نحو التكامل الإسلامي

احمد شعبان في الثلاثاء ٠٣ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أطروحـة دكتـوراة تـدرس: معالم وأدوار الفكـر التربـوي الشيعـي في المجتمع الإسلامي المعاصر

أسهمت عدة مدارس فكرية في تشكيل الحياة الفكرية والثقافية الإسلامية خلال ما يزيد على أربعة عشر قرناً، ويكاد يتفق الباحثون في التاريخ الإسلامي على أن هناك أربع مدارس رئيسة كان لها الدور الأساسي في الحياة الإسلامية، هي: مدرسة أهل السنة، والمدرسة الإمامية، المعتزلة، الصوفية.
وقد نوقشت بدايات العام 2008بأحد الجامعات المصرية أطروحة دكتوراة للباحث التربوي حسان عبد الله حسان حول الفكر التربوي الإمامي، ونال عنها درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف، ثم صدرت بعد ذلك بفترة وجيزة في بيروت عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإنساني.

الفكـر الإمامـي .. لمـاذا؟
يقول مؤلف الدراسة إن هناك حزمة من الأسباب التي دعت إلى البحث في الفكر التربوي الإمامي، أهمها: أولا: أن الشيعة - موضوع البحث - من الفرق الإسلامية التي أسهمت بشكل واضح في الجانب العلمي والتربوي في الحضارة الإسلامية، وفي الوقت نفسه لم تنل من الاهتمام ما يكفي للتعرف على كل إسهاماتها الحضارية والمعاصرة.
ثانيا: أن المجتمع الشيعي المعاصر أصبح مجتمعاً فاعلاً اجتماعياً، ومن ثم فمن الضرورة بمكان معرفة الفكر التربوي الذي يوجه هذا المجتمع، على اعتبار أن التربية هي قائدة التغيير والتنمية في المجتمع، وهذه من الحقائق المسلم بها بين المربين والاجتماعيين والسياسيين.
ثالثا: الرغبة في فتح آفاق جديدة للبحث في التربية الإسلامية غير العربية، وهذا يؤدي بدوره إلى استفادة المجتمع العربي المعاصر من تجارب وأنماط من الأنساق التربوية لمجتمعات تتشابه معه في الظروف والمتغيرات نفسها، فضلاً عن التشابه في الخلفية العقدية.
رابعا: تحقيق قدر من التبادل المعرفي الموضوعي بين عنصري العالم الإسلامي، السنة والشيعة -لاسيما في ظل المتغيرات العالمية والإقليمية الأخيرة- بما يساهم في بناء شخصية إسلامية قادرة على مواجهة التحديات، وهو ما يبرز دور التربية في تحقيق الوحدة الإسلامية.

قضيـة الدراسـة وانعكاساتها المختلفـة
تتساءل الدراسة عن تأثير الفكر الشيعي الاثنى عشري على جوانب الحياة المختلفة للفرد والمجتمع الشيعي المعاصر، وبالتالي تسعى إلى إلقاء الضوء على موقع التربية من هذا التأثير باعتبارها المسئولة عن قيادة المجتمع إلى التطوير أو التجديد وبناء الدولة، ومن ثم كان التساؤل الرئيسي هو: ما معالم الفكر التربوي المعاصر عند الشيعة الإمامية الاثنى عشرية؟ وتفرع من هذا التساؤل عدة أسئلة فرعية سعت فصول البحث إلى الإجابة عليها، وهى: ما السياقات الاجتماعية والفكرية للفكـر التربــوي الشيعـي المعاصـر؟، ما مصادر الفكر الشيعي المعاصر؟، ما النظرية التربوية التي يتبناها الفكر الشيعي المعاصر؟، ما وسائط التربيــة المعاصــرة عنــد الشيعــة؟، ما معالم النظام التعليمي المعاصر في إيران وقضاياه؟

نتائج مهمة
إن السؤال الذي لم تطرحه الدراسة ولكنها أجابت عليه بشكل مباشر هو: هل أثرت الأبعاد الفكرية والتاريخية على السلوك الاجتماعي والسياسي للشيعة في الاسلام؟
والإجابة هي: نعم!، حيث توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج العامة التي تحدد هذا السلوك مثل: أولا: أن البعد التاريخي لنشأة الشيعة- وفقاً للتفسيرات المختلفة - كان له أثره التربوي الواضح، حيث أصبح الهدف الأساسي للفكر التربوي الشيعي هو تكوين شخصية تقوم على مضامين ومفردات التمايز والخصوصية.
ثانيا: أن البعد الاجتماعي لنشأة الشيعة وما تأثر به من أحداث ووقائع سياسية مختلفة أدى إلى تبني الفكر التربوي الشيعي نسقاً فكرياً يقوم على تأكيد مفاهيم «الجماعة» و «الأقلية» و«الفئة» في مقابل المجتمع الأكبر الذي ساعد في تأصيل هذه المفاهيم في الشخصية الشيعية.
ثالثا: أن النسق الفكري والثقافي للشخصية الشيعية قد تأثر بمجموعة من العوامل التاريخية والاجتماعية مرت بها الجماعة الشيعية خلال المراحل والأدوار التي تكونت فيها، أدت إلى بلورة مجموعة من الأصول الفكرية والثقافية التي ساهمت فيما بعد في تشكيل الشخصية الشيعية عبر التاريخ وهي: الوصية أو النص للأئمة الاثني عشر بعد النبي (صلى الله عليه وسلم)، عصمة الأئمة، التقية، الغيبة أو المهدوية.
وبمجئ الإمام الخميني في القرن العشرين حدثت بعض التطورات في هذه الأصول أهمها إلغاء التقية، حيث أعلن أنه لا تقية لشيعي بعد اليوم، أي بعد الثورة الإسلامية، وأنتج وطور نظرية ولاية الفقيه، وهي تعديل لفكرة الانتظار السلبي في ظل الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر.

