قبل الميلاد بقرون.. حقيقة قبر ابنة فرعون و50 قبرا صخريا بالقدس

في الأحد ٠٩ - أغسطس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

ليس في هذا القبر ذهب ولا فضة، إنما عظام الميت وخادمته. اللعنة على من يفتحه"، نُقشت هذه الكلمات بلغة قديمة داخل أحد القبور المحفورة في الصخر منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وتحديدا في سفح تلة رأس العامود جنوب المسجد الأقصى، أو ما تعرف حاليا بمنطقة بطن الهوى فوق وادي قدرون بالقدس المحتلة.

تزاحمت بيوت المقدسيين -التي يعود بعضها للعهد المملوكي- في بطن الهوى فوق بعضها، حتى بدت واجهة للجبل الذي حُفر في سفحه نحو 50 قبرا ممتدا بشكل أفقي، من شمالي بطن الهوى حتى بئر أيوب جنوبا في بلدة سلوان. الناظر إليها من بعيد يرى فتحات مربعة تباعدت بتباين، ويلحظ بناء متفردا بمستوى أعلى منها، عُرف بقبر ابنة فرعون.

إطلالة القبور على السور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك (الجزيرة نت)

روايات متأرجحة وتهميش إعلامي

على بعد أمتار معدودة من قبر "ابنة فرعون"، يقع طنطور فرعون من القرن الثاني قبل الميلاد، والذي خطف الأضواء الإعلامية والأثرية بعيدا عن قبر ابنة فرعون الذي بنيّ قبله بنحو 5 قرون أو أكثر، وظل حتى اليوم لغزا لم تثبت عنه أي رواية مؤكدة.

لم يرد ذكر قبر ابنة فرعون والقبور الـ50 في كتب علماء الآثار العرب الأولين أو الرحالة الذين مروا على القدس، ويبدو أن مداخل القبور المربعة قد كانت مغلقة بإحكام عبر قرون طويلة ولم يتسن لأحد ملاحظتها، والمتفحص في مدخل القبر يرى تجويفات محيطة تدل على إغلاقه المسبق، حيث فُتح أو نُبش لاحقا.

كما تظهر أسفل بعض المداخل تجاويف مربعة صغيرة حفرها رهبان في الفترات الرومانية أو البيزنطية، ووضعوا فيها فوانيس لإضاءة الطريق المتعرج المظلم ليلا، بعد أن اتخذ بعضهم القبور مكانا للسكن أو الخلوة.

القبور تعود إلى عائلات أرستقراطية قبل الميلاد بقرون (الجزيرة نت)

قبور علية القوم

ويرجّح الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية -للجزيرة نت- أن تلك القبور تعود إلى عائلات أرستقراطية من علية القوم، عاشت في العصر الحديدي في القدس (1006-586 قبل الميلاد)، وتحديدا منذ دخول النبي داود عليه السلام إلى القدس وحتى السبيّ البابلي.

الاكتشاف الأول لأحد القبور كان عام 1874 على يد عالم الآثار الفرنسي شارل كليرمونت جانو، حيث وجد فتحتين مقابل بعضهما كُتب عليهما بالعبرية القديمة "هذا قبر …ياهو (الاسم مبتور) فوق البيت، ليس في هذا القبر ذهب ولا فضة إنما توجد عظام الميت وخادمته. اللعنة على من يفتحه". آنذاك اعتقد جانو أن هذا القبر يعود إلى المشرف الملكي في بلاط الملك "حزقيا" في القرن الثامن قبل الميلاد، لكن أبو شمسية لم يؤكد صحة هذه المعلومة.

الاكتشاف الثاني والأكبر بدأ عام 1970 واستمر 6 سنوات على يد عالمي الآثار الإسرائيليين دافيد أوسيشكن وجبرائيل باركاي، حيث ركزا على منطقة سلوان وبطن الهوى جنوب المسجد الأقصى، حيث تتواجد القبور التي تداخل جزء منها فعلا مع بيوت المقدسيين القديمة.

