بسبب انتشار جائحة كورونا حول العالم، وما سببه من خسائر بشرية واقتصادية في وقت قصير؛ فهناك حاجة ماسة لمعرفة كيف تستجيب الخلايا المناعية تجاه هذا الفيروس، من أجل إنتاج لقاح ضد هذا الفيروس الذي ظهر – رسميًّا – في ووهان الصينية أواخر عام 2019، وتسبب في إصابة أكثر من 4.716.928 شخص حول العالم، ووفاة 312.902 شخص، حتى وقت كتابة هذا التقرير.
تقول دراسة جديدة نُشرت في الدورية العلمية «cell»، وركزت على استجابة الخلايا التائية المناعية للفيروس، أن من أصيبوا من فترة قريبة – ربما تصل إلى شهور – بنزلات الإنفلونزا العادية من نوعية فيروسات كورونا، تتعرف الخلايا التائية للمناعة لديهم على فيروس كورونا وتقاومه، ما قد يفسر الأعراض البسيطة التي يعاني منها البعض، بعد إصابتهم بكوفيد -19.
وفيروس كورونا المستجد، من عائلة فيروسات تُسمى الفيروسات التاجية، عُرفت لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، وهي سبعة أنواع تصيب البشر، وتنقسم إلى فيروسات تاجية تصيب البشر عالميًّا بشكل معتاد في الشتاء والخريف، وهي: «229 E»، و«OC43» اللذان يصيبان البشر بنزلات البرد العادية، و«NL63» و«HKU1»، وعادة ما تُسبب هذه الفيروسات أعراضًا متوسطة، والتهاب الجزء العلوي من الجهاز التنفسي، وتصيب الأطفال بكثرة، مما قد يُفسر – بحسب بعض الأبحاث وبشكل غير قاطع – قلة إصابة الأطفال بكوفيد-19، بسبب تعرف الخلايا المناعية لديهم على الفيروس التاجي المستجد.
وفيروسات تاجية أخرى أكثر خطرًا، تكونت عندما اتخذ فيروس تاجي حيوانًا ما وسيطًا لكي يتطور ويصبح أكثر شراسة، وهي «MERS-CoV» أو ما يعرف بـ«ميرس» الذي يسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وظهر لأول مرة في السعودية عام 2012. وفيروس «SARS-CoV» المعروف باسم «سارس»، والذي ظهر في آسيا عام 2003. أما آخر عضو من أفراد هذه العائلة هو فيروس كورونا المستجد، أو «SARS-nCoV-2»، الذي يسبب مرض كوفيد-19.
لكن كيف يدافع جهازنا المناعي عنا ضد هذه الفيروسات؟
كيف يعرف الجهاز المناعي بالهجوم الفيروسي؟
عندما يهاجم الفيروس شخصًا، فإنه يصبح وسيطًا، يستخدمه الفيروس من أجل التكاثر والبقاء. إذ يبدأ الفيروس في التناسخ، والتكاثر بمجرد دخوله جسم الإنسان. وهناك ثلاثة خطوط دفاع للجهاز المناعي كي يحارب الفيروسات. أول هذه الخطوط هي الخلايا التائية السُمِّية أو «Cytotoxins». فعندما يدخل الفيروس إلى الخلية، لا تستطيع الخلايا المناعية رؤيته، ولا تعرف بالتبعية بوجود خلايا مصابة، لكن الخلايا التائية السُمية تستخدم نظامًا يمكِّنها من رؤية الخلايا المصابة، وهذا النظام يسمى «MHC» أو معقد التوافق النسيجي الكبير، والذي يستطيع تمييز الخلايا الدخيلة.
تُسمى الخلايا التائية من هذا النوع بالسُمِّية؛ لأنها تفرز سمومًا خاصة تقتل الفيروس، وتمتلك هذه الخلايا بروتينات على سطحها، تستطيع بواسطتها تمييز الخلايا المصابة بالفيروس، فتمنع بقاء الفيروس. لكن الفيروسات أيضًا مراوغة، وتمتلك قدرة كبيرة على التكيُّف، وتطوِّر طرقًا تستطيع بها الهروب من الخلايا التائية؛ فبعض الفيروسات تستطيع منع مُعقد التوافق النسيجي الكبير (MHC) من التعرف إلى الخلايا المصابة.
