إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (3 )
ملامح الضلال العقيدى كما أوضحها القرآن ، وتطبيقها على عصرنا.
مقدمة :
1 ـ بدأ هذا مقالا واحدا فاستطال واستلزم تقسيمه الى ثلاث مقالات ، ثم اتسع الأمر وإتضح أنه سيتعدى المقالات الثلاث.
2 ـ (أهل الهوى ) إذا كتب أحدهم فى القرآن فهو يعرف تماما ـ ومقدما ـ أنه سيكتب (كذا) ، تشمل (كذا) هذه حجم المقال وما سيقوله فى المقال ،لأنه يدخل على القرآن الكريم بفكرة مسبقة يريد إثباتها ، ومن السهل عليه عندئذ أن يرصّع مقاله ببعض الآيات التى ينتقيها ويراها تتفق مع فكرته المسبقة ، وبالتالى يلوى معناها ويحرفه ، ويتجاهل السياق و بقية الآيات فى الموضوع التى تخالف وجهة نظره ، ويؤكد الزيغ بأن يستشهد بأحاديث وأقوال العلماء السابقين ، وينهى المقال ، وينشره فيضيف صفرا كبيرا لا قيمة له فى كل الغثاء الذى ينشره أهل الهوى من عبدة التراث وما وجدنا عليه آباءنا.
3 ـ بعد ـ وخلال ـ خمسة وثلاثين عاما من التفرغ فى البحث فى القرآن وفى التراث والدراسات المقارنة بينهما لا أستطيع أبدا أن أبدا مقالا أو بحثا وأنا عارف مقدما بما سأكتب ، لاأعرف ماذا سيقودنى البحث ،أو ماذا سينتهى بى البحث ،أو عدد صفحاته ،أو سيكون مقالا أو كتابا أو سلسلة مقالات ، هذا حالى من عام 1974 حتى الان . الباحث الحقيقى ـ عن الحق ـ يبدأ بحثه تاركا خلفه كل ما يعرفه عن الموضوع مستعدا للتضحية به لو أظهر البحث فى القرآن أو التراث خلاف ما توارثه من أفكار ومعتقدات .
ولذلك لم أكتب بحثا إلا وفيه جديد مكتشف لأول مرة ،ويكون هذا جديدا بالنسبة لى قبل الجميع ، وأخرج من كل بحث وقد تعلمت شيئا لم أكن أعرفه من قبل ، مما يؤكد لى أن ما أجهله أكبر وأعمق وأكثر مما أعلمه ، وأننى لا زلت تلميذا على ساحل التعرف بالقرآن الكريم ، ولا زلت محتاجا للمزيد مهما تقدم العمر.
وهذا هو الفارق بين (أهل الهوى ) و(اهل القرآن ).
4 ـ وبسبب كثرة الانشغال بين النشاط السياسى والكتابة المتنوعة ـ والرد على السائلين والمجادلين فى الموقع وفى بريدى الاليكترونى، مع ضيق الوقت ، ووجود طوارىء ومستجدات يومية ـ فاننى أبدأ بمقال فيكون كتابا أو سلسلة مقالات ، لا أستطيع التفرغ لانهاء هذه السلسلة فأتركها لغيرها ، ثم أعود اليها.. وهكذا ..
هذا نوع من التوضيح والاعتذار للأحبة ممن يقرأون الذين قد يتعبهم كثرة السلاسل وتتابعها وعدم الانتهاء منها . وكما وضح فالسبب هو اتباع المنهج العلمى الموضوعى فى البحث، وظروفى الشخصية المتقلبة.
5 ـ موضوع هذه السلسلة البحثية هو عن علم الله جل وعلا بالضالين والمهتدين ،وهو متصل بسلسلة أخرى لم تتم فصولها عن الكفر العقيدى والسلوكى. وسبق فى مقالين توضيح أن القرآن الكريم هو سبيل الله المقصود فى سياق الايات الكريمة ، وأن العلم الالهى هنا باسلوب التفضيل الذى يثبت علم البشر مهما كان سطحيا أو قليلا .
هذا المقال الثالث يعرض لملامح الضلال العامة فى العقيدة ، والتى تنطبق على كل زمان ومكان ، والتى أوضحها رب العزة فى القرآن الكريم. ونقتصر هنا على ما يخص لفظ الضلال ومشتقاته ، لأننا لو تتبعنا موضوع الهداية لأمتد بنا البحث وتشعب.
