مع تهديد مصالحها.. هل تتدخل مصر عسكريا في السودان؟

في الثلاثاء ٢٥ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

مع تضرر مصر من الاقتتال الراهن بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في جارها الجنوبي السودان، واحتمال احتدام وإطالة أمد الاشتباكات بما يهدد أمنها القومي، تتزايد تساؤلات بشأن احتمالات أن يتدخل الجيش المصري في محاولة لحسم النزاع لصالح نظيره السوداني، بما قد يتعارض مع مصالح وحسابات دول أخرى في الساحة السودانية.

وبوساطة أمريكية، بدأت منتصف ليلة الإثنين- الثلاثاء هدنة جديدة من الاشتباكات التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان الجاري بين الجيش، بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية بقيادة نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وحتى الآن، تعد مصر أحد أبرز المتضررين من القتال في السودان، فمساء الإثنين أعلنت الخارجية المصرية مقتل مساعد الملحق التجاري المصري محمد الغراوي بينما كان في طريقه إلى مقر السفارة في العاصمة الخرطوم.

وإجمالا، أودت الاشتباكات بحياة 420 شخصا وأصابت 3700 بجروح، ودفعت عشرات الآلاف إلى النزوح من مناطق الاشتباكات نحو ولايات أخرى أو في اتجاه مصر وتشاد، وفقا للأمم المتحدة.

واستنادا إلى صور للأقمار الاصطناعية، كشفت شركة "ماكسار" لتكنولوجيا الفضاء عن تدمير عدد من الطائرات المقاتلة المصرية الرابضة في مطار مروي شمالي السودان بعد سيطرة قوات "الدعم السريع" على المطار. ويُعتقد أن تلك القوات دمرت الطائرات لمنع استخدامها في استهدافها وتوفير غطاء للجيش.

وإثر سيطرتها على المطار، أسرت "الدعم السريع" 27 جنديا مصريا، وظهرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي لعملية أسرهم وتوجيه إهانات لفظية إليهم، مما أثار غضبا بين المصريين ودعوات إلى الرد.

وبوساطة الإمارات، تسلمت مصر الجنود الـ27 بعد إجلاء 177 عسكريا مصريا آخرين على متن أربع طائرات، وقالت القاهرة إنهم كانوا في السودان للمشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة بين البلدين، و"ليس لدعم أو تأليب طرف ضد طرف".

وربما تضطر مصر، التي تعاني من أزمة اقتصادية متفاقمة وتستضيف بالفعل نحو خمسة ملايين سوداني فروا من ويلات الفقر والقتال، إلى استقبال مزيد من السودانيين في ظل وجود اتفاقية لحرية حركة المواطنين بين البلدين للإقامة والعمل.

القاهرة والبرهان

في 17 أبريل/ نيسان الجاري، ترأس الرئيس المصري عبد القتاح السيسي اجتماعا للمجلس الأعلى للجيش المصري (أعلى جهة عسكرية)، وقال إن "ما يحدث في السودان هو شأن داخلي ولا ينبغي التدخل في، حتى لا يحدث تأجيج أو يتطور الصراع فيه بشكل لا يناسب السودان ولا المنطقة"، بحسب كلمة متلفزة.

وشدد السيسي على أن مصر "لن تتدخل في الشأن الداخلي للسودان وستستمر اتصالاتها لوقف إطلاق النار"، معربا عن استعداد بلاده لـ "لعب دور إيجابي أو وساطة لإحداث هدوء واستعادة الأمن والاستقرار بين الفرقاء في السودان".

لكن مقابل الموقف الرسمي المعلن، قال الباحث محمد الدوح، في تحليل بموقع "أوراسيا ريفيو"، إنه "على مدى قرون، اعتبرت مصر السودان عنصرا حاسما لأمنها الاستراتيجي على طول حدودها الجنوبية، وتلقى العديد من القادة العسكريين والحكوميين في السودان تعليمهم وتدريبهم في مصر، وبينهم البرهان الحاكم الفعلي للبلاد".

وأضاف أنه "منذ عام 2019، نسقت مصر ودعمت البرهان بقوة في المصالح الاستراتيجية الرئيسية للبلدين، وبينها التدريبات العسكرية المشتركة، وتعزز التعاون الثنائي وسط التوترات المتزايدة بين مصر وإثيوبيا (جارة السودان) إثر بناء الأخيرة لسد النهضة، الذي يشكل تهديدا للأمن القومي لمصر؛ بسبب الآثار الزراعية والاجتماعية السلبية المحتملة جراء السيطرة على منبع تدفق نهر النيل".

واعتبر الدوح أن "هذا يساعد في تفسير التواجد المستمر لأفراد القوات الجوية المصرية في قواعد بالسودان، وبينها الطائرات المقاتلة من طراز MiG-29 في قاعدة مروي الجوية، ومن المحتمل جدا أن تستمر مصر في دعم الجيش بقيادة البرهان، لأن حميدتي يحافظ على علاقات قوية مع إثيوبيا".

