أطباء مصر... استقالات مُقلقة من القطاع الصحي الحكومي
في
الأربعاء ٢٠ - أبريل - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
-
أصدرت النقابة العامة لأطباء مصر تقريراً حديثاً تضمّن "أرقاماً مفزعة" بحسب وصفها، رصدت فيه "عدداً هائلاً" من استقالات الأطباء من القطاع الحكومي خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ استقال 11 ألفاً و536 طبيباً منذ بداية عام 2019 وحتى 20 مارس/ آذار من عام 2022.
وأفادت النقابة في تقريرها بأنّه في عام 2019، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان في البلاد، دراسة حول مدى احتياجات مصر للأطباء البشريين ومقارنتها بالمعدلات العالمية. وقد قدّرت الدراسة عدد الأطباء البشريين الحاصلين على ترخيص لمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018، من دون الأطباء المحالين على المعاش، بـ 212 ألفاً و835 طبيباً، علماً أنّ عدد الذين كانوا يعملون حينها فعلياً في مصر بالجهات المختلفة التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة وجامعة الأزهر والمستشفيات الشرطية هو 82 ألف طبيب فقط، أي بنسبة 38 في المائة من القوة الأساسية المرخّص لها بمزاولة مهنة الطب.
تثير بنود كثيرة في قانون إنشاء المجلس الصحي المصري مخاوف كبيرة (محمد الشاهد/ فرانس برس)
صحة
مخاوف من قانون المجلس الصحي المصري
أضافت الدراسة أنّه استناداً إلى هذا العدد، يكون معدّل الأطباء في مصر 8.6 أطباء لكلّ 10 آلاف مواطن، في حين أنّ المعدّل العالمي هو 23 طبيباً لكلّ 10 آلاف مواطن. لكنّه بعد ثلاثة أعوام (مدّة الدراسة)، أشارت نقابة الأطباء إلى أنّ الواقع ما زال سيئاً، مع زيادة عزوف الأطباء عن العمل في القطاع الحكومي وتزايد سعيهم إلى الهجرة من البلاد.
وقد أوصت الدراسة الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان، بتبنّي الدولة بكلّ مؤسساتها خطة لاسترجاع الأطباء للعمل في القطاع الحكومي المصري، والتي تقوم على رفع المستوى التدريبي المقدّم للأطباء وتأمين بيئة العمل المناسبة لهم ورفع المستوى المادي والاجتماعي للأطباء. ومن شأن ذلك أن يؤدّي في الأعوام الخمسة المقبلة إلى عودة 60 ألف طبيب للعمل في القطاع الصحي الحكومي.
كذلك أوصت الدراسة نفسها بضرورة العمل على زيادة عدد الطلاب المقبولين في كليات الطب البشري في الجامعات الحكومية والخاصة عن 10 آلاف طالب سنوياً، بما لا يتعارض مع إمكانيات الكليات والمستشفيات الجامعية في توفير مستوى جيّد من التعليم الطبي. يُضاف إلى ذلك التوسّع في إنشاء كليات طب بشري جديدة، حكومية أو خاصة أو أهلية، بما لا يخلّ بمعايير الالتحاق أو التدريب الطبيَّين فيها.
المستقيلون بالأعداد
وبحسب البيانات المتعلقة بالأعوام التي سبقت الإعلان عن تلك الدراسة، فإنّ أعداد الأطباء الذين تقدّموا باستقالاتهم من العمل الحكومي المصري والذين حصلوا على شهادة طبيب حرّ من نقابة الأطباء أتت على هذا الشكل: في عام 2016، كان عدد المستقيلين من الأطباء 1044 طبيباً، وفي عام 2017 كان العدد 2549 طبيباً، وفي عام 2018 كان العدد 2612 طبيباً.
