اليهود
اليهود وفلسطين

زهير قوطرش في الجمعة ٢٠ - فبراير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 مقالة للدكتور نضال الصالح.

أخي العزيز زهير

في تعليق لأحد قراء أهل القرآن على مقال لك عن غزة كتب المعلق أن اليهود كانوا أهل فلسطين الأصليين وأنهم أقاموا في فلسطين دولة عظمى بقيادة داوود ثم سليمان . لست أدري إن كان المعلق مسلما أم مسيحيا لا يهم ولكن المهم أن هذا الفكر معشش في وعي كثير من المسلمين والعرب وهو الفكر الذي يدعي اليهود على أساسه بحقهم في فلسطين وتدعمهم فيه القوى الغربية وخاصة المسيحية الصهيونية.
وبما أنني لسبب ما لا أدري كنهه لا أ&Oe;زال محروم من الدخول على صفحة أهل القرآن، أرسل لك مقالا ردا على هذا الفكر الخاطئ أرجو أن تنشره على صفحة أهل القرآن ولك الشكر.


النصوص الدينية وإدعاء اليهود بالحق التاريخي في فلسطين

العدو الصهيوني يقاتلنا على كل الأصعدة، ولا يبخل في صراعه معنا عن إستغلال الدين والتاريخ والجغرافيا والإعلام والثقافة. ولا تقل هذه الأسلحة فتكا عن الرصاص والقنبلة والصاروخ . اما نحن فإننا نجهل حتى تاريخ بلدنا ونسوغ في ثقافتنا الدينية المتخومة بالإسرائيليات تزوير الصهاينة لتاريخ بلدنا وندعم من دون أن نع ادعاءاته بالحق التاريخي في بلدنا. إنه داء الفصام بين الوطني والديني.

ينقسم اليهود في ادعائهم بأحقية امتلاك فلسطين إلى فئتين:
الأولى وهم الصهاينه الذين يدعون بالحق التاريخي في فلسطين إعتمادا على ان يهود اليوم هم أحفاد الإسرائيلين التوراتيين، الذين أقاموا - حسب إدعاء التوراة- بقيادة داوود ومن ثم ابنه سليمان، دولة عظيمة في فلسطين ذات حضارة أسطورية .
الفئة الثانية وهم المتدينون الذين يدعون بالحق الإلهي في الأراضي المقدسة وذلك بناءا على ما ورد في التوراة بأن الله قد عقد مع الإسرائيليين في سيناء اتفاقية يعدهم بموجبها بامتلاك الأراضي المقدسة كاملة ولقد جدد هذا العهد لإبراهيم ومن بعدة للأسباط الإسرائيلية. يهود اليوم في مقولة هؤلاء هم ورثة الإسرائيلين التوراتيين وورثة العهد والوعد الإلهي بامتلاك فلسطين وعلى اليهود العودة إلى فلسطين وإقامة الدولة اليهودية والتحضير لعودة المسيح المنتظر الذي سيقيم مملكة الله على الأرض. في رأي هذه الفئة أن الله قد قاد بذاته الجيش الإسرائيلي في حربه مع العرب.

هناك عدد كبير من الرموز والأساطير ذات البعد الديني حولها الفكر الديني إلى شخصيات تاريخية من لحم ودم وبنى عليها تاريخا أضفى عليه الواقعية. ومن أهم هذه الرموز هي آدم ونوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى ويشوع وداود وسليمان وممالكهم الخيالية، بالإضافة إلى القبائل الإسرائيلية بأسباطها الإثنى عشر. وما يهمنا من هذه الرموز هي تلك التي شكلت ما يسمى بالإسرائيليات في الفكر والتراث الإسلامي وخاصة تلك التي تنحدر من شخصية النبي إبراهيم . أهمية هذه الرموز ترجع إلى بناء العدو الصهيوني على أساسها أسطورة الحق التاريخي لليهود بفلسطين الذين يدعون أنهم الأحفاد الحقيقيون لما يسمى بالإسرائيليين الأوائل أو الإسرائيلين التوراتيين. هذا إلى جانب الفكر الديني اليهودي الذي يدعي كما ذكرت بالحق الإلهي في فلسطين.