أولا : الضلال المؤقت الذى يمكن غفرانه بالتوبة ، والضلال البعيد غير المغفور
.
1ــ فالشرك والكفر – ومعناهما واحد- هو الضلال . وقد يكون هذا الضلال بعيدا (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا) ( النساء 116). ولأن معنى الكفر و الشرك واحد ، فهناك آية أخرى فى نفس السورة تصف الكفر أيضا بالضلال البعيد ، وتأتى بعناصر هذا الكفر العقيدى ، وهى قوله تعالى :(وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا )(النساء 136 ).
ولكن تميزت آية ( 116 ) فى سورة النساء بحقيقة أن الله تعالى لا يمكن أن يغفر الشرك ، وتكرر هذا المعنى فى نفس سورة النساء فى قوله جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) ( النساء 48)، وعدم الغفران يعنى الحرمان من الجنة ودخول النار ، جاء هذا عقابا لمن يموت مشركا كافرا فى قوله جل وعلا (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) ( المائدة 72 ) .
ومع التأكيد على أن الكفر والشرك ضلال بعيد فاننا نتوقف مع علاقة الغفران بكون الكفر والشرك ضلالا بعيدا.
2 ـ هناك ضلال وقتى وضلال بعيد.
قد يصل الضلال الوقتى الى حد الاعتداء الحربى على المسلمين كما حدث من كفار ومشركى مكة ، ولكن هذا الضلال الوقتى يمكن الخلاص منه بالتوبة ، والتوبة تعنى تغييرا فى العقيدة و السلوك يتحول به العاصى والمشرك الى الاسلام والطاعة والاقلاع عن المعصية ( الفرقان 68 : 71 ) ، ولذلك فان الله تعالى عرض التوبة على الكفار المعتدين على المسلمين ووعدهم بالغفران ، وإلا فستحل عليهم سنة الله تعالى فى الكافرين السابقين الذين ماتوا على الكفر بلا توبة ، يقول جل وعلا يامر خاتم المرسلين : (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ) ( الأنفال 38 ).
كل البشر تقريبا لا يخلو من الوقوع فى الضلال الوقتى ، سلوكيا أو عقيديا أو هما معا ، ومنهم من يتوب ويهتدى ، ولكن الأغلبية يتحول ضلالها الوقتى بالاستمرار والتعود الى ضلال بعيد عندما يموتون به فلا يكون لهم حظ يوم القيامة للغفران ، فطالما ظل الانسان حيا فهو يمارس حريته فى الايمان والكفر و فى الضلال و الهداية ، فالضلال يتعرض للزيادة و النقصان ، بل قد يتحول الضال الى الهدى ، أى يصبح الشخص الضال مؤمنا حقيقى الايمان ويتمسك بايمانه حتى الموت ، ولهذا تكون الدعوة بالقرآن أملا فى هداية الأحياء به قبل أن يأتى موعد الموت .
3 ـ ولهذا فان لحظة الموت هى اللحظة الفارقة فى تحديد نوعية الضلال ، هل كان ضلالا وقتيا مغفورا أم هو ضلال بعيد سيؤدى بصاحبه الى الخلود فى الجحيم . عرف ذلك كل من مات بعد أن أمضى حياته وجاء وقت الاحتضار بملائكة الموت ، وسنعرف ذلك كل من لم يمت بعد .
صاحب الضلال البعيد عند الاحتضار يرى ملائكة الموت فيرجو أن يرجع للحياة ليتدارك ما فات ، ولكن بعد فوات الأوان : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (المؤمنون 99 :100 ).