أمّا في الأعوام التي تلت إعلان دراسة الاحتياجات، فقد استقال 3507 أطباء في عام 2019، و2968 طبيباً في عام 2020، و4127 طبيباً في عام 2021، وهو العدد الأكبر من المستقيلين من العمل الحكومي. كذلك كشفت بيانات الأشهر الأولى من عام 2022 وحتى يوم 20 مارس منه، عن استقالة 934 طبيباً، وهو ما يعني إجمالي 11 ألفاً و536 طبيباً مستقيلاً منذ الأوّل من عام 2019.
وبحسب سجلات نقابة الأطباء، فإنّ عدد الأطباء المسجّلين في النقابة والمرخّص لهم بمزاولة المهنة دون الأطباء المحالين على المعاش، بلغ حتى 20 مارس الماضي 228 ألفاً و862 طبيباً، بعد ثلاثة أعوام من دراسة الاحتياجات التي أصدرتها وزارة التعليم العالي، أي بزيادة قدرها 16 ألفاً و27 طبيباً، استقال منهم 11 ألفاً و536 طبيباً وطبيبة، ليكون عدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي 93 ألفاً و536 ألف طبيب تقريباً، وتكون نسبة الأطباء في القطاع الحكومي إلى عدد الأطباء المرخّص لهم بمزاولة المهنة دون المحالين إلى المعاش 40.8 في المائة، أي بزيادة 2.8 في المائة فقط مقارنة ببداية عام 2019. ويزداد معدّل الأطباء نسبة إلى المواطنين ليبلغ 9.2 أطباء لكلّ 10 آلاف مواطن بدلاً من 8.6 في بداية عام 2019، إلا أنّه يظل بعيداً من المعدّل العالمي المقدّر بـ23 طبيباً لكلّ 10 آلاف مواطن.
الصورة
انخفاض كبير في عدد الأطباء العاملين بالقطاع الحكومي (العربي الجديد)
انخفاض كبير في عدد الأطباء العاملين بالقطاع الحكومي (العربي الجديد)
الإنفاق على الصحة
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإنّ متوسط دخل الأسرة المصرية في 2017-2018 كان 58 ألفاً و855 جنيهاً مصرياً، تُنفق أكثر من 55 في المائة منه على الخدمات والرعاية الصحية، فيما أنفقت الدولة على علاج المواطنين في داخل مصر مبلغ ثمانية مليارات و403 ملايين جنيه في عام 2018، و10 مليارات و363 مليون جنيه في عام 2019، وتسعة مليارات و28 مليوناً و176 ألف جنيه في عام 2020. (يُذكر أنّ الدولار الأميركي الواحد يساوي نحو 18.40 جنيهاً مصرياً).
بالتالي أتت نسبة الإنفاق العام على الصحة إلى الإنفاق العام على الدولة وفقاً للموازنة العامة للدولة 4.5 في المائة في 2017-2018، و4.3 في المائة في 2018-2019، و4.6 في المائة في 2019-2020 مع مبلغ وقدره 73 ملياراً و63 مليون جنيه، و5.5 في المائة في 2020-2021 مع مبلغ وقدره 93 ملياراً و544 مليون جنيه.
وبحسب تعداد سكان مصر في عام 2018 البالغ 96 مليوناً و279 ألف نسمة، يكون نصيب الفرد من تكلفة العلاج على نفقة الدولة في هذا العام، والبالغة ثمانية مليارات و403 ملايين جنيه، هو 87 جنيهاً، فيما تكون الأسرة قد أنفقت على الخدمات والرعاية الصحية من دخلها الخاص مبلغاً وقدره 32 ألفاً و370 جنيهاً. ووفق تقدير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بشأن متوسّط الأسرة المصرية مع 4.2 أفراد، يكون المواطن المصري الواحد قد أنفق من دخله الخاص على الخدمات والرعاية الصحية في عام 2018 مبلغاً وقدره سبعة آلاف و707 جنيهات.
