رياض سيف والصعاليك الجُدد

د. شاكر النابلسي في الإثنين ١٦ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-
للمرة الثانية أو الثالثة، أعلن من هذا المنبر عن اعتذاري الشديد لمعتقلي المعارضة السورية الأحرار في السجون السورية الرهيبة، لأنني لم أولِ قضيتهم اهتمامي الكافي ولم أكتب عنهم وعن مأساتهم وكارثتهم التي يمرون بها في سجون الدكتاتورية السورية العاتية. وهم جزء من المعارضة العربية لأنظمة الحكم العربية الديكتاتورية.
وبهذه المناسبة أرفع قبعتي تحيةً وتقديراً للأستاذ الكبير عبد الرزاق عيد، المفكر السوري المعارض والمناضل النبيل، الذي استطاع الخروج مlde;ن سوريا (السجن الكبير) والإقامة في فرنسا كطائر حر طليق، يكتب ما يشاء، ويفكر كما يشاء، ويدافع عن إخوته المفكرين السوريين المعارضين المعتقلين، في سجن "عدرا" الكبير(باستيل سوريا الأسدية) الصحراوي.
وبهذه المناسبة أيضاً، فإن مجموعة قليلة من المثقفين السوريين المزيفين (سدنة هيكل الوهم) – كما يطلق عليهم عبد الرزاق عيد - الذين يدافعون عن النظام الدكتاتوري السوري، ويهاجمون المعارضة السورية في سجنها وخارج وطنها، ويرمونها بكل التهم الكاذبة والعبارات الجارحة، هؤلاء مصيرهم كمصير كل المثقفين الذين وقفوا في وجه الحرية والى جانب الديكتاتورية. ولنا من التاريخ القريب والبعيد الأمثلة التي لا تحصى.


-2-
وبهذه المناسبة كذلك، ألوم أشد اللوم مجموعة الكتاب الليبراليين في كل الوطن العربي – وخاصة السوريين منهم في الشتات - لسكوتهم عما يجري في سوريا، من مطاردة، وتعذيب، وسجن، ونفي، للمعارضة السورية، وانشغالهم في قضايا فكرية لا زمن لها، وقد تكون مؤجلة إلى مقتبل الأيام، وانهماكهم في بحوث دينية تاريخية وفلسفية واجتماعية وفكرية، يمكن كتابتها في أي وقت من الأوقات. في حين أن القضايا الملحة في العالم العربي كقضايا سيطرة التيار الديني على السياسة العربية، ومطاردة وتعذيب المعارضة السياسية العربية واعتقالها، ومصادرة الرأي الآخر، وقضية السلام في المنطقة، وغيرها من القضايا الحياتية الحيّة والملتهبة والحساسة، لا تحظى من هؤلاء المثقفين الليبراليين بأي اهتمام يُذكر، وكأن هؤلاء، يعيشون خارج هذا العصر، ولا يشهدوا عليه وعلى قضاياه ونكباته. ولا أدري عندما يرحلون غداً، ماذا سيُثبت للتاريخ والأجيال القادمة أنهم عاشوا هذا العصر، وتفاعلوا معه، وكتبوا، ودافعوا عن قضاياه المهمة.
فالكاتب والمثقف هو ابن زمانه وابن عصره، وإذا نسي قضايا زمانه وعصره، وانصرف عنها، فسينساه زمانه، وعصره أيضاً، وينصرف عنه.

-3-
رياض سيف، من بين المعارضين السوريين النبلاء والأحرار الذين يعانون من مرض مزمن داخل السجن. ورغم هذا، فالنظام السوري لا يرى حقاً في إطلاق سراح هذا المناضل النبيل.
فسوريا يحكمها اليوم ويرعى في مزارعها الصعاليك الجُدد الذي وصفهم بيار صادق في عدة مقالات، ورصد رصداً بحثياً وواقعياً، نهبهم، وفسادهم المالي، والسياسي لسوريا، ونظام الحكم الشريك الخفي لهم. وقد بيّن بيار صادق في مقالاته عن صعاليك سوريا الجُدد، كيف أن هؤلاء الصعاليك هم من عظام رقبة النظام، وجزءٌ لا يتجزأ من النظام الذي يحسب هذه الأيام أن الروح قد عادت له، بعد أن كان معزولاً ومبعداً ومنبوذاً، كمن أصابه الجرب.


-4-
يقول المفكر والمناضل النبيل عبد الرزاق عيد في آخر هتاف له للحرية، إن ثمة وعياً سياسياً جديداً يتكوّن بعد انكشاف الغطاء عن مزاعم أيديولوجيا عنتريات عروبة (الطبلة، والربابة) في فضيحة 9 نيسان، على أسوار بغداد (قلعة الأسود) التي حولتها طبلة البعث وربابته إلى بيداء.
عنوان هذا الوعي الجديد، بأن لا وطن، ولا وطنية، ولا سيادة، ولا أرض، ولا عرض، ولا شرف، ولا كرامة، ولا عرب، ولا عروبة، بدون ولاية الأمة على نفسها، وكرامتها، وشرفها، وعرضها، بدءاً بالاعتراف بهذه الحقوق للفرد ككائن عاقل، مالك لزمام نفسه، وصولاً للأمة، للمجتمع، للشعب بوصفه كياناً عاقلاً قادراً على الوصاية والولاية على نفسه، بدون وصاية الزعيم الواحد، والحزب الواحد، والإيديولوجيا الواحدة... الخ.

-5-
ولكن سوريا الآن اليوم ومنذ أكثر من أربعين عاماً، ليست للأحرار والنبلاء من أمثال رياض سيف وفداء حوراني وبقية الإثني عشر كوكباً الآخرين القابعين في الباستيل السوري، ولكنها للصعاليك الجُدد اللذين وصفهم وكتب عنهم بيار صادق في مقالات متتالية. وشرح كيف أن سوريا عبارة عن مزرعة ضخمة، تملكها عصابة من مصاصي دماء الشعب السوري. وللأسف الشديد فإن الغرب المتحضر والديمقراطي، بدأ يغُضُّ الطرف عن كوارث هذا النظام ومصائبه، مقابل السماح لبعض المستثمرين الغربيين بدخول السوق السوري. وهذا ما حصل أيضاً مع النظام الليبي، وربما اليمني، والسوداني كذلك. وهكذا نشهد هذه الأيام اختفاء العُصي وظهور حُزم الجزر فقط، أمام الأنظمة الدكتاتورية العربية. مثلما كان سائداً في سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. وربما يزداد هذا الموقف المتهاون ارتخاءً مع الدكتاتورية العربية عامة، وتدليلاً لها، مع اشتداد الأزمة المالية العالمية، وحاجة الغرب للأسواق العربية، وإلى مالكي مفاتيح هذه الأسواق. وهذا ما نشهده الآن.
وفي ذلك الكارثة الكبرى على العالم العربي.
فلا نحن قادرون على التغيير وحدنا، ولا الغرب مستعد لمساعدتنا على ذلك.
السلام عليكم.

اجمالي القراءات 11216