4 ـ لامجال فى لحظة الموت للتوبة ، فلا تنفع ولا تجدى ، فالله جل وعلا لا يقبل توبة العاصى والكافر عند الموت :( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء 18). ليست التوبة للعاصى الذى ظل سادرا فى عصيانه حتى الاحتضار ، وليست للضال ضلالا بعيدا فى عقيدته ، ذلك الذى أمضى عمره يدعو ويتوسل ويستغيث بالأولياء والقديسين (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ )(الحج 12 ). السبب كما قلنا إن التوبة ليس مجرد كلمة تقال ، ولكنها تغيير فى العقيدة و السلوك يحتاج الى وقت لعمل الصالحات حتى تمحو ما سلف من سيئات (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )( هود 114) وبهذا يتحول وصف صاحبنا من عاص الى مؤمن ( الفرقان 68 : 71 )، فالتوبة من الضلال والعصيان تجدى فقط عندما يكون فى حياة الانسان متسع للاستغفار وعمل الصالحات وتصحيح عقيدته ،أى تكون توبة قريبة و ليست عند الموت ، يقول جل وعلا : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)( النساء 17 )
5 ـ المؤمن ـ وهو حىّ يسعى ـ عليه أن يتجهز بالعمل الصالح واستمرار الاستغفار و التوبة والتزام الهداية إلى أن يموت صحيح الاسلام ، ولهذا كان يوسف عليه السلام يدعو ربه أن يموت على الهدى مسلما مؤمنا، فقال:(أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )( يوسف 101) وأوصى الله تعالى المؤمنين أن يموتوا مسلمين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )( آل عمران 102 ).أى أن يظلوا على الاسلام بما يعنيه من عقيدة وعمل حتى لحظة الموت فيموتوا مسلمين ، وبهذا أوصى ابراهيم بنيه ، وأوصى يعقوب بنيه (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )(البقرة 132 : 133 ).
6 ـ بناءا على مصير الميت الذى سيقال له عند الاحتضار يكون الغفران أو عدمه يوم القيامة .
إن موعد الغفران أو عدم الغفران ليس فى هذه الدنيا بل هو يوم الحساب ، ولقد دعا ابراهيم عليه السلام ربه يرجو الغفران يوم الدين له وللمؤمنين : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) ( ابراهيم 41 ) أو يوم الدين: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ )( الشعراء 82 ).
7 ـ وعليه فإن قوله تعالى :(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا) يعنى أن عدم الغفران لذلك الذى يموت بعد أن أمضى حياة حافلة بالكفر والضلال البعيد، ولم يتذكر التوبة حين كان له متسع من الوقت ليكفر عن سيئاته و يصلح من فساده.
ثانيا : تطبيق ملامح الضلال البعيد على حال معظم المسلمين :
1 ـ وحسبما نرى ـ وكما معروف ومألوف ومشاهد ـ فإن هذا الضلال البعيد يمارسه ويعيش عليه ويموت به معظم المسلمين من أصحاب الديانات الأرضية الذين يعتقدون النفع والضرر فى الموتى المقبورين ، وخصوصا فى شخص النبى محمد بعد موته، مع أن الله جل وعلا قد أكّد الله جل علي خاتم المرسلين مرتين ـ فى حياته ـ أن يعلن أنه مثل بقية البشر ـ لا يملك لنفسه ـ فضلا عن غيره ـ نفعا ولا ضررا ، ولنقرأ قوله جل وعلا : ( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ )(الأعراف 188 ) (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ ) (يونس 49 ). ومع ذلك يتوسلون بالوثن المنسوب اليه يلتمسون منه النفع والضرر فى عبادة صريحة للأحجار.
النبى محمد عليه السلام بعد موته لا يدرى شيئا عما يفعله أولئك (المسلمون ) الذين يتمسحون بشباك الوثن المنسوب له ويستغيثون بالنبى اعتقادا منهم أنه يسمعهم . هو فى الحقيقة لا يسمعهم ولا يشعر بهم ، وليس موجودا فى ذلك المكان ، فليس هذا مكان قبره ، وحتى لو كان فقد تحول جسده الى تراب بينما عادت نفسه الى البرزخ الذى جاءت منه مثل كل الموتى من البشر . ثم هو يوم القيامة سيأتى يتبرأ منهم حين يسائله ربه عنهم ، نفهم هذا من قوله جل وعلا عن أشد الناس ضلالا أو أصحاب الضلال البعيد : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ )( الأحقاف 5 : 6). أى لا يدرى عنهم شيئا فى الدنيا ، ثم سيتبرأ منهم يوم القيامة .
ونظير هذا قوله جل وعلا عن الاستغاثة بالمقبورين الذين تحولوا الى رماد وعظام نخرة ومع ذلك يستغيثون بهم ويتركون رب العزة : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) ( فاطر13 : 14 )
2ــ ونتعلم من القرآن الكريم أن تقديس الأولياء كفر وشرك عقيدى (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )( الزمر 3 ) عقيدى ، لافارق هنا بين تقديس الأحياء أوالموتى ،أو تقديس النبى محمد أو غيره من الصحابة و الأئمة و شيوخ الصوفية.