ويتّضح من هذه الأرقام، وفق ما تشرحه نقابة الأطباء، أنّه على الرغم من الوضع الاقتصادي القائم في البلاد ومستوى الدخل المنخفض، واللذين عبّرت عنهما بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بإعلان وصول نسبة الفقراء في مصر في 2017-2018 إلى 32 في المائة من مجموع السكان، فإنّ الأسرة المصرية قد أنفقت أكثر من 55 في المائة من دخلها السنوي الصافي على الخدمات العلاجية فيما الدولة أنفقت 4.5 في المائة من موازنتها العامة على قطاع الصحة بأكمله، والذي يشمل الخدمات العلاجية والرواتب والمشروعات والتجهيزات وغيرها.
الصورة
مطالبة برفع المستوى المادي والاجتماعي للأطباء (العربي الجديد)
مطالبة برفع المستوى المادي والاجتماعي للأطباء (العربي الجديد)
مقارنة سريعة ما بين الرواتب
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى تزايد أعداد الأسرّة العلاجية في القطاع الخاص ونسبتها إلى أعداد الأسرّة في القطاع الحكومي. ففي عام 2018، بلغ عدد أسرّة القطاع الخاص 35 ألفاً و320 سريراً أي بنسبة 27 في المائة من عدد أسرّة القطاع الحكومي البالغ 95 ألفاً و683 سريراً، وفي عام 2019 ازدادت أسرّة القطاع الخاص إلى 35 ألفاً و745 سريراً أي بنسبة 27.9 في المائة من أسرّة القطاع الحكومي التي انخفضت إلى 92 ألفاً و599 سريراً.
وقد اختلفت نسبة أسرّة القطاع الخاص إلى ذلك الحكومي تبعاً للمحافظات، لتصل في عام 2019 بمحافظة القاهرة إلى 30.3 في المائة، وبالجيزة إلى 47.8 في المائة، وبالسويس إلى 42.9 في المائة، وبالبحر الأحمر إلى 54.1 في المائة، وبالدقهلية إلى 26.3 في المائة، وبالشرقية إلى 36 في المائة، وبسوهاج إلى 22.7 في المائة، وبأسيوط إلى 19.3 في المائة، وببورسعيد إلى 45.1 في المائة.
طبية مصرية وسط أزمة كورونا في مصر (أحمد حسن/ فرانس برس)
صحة
يوم الطبيب المصري... تضحيات كبيرة وحقوق مهدرة
من جهة أخرى، عند مقارنة رواتب الأطباء في مصر بالرواتب في خارج البلاد شهرياً، أشارت نقابة الأطباء إلى أنّ الطبيب المقيم في صربيا يتقاضى ما يعادل 12 ألف جنيه. أمّا الجرّاح في الصومال فيتقاضى ما يعادل 91 ألف جنيه مصري، وفي السويد يتقاضى الطبيب الممارس العام ما يعادل 30 ألف جنيه، وفي ماليزيا يتقاضى الطبيب حديث التخرّج ما يعادل 22 ألف جنيه مصري. كذلك فإنّ متوسّط راتب الطبيب الشهري في تركيا يعادل 22 ألف جنيه مصري، ومتوسّط راتب الطبيب الشهري في روسيا يعادل 21 ألف جنيه مصري، والحدّ الأدنى لراتب الطبيب الشهري في السعودية يعادل 22 ألف جنيه مصري. كذلك أشارت النقابة إلى أنّ الحدّ الأدنى لأجر الطبيب الشهري في قطر هو ما يعادل 67 ألف جنيه، فيما متوسّط راتب الطبيب المقيم في مصر 3700 جنيه، ومتوسّط معاش الطبيب بعد نحو 35 عاماً من العمل في القطاع الحكومي 2300 جنيه مصري. وقد بيّنت هيئة التأمين الصحي أنّ متوسط راتب الطبيب في نظام التأمين الصحي الشامل الذي يُطبّق في بعض محافظات مصر هو 17 ألف جنيه.