أين تقف مصر على طريق الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي بعد الربيع العربي؟

في الأحد ٠٨ - ديسمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

صامويل هنتنغتون، عالم السياسة وصاحب نظرية «صراع الحضارات»، وضع مفهوم الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي، وله مراحل خمس، وتطبيق ذلك على حالة مصر ومقارنتها بسوريا يطرح السؤال: في أي مرحلة من ذلك التحول توجد مصر الآن؟

موقع مودرن دبلوماسي الأمريكي نشر تحليلاً عن القصة بعنوان: «الربيع العربي والموجة الثالثة من التحول الديمقراطي: حالة مصر».

كيف يتم التحول الديمقراطي؟

ناقش العالم السياسي صامويل هنتنغتون مفهوم الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي في خمس مراحل. وهذه المراحل هي: ظهور الإصلاحيين، واكتساب السلطات، وفشل الإصلاح الليبرالي، والشرعية المشوهة، وتعاون المعارضة. وتركز الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي أيضاً على التحديث والمساواة الاجتماعية والتعبئة الجماهيرية ونهج النخبة. ووفقاً لهنتنغتون، تأتي الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي مع صعود جماعات المعارضة والشعب ضد قوة السلطة المحلية، خاصةً حين يحكم البلاد نظام عسكري، أو نظام الحزب الواحد، أو نظام ديكتاتوري استبدادي. في هذه السياقات يتناول هذا المقال مراحل هنتنغتون الخمس في حالة الربيع العربي في مصر. وفضلاً عن ذلك، يبحث هذا المقال فيما إذا كان من الممكن اعتبار ما حدث في مصر نموذجاً مشتركاً للموجة الثالثة من التحول الديمقراطي، من خلال مقارنته بالثورة في سوريا.

بعد قراءة سريعة للتاريخ، بدأ الربيع العربي في تونس بعد انتحار محمد البوعزيزي. ووجدت هذه الأزمة الوجودية صداها في الثورة. وخرج المتظاهرون في احتجاجات كان شعارها «الشعب يريد إسقاط النظام»، وصولاً إلى مصر وسوريا، لبناء مجتمعات ديمقراطية، وفي حالة مصر، دفع مقتل خالد سعيد الوحشي على يد حكومة حسني مبارك الاستبدادية الإصلاحيين إلى الثورة على الحكومة.

ما هي المرحلة الأولى؟

وفقاً لهنتنغتون، المرحلة الأولى هي ظهور الإصلاحيين. يطالب الإصلاحيون بالتغيير من نظام استبدادي طاغية إلى حكومة ديمقراطية شفافة، وتشجع هذه المرحلة الشعب على المطالبة بحقوقه من خلال الاحتجاجات، وهو ما قد يؤدي إلى ثورة شاملة ضد الحكومة القائمة. واشتعلت الثورة في مصر في يناير/كانون الثاني عام 2011، وتطورت لاحقاً للإطاحة بالحكومة، التي ظلت في السلطة منذ عام 1952. وعلقت الحكومة الاستبدادية المتهمة بفرض قانون الطوارئ، الذي يمنح الشرطة المزيد من السلطات، الحقوق الدستورية، مثل تجاهل طلب المثول أمام المحكمة. وقوضت مثل هذه التصرفات حق التعبير عن الرأي السياسي وسيادة القانون.

وأشار التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان إلى أن وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة المصري والشرطة لجأت إلى التعذيب لاستخراج المعلومات. ووفقاً للتقرير، أدت وحشية الشرطة إلى توقف جميع آليات الحماية المدنية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ومنعت الفردية والاستقلالية والرقابة الاجتماعية باسم سيادة الدولة المطلقة.

ميدان التحرير في القاهرة أثناء ثورة يناير 2011

ولكن تجدر الإشارة إلى تصريحات الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، التي قال فيها إن سيادة الدولة  تتمثل في علاقة الفرد بالدولة فيما يتعلق بأداء الواجبات وامتلاك الحقوق. وهذا يعني أن السيادة لا تتعلق بمصالح الدولة، بل تتعلق بمصالح الأفراد مقابل الجهات الحكومية. يشير شومبيتر إلى أن فكرة السيادة مرتبطة بالحكم الممثل للشعب، الذي تأتي به أصوات الشعب عن طريق انتخابات نزيهة. وفي حالة مصر، زعم المتظاهرون أنه لم تُجرَ انتخابات نزيهة في البلاد منذ عام 1952. وتقول صحيفة The Guardian إن التلاعب بنتائج الانتخابات كان حاضراً في جميع الانتخابات في حين أشارت مجموعات مراقبة الانتخابات الدولية إلى ارتفاع مستوى الفساد والإكراه. وأوضح بلايدس أن «السلطوية الانتخابية التنافسية» كانت موجودة في مصر منذ تولي مبارك السلطة.