كل ذلك كفر وشرك عقيدى مع أن أصحابه يحسبون أنهم يحسنون صنعا ويظنون أن نوايهم الحسنة فى تقديس البشر ستدخلهم الجنة ، ويعتقدون أن ما يفعلونه ليس شركا أو كفرا بالله جل وعلا ، والله تعالى يوضح الأمر بكل بساطة فيسأل : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء) ويأتى الرد على جزاء من يفعل ذلك وتوصيفه بالكفر : ( إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا) ثم يأتى سؤال آخر: ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا ) وتأتى الاجابة صريحة ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) ويقول تعالى يصفهم بالكفر بالقرآن الكريم وباليوم الآخر ولقاء الله : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ) ويقول جل وعلا عن مصيرهم فى الآخرة ( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )(الكهف 102 : 105 ).
نرى هنا وصفهم فى القرآن الكريم بصفات تنطبق على كل زمان ومكان ، فمع أن الايات الكريمة نزلت تعلق على ما كان يحدث من ضلال المشركين العرب ، وفى مكة وقريش بالذات ،إلا إن المنهج القرآنى يجعلها قضية عامة وملامح عامة تنطبق على كل زمان ومكان ، فلم يقل تعالى ( أفحسب العرب أو اهل مكة أو قريش ) ولكن قال (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وتكرر نفس الوصف وملامحه القابلة للتطبيق وقت نزول القرآن الكريم ، وبعده الى قيام الساعة . وبالتالى يمكن تطبيق ذلك على مسلمى عصرنا ، وهم يمارسون تحت راية الاسلام نفس أفعال وملامح الشرك والكفر ، ويعتقد أولئك الضالون أنهم يحسنون صنعا ، ولا يعرفون ضياع سعيهم الدينى من صلاة وصيام وحج وصدقات وتبرعات طالما يموتون على تقديسهم للموتى ، لا فارق إن كان الميت نبيا أو بشرا عاديا ، المؤلم أنهم فى حياتهم الدنيا يحسبون أنفسهم متدينين متمسكين بالحق ، بينما هم عند الله جل وعلا ضالون كافرون ، يقول جل وعلا عنهم : (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ).
3 ـ لماذا ؟ لأن الله جل وعلا وحده هو الولى المقصود بالعبادة والتقديس والتوسل وطلب المدد والنفع ودفع الضرر. الله جل وعلا هو وحده (الولى ) الذى يكتفى به المؤمن وليا مثلما كان يفعل خاتم المرسلين الذى لم يكن له إلا الله تعالى وليا ، وقد أمره ربه جل وعلا أن يعلن هذا: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ( الأنعام 14 ). فالله جل وعلا هو الولى الذى فطر السماوات والأرض ، وهو الذى يطعم الناس ولا يطعمه الناس ،ومن الحمق أن نتخذ معه وليا أو نتخذ غيره وليا نتوجه له بالعبادة و التقديس. ولكن هذا هو ما يفعله أغلبية ( المسلمين ) حتى اليوم. وعندما نستشهد لهم بالقرآن لاصلاح عقائدهم الضالة تطاردنا الاتهامات والسباب لأن تقديس البشر ـ وتقديس شخص محمد البشرى ـ قد تأصل فيهم حتى النخاع.
4 ـ المشرك يترك الله الولى جل وعلا ويتخذ أولياء من البشر أو من مخلوقات الله أو من عباد الله ،أو حسب تعبير رب العزة (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء ). لماذا ؟ لأنه لا يكتفى بالله جل وعلا وليا، ولذلك قال جل وعلا عن المشركين الضالين فى كل زمان ومكان :(أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( الشورى 9). فالله جل وعلا الولى هو الذى يحيي ويميت فى إشارة الى أن هذه الأولياء المعبودة المقصودة بالتقديس و الدعاء وطلب المدد والعون كانت حياتها وموتها بيد الله جل وعلا .