المصادر الوحيدة التي تحدثت عن هذه الرموز هي التوراة ومن ثم القرآن. لقد اعتبر المفكرون التوراتيون التوراة كتاب تاريخ كما اعتبروا هذه الرموز شخصيات تاريخية من لحم ودم وبنوا حولها تاريخا لعب دورا هاما جدا في تشكيل الفكر اليهودي والمسيحي المسيسين. هذا الفكر الذي يعطي الغريب تبريرا أخلاقيا ودينيا لإحتلال أرض الغير وإبادة سكانها الأصليين. فإبراهيم وموسى وأحفادهم الأسطوريون جاؤا غرباء إلى أرض الغير مسلحين بالتفويض الإلهي لإحتلال أراضي ليست لهم ولإبادة أهل البلاد الأصليين بإعتبارهم أعداء الله.
كذلك اعتبر المفسرون والمؤرخون الإسلاميون القرآن كتاب تاريخ وحذو حذو التوراتيين وتأثروا بهم وأضفوا الصيغة الإسلامية على التاريخ التوراتي الأسطوري الذي بناه التوراتيون وبنوا عليه فكرا لا تزال آثاره المدمرة حتى الآن.
أن الاعتياد الطويل لعلماء الآثار والمؤرخين والباحثين التوراتيين على النظر إلى التوراة على أنها كتاب تاريخ، وفهمه في الوقت نفسه ، تراثا فكريا ثريا من الناحية الدينية وأساسيا لكل من اليهودية والمسيحية ، قد منح وجهة النظر هذه سلطة تتجاوز المعقول.
لم يكن اليهود وحدهم من ادعوا امتلاك هذا التاريخ بل مسيحيي الغرب كذلك، ولقد ذهبوا حدا ادعوا فيه أن فلسطين بلدهم، كما صرح كبير أساقفة يورك قائلا:" إن السبب الكامن وراء توجهنا نحو فلسطين هو أن فلسطين هذه بلادنا" ( نيل سلبرمن: بحثا عن إله ووطن، ترجمة فاضل جتكر، إصدار قدمس للنشر والتوزيع، دمشق 2001،ص:164 ).
وفي صلاة افتتاحية جمعية صندوق اكتشاف فلسطين التي عقدت في الثاني من أيار عام 1856، خاطب وليم طمسن رئيس أساقفة يورك الحاضرين بقوله :" إن هذا البلد فلسطين عائد لكم ولي، إنه لنا أساسا. فقد منحت فلسطين لأبي إسرائيل بالعبارات التالية:"هيا امش في الأرض طولا وعرضا، لأني سأعطيك إياها" ونحن عازمون على المشي عبر فلسطين، بالطول والعرض،لأن الأرض منحت لنا ، إنها الأرض التي تأتي أنباء خلاصنا منها. إنها الأرض التي نتوجه إليها بوصفها منبعا لجميع آمالنا، إنها التي نتطلع إليها بوطنية صادقة تضاهي حماسنا لدى النظر إلى إنجلترا القديمة العزيزه هذه"( نفس المصدر: ص. 145 ).