يقول كوك إن الانتخابات البرلمانية لعام 2010 كانت الاستفزاز الأولي الذي دفع  إلى احتجاج عام 2011. وزعمت معارضة حكومة مبارك أن الحكومة تدخلت في العملية الانتخابية، وقيّدت مشاركة المعارضة في الانتخابات، ما تسبب في حالة من عدم الشرعية السياسية، وأدت خطوة الرئيس بإقالة برلمان الظل إلى ارتفاع الرغبة في الاحتجاج، والمطالبة بالحريات الأساسية، وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. وتجمع المحتجون أيضاً بأعداد كبيرة اعتراضاً على الارتفاع المفرط في معدلات البطالة، والوضع الاقتصادي الظالم، والفساد السياسي، لاسيما في وزارة الداخلية، واحتكار صناعة الصلب.

ما هي المرحلة الثانية؟

وتأتي المرحلة الثانية في التحول الديمقراطي حين يتولى الإصلاحيون السلطة. يقول هنتنغتون إن هذا يمكن أن يحدث في ثلاثة أشكال؛ الشكل الأول هو حين يموت الديكتاتور الاستبدادي، ويتولى خليفته الحكم في ظل وجود ما يشير إلى إمكانية إقامة نظام ديمقراطي. على سبيل المثال، في ليبيا، أطاحت ثورة الربيع العربي الليبية دكتاتورية القذافي عام 2011، وأتاحت الفرصة لأول انتخابات برلمانية وصياغة دستور ديمقراطي جديد والموافقة عليه عن طريق الاستفتاء. 

مبارك في قفص الاتهام

والشكل الثاني هو اكتساب السلطة، أي انتقال السلطة من الحاكم الديكتاتوري في مرحلة انتقالية، يؤكد فيها الزعيم الاستبدادي انتقال السلطة تجنباً لثورة المعارضة الإصلاحية، مثل تنازل بورتيو عن السلطة إلى دي لا مدريد في المكسيك، والشكل الثالث هو انتقال السلطة الناجم عن ضغط الإصلاحيين الذي يؤدي في النهاية إلى استقالة الزعيم الاستبدادي. 

ماذا حدث في مصر؟

في مصر، وصلت حكومة مبارك الديكتاتورية إلى نهايتها عن طريق الشكل الثالث من أشكال اكتساب السلطة. ورغم أن مبارك، في المرحلة الأخيرة من الثورة، نقل سلطته إلى المجلس العسكري، وأَمر باتباع تعليماته، أُرغم على الاستقالة في غضون 18 يوماً، بسبب تواصل احتجاجات الشعب المصري. وبين هذا الاحتجاج رغبة الجمهور القوية في تغيير النظام وحال قراره دون استمرارها.

الرئيس المصري الراحل محمد مرسي

وبعد تنازله عن السلطة، إلى أن تشكلت الحكومة الجديدة بعد انتخابات ديمقراطية، أصبح المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو من يحكم مصر. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن دور المجلس الأعلى كان مبهماً، وفقاً لأحمد عبد ربه، الذي أشار إلى أنه على الرغم من قبول الشعب المصري للدستور الذي جرت صياغته حديثاً في مارس/آذار عام 2011، ساد شعور مُبرَّر بالخوف بين الجمهور من دور المجلس الأعلى، ومدى تأثيره على الانتخابات الديمقراطية. فضلاً عن ذلك، أدى الغموض حول دور الجيش، خاصة بعد الانتخابات، إلى المزيد من التحديات في عملية التحول الديمقراطي في مصر، وهذا يعني أن المرحلة الانتقالية لم تحقق المرحلة الثانية من التحول الديمقراطي، وهي «تولي الإصلاحيين السلطة».

