كما يسهل على من يريد الهوى أن يهتدى.أى من السهل عليك أن تخلص لله تعالى قلبك ، ومن السهل أيضا أن تجعل محمدا شريكا له فى الشهادة وفى الحج وفى الشفاعة والصلاة ...الخ ، هى عقائد تراود عقل الإنسان وقلبه ، وله حريته فى الاختيار، ولكن هذا الإختيار السهل يترتب عليه الخلود فى الجنة أو النار .

ثالثا : تحذير من بذرة الشرك التى تبدأ بتمييز نبى عن غيره من الأنبياء :-

1 ــــ قد يقال انه ليس معنى أن نشهد بأن محمدا رسول الله أننا نقع فى الشرك ، لأننا لسنا مثل الآخرين فلا نقول مثلهم شفاعة النبى ولا نقول مثلهم أشرف المرسلين ، أو سيد المرسلين ولا نحج إلى قبره .... الخ .
وفى الرد نقول :
هنا بذرة الشرك وبدايته،وسبق التأكيد على أن 1% نقص فى الإخلاص يعنى الشرك .
وبذرة الشرك تبدأ بإبتداع شىء فى الدين ليس فى كتاب الله ويخالف كتاب الله . فلم يقل رب العزة فى شهادة الإسلام ( شهادة الله أنه لا إله إلا هو وأن محمدا رسول الله ) بل أن لفظ محمد فى القرآن الكريم جاء فى 4 مرات كلا منها يؤكد على بشريته ، منها أنه مجرد رسول الله ، قد خلت من قبله الرسل (آل عمران 144 ) وأنه رسول الله وخاتم النبيين ولن يبلغ أحد أبنائه مبلغ الرجال(الأحزاب 40 )، والإيمان بما نزل على محمد ( محمد 2 )أى ليس بمحمد نفسه،وجاءت آية أخرى بالصفات الظاهرية للصحابة الذين حوله، وأن منهم من سيدخل الجنة (الفتح 29 )،أى بعضهم وليس كلهم ...
الأخطر هنا أن تميزه بذكره فى الشهادة مع الله هو تفريق واضح بين الرسل وتفضيل له عليهم ، وهذا منهى عنه،أى أنه ليس فقط إبتداعا فى الدين بل هو عصيان صريح لأمر الله جل وعلا .
ومع انه سبق التوضيح فى مقال ( لا نفرق بين أحد من رسله ) أن التفريق موصوف بالكفر الحقيقى فى القرآن الكريم ، إلا أننا هنا نعيد التأكيد على الآتى :-
 الضمان الوحيد لعدم التفريق بين الرسل هو – كما أكد رب العزة – أن يكون الإيمان بما أنزل الله تعالى عليهم ، وليس الإيمان بأشخاصهم .
 لأن التفريق بين الرسل قضية عقيدية حساسة لا مجال فيها للتوسط ، أى أن 1% فيها وقوع فى الشرك ، أى لا مجال للمناورة والتلاعب بالآيات الكريمة ، لأن ذلك يتعدى مرحلة الضلال إلى مرحلة أحط وهى الإضلال .
 لأن التفريق بين الرسل قضية عقيدية فالأمر فيها بالسمع والطاعة،وإلاّ فهو عصيان للرحمن .
 لأنها قضية عقيدية مرتبطة بإخلاص الدين لله تعالى وحده فلا مجال لأى منفذ يفتح الباب أمام شخصنة الإسلام بتقديس شخص محمد ،وهى اللبنة الأولى التى يتمدد ويتعمق على أساسهاالشرك كما يحدث الأن عند المحمديين من سنة وشيعة وصوفية .
 ولأنها قضية إخلاص فى العقيدة فلا مجال لشخص النبى – أى نبى – فيها ، حيث أن حساسية وضع النبى بالذات تكون قاتلة لإخلاص العقيدة لله تعالى إذا تم تمييز نبى من الأنبياء على غيره بالمخالفة لأوامر الله تعالى ، فذلك هو السبيل لتأليه النبى مع الله جل وعلا .
 القول بأننا نقول الشهادتين فقط دون الوقوع فى بقية معالم الشرك – يعنى أن القائل بهذا قد تخلص من أغلب ما توارثه من عقائد الشرك ، ولكن لا يزال محتفظا بقاعدة الشرك الأساسى،وهى جعل محمد شريكا لله تعالى فى شهادة الإسلام،أى لايزال أمامه وقت ليصل إلى الاخلاص التام فى العقيدة.نرجو الله تعالى له ولنا الهداية ..
 ونعيد التأكيد على أنه فى عدم التفريق بين الرسل يأتى الإيمان بالله تعالى مقترنا بالإيمان بما نزل على الرسول،وتأتى إضافة الملائكة والكتب والرسل بضمير يعود على الله، كأدوات لله جل وعلا فى تبليغ الرسالة ، وليس ككيانات مستقلة ينبغى الإيمان بها إيمانا مستقلا،لأنها لو كانت كيانات مستقله لأصبحت آلهه مع الله. مع التأكيد على أن النبى محمد هو أول المأمورين بهذا الإيمان ، ولنقرأ بتمعن قوله جل وعلا: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ: البقرة 285 ) ،