ظل العصر الحديدي في فلسطين خاضعا لطغيان،بل ومتماهيا مع تاريخ بني إسرائيل. ثم بات هذا العصر يعد، من منظور التراث اليهودي والمسيحي، عنصرا أساسا للتاريخ الغربي على نحو خاص،كما للتاريخ العالمي على نحو عام. لقد أصبح علم الآثار في فلسطين تعبيرا ذا أهمية عن المطامع الإقليمية لدى القوى الغربية ، وهكذا فإن إنتاج تواريخ لبني إسرائيل كان جزءا مهما من الدعاوي الإمبيريالية في المنطقة منذ القرن التاسع عشر وصاعدا ويوفر تسويغا عقائديا لجملة القيم الغربية. لقد خسرت فلسطين تاريخها أمام القوى الإمبريالية الأوربية أولا وفي مواجهة تلفيق أو تركيب صهيوني للماضي.
إن القراءة الخاطئة لقصص هذه الرموز الدينية أعطت مبررا أخلاقيا لعدد من المشاريع الإستعمارية في العالم،وقدمت تسويغا عقديا ليس للمشروع الصهيوني في فلسطين وحسب وإنما في كثير من بقاع العالم. إن القصص التوراتية أسهمت في معاناة أعداد لا تحصى من المواطنين المحليين الأصليين في أمريكا اللاتينية وفي جنوب أفريقيا وغيرها. لقد شجعت فعليا كل أشكال الإستعمار العسكري المنبعث من أوروبا عن طريق تزويده زعما بالشرعية السماوية للمستعمرين الغربيين. إن المواعظ التي كان يلقيها الرهبان في الجيوش المعتدية لأن يعدوا أنفسهم إسرائيل في البرية، يواجهون العماليق: فإسرائيل النقية مضطرة أن تلقي بالهنادرة سكان البلاد الأصليين كقاذورات في الشارع والتخلص منهم وإبادتهم، دفعت في الجنود المعتدين الحماس لتنفيذ المهمة على أكمل وجه .( الأب مايكل برير: الكتاب المقدس والإستعمار الإستيطاني، ترجمة أحمد الجمل و زياد منى. إصدار قدمس للنشر والتوزيع،دمشق، 2003 ص: 146 ،145نفس المصدر)
يقول الأب مايكل برير: هناك تأييد قوي في النصوص التوراتية للمعتقد القائل إن الرب وعد إبراهيم وسلالته بأرض كنعان وإن ملكيتهم لها تلقى إرادته. ويقول أنه علينا أن نعترف بأن أجزاء كثيرة من التوراة تحوي عقائد مخيفة وميولا عنصرية وكراهية للغرباء ودعما للقوى العسكرية و "إن ما أمرت به تلك القصص التوراتية وقفا للمعاير العصرية للقانون الدولي وحقوق الإنسان هو جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية"( ،نفس المصدر ص: 22 ).

يؤكد المؤرخون اليوم أنه قد جرى خطأ فاحش في قراءة وفهم النصوص الدينية، وأن الكيفية التي يرتبط بها " الكتاب المقدس" بالتاريخ قد تم فهمها فهما مغلوطا إلى حد كبير. ولأننا كنا نقرأ "الكتاب المقدس" ضمن سياق مغلوط بالتأكيد، ولأننا أسأنا فهم التوراة بسبب ذلك ، فإننا أحوج إلى البحث عن سياق أكثر ملائمة، وصار من الضروري مراجعة كبرى لكل فروع فهمنا فيما يتعلق بتاريخ الشرق الأدنى القديم.(توماس طومسون الماضي الخرافي: التوراة والتاريخ، ترجمة عدنان حسن ، راجعه زياد منى، نشر : قدمس للنشر والتوزيع، دمشق ، ط1، 2001 )
"التوراة " ليس تاريخا على الاطلاق. التوراة، تصنع تاريخا رديئا ، فما نعرفه حول هذا التاريخ وما يمكننا إعادة بنائه من الأدلة الأثرية يظهر تاريخا لسورية الجنوبية مختلفا جدا عن القصص" التوراتية". إن قصص الكتاب "التوراة" وأناشيده لا تخبرنا عن ما حدث في فلسطين في أي عهد، بل تخبرنا كيف كان الناس في هذه المنطقة يفكرون ويكتبون إنه مليء بالأمثولة وقصة العبرة، إنه لاهوت. ويمكننا أن نقول الآن بثقة كبيرة أن " التوراة " ليست كتابا تاريخا لماضي أحد . (نفس المصدر)