إطلالة عامة على حي بطن الهوى والقبور المحفورة في الصخر أسفل بيوت المقدسيين المتراصة (الجزيرة نت)

تميز عن بقية القبور

وخلص العالمان إلى أن القبر المتفرد عن بقية القبور هو "لابنة فرعون، إحدى زوجات النبي سليمان عليه السلام"، مستندين في ذلك إلى فخامة القبر وطريقة بنائه الملكية التي تشبه طراز القبور الفرعونية في وادي الملوك بمصر، لكنهم لم يوردوا أدلة أخرى مساندة لزعمهم.

ويصف الباحث أبو شمسية قبر ابنة فرعون من الخارج بأنه مبنى مربع كان يعلوه هرم صغير، أزيل في القرن الثالث الميلادي عندما سكنه رهبان بيزنطيون، وعلى مدخله نقش محفور في صخرة ذات لون وردي باهت، لكنه شوّش لاحقا بفعل عوامل طبيعية أو بشرية.

وعن داخل القبر، يقول الباحث إنه غرفة ضيقة أشبه بمغارة صخرية، يتوسطها القبر وعن جانبيه مقاعد ومساند، مؤكدا أن بانيه قصد تمييزه عن غيره من القبور حوله.أما بقية القبور فينسب أبو شمسية طريقة بنائها إلى الفترات الكنعانية واليبوسية المتأخرة، مستشهدا بنظام قبور "الجابية" الذي يحتوي على قبور جماعية داخل الصخر، ومن حوله تجاويف للإنارة ومكان لمتعلقات الميت، إلى جانب "مصطبة" جانبية توضع عليها الجثة قبل دفنها 40 يوما.

ظلت طريقة الدفن في الصخر متبعة لدى اليونان والرومان في القدس، لاعتقادهم أنها أكثر ثباتا وتهيئة للانتقال إلى الحياة الأخرى خلاف الدفن في التراب. كما حرص معظم زائري وساكني القدس -بمختلف دياناتهم- على الدفن حول تلة المسجد الأقصى، لاعتقادهم أنها أقرب نقطة إلى السماء.

تتراص منازل المقدسيين في حي بطن الهوى كأنها حفرت في واجهة الجبل ومن أسفلها مداخل القبور المربعة (الجزيرة نت)

نسب احتلاليّ هش

تطل هذه القبور اليوم على الجزء الجنوبي للمسجد الأقصى بشكل كامل، ولم يوفر الاحتلال الإسرائيلي فرصة لنسبتها إليه وإثبات أحقيته بالقدس، حيث زعم أنها تعود إلى عهد ما يسمى الهيكل الأول.

ويفنّد أبو شمسية ادعاءات الاحتلال تلك بأن عودة القبور إلى العصر الحديدي -أو ما يسميه الاحتلال عهد الهيكل الأول- لا يعني بالضرورة أن أصحابها يهود، فمدينة القدس كانت تعجّ في تلك الفترة بالعديد من الأعراق، وسرت في عروقها دماء الكنعانيين والفينيقيين والحثيين والأموريين. وحتى إن كان المدفون يهوديا فلا يؤكد ذلك يهودية المكان.

ويضيف أن النقوش باللغة العبرية القديمة لا ترتبط بالديانة اليهودية، فالعبرية آنذاك كانت مستمدة من اللغة الأكادية والمسمارية، وتشابهت إلى حد كبير مع اللغات الفينيقية والعمونية والمؤابية، وكان يكتب بها غير اليهود أيضا.

ويختم متسائلا "اللافت في الأمر، أن القبور مهملة بشكل كبير وتملؤها الأوساخ والمهملات بعيدا عن اهتمام سلطة الآثار الإسرائيلية، فكيف يتساوى ذلك الإهمال مع نسبتها إليه؟!".

اجمالي القراءات 1505