ينطبق هذا على شخص النبى محمد قبل غيره ،فهو الان ميت تحلل جسده وتحول الى تراب مثل أى مخلوق آخر ، فقد قال له ربه وهو حىّ يرزق إنه سيموت مثل خصومه، وسيأتى يوم القيامة أمام رب العزة يختصمون (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)(الزمر 30: 31 ) . ومن الحمق والضلال أن يستغيث الحى بميت حتى لو كان ذلك الميت نبيا . ولو وقع إنسان فى مشكلة أو ورطة فربما لو استغاث بأحد الأحياء لاستطاع نجدته بالمال أو بالعون ، ولكن هل سيخرج النبى محمد من قبره ـ الذى لا نعرف موضعه على الحقيقة ـ لينقذ وينجد شخصا فى باكستان أو فى نجران ؟
ونتأمل قوله جل وعلا فى تقديس وعبادة القبور:(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) ( النحل 20 : 22 ). ينطبق هذا ـ أول ما ينطبق ـ على من يتوسلون (بجاه النبى ) من (المسلمين ) ويعتقدون أنه الشفيع المشفع مالك يوم الدين ، ولذا يتقدمون للنبى محمد بالصلوات والتحيات والحج ، و هم يتناسون أنه مخلوق عاش ثم مات ولا يشعر متى سيبعث . لا يعترفون بذلك لأن قلوبهم منكرة مستكبرة لا تؤمن بالآخرة .
5 ـ والمضحك المبكى أن محمدا عليه السلام فى دعوته وفى حياته كان يعترض على تقديس القبور والاعتقاد في أمواتها ، حتى لقد أمره الله جل وعلا أن يعلن هذا التحدى أمام المشركين.
فى البداية يقول جل وعلا للمشركين : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ) أى بشر مثلكم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا بمشية الله حين كانوا أحياء ، فكيف بهم إذا كانوا موتى ؟ لذا يتحداهم رب العزة فيقول لهم : ( فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ولأنهم موتى تحولوا الى تراب فكيف يستجيبون لهم ، وكيف يلبون دعاءهم ، وكيف يغيثونهم ؟ ولأن عقول المشركين قد قدمت استقالتها وتركت مكانها للهوى يتحكم فيها فإن الله جل وعلا يذكّر بأن أولئك الموتى قد تحولوا الى تراب ، ولم يعودوا بشرا أحياء يتحركون ويسعون فى الأرض ، يقول الله جل وعلا يسائلهم : ( أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) والاجابة معروفة . لذا يأتى الأمر لخاتم المرسلين بأن يتحدى المشركين علنا : ( قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ) أى قوموا بتسليط أوليائكم ومزاعم كراماتهم ومعجزاتهم فى النفع والضرر ، وادعوهم أن يضرونى لو استطاعوا ، والاجابة واضحة قاطعة ،لأن الذى يملك النفع والضرر و المدد هو الولى الذى لا ولى غيره ، وهو الولى الذى يعبده محمد وكل المؤمنين الصالحين : ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) أما تلك الأوثان وأولئك البشر الموتى والأحياء المقدسون زورا وبهتانا فمهما استجاروا بهم ومهما توسلوا بهم فلا يستطيعون لهم نصرا ولا يستطيعون نصر أنفسهم أمام صاحب الملكوت جل وعلا: ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ) (الأعراف194 : 197 ).
6 ـ وكانت للعرب المشركين مساجد يؤدون فيها الصلاة ولكنهم لوقوعهم في الشرك كانوا يسمون هذه المساجد بأسماء الأولياء الذين يعبدونهم كما نفعل نحن الآن، وحين دعاهم خاتم المرسلين إلى أن تكون هذه المساجد لله تعالى وحده تكالبوا عليه يريدون إيذاءه،وقد أمر الله تعالى رسوله محمدا أن يوجه خطابا محددا لأولئك العرب الذين يقدسون أضرحة الأولياء المدفونة في مساجد الله تعالى، والذين يقرنون أسماء البشر المقدسين مع اسم الله تعالى في الأذان للصلاة وفى تأديتهم للصلاة..
