( 4 ) ملامح الضلال كسلوكيات ومواقف لأشخاص :

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٨ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :
بين منهج القرآن فى القصص ومنهج مؤرخى السيرة
المادة التاريخية قسمان : تاريخ للماضين وتاريخ معاصر للحدث . أما فى القصص القرآنى فالمادة التاريخية فيه ثلاثة أقسام ، تشمل : تاريخ الماضين قبل نزول القرآن ، مثل قصص الأنبياء والأمم السابقة ، وهناك تاريخ مستقبلى أخبر عن بعض ما سيأتى فى المستقبل ، وهناك تاريخ معاصر ،أى عاصر ما يحدث للنبى محمد وعلاقاته بالمشركين وبالمؤمنين.
هو ايضا تاريخ معاصر بمعنى إنه يمكن تطبيق بعضه على كل عصر ويكون معاصرا لكل عصر، والسبب هو فى الصياغة القرآنية الفريدة للمادة التاريخية ، فالقرآن الكريم لا يهتم بذكرأسماء الأشخاص أو مكان الحدث أو زمن حدوثه ، فيقول مثلا : (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا ) ( الفرقان 41 ) (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) ( الأنبياء 36 ) . أى كان المشركون يسخرون بالنبى إذا مرّ بهم ويشيرون اليه قائلين إستهزاءا :( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا ؟؟! ) (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ؟؟! ). ومع أنها حادثة خاصة بالنبى وغير قابلة للتكرار فلا نبى بعد خاتم الأنبياء ولا رسول لله تعالى بعد خاتم رسل الله محمد عليه السلام ، إلاّ إن الصياغة القرآنية هنا أيضا حافظت على قواعدها ، فلم تذكر أسماء المستهزئين بالرسول و لم تذكر المكان بالتحديد ولم تذكر متى بالضبط حدثت تلك الواقعة أو الواقعتان . الاهتمام الأكبر للقصص القرآنى هو أن تتحول المادة التاريخية الى موعظة ،أى تتحرر الحادثة التاريخية من أسر الزمان والمكان و أسماء الأشخاص لتدور فوق الزمان والمكان صالحة للتطبيق على كل من يقول ويفعل نفس ما يفعله أولئك المشركون الضالون .
بعد موت النبى محمد عليه السلام وخلال القرن الأول الهجرى دارت الحركة العلمية للمسلمين بسيطة شفهية تجمع بين بدايات ما أصبح يسمى بالفقه والحديث والتفسير والسيرة. وحدثت الفجوة بين تلك الحركة العلمية والقرآن الكريم حيث كانت تلك الحركة العلمية تعبر عن أحوال المسلمين التى اختلفت ثم تناقضت مع تعاليم الاسلام.
ونتوقف مع السيرة بالذات حيث قام برواية أحداثها شفهيا الجيل الثانى والجيل الثالث من أبناء الصحابة وأبناء من كان مشركا وكافرا ومنافقا معاديا للاسلام ورسول الاسلام. ولأن عادة العرب كانت ـ ولا تزال ـ هى الفخر بالأجداد فقد تحرج أحفاد من كان معاديا للنبى أن يذكر أسماء أجداده الذين تحدث القرآن الكريم عن مكائدهم وعدائهم لله تعالى ورسوله. القرآن الكريم تحدث عنهم كصفات لتنطبق الصفات على من يستحقها فى كل زمان ومكان ، ولكن وظيفة التاريخ أو سيرة النبى محمد وأصحابه وعصره أن تضع النقاط فوق الحروف فإذا قال جل وعلا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ) ( العنكبوت 12) فالواجب على من روى وكتب السيرة أن يقول لنا بالتحديد من هم أولئك الذين كفروا القائلون ، ومن هم أولئك الذين آمنوا الذين قيل لهم ، ومتى وأين قيل هذا .. ولكن لا نعرف بالتحديد الأسماء والزمان والمكان. وعندما يقول جل وعلا عن بعض المنافقين وتاثيرهم على بعض المؤمنين السامعين لهم : (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) ( التوبة 47 ). لا نعرف من هم المنافقون الذين تحدث عنهم رب العزة ، ولا نعرف من هم السماعون لهم بين المؤمنين . وهكذا فى كل ما نزل من القرآن الكريم معاصرا للأحداث معلقا عليها.
