هل يصبح مسلمو أمريكا رقمًا صعبًا في الانتخابات الرئاسية 2020؟

في الإثنين ٠٩ - مارس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 
 
 
 
 
 

اكتسب مسلمو أمريكا زخمًا سياسيًّا ملحوظًا خلال السنوات الثلاثة الماضية، ويرى كثيرون  منهم أنهم أصبحوا الآن يمتلكون كل الأدوات اللازمة لتحويل ما يقرب من 3.5 مليون مسلم في الولايات المتحدة إلى كتلة سياسية قوية، تمثل رقمًا صعبًا في الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها في نوفمبر (تشرين الثاني)، وتوظيف الحملات الشعبية لدعم جدول الأعمال السياسي، الذي يدعم مطالب المجتمع المسلم، ويسلط الضوء على مخاوفه. 

مسلمو «الولايات المتأرجحة».. أي وزن سيمثلونه في انتخابات 2020؟

في أعقاب النجاح التاريخي الذي حققته النائبتان إلهان عمر (مينيسوتا)، ورشيدة طليب (ميتشجان)، أجرى محمد جولا، المدير المنظم للجنة العمل السياسي الإسلامي الأمريكي «Emgage»، مقابلات مع أكثر من 25 مسلمًا يخططون لخوض الانتخابات هذا العام، خاصة ويسكونسن، وميتشيجان، وبنسلفانيا. 

قد يكون لهذه الولايات الثلاثة المتأرجحة (لا توجد فيها أغلبية محسومة لصالح الجمهوريين أو الديمقراطيين) دور كبير في اختيار الرئيس المقبل، حسبما يلفت الصحافي، عمر فاروق، المقيم في واشنطن، عبر تقريرٍ نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني، وإذا بقيت الخريطة الانتخابية الأمريكية في 2020 على ما كانت عليه في عام 2016، يتوقع «جولا» أن يكون بإمكان الديمقراطيين الفوز بانتخابات الرئاسة القادمة، إذا نجحوا في استقطاب هذه الولايات الثلاثة، التي تشهد وجودًا قويًّا للمسلمين.  

يعزز هذا الاتجاه ما شهدته انتخابات التجديد النصفي لعام 2018 من احتشاد أعداد كبيرة من المسلمين، سواء في صفوف الناخبين، أو قوائم المرشحين، الذين بلغ عددهم نحو 172 مسلمًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وفاز منهم 63، من بينهم مرشحان لمجلس النواب، وفي عام، ترشح 94 مسلمًا للانتخابات، وفاز منهم 46، بحسب الأرقام التي نشرتها مجموعة «Jetpac» التي تتخذ من بوسطن مقرًّا لها. 

هل يؤثر مسلمو أمريكا على مسيرة بيرني ساندرز؟

على وقع هذه التطورات، تأمل طليب – إحدى أول عضوتين مسلمتين في الكونجرس – أن تلعب مجتمعات ميتشيجان العربية والإسلامية دورًا حاسمًا في فوز ساندرز، وفي حين أن المسلمين لا يشكلون سوى حوالي 1% من سكان الولايات المتحدة، فإنهم يشكلون حوالي 2.75% من سكان ميتشيجان. 

نظمت رشيدة حملات لدعم ساندرز في عدة ولايات، وانضم إلى حملته أيضًا قيادات دينية مسلمة بارزة، مثل: عمر سليمان، مؤسس معهد يقين في تكساس، وجوهري عبد الملك، الذي يعمل إمامًا في واشنطن. كما حصل ساندرز على دعم مجموعات سياسية إسلامية بارزة مثل: «Emgage PAC» و«Muslim Caucus of America» .

وقالت عضوة الكونجرس المسلمة لموقع ميدل إيست آي: «أنا بصراحة لم أجد أحدًا يدافع عن حقوق الإنسان للجميع، ويتحدث عن السلام وأهمية وضع حد للحروب اللانهائية مثله. أظهر ثباتًا على هذا النهج. فالأمر بالنسبة إليه ليس مجرد خطاب انتخابي، بل جزءًا من هويته وقِيَمه».

وشددت رشيدة على قوة تصويت المسلمين في كلمتها التي ألقتها أمام المصلين يوم الجمعة الماضية، قائلة: «بغض النظر عن عملك الذي ترتزق منه أو خلفيتك، عندما تصوت تصبح مساويًا للمليونيرات والمليارديرات، ولكل من لا يؤمن بمجتمعنا».

