الأنظار تتجه نحو السماء بحثا عن كوكب شبيه بالأرض

في الجمعة ٢٠ - فبراير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إطبع هذا الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق أخبار بنظام RSS

الأنظار تتجه نحو السماء بحثا عن كوكب شبيه بالأرض

عالم الفلك السويسري ميشيل مايور
شرح الصورة: عالم الفلك السويسري ميشيل مايور (swissinfo)

في المقابلة التي أجرتها معه سويس انفو أعرب الفلكي السويسري ميشيل مايور، عن تفاؤله في أن يُحدث القرن الحادي والعشرون نقلة هائلة بشأن فهم طبيعة الكواكب التي تقع خارج مجموعتنا الشمسية.

وجدير بالذكر أن الثنائي ميشيل مايور وأستاذ الفيزياء الفلكية ديدييه كيلوز تألقا عام 1995 عبر إحداثهما ثورة في علم الفلك المعاصر، إذ تمكنا من اكتشاف أول كوكب يقع خارج المنظومة الشمسية، يتبع فلك نجم يقع على مسافة 42 سنة ضوئية من الأرض.

وبعد ذلك باثنتي عشرة سنة استطاع هذا الثنائي رصد واكتشاف الكوكب "Gliese581 c"، وهو كوكب شبيه إلى حد بعيد بالأرض، ويدور حول نجم قزم يطلق عليه اسم "Gliese581".

ومن المرتقب أن تقوم وكالة ناسا الفضائية الأمريكية في مارس القادم، بوضع التلسكوب المتطور "كيبلر" في مدار حول الأرض بغرض كشف ودراسة الكواكب ذات الشبه بالأرض والتي تقع خارج نطاق مجموعتنا الشمسية.

علما بأنه تم حتى الآن اكتشاف أكثر من 300 كوكب خارج نطاق مجموعتنا الشمسية، نصفها تم رصده بواسطة فريق الخبراء في جامعة جنيف.

وبمناسبة بدء السنة الدولية لعلم الفلك، قامت سويس انفو بمحاورة ميشيل مايور للتعرف على تفاصيل تتعلق بهذا الحدث العلمي.

سويس انفو: لا يسعنا ونحن نحتفي بعام 2009 بصفته العام الدولي لعلم الفلك إلا أن نذكر شخصيتين تاريخيتين جوهانز كيبلر وغاليليو غاليليه، فهل لكم أن تحدثوننا عن أهمية هذين الرجلين؟

ميشيل مايور: كلا الرجلين قَدّما مساهمة عظيمة لعلم الفلك. ويعتبر كل منهما الأب والمؤسس، لا بل الشخصية الأولى في هذا العلم، بالرغم من أنهما عاشا منذ زمن طويل حيث لم يكن علم الفيزياء قد أحرز هذا التقدم الكبير الذي هو عليه الآن.

كيبلر (1571-1630) اعتمد دراسة وبحثا معمقا لمحاولة فهم النظام الكوني، وقد استطاع في نهاية المطاف استنتاج ثلاثة قوانين رياضية تحكم حركة دوران الكواكب. الأمر الذي شكل منعطفا تاريخيا حقيقيا.

ورغم أن عملنا يتعلق بدراسة الكواكب خارج نظامنا الشمسي، إلا أن المعادلات الرياضية التي نستخدمها اليوم لا زالت تعتمد على قوانين كيبلر، كما أننا لا زلنا نعتمد من الناحية العملية على ما توصل إليه غاليليو غاليليه (1564-1642). وسواء شئنا أم أبينا، فإنهما حاضران بيننا.

سويس انفو: اتسم القرن العشرون بالتقدم في اكتشاف النجوم، فهل سيكون القرن الجديد قرن الكواكب خارج منظومتنا الشمسية؟

ميشيل مايور: كان القرن العشرون فريدا من نوعه بالنسبة لعلم الفيزياء الفلكية. أولا، استطعنا فهم حركة النجوم. فقد استطاع هانز بيته عام 1937 معرفة أصل الطاقة الشمسية، وبعد ذلك، قامت جهود متميزة في الكشف عن كيفية تكون النجم وتطوره وموته.

أما الاكتشاف الهام، الآخر، فهو في مجال العلم المسمى بالتحليل النووي، الذي قادنا إلى معرفة العناصر الكيميائية الأساسية، التي تشكل منها الكون في مراحل تكونه الأولى.

كما تأسس في القرن العشرين علم رياضيات الكون، وهو علم قائم على أسس النظرية النسبية لأينشتاين، ونأمل من خلاله التوصل إلى معادلات رياضية تقودنا إلى تفسير نشوء الكون وتطوره.

وأما الكواكب التي تقع خارج نطاق مجموعتنا الشمسية فأول اكتشاف لها إنما جاء مع نهاية القرن العشرين، ولا يمكن تصور المعرفة التي حصلت لنا خلال الخمسة عشرة سنة الأخيرة. فقد تمكن العلم حتى اليوم من اكتشاف 300 كوكب، ومما يثير مشاعري عدد الأشخاص الذين يعملون في هذا المجال، فقد تضاعفت أعداد الفنيين، وأصبح لدينا أقمار صناعية، ومراكز أبحاث أرضية، ودراسات نظرية في غاية الأهمية.