لكن مع ذلك لا تنفد حلول الخلايا المناعية؛ فهناك خلايا متخصصة: هي الخلايا القاتلة الطبيعية. وهي متخصصة في قتل الخلايا التي تحتوي على عدد قليل من «MHC» على سطحها، وعندما تجدها تفرز موادًا سمية تقتل هذه الخلايا، بالكيفية نفسها التي تقوم بها الخلايا التائية السمية.
الإنترفيرونات جيوش ضد الفيروسات
ربما سمعت اسم إنترفيرونات في سياق علاج فيروس «الالتهاب الكبدي من النوع ج». تؤدي «الإنترفيرونات» دورًا في الحماية ضد الفيروسات، وهي بروتينات خاصة، توجد بشكل طبيعي في الجسم، وتفرزها الخلايا المصابة بالفيروس. تمنع الإنترفيرونات الفيروس من التكاثر، عن طريق تداخلها مع تناسخ الفيروس في الخلايا المصابة، وتقوم أيضًا بعمل بالغ الذكاء؛ إذ تعمل كعلامات تستطيع بواسطتها الخلايا المصابة تحذير الخلايا السليمة القريبة من الفيروس، وهذه العلامات تجعل الخلايا السليمة تزيد من جزيئات «MHC» على سطحها، وبذلك تتمكن الخلايا التائية من مسح المنطقة والتعرف إلى وجود هجوم فيروسي، والقضاء عليه. لكن هل يمكن استخدام الإنترفيرون لعلاج كوفيد-19؟
هناك نوعان من الإنترفيرونات ما زالا تحت الفحص، لإمكانية استخدامهما في المستقبل لعلاج كوفيد-19. ونظريًّا يمكن أن يزيد الإنترفيرون من قوة الجهاز المناعي، لكن المشكلة تكمن في أن هذه الزيادة التي يسببها لها ثمن، وهو تفاقم أعراض الإنفلونزا، فالإنترفيرون الذي يوجد بشكل طبيعي في أجسامنا مسئول عن الأعراض التي تشبه البرد العادي، سواء أصبنا بالإنفلونزا الموسمية العادية، أو بفيروس كورونا.
والأجسام المضادة أيضًا
بالتأكيد قد سمعت كثيرًا مصطلح الأجسام المضادة خلال جائحة كورونا، والأجسام المضادة هي بروتينات خاصة تلتصق بالفيروس، وهي وسيلة يستطيع بها الجسم طرد الفيروس قبل حتى أن يصيب الخلية، لكن كيف يساعد التصاق الأجسام المضادة بالفيروس من التخلص منه؟
في البداية تعادل الأجسام المضادة الفيروس، بمعنى أنه لا يعود قادرًا على إصابة خلايا الإنسان، وهناك أيضًا كثير من الأجسام المضادة التي تتحد وتكوِّن كتلة أثناء العمل؛ كي تمنع جزيئات الفيروس من أن تلتصق بالخلية. وهناك طريقة أخرى تتخلص فيها الأجسام المضادة من الفيروس، عبر تنشيط نوع من الخلايا يبتلع الفيروس.
علاج المصابين يخرج من أجسام المتعافين
أحد طرق علاج كوفيد-19، هو حقنهم بالأجسام المضادة التي تكونت في أجساد المتعافين من كورونا، ويستخدم العلاج بالبلازما أو«serum therapy» وسيلة إنقاذ سريعة للحالات شديدة الخطورة.
هذه الأجسام المضادة التي تُعرف بالمناعة السلبية، توفِّر علاجًا قصير المدى للمصابين. وهي آلية اخترعها طبيب المناعة الألماني إيميل فون بيهرنج، منذ 100 سنة، وأنقذ بها حياة آلاف المرضى، وعُرف في الصحافة وقتها باسم منقذ الأطفال، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى بمنقذ الجنود، ونال عنها جائزة نوبل في الطب عام 1901.
وتسمى هذه الطريقة بالمناعة السلبية؛ لأن جسم الشخص نفسه لم ينتج أجسامًا مضادة، لكنه استعارها من جسم آخر، للحماية ضد الفيروس. وجدير بالذكر أن هذه الطريقة تعمل لعدة أسابيع فقط، أو شهر، ثم يكسِّرها جسم المصاب الذي استعارها، ومن ثم يصبح بعدها الشخص عرضة للمرض مرة أخرى. واستخدمت هذه الطريقة لعلاج الأيبولا الذي اجتاح غرب أفريقيا عام 2014، وتعد إحدى الطرق المؤقتة لاحتواء المرض حتى الوصول إلى اللقاح.