ولنقرأ هذه المعانى فى قوله جل وعلا : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) وكانت دعوة خاتم المرسلين هى التصدى لهذا الشرك بالتنوير والاصلاح فقام عليه السلام يدعو الى إخلاص الدين والدعاء لله تعالى وحده بلاشريك فكادوا يفتكون به ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا) قام ( عبد الله ) أى رسوله محمد عليه السلام يدعوهم الى أن تكون المساجد والصلاة والأذان لله تعالى وحده فتكالبوا عليه يريدون الفتك به (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)، وهو نفس ما يمكن أن يحدث الآن لو وقف واحد من أهل القرآن فى مسجد للمسلمين يجعل محمدا شريكا لله تعالى فى الأذان وفى الصلاة و فى كل شىء . الرد الذى أمر الله تعالى خاتم المرسلين بقوله هو نفس الرد الذى يجب أن يتمسك به كل مؤمن صحيح الايمان ، وهو قوله عليه السلام : (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ) أى هو ـ ونحن معه ـ مأمورون بأن نعبد الله تعالى وحده ولا نشرك به أحدا من الخلق ، وبالتالى فإن إضافة إسم أى أحد مع الله تعالى فى العبادة من أذان وصلاة ودعاء وتوسل واستغاثة هى شرك منهى عنه، ويكون من الإحراج الشديد لخاتم المرسلين يوم القيامة أن نجعله شريكا لله تعالى ، وهو الذى جاهد وناضل ضد هذا الشرك. ونعيد التأكيد على إن ذلك الخطاب المحدد هو أيضا موجه لنا حيث يذكر المسلمون اسم محمد نفسه مع اسم الله تعالى في الأذان وفى الصلاة ويكتبون اسم محمد مع الله تعالى بما يعنى تقديسا لمحمد وهو الذي أرسله الله تعالى لمحو تقديس البشر والحجر والشجر.
عالم الغيب والشهادة جل وعلا يعلم انه سيأتى زمن يقدس فيه الناس محمدا ويتناسون فيه أنه بشر مثلنا ولكن يوحى اليه ، ويصبح فى عقيدتهم شريكا لله جل وعلا يجعلونه إلاها متمتعا بصفات الألوهية من علم الغيب والشفاعة و التصرف فى ملك الله، لذلك فإن الله جل وعلا أمر خاتم المرسلين أن يعلنها مقدما أنه لا يملك لأحد ضرا ولا رشدا ، وأنه لن ينقذه أحد من الله جل وعلا يوم الحساب إلا تبليغه للرسالة القرآنية ، وأنه من يعص الله ورسوله ـ اى رسالته ـ فمصيره الخلود فى النار : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلاَّ بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) (الجن 18-23 )
7 ـ كان هذا ما يفعله فى حياته خاتم المرسلين ، ثم مرت الأيام وتمكن الشيطان من عقائد المسلمين وتلاعب بهم فاتخذوا محمدا نفسه وليا من دون الله تعالى يستغيثون به ويعتقدون فى (جاه النبى )، ويغنون مع محمد عبد الوهاب ( أغثنا أدركنا يار سول الله ) وينشدون مع الكحلاوى ( لاجل النبى لاجل النبى تقبل صلاتى على النبى ) أى يجعلون الله جل وعلا واسطة عند محمد ويرجون الله تعالى بجاه محمد ان يتقبل عبادتهم لمحمد .. وكفى بهذا حمقا وضلالا ..!!
وكل ذلك الضلال نتاج لمقدمة بسيطة آثمة ، وهى جعل محمدا شريكا لله تعالى فى شهادة الاسلام وتمييزه ورفعه فوق مستوى الرسل والأنبياء. من منبع الكفر هذا تطورت وتشعبت وتكاثرت وتعمقت عقائد الشرك والكفر لدى المسلمين ، وتعددت أولياؤهم وآلهتهم وتكاثرت قبورهم المقدسة فى ظل الوثن الأكبر المنسوب للنبى محمد فى المدينة.
8 ـ ولقد وصف الله تعالى موالد الأولياء فى الجاهلية حيث كانوا يحجون اليها من كل حدب وصوب الى أن يتجمعوا عند (النّصب ) أو (الضريح ) أو القبر المقدس ، واتخذ جل وعلا من هذه العادة المعروفة لهم مثالا تقريبيا لما سيحدث للناس عند البعث ، حيث سيخرجون من القبور جماعات تتجه الى مكان واحد : ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ )( المعارج 43 ). ونفس هذا الوصف ينطبق على ملايين المسلمين الذين يتجهون الى الأضرحة والقبور المقدسة ، وهى بالآلاف على إتساع العالم ( الاسلامى ) حيث لا تكاد تخلو مدينة أو قرية من وجود وثن حجرى قبر معبود يحجون اليه ويقدمون له القرابين ويذبحون من أجله (الهدى ) كما يفعلون فى الحج لبيت الله تعالى الحرام ، ولقد حرّم رب العزة الأكل مما يذبح على الأنصاب : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ) ( المائدة 3 ) ، والأنصاب هى القبور المنصوبة للتقديس و التكريم ( ومنه النّصب التذكارى ).