صلة هذا بموضوعنا أننا هنا نتحدث عن ملامح الضلال كسلوكيات ومواقف لأشخاص ، منهم من استمر على موقفه الضال فمات على ضلال بعيد ، ومنهم من تاب وأناب بعد ضلال مؤقت . وفى كل الأحوال فالحديث القرآنى نزل تعليقا على أحداث حدثت قام بها أشخاص من لحم ودم عاشوا حول خاتم المرسلين والمؤمنين ، وكان لهم تاثيرهم الضال القوى الذى استدعى أن ينزل الله جل وعلا وحيا يعلق على ما يقول وما يفعلون . ولا يستطيع عاقل أو نصف عاقل أن ينكر ذلك... وندخل فى التفصيلات .
أولا :
بعض القواعد القرآنية التى تخصّ الضلال :
1ــ من الضلال السلوكى الذى كان يقع فيه بعض العرب وأد البنات خشية العار ، وقتل أولادهم خشية الفقر. ومن كان يقتل أولاده خشية الفقر يكون ضالا طبقا للتوصيف القرآنى :(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاء عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ : الأنعام 140 ) . وقد يقال إن هذه العادة السيئة قد انتهت ، ولكن احتمال عودتها قائم،واحتمال استمرارها قائم ايضا ، وقضية الاجهاض متفاعلة فى عصرنا ، ومنها ما له صلة بالفقر أو خوف الفقر أى بحجة التفرغ لتحسين الأحوال المادية . فى كل الأحوال فالقاعدة القرآنية لهذا الضلال السلوكى مستمرة فى الوعظ والتحذير.
2ــ والذين يقومون بإضلال الناس ينتظرهم عذاب شديد يوم القيامة، وهو إضلال عقيدى كان يقوم به أشخاص وقت نزول القرآن الكريم ، ولا تزال مهمة تقوم بها هيئات رسمية وشعبية ، وشيوخ رسميون ودعاة محترفون . لذا فقد جعلها رب العزة قاعدة عامة أن من يموت على ذلك ينتظره عذاب شديد يوم القيامة :(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)( ص 26 ). والقرآن الكريم من معانى " سبيل الله "كما سبق بيانه .
3 ـ والقرآن الكريم هو الميزان الذى يفرّق بين الضال والمهتدى سلوكيا وعقيديا ، فالضال هو ( صاحب القلب القاسى الذى يصد عن سبيل الله أى القرآن الكريم ) والمهتدى بالقرآن هو(الذى يزداد خشوعا بالقرآن حين يقرؤه وحين يتلى عليه)، وهى تجربة حية ممكن معاينتها على الطبيعة ، يكمن فيها الفارق بين الضلال والهدى ، ويكون فيها القرآن الكريم ميزانا نتعرف به على هذا وذاك ، يقول تعالى (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الى ان يقول جل وعلا عن القرآن الكريم:( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)( الزمر 22 : 23 ، 27 : 28) . وبعض التعليقات على مقالنا هذا تؤكد وجود الصنفين بين الناس فى عصرنا .
4 ـ أولئك الضالون قساة القلوب هم (أهل الهوى ) أو أتباع الهوى.وإتباع الهوى بديلا عن القرآن هو من علامات الضلال وفق ما جاء فى القرآن الكريم ، فالظالمون يهجرون العلم فى القرآن الكريم ويتبعون أهواءهم ، وبالتالى فلا يمكن أن يهديهم الله تعالى ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ : الروم 29 ).
5 ـ وبعضهم يكون من العلماء الذين يستخدمون علمهم فى الإضلال خدمة للهوى ، وبالتالى لا يمكن أن يهديهم الله تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)( الجاثية 23 ) ولقد ضرب الله تعالى لهم أسوأ :(الأعراف 175-178 ).