من الأصـول التربويـة
تذكر الدراسة أن الفكر التربوي الشيعي يستمد محدداته العقدية من خمسة أصول أساسية هي: التوحيد، النبوة، العدل، الإمامة، المعاد، وينفرد الشيعة بالقول بالإمامة وهي أساس الاختلاف بين الشيعة والسنة على المستوى المذهبي، وتحاول الآراء والكتابات الشيعية المعاصرة التقريب بين الشيعة والسنة فيما يتصل بمسألة الإمامة من خلال تجاوز الآراء الشيعية القديمة التي تؤكد على أن الإمامة من أصول الإيمان وجعلها من أصول المذهب فقط، وقد ذهب إلى ذلك علماء ومراجع شيعة كبار أمثال محمد كاشف الغطاء، وغيره.
وتؤكد أن الفلسفة التربوية الشيعية تتفق مع النظرية التربوية الإسلامية لاسيما في أهداف التربية وغايتها، والأبعاد الأخلاقية والمعرفية والرؤية الكونية، بينما تتمايز عنها في عنصرين أساسيين، هما: الإمامة والنظرة إلى المجتمع، حيث يذهب التفسير المذهبي الشيعي إلى تقسيم المجتمع الشيعي إلى ثلاثة أصناف: الأول: مجتمع الحضور، أي الذي شهد حضور الأئمة، والثاني: مجتمع المنتظرين، أي الذي يعيش فترة انتظار الإمام المهدي، والثالث: المجتمع المهدوي أو المجتمع الذي يشهد عصر ظهور الإمام المهدي.

مدخـل جديـد للتقريـب
قدمت الدراسة عددا من التوصيات والمقترحات في ضوء البحث والتحليل للفكر التربوي الشيعي المعاصر، منها:
دراسة صورة أهل السنة في مناهج التعليم العام الإيرانية، للوقوف على مدى تحقيق الثورة الإسلامية للانسجام الإسلامي والاجتماعي في إيران.
ضرورة توجيه نظر الباحثين في ميدان التربية إلى البحث في فلسفات التربية المختلفة في العالم الإسلامي، لاسيما الفكر التربوي الشيعي المعاصر، وذلك لثراء تجربته التربوية من ناحية، وللتقريب الفكري بين الباحثين في العالم الإسلامي من ناحية أخرى.
تقديم اللغة الفارسية في التعليم العام في مصر- كلغة ثانية-، حيث إنها تعد احدى أهم اللغات التي يتحدث بها عدد كبير من المسلمين، بعد اللغة العربية، بالإضافة إلى غزارة الإنتاج الفكري والتربوي الذي يصدر سنوياً بهذه اللغة، والتي يقف الجهل بها عائقاً أمام التعرف عليه.
وأوصت الدراسة أيضا بتعديل مفاهيم «التربية الإسلامية» لدى الباحثين، والتي اقتصرت في أذهانهم على التربية عند «أهل السنة»، وذلك بإدخال المذاهب الإسلامية الأخرى مثل الإمامية، الزيدية، الإباضية في هذا المفهوم، لاسيما وأن هذه المذاهب الإسلامية فاعلة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وتنشيط حركة ودور الترجمة من لغات العالم الإسلامي إلى اللغة العربية، لإحداث نوع من الانفتاح الثقافي والفكري بين أبناء الأمة الواحدة.
ويستخلص الباحث في خاتمة دراسته العلمية درسا هاما للنظام التربوي والتعليمي العربي، يتمثل في تأكيد مبدأ «الاستقلالية الفكرية»، أي أن يكون النظام التربوي العربي مستقلاً في تفكيره، ويعود إلى هويته الإسلامية التي انسلخ عنها، والعمل على إيجاد فلسفة تربوية عربية واضحة المعالم، مما يترتب عليه وجود نوع من التعليم محدد الأهداف، متوافق مع قيم وعقيدة وتراث المجتمع العربي، إضافة إلى غرس روح الإرادة والتحدي في النشء، وهو ما تفتقده الشخصية العربية نتيجة لضعف بنائها التربوي، نظرا لأن حالة الاضطراب التي يعاني منها التعليم في العالم العربي ناتج بصورة أساسية عن عدم وجود فلسفة تربوية واضحة المعالم، وعن التبعية العمياء للمنهج الغربي.

اجمالي القراءات 30532