ومن هنا تكون الحاجة ماسة لتذكير المسلمين واصلاحهم بالقرآن لانقاذهم من هذا الضلال البعيد ، ليس بغرض التكفير ولكن للوعظ والتذكير ،أملا فى أن يتوب الأحياء قبل أن تأتى لحظة الاحتضار . وهذا ما نقوم به تذكيرا بالقرآن ، ولكن النتيجة هى الكفر العملى بالقرآن الكريم ومطاردة أهل القرآن لأن التذكير بالقرآن الكريم أضحى فى مصر جريمة تسمى (إزدراء الدين )،أى هو عندهم (إزدراء للدين السّنى الأرضى ) الذى يقوم على أساسه كل أنواع الضلال الدينى و السياسى .. والأمر لله جل وعلا من قبل ومن بعد..!!
9 ـ والذين لا يؤمنون بالأخرة هم أيضا ضالون ضلالا بعيدا (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ )( سبأ 8 ) ، (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ )( الشورى 18 ). ويتداخل عدم الايمان بالآخرة مع تقديس البشر والحجر ،لأنهم بعقيدة الشفاعة ـ مثلا ـ قد كفروا باليوم الاخر حسب وصفه فى القرآن ، فيوم الدين يملكه الله تعالى وحده ، والله جل وعلا يقول لخاتم المرسلين : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ ) ( الزمر 19 )، فهنا استفهام استنكارى يؤكد أن من أمر الله جل وعلا بادخاله الى النار لا يمكن للنبى أن ينقذه منها ، والقارىء لهذه الاية الكريمة إما أن يؤمن بها ويكفر باحاديث الشفاعة ، وإما أن يؤمن بأحاديث الشفاعة ويكفر باليوم الاخر حسبما أوضحه الرحمن فى آيات القرآن. ولكن تناسى المسلمون أكثر من 150 آية قرآنية تبطل شفاعة البشر ، وبعقائدهم هم كافرون بتلك الايات ، مقابل إيمانهم بأكاذيب البخارى وغيره.
وتأسيسا على أيمانهم بهذا الافتراء تجد أحدهم مطمئنا الى أن مصيره الى الجنة بمجرد قوله لا اله إلا الله ، وإن زنى وإن سرق ( رغم أنف أبى ذر .. وأحمد صبحى منصور أيضا ) .!! وأيضا تأسيسا على ذلك ينفق أحدهم عمره لاهيا عاصيا مؤمنا بتلك الأكاذيب الى أن يدركه الموت فيحاول التوبة دون جدوى ، فقد أمضى حياته فى الضلال البعيد ،اى تحول الضلال الوقتى بالتعود و التمسك به الى ضلال بعيد بالموت عليه ، وبهذا لا يمكن أن يغفر الله تعالى له يوم الدين أو يوم الحساب.
ونتذكر هنا أيضا قوله جل وعلا عن من يحترف اختراع ونشر الأحاديث الشيطانية الضالة ومن يهلل لها ، ومن يرتكب على أساسها الاثم والعدوان : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) ( الأنعام 112 : 117 ) . وقد سبق التعرض لتلك الايات الكريمة ، ولكن نلمح للصلة بينها فى موضوع الضلال.
وفى النهاية .
فهذه أمثلة من ملامح الضلال التى أوضحها وحذّر منها رب العزة فى القرآن الكريم ، قمنا بالاستشهاد بها على ما يحدث من المسلمين مناقضا للقرآن والاسلام ، وهو مثل على إمكانية تنزيل وتطبيق علم الله تعالى فى القرآن الكريم على أحوال عصرنا ، وهو استشهاد يهدف لتوضيح الحق من الباطل ، ولتأكيد دور القرآن الكريم فى الانذار والتذكير لمن كان حيا : (هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) ( ابراهيم 52 ).
ونؤكد مجددا أن التكفير ليس واردا ولا مقصودا .. ولكنه الوعظ والتذكير قبل ان يفجأنا الموت ـ وهو قادم فى الطريق ـ لذا هو تذكير لأنفسنا قبل الآخرين ..
ولله جل وعلا الأمر من قبل ومن بعد ..
المقال القادم :
(4 ) ملامح الضالين المضلين كسلوكيات ومواقف لأشخاص وجماعات