ثانيا : إمكانية التطبيق :
1 ـ وتلك ملامح فى الضلال جاءت فى أحكام عامة يمكن تطبيقها فى كل عصر ، أى أنها نزلت تعليقا على أحداث فى عهد النبوة ، وجاءت بحكم عام مطلوب من المؤمنين بعدها تطبيقه على نفس الظروف والمواقف، وبالتالى فلابد للمؤمنين أن يتعرفوا على علامات الضلال التى ذكرها الله جل وعلا فى القرآن الكريم للتصرف حيالها وفق ما أمر الله تعالى به ، وهذا موضوع مقال قادم عن التشريعات المطلوب تنفيذها فى التعامل مع الضالين .
ولكن نقتصر على مثال واحد : هو عبادة واتباع ما وجدنا عليه آباءنا مما يخالف كتاب الله ، وهنا يكون التشريع الالهى بالاعراض عنهم ، يقول الله سبحانه تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(المائدة 104: 105 ).
وتطبيق هذا الأمر فى عصرنا يعنى أننا عندما نعظ أحدهم بالقرآن نطلب منه الإحتكام إلى كتاب الله عز وجل فيما وجدنا عليه آباءنا مخالفا للقرآن الكريم فيرد بالتمسك بما وجد عليه آباءه والدفاع عنه بشتى السبل ، فهو عندها ووقتها ضــال ،( ونحن هنا نحكم على موقف وليس على شخص ) ونحن مأمورون بالأعراض عن الشخص وهو فى تلك الحالة ، تمسكا بالهدى فى كتاب الله تعالى.
2 ـ وهنا يكون القرآن الكريم ـ فى عصرنا وفى كل عصر ـ هو الحكم ( بفتح الكاف ) فمن يهتدى بالقرآن فقد اهتدى لنفسه ، ومن أعرض عن القرآن وصد عنه فهو ضال ، وما على الرسول إلا البلاغ وهذا ما جاء أمرا للنبى محمد عليه السلام ولكل من سار على منهاجه وسنته الحقيقية وهى القرآن الكريم (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ )(النمل 92 )، أى عليه ـ وعلى كل داعية مؤمن ـ أن يتلو القرآن ويستشهد به، وبذلك يكون قد أدّى مهمته ، وأصبحت المسئولية معلقة بالطرف الآخر، إن اهتدى فلنفسه ، وإن ضلّ فعلى نفسه .
وطالما بقى هناك ناس وطالما بقى القرآن الكريم محفوظا بيد الله جل وعلا فستظل آياته تعمل قابلة للتطبيق فى كل زمان ومكان ، فتوصيف رب العزة للضلال ينطبق على الضالين ، وهى آية تتكرر فى كل زمان ومكان ، يقول جل وعلا بعد الآية السابقة يختم السورة (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)( النمل 93 )، أى إن أعمال البشر ـ التى لا تخفى على رب العزة ـ ستأتى تصديقا لما أخبر به جل وعلا مقدما فى القرآن الكريم ، فالضالون سيكررون ملامح وأفعال و أقوال الضالين السابقين ، وكذلك المهتدون. ويبرز هنا دور العلماء المصلحين الذين يحتكمون الى القرآن الكريم فى عقائد وسلوكيات عصرهم طلبا للهداية .
3 ـ وتطبيق هذا على عصرنا فيه توضيح أكبر . فقد توارثنا أن نجعل محمدا عليه السلام شريكا لله جل وعلا فى نطق الشهادة فنجعلها مثناة وهى واحده ، ونجعله شريكا لله جل وعلا فى الأذان وفى المساجد وفى الصلاة وفى الحج . ومع تناقض ذلك مع الاسلام والقرآن وماكان عليه خاتم المرسلين إلاّ أن هذا الضلال تمكن و ترسخ فى قلوب معظم المسلمين ( المحمديين ) ، فلايتصور أحدهم (إسلاما ) يخلو من تقديس شخص محمد وجعله شريكا لله جل وعلا. والمتطرفون منهم يدافعون عن هذا الضلال بتحريف معانى آيات القرآن الكريم والخلط بين الرسول بمعنى الرسالة وشخص محمد عليه السلام ، فإن أعوزتهم الحجة انقلبوا الى السب والشتم عجزا عن مواجهة الأدلة القرآنية . أى أن كل آيات القرآن الكريم ـ التى نستشهد بها والتى لو نزلت على جبل لتصدّع من خشية الله ـ لا تجد لها مساما داخل قلوبهم لأن هناك غشاوة على العيون و حجابا على القلوب بعد أن استحكم الضلال و استفحل واستحال عليه العلاج، بسبب ما توارثوه عن ضلال الأسلاف . هنا لا يبقى إلا الاعراض تأسيا بأمره جل وعلا لخاتم المرسلين بالهجر والاعتزال انتظارا لحكم الله جل وعلا يوم القيامة.