ما هي المرحلة الثالثة؟

أما المرحلة الثالثة في التحول الديمقراطي، وفقاً لهنتنغتون، فهي فشل الإصلاح الليبرالي، وهذا يعني أن الحكومة القائمة في السلطة ستجري إصلاحات بسيطة ومؤقتة وسطحية باتجاه التحرر، استجابة لمطالب الجهات الفاعلة الدولية والمحلية المعارضة للركود الاقتصادي أو التفرُّد السياسي. وتعد المملكة العربية السعودية مثالاً جيداً على ذلك، إذ تنازلت الحكومة ومنحت النساء حقوقاً سياسية بالسماح لهن بالتصويت في الانتخابات عام 2011، وقد اعتُبر ذلك حينها إصلاحاً بسيطاً لتجنب اندلاع الثورات في السعودية. ولاحِظوا أن هذا النهج مختلف تماماً عن نظرية الإصلاح الليبرالي النموذجية، التي توقع غورباتشوف أنها ستنقذ الاتحاد السوفيتي من الركود الاقتصادي عبر إصلاحات الغلاسنوست (العلنية والانفتاح) والبيريسترويكا (إعادة الهيكلة).

في حالة مصر، طوَّر مبارك عملية الإصلاح الليبرالي عبر إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية. ففي الاقتصاد، رفع إنشاء سوق نقد أجنبي القيود الرسمية وغير الرسمية عن الوصول إلى العملات الأجنبية. وشجع القطاع الخاص على الانخراط في الاقتصاد وخفض مستوى الرسوم الجمركية. فضلاً عن ذلك، أدى تطبيق قانون الضرائب الجديد إلى تخفيض الضرائب على الأشخاص والشركات. وزادت هذه الإصلاحات من معدل النمو الاقتصادي بنسبة 7% بين عامي 2006 و2008، وكانت مصر واحدة من أفضل الدول «الإصلاحية» في العالم عام 2007.

نمو اقتصادي دون مردود اجتماعي

ورغم هذا النمو الاقتصادي، لم ترفع هذه الإصلاحات مستوى معيشة المواطنين العاديين. إذ زاد معدل الفقر المدقع من 16.7% إلى 20% من مجموع السكان. وفضلاً عن ذلك، ارتفعت نسبة الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم من 20% إلى 44% عام 2009. وارتفع معدل التضخم إلى 11.49%، وتجاوز معدل البطالة 20% عام 2009. من ناحية أخرى، كان معدل الأمية 27% ومعدل بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، لا يزال عند 24.8%. ويشير هذا إلى أن الإصلاحات كانت سطحية ولم تستفد منها إلا الطبقة العليا.

ولم تؤدِ الإصلاحات السياسية أيضاً إلى أي تغيير نوعي في الحكم أو النظام السياسي. إذ صدر التعديل الأول للمادة 76 من الدستور، لتمكين مرشحين آخرين من المشاركة في الانتخابات الرئاسية. ورغم أن التعديل يسمح قانوناً للمرشحين الآخرين بالمشاركة في الانتخابات، إلا أنه على أرض الواقع، وبسبب السلطة الاستبدادية، لم يتمتع أي من المرشحين بحرية منافسة مبارك. وقد أدى منع الإخوان المسلمين من ترشيح أحد أعضائهم للرئاسة، ومنع طلعت السادات من المشاركة في الانتخابات في النهاية إلى فوز مبارك للمرة السابعة بنسبة 88.6%.

ثانياً، كان إعلان إلغاء القيود الحزبية لزيادة الاستقلال الحزبي بمثابة إصلاح ليبرالي آخر. إلا أنه على أرض الواقع تشكلت لجنة شؤون الأحزاب السياسية (PPC) لتقرير مدى أهلية الأحزاب للمشاركة في الانتخابات، والغريب أن الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي الذي يرأسه مبارك عُين رئيساً لهذه اللجنة.