يشار إلى أننا تحصلنا قبل شهرين فقط على أولى صور الكواكب التي تقع خارج مجموعتنا الشمسية، ورغم بساطتها إلا أننا أصبح لدينا معلومات عن كتلة هذه الكواكب، وعن أفلاكها، وعن تراكيبها الداخلية. كما أمكننا البدء في تحليل الغلاف الجوي، لتحديد وجود المياه، وثاني أكسيد الكربون والصوديوم، بالإضافة إلى أننا تمكنا من قياس درجة حرارة الغلاف الجوي.

سويس انفو: ما الصعوبة في تحديد الكوكب الخارجي (أعني الذي يقع خارج مجموعتنا الشمسية)؟

ميشيل مايور: الكوكب الخارجي أصغر بكثير من النجم، وهو يُرصد بشكل غير مباشر، أي عن طريق ضبط حركة النجم. وبالفعل يمكن أن تؤدي التغييرات المسجلة في سرعة إقتراب هذا الأخير أو إبتعاده عن الأرض، إلى استنتاج وجود كوكب آخر.

وتكمن الصعوبة الأخرى في تعذر الرؤية حيث أن الكوكب الخارجي يصدر طيفا أقل بكثير من طيف النجم، ولذلك تصعب الرؤية المباشرة للكوكب. ولك أن تتصور وجود شمعة على مسافة متر من ضوء متوهج ومحاولة رؤيتها عن بعد ألف كيلومتر. لا شك أن الضوء المتوهج سيحول دون رؤية الشمعة.

سويس انفو: تنوي وكالة ناسا في مارس 2009 القيام بتسيير بعثة "كيبلر". فكيف لهذه البعثة أن تساعد في فهم الكون وفي الكشف عن كواكب جديدة؟

ميشيل مايور: ستكون مدة البعثة "كيبلر" ثلاث سنوات، وتهدف لدراسة الكواكب الخارجية المشابهة للكرة الأرضية والتي يمكن أن تنشأ فيها حياة. حاليا، تتوفر لدينا معلومات لا بأس بها حول الكواكب الخارجية إلا أن إمكانية الاستفادة منها محدودة.

نحن بحاجة إلى كوكب صخري ذو درجة حرارة مناسبة لكي يمكن إيجاد حياة، إلا أن المعدات المتوفرة حاليا عاجزة عن الوصول إلى كوكب بهذه المواصفات، ولعل هذه البعثة لوكالة "ناسا" تساعدنا في المهمة وتزودنا بالمعلومات الهامة. وأنا على يقين من أن العلم سيتمكن خلال العشرين سنة القادمة من إرسال بعثة فضائية باتجاه كوكب خارجي.

سويس انفو: ما هي احتمالات وجود حياة على الكواكب الأخرى؟

ميشيل مايور: كوني عالم لا يسعفني في الإجابة عن هذا السؤال. قد يكون هناك العديد من الكواكب الخارجية التي لها طبيعة صخرية ودرجة حرارة معتدلة، تدور في فلك نجوم تشبه الشمس، إلا أنه سيتعين معرفة أيها الذي يصلح للحياة.

إلا أن هذه ليست هي المشكلة الرئيسية، فعلى فرض توفر كل الشروط اللازمة للحياة، تبقى المشكلة في معرفة هل سيتمكن علم الكيمياء وعلم الأحياء من تخليق كائن حي معقد أحادي الخلية؟ في الحقيقة نحن لا نعرف. بعض العلماء يقولون ما دام الأمر تحقق على الأرض فلا مانع من تحققه في أي مكان، إلا أن أحدا يستطيع الجزم به.

كما أن علم الأحياء الحالي لم يصل إلى المستوى الذي يستطيع من خلاله الإجابة على هذا السؤال، ناهيك عن أن الكون استغرق في تحقيق ذلك مئات ملايين السنين من التجارب الكيميائية في مختبر شاسع الأبعاد، ذلك هو مختبر الأرض. هذه هي الحقيقة العلمية المفتاح.

وشخصيا، أعتقد أنه لابد من تظافر عدة قوانين كونية لإنتاج الحياة، وإذا ما توفرت الظروف اللازمة فإنها يمكن أن توجد بشكل أو بآخر. ولا غرابة في الأمر، فنحن مخلوقون من ذرات ترجع في أصلها إلى نجم. فإمكانية وجود شكل ما من أشكال الحياة على الكواكب الأخرى أمر وارد ولا حرج في ذلك.

سويس انفو : ماذا تنشدون من خلال فعاليات السنة الدولية لعلم الفلك؟

ميشيل مايور: علم الفلك علم رائع وممتع، وما أجمل أن يتعرف الإنسان على طبيعة هذا الكون وحركته. يميل الإنسان إلى تصنيف الثقافة: رسم، موسيقى، فنون أخرى، وربما علوم عامة. لكن في الواقع تعتبر بعض التخصصات مثل علم الفلك، وعلم الآثار ، وعلم الإحاثة (أو الباليونتولوجي) أيضا جزء من الثقافة، ومن العار ألا نعرف على سبيل المثال التقدم الذي طرأ على علم الفلك خلال العشرين سنة الأخيرة!

إضافة لما سبق، فإن السنة الدولية لعلم الفلك قد يكون لها دور هام آخر، حيث لاحظنا في السنوات الأخيرة أن عدد الطلبة الذين يتجهون لدراسة العلوم التطبيقية كالفيزياء والرياضيات قد تراجع كثيرا، ويحدوني الأمل أن نستطيع من خلال هذا الحدث الكشف عن الجوانب الممتعة والمثيرة في هذا العلم، وأن نستطيع تحفيز الهمم، واجتذاب أعداد أكبر من الطلبة.

سويس انفو - سيمون برادلي

 
اجمالي القراءات 3938