من بوش إلى ترامب.. كيف تغيرت اتجاهات مسلمي أمريكا خلال العقدين الأخيرين؟

لاستشراف القادم، نحتاج أولًا إلى معرفة كيف وصل المشهد إلى وضعه الراهن: 

قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000، نصح أحد المستشارين جورج دبليو بوش بأن يتوجه بخطابه إلى فئةٍ من الناخبين يروق لها الحديث الودود تجاريًّا، المحافظ اجتماعيًّا، وهم: المسلمون، وقد أخذ بوش بالنصيحة. 

وفي عام 2001، أظهرت دراسة استقصائية أجريت في صفوف المسلمين الأمريكيين (شملت من لم يدلوا بأصواتهم، أو لم يعطوا إجابة واضحة) أن 42% قالوا إنهم صوتوا لصالح بوش، مقابل 31% لمنافسه الديمقراطي آل جور. وفي أوساط المهاجرين المسلمين، الذين تتزايد أعدادهم باطراد، وكثير منهم من المهنيين أو رواد الأعمال، كانت نسبة التصويت لصالح المرشح الجمهوري أعلى بكثير.

بعد انقضاء عقدين من الزمان، تحوَّل المشهد وأصبحت هذه العلاقة الحميمية مجرد ذكرى بعيدة، في ظل تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين بين مؤيدي ترامب، الرئيس الذي لم يبذل جهدًا لتحويل الأشرعة إلى الاتجاه المعاكس. لكن المسلمين لم يختفوا من المشهد، بل اكتسبوا موطئ قدمٍ أكثر رسوخًا، متحولين هذه المرة إلى أقصى يسار الطيف السياسي. 

وهذا التوجُّه يتجاوز مجرد لون من الاحتجاج السياسي على سياسات ترامب، بل هو متعلق أكثر بضرورةٍ مُلِحَّة لإنقاذ المجتمع الأمريكي؛ بحسب ما يقول عباس بارزيجار، مدير الأبحاث في مؤسسة البحوث والدعوة الوطنية التابعة لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير». 

من أوباما وهيلاري إلى رشيدة وإلهان.. مسلمو أمريكا يكتسبون أرضًا جديدة تدريجيًّا

هذا التغيُّر الذي طرأ على مزاج المسلمين الأمريكيين خلال العقدين الفائتين كان واضحًا في السباق الرئاسي لعام 2004، وتأكد أكثر في سباق 2008 الذي تُوِّج بفوز باراك أوباما، وبحلول عام 2007، كان نحو 63% من المسلمين الأمريكيين «يميلون» على الأقل نحو الديمقراطيين، مقابل 11% فقط يميلون إلى الجمهوريين. 

ولم تتغير هذه الأرقام كثيرًا من ذلك الحين، وفقًا لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو؛ ففي أوساط المسلمين الذين صوتوا في انتخابات عام 2016، قال 8% فقط إنهم اختاروا ترامب، مقابل 78% منحوا أصواتهم لهيلاري كلينتون. 

ولم تقتصر نتائج هذا التحوُّل على دعم المرشحين الجمهوريين الأوفر حظًّا، بل إيصال بعض أفراد المجتمع المسلم إلى مناصب سياسية بارزة، وكان أحد أبرز أعراض هذا التحوُّل في الاتجاهات التصويتية لمسلمي الولايات المتحدة: انتخاب نائبتين مسلمتين (رشيدة طليب وإلهان عمر) اللتين سخرتا من ترامب ومؤيديه، إلى جانب نائبتين ديمقراطيتين يساريتين أخريين. 

ما وراء التحوُّل في اتجاهات مسلمي أمريكا 

خضعت الأسباب الرئيسية لهذا التحوُّل في المواقف الإسلامية لكثير من التحليلات

بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، انتشرت جرائم العنف ضد المسلمين، وظهر العداء الصريح تجاههم في أوساط شريحة متزايدة من الناخبين. في خضم هذا المناخ، وجد الناخبون المسلمون أنفسهم في موقف دفاعي، ووجدوا الملاذ الأكثر أمانًا في الساحة السياسية لدى الديمقراطيين بفضل تبنيهم قيمة التنوع الثقافي. 

وفي الحملة الانتخابية التي تدور رحاها حاليًا، حين يجد الناخبون المسلمون أنفسهم أمام عدة خيارات، فإنهم سيفكرون أكثر من مرة قبل أن يمنحوا أصواتهم لمرشح مثل: مايك بلومبرج، الذي اكتوى مئات الآلاف من المسلمين بنيران سياساته التمييزية، حين كان يشغل منصب عمدة نيويورك بين عامي 2002 و2013. 