لقد كتب المؤرخون التوراتيون الغربيون والمؤرخون المسلمون تاريخ إبراهيم وسلالته معتمدين على رواية التوراة عنهم . ولم يرد اسم ابراهيم وأسماء سلالته وتاريخهم في أي وثيقة يمكن اعتمادها كمصدر تاريخي، والمصدر الوحيد الذي لدينا والذي يتحدث عن تاريخ إبراهيم وسلالته في الزمان والمكان هو التوراة التي ثبت عدم مصداقيتها.
النبي إبراهيم: يشكل الشخصية المحورية التي بنى عليها الفكر الديني اليهودي ومن ثم المسيحي والإسلامي فكرا مؤسطرا وأخرج من صلبها رموزا قدسية وأنبية متعددة صاغت على مدى قرون فكرا وتاريخا مسيسا انزرع في الوعي الإنساني وشكل حالة نادرة في التاريخ البشري. لقد لعبت شخصية إبراهيم الدور الأساسي في تكوين ما يسمى بالعقيدة الإبراهيمية والتي اعتبرت المصدر الأساسي للأديان المسماة سماوية.
من صلب إبراهيم الأب الأسطوري تشكلت قائمة طويلة من الآباء الأولين أو الأنبياء، منهم إسحق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى ويشوع وداوود وسليمان. جميعهم ساهموا في تكوين أمة أسطورية تدعى الأمة الإسرائيلية والتي لعبت دورا في التاريخ الأسطوري لفلسطين وساهمت في تكوين الفكر الديني الإبراهيمي.
ولقد ورد ذكر إبراهيم وسلالته في القرآن الكريم ، ولكن القرآن لم يضع قصصهم في إطار تاريخي ولم يحدد الزما ن والمكان إلا في إطار ما يخدم القصة والعبرة المقصودة منها. من وضع هذه الرموز في الإطار التاريخي هم المفسرون وكتبة التراث .
لقد اضطر الباحثون للاعتراف بأنه لم يعثر حتى الآن على دليل آثاري واحد ، في وادي الرافدين أو في غيرها من المناطق المجاورة سواء كان كتابة أو نقشا أو نصا تقبل – حتى – التأويل ، يمكن أن يشير من قريب أو بعيد إلى وجود النبي إبراهيم وعشيرته في بلاد الرافدين أو في المناطق المجاورة وخروجه منها إلى فلسطين،وأقامته وأهله فيها ،على كثرة ما اكتشف فيها من تفاصيل ووثائق .( زنون كوسيدوفسكي،ما قاله الأنبياء، سبق ، ص: 47-56.)
أن جميع القصص التي تسبق أصول إسرائيل في شخص إبراهيم ، هي جزء من مثيولوجيا، مثلما تبين ذلك جيدا من مواز ياتها الرافدية.( جان بوتيرو بابل والكتاب المقدس،ترجمة روز مخلوف، دار كنعان دمشق، ط1 ،2000 ص: 226).
أن التاريخ لا يكتب بدون وثائق وحقائق تاريخية على الأرض، والمؤرخ لا يتدخل في المعتقدات: يكتفي بإنشاء المعطيات الحقيقية والقابلة للمعرفة،التي تقوم عليها المعتقدات، وذلك بالوسائل نفسها التي يستخدمها قاضي تحقيق، وللغاية نفسها التي يرمي إليها، وباعتبار أن الإيمان وسرعة التصديق كثيرا ما يترافقان، فإنه يحدث أن ينفض المؤرخ عرضا، عن المعطيات التي يقوم عليها الإيمان : أن يشترك به، يتجاهله،أو يحاربه، فإنه لا يفعل ذلك قط بصفته مؤرخا. المؤرخ يزود الجميع بالمجمل المساحي للماضي الحقيقي، وكل إنسان من بعده ، يتملى في هذا الماضي مثلما يريد.
لقد وصل الباحثون الجادون في الأعوام الأخيرة، إلى قناعة بأن شخصية إبراهيم شخصية أسطورية وغير تاريخية وأن حكايات التوراة تقدم أصولا أسطورية للأمم باعتبار إبراهيم أبا لهم حسب بلدانهم ولغاتهم، وليست تلك الأنساب والقصص كتابة تاريخ . كما أن جميع قصص البطارقة في التوراة ، مجرد قصص خرافية لا ظل لها من الحقيقة ،وإن إسرائيل قصة يعقوب الذي تصارع مع الرب والذي كان الأب لاثني عشر ولدا، أصبحوا جميعا بدورهم آباء قبائل إسرائيل الأثني عشرة، إنما هي شخصية من وحي الخيال، قائمة على الوجود المزعوم لإسرائيل بأسباطها الأثني عشر، وقليل من الباحثين يشكون اليوم في ذلك.. (طومسن:الماضي الخرافي،سبق ،ص: 95،147 ).