 وبسبب عدم التوسط فالقضية هنا هى إما إيمان حقيقى وإما كفر حقيقى بلا توسط بينهما، فالمؤمنون يقولون(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) يقابلهم الكافرون الذين يتمسكون ـ حتى الموت ـ بالتفريق بين الرسل. والموقفان المتناقضان للفريقين كلا منهما يشرح الأخر بمنهج المخالفة،أى مخالفة كلا منهما للاخر بوجود كل منهما فى معسكر يناقض الأخر،أى تلمح فى معسكر الإيمان أنه ضد التفريق بين الرسل ، ويأتى شرح التفريق بين الرسل فى توضيح صفات الكفار مع وصفهم بالكفر الحقيقى. ونسترجع الآية الكريمة ...
 معسكر الإيمان الحقيقى وصفاته يحملون لواء (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) الذى أكّده رب العزة أكثر من مرة فى القرآن الكريم (البقرة 136 ،285 )،( آل عمران 84 )، (النساء 152 ). يقابل هذا معسكر الكفر الحقيقى الذى وصفه الله تعالى (النساء 150-151 ).ومنه نعرف أن التفريق بين الرسل هو كفر بالله لأنه إرتفع بشخص أحد الرسل فوق مستوى الرسل الأخرين ، أى رفعه إى مستوى الشريك مع الله تعالى ولو بنسبة 1% .
 والتفريق بين الرسل هو كفر بالرسل ، أى كفر بكل الرسالات السماوية التى نزلت فى تأكيد أنه لا إله إلا الله .
 وهو تفريق بين الله ورسله إذ يحدث إضطرابا فى قضية الإيمان ، ففى الإيمان الحق يتحدد الإيمان بالله تعالى إلها لا إله غيره ولا إله معه ، ويتحدد بالإيمان بما أنزل على الرسل مؤكدا أنه لا له إلا الله . ولكن عند تمييز رسول معين والتفريق بينه وبين الرسل يرتبك الوضع الإيمانى هنا ، إذا زاد الإيمان برسول على بقية الرسل ، ودخلت شخصية الرسول البشرية عنصرا فى الإيمان ، وتميز بهذا عن بقية الرسل مما يعد كفرا بالرسالات التى جاءوا بها،وفى نفس الوقت فإن هذا الإيمان الزائد بأحد الرسل قد تم إقتطاعه من الإيمان بالله تعالى ، وأعطوا ذلك الرسول تقديسا من التقديس المفروض فيه أن يكون لله تعالى وحده، وبذلك يتناقص الأيمان بالله تعالى من 100% ،والجزء المقتطع منه يضاف لشخص الرسول مما يعد كفرا بالله ، وهنا يحدث الإرتباك فى قضية الإيمان ، فيتحول إلى كفر ، أو على حد قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)( النساء 150 ) . ولذلك حكم الله تعالى بأن ذلك هو الكفر الحقيقى ، ومصير من يموت عليه هو العذاب المهين (أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)(النساء 151 )
 ولنتأمل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) (النساء 150 ) أى أنهم يتخذون ذلك سبيلا إلى توسيع وتعميق قاعدة الشرك،يبدأ التفريق بالتأليه لشخص الرسول ثم تعميق صفاته الإلهية ، ثم إضافة آلهة أخرى معه، أى يبدأ قاعدة الشرك بــ 1% شركا تستقطعه من الإخلاص الواجب لله تعالى ن فيكون الإيمان شركة بين الله والنبى ، يجعلون لله 99% وللنبى 1% ، ثم لا يلبث أن يتعمق الشرك كما هو حادث الأن إلى 99% للنبى والأئمة والأولياء والشيوخ وآل البيت والصحابة والتابعين ... وأقل من 1% لله تعالى ، وكل ذلك ينبع من القاعدة الضئيلة (1%) ، أى جعل شهادة الإسلام الواحدة شهادتين والتفريق بين الرسل وتفضيل محمد عليهم .
 وهم يتخذون إلى ذلك سبيلا أيضا بإختلاق الأدلة بالتلاعب بآيات القرآن الكريم ومصطلحاته وبإختراع الأحاديث ونسبتها إلى خاتم المرسلين،وإضافة شهادة ثانية إلى شهادة الإسلام يحتلها محمد إلى جانب رب العزة ، مع أنه لم تأت شهادة فى عقائد الإسلام فى القرآن الكريم إلا فيما يخص رب العزة والقرآن الكريم .
 وهو يتخذون إلى ذلك سبيلا بإتهام من يقول الحق بأنه يعادى خاتم المرسلين محمدا عليه السلام ،مع أننا أكثر الناس حبا له لأننا نبرئه من تلك الأكاذيب ولأننا نتمسل بما كان يتمسك به عليه السلام ونقتدى به فى جهاده فى سبيل :( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ).