في ذلك الوقت، أشرف بلومبرج على سياسة الإيقاف والتخويف التي استهدفت الأمريكيين الأفريقيين واللاتينيين، والتجسس على المسلمين، وهي الإجراءات التي ما يزال المسلمون يعانون من تداعياتها، ناهيك عن إرث انعدام الثقة التي نمت بذوره في أوساط المجتمعات المسلمة.

وهناك عامل آخر يفسر التحوُّل في اتجاهات المسلمين السياسية، على الرغم من الجدل المثار حوله، هو: أن المسلمين الأمريكيين الأصغر سنًّا أصبحوا أكثر ليبرالية حول المسائل الثقافية، وبالتالي فإنهم باتوا أقل انجذابًا للقيم العائلية التقليدية التي يروج لها الجمهوريون. 

أما بالنسبة للمسلمين الأمريكيين من أصول أفريقية، فإنهم (مثل المسيحيين السود) كانوا دائمًا يميلون إلى اليسار في خياراتهم الانتخابية؛ وهو التوجه الذي يرجح أن يشهد مزيدًا من الرسوخ في ظل التحولات الأوسع نطاقًا التي يشهدها المجتمع المسلم خلال السنوات الأخيرة، ويعزز أيضًا إمكانية تشكيل كتلة تصويتية أكثر قوة. 

سياسة

منذ 3 سنوات
بسبب ترامب.. تحالف بين المسلمين واليهود في الولايات المتحدة

ترامب الذي يوحد العلمانيين والمحافظين المسلمين

يقول شادي حميد، زميل معهد بروكنجز: إن الشراكة العميقة بين المسلمين والديمقراطيين لم تكن مبنية على مسائل السياسة الخارجية، بل مدفوعة بضرورة مواجهة المحن والشدائد التي يواجهها المسلمون في الولايات المتحدة، وتحديدًا المخاطر التي فاقمتها النزعة القومية البيضاء التي يرون أنها تطارد الوطن الذي يعيشون فوق أرضه.

وحتى لو أطلت بعض التوترات برأسها نتيجة الاختلاف بين النزعة المحافظة التي يتبناها بعض المسلمين، والأخلاقيات العلمانية التي يدافع عنها الديمقراطيون، فإن الأمور في الغالب لا تخرج عن السيطرة لصالح الشعور المشترك بالخطر المحدق بالجميع. 

صحيحٌ أن هذه التوترات قد تعود إلى الواجهة بمجرد رحيل ترامب عن البيت البيض، لكن طالما بقي هناك، فإن الشعور بالخطر سيظل هو الغراء الذي يُبقي هذا التحالف متماسكًا. وشعار الناخبين المسلمين في ذلك: «مهما كان الديمقراطيون علمانيين؛ فإنهم من يحمون ظهورنا».

هل «المسلم الجمهوري» أوشك على الانقراض؟

في هذا المناخ، يُعد مسلمو أمريكا الجمهوريون من الأنواع المهددة بالانقراض، وإن لم ينقرضوا بعد تمامًا، على حد وصف مجلة «إيكونوميست» البريطانية، ومع ذلك، فإن القول بأن المسلمين الأمريكيين انقلبوا من طرف الطيف الأيديولوجي إلى الطرف الآخر، يحمل تبسيطًا مبالغًا فيه. 

حقيقة الأمر أن المسلمين لا يحملون ميولًا يسارية راسخة جوهرية في مجملهم، بقدر ما يبحثون عن أي شخص يستمع إليهم، والاهتمام اللائق الوحيد الذي يحصلون عليه يأتي من اليسار، على حد قول يوسف شهود، عالم السياسة بجامعة كريستوفر نيوبورت. ويضيف: «يبحث المسلمون عن مكانٍ يشعرون فيه بأنهم موضع ترحيب. وأي سياسي سيمد حبال التواصل معهم سيكون موضع تقديرهم».

نصف المسلمين الجمهوريين (52%) يعتقدون أن ترامب لا يتبنى سياسات ودودة تجاه مسلمي أمريكا، وثلثهم (34%) يعتقدون أن الحزب الجمهوري يتبنى الموقف غير الودود ذاته. المصدر: مركز بيو

وبحسب إحصائيات مركز بيو للأبحاث المنشورة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 فإن «العديد من مسلمي أمريكا يتعاطفون مع الحزب الديمقراطي، أو يميلون إليه أكثر من الحزب الجمهوري (66% مقابل 13%)، لكن ما يتيه في غمرة الضجيج هو أن حصة الجمهوريين بقيت ثابتة على مدى السنوات العشر الماضية، حتى بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب. 