ونقلا عن مصادر وصفتها بالمطلعة، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن مصر أرسلت طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني، بينما أرسل اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر (حليف مصر والإمارات) طائرة واحدة على الأقل لنقل إمدادات عسكرية لـ"الدعم السريع".

أبوظبي وحميدتي

وبينما قالت الصحيفة إنه لا توجد مؤشرات لتحديد إن كان تدخل حفتر جاء بدعم من روسيا أو الإمارات، فإن الصحفي المصري مجدي عبد الهادي كان حاسما بقوله إن حميدتي يحظى بدعم الإمارات، وهي في الوقت نفسه أحد أكبر الداعمين لمصر ماليا، ما يلقي الضوء على معضلة القاهرة التي قد تتحمل أكثر من غيرها فاتورة صراع ربما يطول، وفقا لتحليل بموقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وبحسب الدوح، "حافظت الإمارات، وهي حليف تاريخي لمصر على مدى عقود، على علاقات قوية مع كل من الجيش والدعم السريع، ويتضح هذا من مشتريات الذهب الضخمة للإمارات من السودان، حيث يسيطر حميدتي على معظم المناجم".

وتابع: "على الرغم من أنه ليس واضحا أي جانب ستدعمه الإمارات في الصراع، إلا أنه مهما كانت الخطوة التالية فستتطلب تنسيقا واتفاقا بين الإمارات ومصر، فأي خلافات قد تؤثر سلبا على الصراع السياسي والمواجهة العسكرية"

ثورتان وجيشان

وبجانب احتمال تضارب مصالح مصر والإمارات، يوجد سبب إضافي يجعل من الصعب على القاهرة إعلان دعمها لأحد طرفي الصراع، فلدى النخبة السياسية في الخرطوم "مخاوف مبررة حيال أن يشجع الجيش المصري نظيره السوداني على أن يحبط التجربة الديمقراطية" كما حدث في القاهرة، بحسب عبد الهادي.

وأضصاف أنه " كان لكل دولة منهما الثورة الخاصة بها، وأسقطت الثورة المصرية حسني مبارك في 2011، بينما أسقطت الثورة السودانية عمر البشير في 2019، وكان للجيش دور حاسم في إسقاط الزعيمين".

وبين البرهان وحميدتي خلافات أبرزها حول مقترح لدمج "الدعم السريع" في الجيش، وهو شرط أساسي لاتفاق يهدف إلى عودة الحكم المدني في البلاد، بعد أن تحالف البرهان وحميدتي معا للإطاحة بالشركاء المدنيين من حكم المرحلة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عبر فرض البرهان إجراءات استثنائية أبرزها حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ.

وفي حال اختل ميزان التكافؤ الراهن بين الجيش و"الدعم السريع"، وفقا لموقع "وورلد فيو"، التابع لمركز "ستراتفور" للدراسات الأمنية والاستراتيجية الأمريكي، فمن المرجح أن يتدخل "اللاعبون الإقليميون الثلاثة الأكثر انخراطا في السودان، وهي مصر والإمارات والسعودية"، في القتال بين الطرفين.

وبحسب تقديرات غير رسمية، يمتلك الجيش نحو 124 ألف عسكري، مقابل حوالي مئة ألف فرد لـقوات "الدعم السريع"، التي أُسست في 2013 لمساندة الجيش في قتاله ضد الحركات المسلحة المتمردة في إقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهاما منها مكافحة الهجرة غير القانونية عبر الحدود وحفظ أمن البلاد.

مع ذلك، وفقا لعبد الهادي، فإن "جميع المسارات المحتملة للصراع في السودان محفوفة بالمخاطر بالنسبة للجيش المصري، فقد يؤدي التدخل بقوة لصالح أي من طرفي الصراع إلى نتائج عكسية تؤثر على المصالح المصرية".

وأردف أنه "بعد أن دعمت مصر أحد طرفي الصراع في ليبيا، اللواء المتقاعد حفتر الذي فشل في الانتصار، فلابد أن تكون القاهرة تعلمت جيدا من هذا الخطأ"، لكنه اعتبر في الوقت نفسه أن عدم اتخاذ القاهرة موقف حاسم حيال الوضع الراهن في السودان قد لا ينجح على المدى الطويل.

في ظل كل تلك الحسابات الداخلية والخارجية الصعبة والمعقدة، يبدو أن مصر في حيرة شديدة بشأن احتمال التزام الحياد الرسمي المعلن أو اللجوء إلى تدخل عسكري صريح، فلكل من الخيارين خسائر محتملة ومؤلمة، لكن في حال لم ينته القتال قريبا بالتفاوض، فإن القاهرة في نقطة ما، وعبر مقارنة الأضرار المرجحة، ستحسم أمرها لا محالة.
اجمالي القراءات 1147