لقد أكد المؤرخون الجادون ما كان قد أعلنه الدكتور طه حسن في كتابه الشعر الجاهلي وثار في وجهه رموز الفكر الديني ثورة عارمة مما اضطره إلى إعادة نشر الكتاب بعد أن أزال ما يغضب الفكر الديني المتحجر. قال طه حسين: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الإسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي."

يعد موسى أيضا، من الشخصيات التي حيرت المؤرخين واختلفوا في كل ما يتعلق به، في أصله وموطنه، وحياته ومماته وتعاليمه، وخروجه من مصر ومن هم الذين خرجوا معه، لأن المصدر الوحيد الذي يتحدث عن تاريخ موسى ، هو التوراة.
التاريخ كعلم بحفائره و آثاره الشاهدة يعرف تاريخ مصر جيدا، وقد انتهى إلى ترتيب تاريخها الزمني عبر أسرات ودول من( مينا) موحد القطرين مرورا ببناة الأهرام حتى الشناشقة والبطالمة. فأرض مصر تفيض بالحفائر والآثار والوثائق والمعلومات.
لقد ترك لنا المصريون القدماء مئات الألواح والرسومات والوثائق التي تتحدث بالتفصيل عن تاريخ مصر وملوكها وعلاقاتها الخارجية وحروبها مع الدول المجاورة. كل ذلك دفع بالباحث زامورسكي للقول بأننا اليوم نملك صورة واضحة لتاريخ مصر القديم أوضح وأدق بكثير من الصورة التي لدينا عن تاريخ ممالك أوروبية مثل المملكة المورافية الكبيرة" في القرن التاسع الميلادي" .
لقد قامت جامعة كارل التشيكية المعروفة عام 1997 ، بإصدار موسوعة كاملة عن التاريخ المصري القديم، قام على تأليفها ثلاثة من أشهر علماء المصريات في الجمهورية التشيكية وعلم المصريات التشيكي له باع طويل يعرفه المختصون.
إن هذا التاريخ مع كل وثائقه التفصيلية إلى حد كبير، لا يذكر في وثائقه على الإطلاق شخصا باسم يوسف وصل مركزا مهما في الدولة المصرية ،كما لم يرد في هذه الوثائق على كثرتها وكثرة معلوماتها أي ذكر ولو حتى إشارة لأي من الحوادث التي تذكرها التوراة بالنسبة لشخص يوسف، ويعتقد الباحثون أن قصة يوسف التوراتية ما هي إلا عمل أدبي من أجل هدف سياسي أو دعائي كما لا يوجد أي ذكر ولو إشارة، لنبي أو أمير أو قائد باسم موسى ،أو لصبي من بني إسرائيل تبنته ابنة فرعون وربي في القصر الفرعوني وصار له شأن . كما لا يوجد أي ذكر لفرعون غرق وجيشه في البحر. على أهمية حدث من هذا النوع.
السؤال المطروح الآن كيف يمكن أن تمر مثل هذه الحوادث و هذه الشخصيات البالغة الأهمية من دون أي ذكر لها في الوثائق المصرية؟ هل من المعقول أن تمر تلك الحوادث وتلك الشخصيات من دون ذكر لها في هذه الوثائق التي شرحت كل شاردة وواردة من جميع جوانب الحياة المصرية، لو أن هذه الحوادث كانت قد حدثت فعلا كما تحدثنا عنها التوراة ولو أن هذه الشخصيات كانت فعلا تاريخية و ليست مختلقة أو أسطورية؟
لم يجد الباحثون كذلك أي ذكر في وثائق المنطقة لقائد اسمه يشوع دخل على رأس بني إسرائيل إلى فلسطين ودمر مدنها وقتل نساءها وأباد نسلها وزرعها. ولقد اعتبر المؤرخون شخصية يشوع من الشخصيات التوراتية الأسطورية الغير تاريخية. ولم يستطع التوراتيون حتى إثبات حقيقة الغزو البدوي الإسرائيلي إلى فلسطين، ولم يوجد في أثار المنطقة أي أثر على مثل هذا الاكتساح والتهديم والابادة . و رغم الهوس الحفائري لحكام إسرائيل الحالية، ورغم الجهود المضنية لعلماء آثارها المحليين والأصدقاء الأوروبيين والأمريكان ، نجد الأرض ضنينة جدا بأي معلومات ذات شأن عن إسرائيليي التوراة في فلسطين .