وبالتالى ففى التعامل مع أهل الهوى ـ عبدة ما وجدنا عليه آباءنا ـ نقوم بتطبيق قوله جل وعلا : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(المائدة 104: 105 ).وواضح أن (أَنزَلَ اللَّهُ ) هو (الرَّسُولِ) أى الرسالة أى القرآن الكريم .
4 ـ إن كراهية ما أنزل الله جل وعلا فى القرآن لم تنته بعد موت خاتم المرسلين ، بل تعمقت واستشرت بتأسيس الديانات الأرضية للمسلمين التى تتفق كلها فى تقديس وعبادة شخص محمد . ولهذا فان ملامح الذين ( كرهوا ما أنزل الله ) تنطبق على المتطرفين الضالين من المسلمين المحمديين فى كل زمان ومكان . هنا نتوقف مع تصرفات وسلوكيات ومواقف أولئك الذين يكرهون ما أنزل الله ، من خلال تدبر الآيات الكريمة من سورة ( محمد ): (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ) ( محمد 23 : 32 ). تعمدنا الاتيان بهذه الايات لأن التدبر فيها يؤكد صلاحيتها للتطبيق فى عصرنا ، وأنها تنطبق على مواقف نشهدها ونعاينها ، ونرجو لأصحابها ـ ولنا ـ الهداية.
5 ـ وبعض الضالين كان يتودد لنبى محمد عليه السلام ويداهنه أملا فى خداعه وإغوائه ، لذا نهاه ربه جل وعلا عن طاعة الكافرين الموصوفين بالضلال ، ومعنى ذلك أن أولئك الضالين كانوا أشخاصا معروفين للنبى، ولهم علاقة به ، وقد نهاه الله تعالى عن طاعتهم فقال : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ )(القلم 8 ، 10 ـ ). كان هذا فى بداية الدعوة فى مكة ، وفى المدينة تجدد النهى للنبى عليه السلام عن طاعة الكافرين والمنافقين ، وقد كان أولئك الكفرة والمنافقون يتحينون وقت الأزمات ـ مثل موقعة الأحزاب ـ ليؤثروا على خاتم النبيين ، ، فقال جل وعلا لخاتم المرسلين فى مفتتح سورة الأحزاب :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) وأكّد نفس الأمر والنهى فى نفس السورة :( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ ) (الأحزاب 1 ، 48 ) ، وبالتالى كان أولئك الضالون معروفين للنبى وقريبين منه.
6 ـ وبعض أولئك الضالين كانوا كانوا أشخاصا يتحركون بضلالهم حول النبى محمد ، يحاولون التأثير فيه بالفتنة والاكراه فى الدين ، وكادوا ينجحون لولا رحمة الله جل وعلا : (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً )( الأسراء 73 ـ ) . أى كادوا يضلون النبى محمدا نفسه ويجعلوه يفترى على الله تعالى كذبا ، وكاد النبى يستجيب لهم ويركن لهم لولا أن تداركته عناية الله جل وعلا..
هذا هو ما يقوله رب العزة ، ونستدل منه فيما يخص موضوعنا على :
• إن الضلال الوقتى أمر إنسانى يتعرض له كل انسان ، ولو اتبع النبى أكثرية البشر لأضلوه عن سبيل الله ( الأنعام 116 ) ، وفى الآيات السابقة من سورة الاسراء كاد الكفرة الضالون أن يتمكنوا من إضلاله لولا أن ثبته الله تعالى على الحق. فإذا كان هذا هو حال النبى نفسه فكيف بنا نحن ؟ ولذلك فعلى كل مؤمن مهتم بالآخرة أن يطهر عقيدته أولا بأول ، ويبدأ بنفسه قبل أن ينصح غيره.