رابعا :- ويحسبون أنهم مهتدون .

1 ـــ إذا تحكم الشيطان فى قلب الإنسان فإنه يجعله يرى الحق باطلا والباطل حقا،ويجعله يحسب أنه على الهدى:(الأعراف 30)(النحل 63)(الأنعام 122 ) (فاطر 8 ) ووظيفته أن يزين للمشرك سوء عمله .

2 ـــ وأبناء إبليس وذريته يقترن كل واحد منهم بكل فرد مشرك يزيده ضلالا ، ويزين له سوء عمله حتى يحسب أنه على الهدى (الزخرف 37 )، (فصلت 25 ).ويصيبه بالعمى العقلى عن ذكر الله تعالى . يخدعه القرين الأبليسى بأن لا شىء عليه إذا ذكر الأولياء المقدسين والأنبياء مع الله تعالى، ويتحكم فيه فيجعله يرفض ذكر الله وحده وتعظيمه وحده(الزمر45 )(الإسراء 46 )،ويوم القيامة سيتبرأ منه ذلك القرين ويتبرأ هو من ذلك القرين (ق 23-27 ) . والنجاة من هذا القرين الشيطانى هى قراءة وسماع وتدبرالقرآن الكريم وفيه ذكر الله تعالى.

3 ـــ وترى مظاهر هذا الخداع من مظاهر الشرك فى الدنيا ....
فالمشرك العابد للأولياء وقبورهم المقدسة يعتقد أنهم واسطة تقربهم من الله تعالى وأنه لا بأس بهذا ، دون أن يعلم أنه أضاع إخلاصه لربه بما يفعل ( الزمر 1-4 )، وهذا العابد للقبور المقدسة يحسب أنه على الهدى وأنه يحسن صنعا ،(الكهف 102-104) وهو يعتقد أن شفاعة البشر ستنجيه مهما فعل من معاصى وآثام ، ولذلك ستكون مفاجأة قاسية له يوم القيامة حين يرى من الله تعالى ما لم يكن يحتسب (الزمر 47-48 ).

4 ــــ ويبدو تعمق هذا الخداع، حين تعرف من القرآن الكريم أن المشرك يموت معتقدا أنه على الحق ويظل منخدعا بهذا حتى يوم الحساب ،إذ يحاور رب العزة مصمما أنه لم يكن مشركا (الأنعام 21-24 ) ويزول عنهم الخداع حين يرون أنفسهم على وشك الإلقاء فى النار ، عندها يتمنون فرصةأخرى بلا جدوى (الأنعام 27 -30 ).
فهل ننتظر هذا المصير ؟!! أم نبادر قبل الموت بتصحيح عقائدنا وعدم الإصرار على الباطل ؟.
ختاما .
1 ـ نحن نحترم حق كل إنسان فيما يختاره من عقيده ويصمم عليها ، وطالما يصمم على عقيدته فلا شأن له بهذا المقال ، هذا المقال موجه لمن يريد معرفة الحق ، ولمن أفلح فى تطهير جزء كبير من عقيدته، نقول له بدافع الحب له والحرص على مستقبله يوم القيامه أن يعيد التفكير طالبا من الله تعالى الهداية بإخلاص ، لأن مشكلة الشرك الكبرى تكمن فى خداع الناس اى يظل صاحب الضلال المؤقت مقتنعا أنه على حق ، ويحسب أنه يحسن صنعا ويحسب أنه مهتدى ، ويظل هكذا يخدع نفسه دون أن يشعر إلى وقت الإحتضار حيث لا تجدى التوبة ...

2 ـ ندعو الله تعالى ألا نكون ممن قال فيهم رب العزة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ البقرة 8-9 ) .
ندعو الله تعالى ألا نكون ممن إذا قيل لهم (إنه الله ) فيردون ( إنه محمد ) .

اجمالي القراءات 20119