التاريخ كعلم بوثائقه المتنوعة في مصر و بين الرافدين و في فلسطين والشرق الأدنى لا يعرف عظيما باسم ( شاؤول ) وحد القبائل الاسرائيلية و أقام لإسرائيل مملكة في فلسطين . وهذا العلم لا يعرف شيئا عن محارب أو ملك أو نبي باسم ( داود ) أقام لإسرائيل مملكة عظيمة أو حتى صغيرة، ولم ترد في وثائق هذا العلم على كثرتها في المنطقة أي إشارة لملك حكيم حاز شهرة فلكية باسم ( سليمان ) كان من أشهر ملوك العالم ، وكان الملوك يأتونه من جميع أرجاء الأرض ولا عن مملكة أسطورية عظمى في المنطقة باسم دولة أو مملكة سليمان التي بلغت مساحة أراضيها حسب الرواية التوراتية من الشام إلى مصر والاردن .
لقد اعترف بعض علماء الآثار والتاريخ في إسرائيل بهذه الحقيقة وعلى رأسهم عالم الآثار والمؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فنكلشتاين الذي أكد في كتابه " التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها" والذي قام بتاليفه بالإشتراك مع المؤرخ ألأمريكي نيل سيلبرمان وترجمه إلى العربية سعد رستم وصدر عن دار الأوائل في دمشق عام 2005. يقول الكتاب أن رواية التوراة لحياة الآباء هي قصة فلسفية عن العلاقة بين الله والبشر, عن الإخلاص والطاعة،عن الإيمان والتقوى، عن الحق والباطل،عن الفسوق والفجور. ولكن البحث عن الآباء التاريخيين بقي بلا نتيجة وأثبت في النهاية إخفاقه. وان التاريخ الذي جرى بنايته، تم إسقاطه على حياة الآباء الأسطوريين في ماض أسطوري . ويؤكد الكتاب أن قصة الخروج الإسرائيلي من مصر كما تصفه التوراة يتناقض مع علم الآثار ولم يتم اكتشاف حتى شقفة فخارية واحدة وحيدة في سيناء لتدل حتى على جماعة صغيرة جدا من الهاربين.
أما الدكتور شلومو ساند البروفيسور في جامعة تل أبيب فإنه في كتابة الأخير " متى وكيف اختلق الشعب اليهودي" والذي ضرب رقما قياسيا في مبيعاته يؤكد أن القومية اليهودية هي ميثولوجيا ولقد جرت فبركته قبل مئة عام من أجل تبرير إقامة الدولة الإسرائيلية . ويؤكد أن اليهود لم يطردوا من الأراضي المقدسة و معظم يهود اليوم ليست لهم أي أصول عرقية في فلسطين التاريخية، وأن الحل الوحيد هو إلغاء الدولة اليهودية إسرائيل.
كما أكد المؤرخون في السنوات القليلة الماضية على حقيقة يجهلها الكثيرون وهي أن يهود اليوم ليسوا من أحفاد أي من الشعوب اللتي سكنت فلسطين التاريخية وأن أصول أغلبية يهود اليوم هي خزرية من ضفاف بحر القزوين وسنقوم بشرح ذلك في مقال منفصل .

الصهيوني يعد الأفكار المتناقلة من العهد القديم تاريخا، لأن هذه القصص تسوغ وجوده الخاص، أي ادعاءه بأنه لكونه من سلالة الإسرائيلين ، فهو يمتلك الحق في فلسطين وفي أن يكون فردا في الدولة اليهودية في فلسطين. التاريخ يؤكد من دون لبس انه من وجهة نظر تاريخية ليس لليهود أي حق في أرض فلسطين. وادعائهم أنه كان لهم ارتباط عاطفي مع "بلادهم القديمة" ليس لها أي وزن تاريخي أو قانوني. إنها التسويغ الذاتي للصهيونية لا أكثر ولا أقل. ومما يحز في النفس أن الفكر والتراث الإسلامي بدعمهم لتاريخية الرموز التوراتية يدعمون هذا التسويغ.

د.نضاال الصالح




اجمالي القراءات 6811