• إن عصمة النبى هى بالوحى لتنقذه من ضعف البشر فيما يخص تبليغ الدعوة ، وفى كل الأحوال فهو عليه السلام إن وقع فى الضلال الوقتى فبسبب نفسه ، وإن اهتدى فالفضل ليس له ولكن لله جل وعلا ، وهذه حقيقة أمر الله جل وعلا رسوله ان يعلنها للناس (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ) ( سبأ 50 ). وإذا كان هذا حال خاتم المرسلين فكيف بنا ؟ وإذا كان خاتم المرسلين قد تمتع برعاية الله جل وعلا له وبان يعصمه ويحفظه حتى يبلغ رسالته (المائدة 67 ) فليست تلك المزية لأحد بعده ،أى علينا بالاحتكام الى القرآن الكريم مخلصين أملا فى إصلاح مستمر للسلوك والعقيدة حتى نموت مسلمين فعلا .
• تلك الايات الكريمة تؤكد أن القرآن كلام الله جل وعلا و ليس كلام بشر إسمه محمد . لو كان عليه السلام هو الذى افتراه ما سجل على نفسه كل هذا الضعف واللوم والعتاب والتأنيب .
7 ـ وبعض الأشخاص الضالين إختار أن يسىء للنبى عليه السلام فكان عليه السلام يضيق صدره ويحزن من تصرفاتهم، فيقول له ربه جل وعلا : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ )( الحجر 97 )، (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ :الأنعام 33 ) ،ويأمره بالصبر عليهم وينهاه عن الحزن عليهم وعدم الضيق من مكرهم (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ : النحل 127). وبالتالى كان أولئك الضالون معروفين للنبى وقريبين منه.
8 ـ وبعض الأشخاص الضالين كان يقوم بتخويف النبى من غضب الأولياء المقدسة، ويطمئنه ربه جل وعلا فيقول له : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ)( الزمر 36 ) وبالتالى كان أولئك الضالون معروفين للنبى وقريبين منه .
9 ـ وتكررت الأوامر لخاتم المرسلين بالإعراض عن مجالسة أولئك الأشخاص الضالين ، ولو لم يكونوا أشخاصا من دم ولحم يخوضون فى آيات الله ما أمر الله تعالى النبى محمدا بالأعراض عنهم وعدم الجلوس معهم، إقرأ قوله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )( الأنعام 68)،
10 ـ وهناك آيات كثيرة سبق التعرض لها فى الأمر بالأعراض عن المشركين والمنافقين والكاذبين ، وكلهم ضالون ، وكانوا أشخاص أحياء فى عهد النبى محمد. ومع ذلك فقد كان عليه السلام حريصا على هدايتهم ، فقال له رب العزو جل وعلا (إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ )( النحل 37 )، وعاتبه ربه جل وعلا ناهيا أياه أن تذهب نفسه عليهم حسرات ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا : الكهف 6 )،( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ )( فاطر 8 ). وبالتالى كان أولئك الضالون معروفين للنبى وقريبين منه.
وكرر الله تعالى قوله للنبى بأنه لا فائدة من هدايتهم لأنهم عمى وصم وموتى ، أمات الضلال كل امكانات الهداية فيهم : (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ )( الزخرف 40)،(فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ )( الروم 52- 53 ) ، ( وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ )( فاطر 22-23 )، ولولم يكن هؤلاء الضالون أشخاصا أحياء من دم ولحم فى عهد النبى محمد ما نزلت بشأنهم هذه الآيات .