ثبات نسبة المسلمين الذين ينتمون إلى الحزب الديمقراطي أو يميلون إليه خلال 10 سنوات. المصدر: مركز بيو للأبحاث

دروس الجولات الانتخابية السابقة التي خاضها مرشحون مسلمون

في خضم هذه الآمال العريضة المعقودة على أصوات المجتمع المسلم في الانتخابات الرئاسية القادمة، لا ينبغي إغفال حقيقة أن بعض المرشحين المسلمين واجهوا صعوبات كبيرة في الماضي، حين ترشحوا لمناصب سياسية مختلفة؛ ليس فقط لأن بعضهم كان يخوض الانتخابات لأول مرة، ولكن أيضًا لأنه لم يجد دعمًا كبيرًا من المجتمع المسلم. 

وكان من المستغرب بالنسبة لهم، أن المجتمعات الإسلامية التقليدية لم تكن ذات فائدة كبيرة عندما يتعلق الأمر بتعبئة حملاتهم الانتخابية، وفقًا لما خلص إليه تقرير نشره مجلس «CAIR» ومجموعة «Jetpac». بل إن كثيرين من هؤلاء المرشحين فازوا في مناطق يشكل فيها المسلمون أقلية صغيرة من الناخبين، حتى رشيدة طليب انتُخبت عام 2018 في دائرة يتكون معظم ناخبيها من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية والبيض.

والدرس المستفاد من هذه التجارب لا يعني التنكُّر لهذا الزخم الموجود بالفعل على الأرض، بل يعني تحديدًا ضرورة مد جسور التواصل مع بقية المجتمعات الأمريكية، التي تشكو من المظالم ذاتها، وتهدف إلى تحديد الأهداف المشتركة. 

هل قيادات الجالية المسلمة في أمريكا على قلب رجل واحد؟

تغزو الانقسامات صفوف قادة الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، سواء كانوا دينيين أو سياسيين، ولا يفتأ الخلاف يدب بينهم، ليس فقط بسبب ما يحدث في بلدهم، ولكن أيضًا بشأن ما يقع في الدول البعيدة؛ سواء كان في مصر 2013، أو تركيا 2016، أو سوريا طيلة السنوات  الماضية؛ ما يترك الناخبين المسلمين العاديين في حيرة من أمرهم، لا يدرون على أي بر يفترض أن ترسو سفينتهم. 

ومن بين كل هذه القضايا الخلافية، يحدد «إتش إيه هيلر»، الباحث في مركز بروكنجز، ترسًا رئيسيًّا في ماكينة الجدل الذي يدور بين المسلمين الأمريكيين، يتمثل في: اختلاف المواقف تجاه جماعة الإخوان المسلمين، بوصفها حاملة لواء الإسلام السياسي. 

يقول هيلر: «أحد الانقسامات الرئيسية في أوساط المثقفين الأمريكيين ناتج عن الاختلاف بين من يرون أن الاحتكام لمبادئ الإسلام السياسي هو المعيار الأساسي والصحيح للحياة السياسية الإسلامية، ومن يعارضون تلك الفلسفة. 

وفي حين قد لا يجد مسلمو أمريكا الذين يترشحون للمناصب السياسية في الولايات المتحدة وقتًا كافيًا لهذا اللغط الفلسفيّ، فقد يجد مسلمو أمريكا هؤلاء أنفسهم، على غير اختيارٍ منهم، في خضم معمعةٍ دينية، وأحيانًا ذات أبعاد خارجية تتجاوز القضايا الحياتية التي يهتم بها عموم الناخبين أكثر. 

وبينما يتميز مسلمو أمريكا بالتنوع العرقي الذي لا يوجد له مثيل تقريبًا في العالم؛ إذ ينحدر مسلمو أمريكا من حوالي 77 بلدًا، بحسب مركز بيو ومؤسسة جالوب، فإنه لا يوجد في الولايات المتحدة ما يمكن أن نطلق عليه تكتلًا سياسيًّا جامعًا ينضوي تحته مسلمو أمريكا أو حتى جلهم، كما يلفت الباحث بيتر سكيري في مركز بروكنجز.

اجمالي القراءات 1246