11 ـ وكانوا يواجهون النبى عليه السلام يطلبون منه معجزات حسية ويتهمونه يإتيان السحر ويصفهم الله تعالى بالضلال (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا مَّسْحُورًا ) ويرد رب العزة قائلا لخاتم المرسلين يحكم عليهم بالضلال : ( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا )( الفرقان 7-9 ). ويقول جل وعلا عمن يكره ما انزل الله تعالى ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) ويقول عن تآمرهم واتهامهم للنبى محمد عليه السلام بأنه مسحور : (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ) ويرد عليهم رب العزة نفس الرد السابق فى سورة الفرقان : (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) ( الاسراء 45 : 48 ) وبالتالى كان أولئك الضالون معروفين للنبى وقريبين منه. ولنتذكر أن الدين السّنى قد أعاد اتهام خاتم المرسلين بأنه مسحور طبقا لما جاء فى البخارى ، وكفى بهذا ضلالا وإضلالا. وكل هذه الأمثلة تنطبق على عصرنا بعد موت خاتم الأنبياء عليهم جميعا السلام .
12 ـ وليس الأمر قصرا على المشركين العلنيين ، بل لقد حاول بعض الصحابة فى المدينة خداع النبى وإضلاله ، وصدقهم النبى ، فنزل القرآن الكريم يقص الحق ، ويقول للنبى محمدا عن أولئك الذين حاولوا إضلاله (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ)( النساء ـ 113 ). وبالتالى كان أولئك المضلون معروفين للنبى وقريبين منه.
13 ـ ووصف الله تعالى العرب وقريش بأنهم كانوا ضالين قبل نزول القرآن الكريم (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)( الجمعة 2 )، ( وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ )( البقرة 198 )، وكان من ملامح ضلالهم النسىء فى الأشهر الحرام ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ.)( التوبة 37 ).
14 ـ والمنافقون خارج المدينة كانوا من الأعراب الذين احترفوا خداع النبى والمؤمنين ، يدخلون المدينة بزعم الإيمان وهم يريدون التعرف على أماكن الضعف فى تحصيناتها وأسرارها ، ثم يعودون للهجوم على المدينة ، أو يأتون بزعم الإسلام والسلام ويعقدون المعاهدات ثم يسارعون بنقضها .... وأولئك المنافقون من البدو نزلت تشريعات بالتعامل معهم بما يدفع عن المؤمنيين شرهم وكيدهم ، وقد وصفهم الله تعالى بالضلال (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )( النساء 88 ) ، وتوالت بعدها آيات التشريع فى التعامل معهم . وأولئك الضالون من الأعراب المنافقين لم يكونوا أشباحا أو أوهاما ، بل كانوا بشرا ...
15 ـ وبعد هجرة المؤمنيين إلى المدينة كانت مشاعر بعضهم يدفعها الحنين إلى الأهل المشركين بما يؤثر على دينهم ، فالمفروض ألا يوالوا المشركين المعتدين الذين أخرجوهم من ديارهم ، وقد حذر الله تعالى أولئك المؤمنين بأن من يفعل ذلك يكون ضالا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) ( الممتحنة 1 ) . وبالتالى فإن من يوالى المعتدين الظالمين يكون ضالا مثلهم حتى لو كان – ظاهريا – من المؤمنيين .
16 ـ وفى قصة موسى أدلة أخرى على الضلال السلوكى والعقيدى تنطبق على أشخاص ... وليس مجرد ملامح عامة .
قوم موسى حين إتخذوا العجل كانوا ضالين (قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) (طــــه 91 : 93 )، ( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( الأعراف148 : 149 )، ولم يكن موسى أو قوم موسى أشخاص وهميين .
المستفاد أخيرا :
1 ـ الضلال حالة مؤقتة أو تستمر حسب مجاهدة الانسان المؤمن لنفسه ،المهم ألا يموت على ضلاله .
2 ـ أن الله تعالى هو أعلم بمن ضل عن سبيله وبمن يضل ، والبشر أيضا يعلمون ... وعلم الله تعالى بالضلال والضالين كصفات وأشخاص أنزل بعضه فى القرآن الكريم حتى نتعلم من علم الله تعالى فى القرآن الكريم ملامح الضلال فنبتعد عنها ، ونتعرف على ملامح الهدى فنتمسك بها .





اجمالي القراءات 17561