ثالثاً، وعد مبارك في حملة ترشحه عام 2005، بتقييد سلطات الرئيس، وانتقال السلطة إلى البرلمان، وإصلاح القضاء واستقلاله. يقول شارب إن الشعب المصري كان ينظر إلى هذا الوعد على أنه إمكانية حقيقية لتغيير النظام بأكمله؛ إلا أنه لم يكن مفاجئاً أن مبارك استمر في احتفاظه بسلطاته بعد انتصاره. بل وسجن خصمه أيمن نور. وقد أثارت هذه الانتخابات التي أُجريت عام 2005 الكثير من الانتقادات في الداخل والخارج. يشير لاري دياموند إلى أن «المستبدين العرب يتبنون لغة الإصلاح السياسي لتحاشي الواقع». أما عن المرحلة الثالثة، فعلى أرض الواقع لم تحقق أي من الإصلاحات التي أجراها مبارك الديمقراطية الحقيقية في مصر. إلا أنها، وبخلاف التوقعات، شجّعت المعارضة على المطالبة بإصلاحات ليبرالية باستماتة أكبر، أدت في النهاية إلى «ثورة» المصريين.

لا تنفصل الشرعية المشوهة وتعاون فصائل المعارضة عن بعضهما في الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي. وهو ما يلجأ إليه الإصلاحيون حين يجدون صعوبة في الثورة ضد القيادة القائمة. إذ يحاولون تقويض شرعية الزعيم الاستبدادي عبر توحيد معارضتهم والعمل معاً ضد الديكتاتورية. قد يحدث التعاون بين الزعماء السياسيين أو الجماعات الاجتماعية أو الجماعات المدنية أو العسكرية التي تريد حكومة ديمقراطية.

كان التظاهر هو المرحلة الأولى التي نفّذها الإصلاحيون لتشويه شرعية إدارة مبارك. إذ شكك في شرعية الحكومة القائمة على المستوى المحلي، ورسّخ التغييرات الكبيرة في السياسة والتصورات المختلفة الدولية المعارضة لإدارة مبارك. وقد ألقى الرئيس باراك أوباما خطاباً في 1 فبراير/شباط عام 2011، قال فيه إن «التخلي عن السلطة كان القرار الصائب، لكن الانتقال إلى حكومة جديدة يجب أن يبدأ الآن»، وهو ما يشير بوضوح إلى تغير السياسة منذ بدء الاحتجاج.

طلب المتظاهرون الدعم من المنظمات الدولية، وكذلك الدول الغربية، التي منها الدول الأعضاء في حلف الناتو. تذكر هيلاري كلينتون في كتابها، Hard Choices، أنها كانت أكثر حذراً على الدوام إزاء الوقوف إلى جانب المحتجين استناداً إلى وعدهم بمستقبل مبهم حول الحكم الاستبدادي في مصر، ولكن «غلبتني المثالية وتحولت بسرعة إلى مساعدة  نظام مبارك». ثم انضم الإصلاحيون إلى الجيش المصري لقلب نظام مبارك بالإشارة إلى أن مبارك لا يستطيع حكم البلاد حكماً رشيداً. لم تترك هذه المبادرة في النهاية لمبارك أي خيار، وأجبرته على الاستقالة بعد 18 يوماً من الاحتجاج.

هل للثورات كتالوج موحد؟

يوضح التحليل أعلاه المراحل الخمس للتحول الديمقراطي من منظور هنتنغتون، وفهم ما حدث في الربيع العربي من خلالها. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل تصلح هذه المراحل لكل الثورات، وخاصة ثورات الربيع العربي الأخرى. للإجابة عن هذا السؤال يقارن هذا الجزء الثورة في مصر بمثيلتها في سوريا. والغرض من هذه المقارنة هو فهم الأسس المشتركة والاختلافات الجوهرية، وهو ما قد يؤدي إلى مفهوم التحول الديمقراطي الزائف.

كان مبارك يتلقى الدعم من الجهات الفاعلة المحلية والدولية في أركان أنحاء نظامه، حتى بدأ الإصلاحيون في الاحتجاج للمطالبة بالإصلاح الليبرالي. إذ حافظ على علاقات اقتصادية وسياسية ممتازة مع القوى الإقليمية وغيرها، مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. يقول توني كارون إنه مع سقوط مبارك أصبح «أحد أركان الاستراتيجية الإقليمية الأمريكية الأساسية حاكماً لا يمكن الدفاع عنه». إلا أنه بعد الثورة، اضطرت تلك البلاد للانقلاب على مبارك، خاصة بعد أن أدركت أن سقوط نظام مبارك أمر لا مفر منه. ورغم  أن المجموعات الهامشية دعمت حكومة مبارك لحماية مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الرئيسية، دعمت الجماعات الدينية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، الثورة. وتبين مؤخراً أن هدف دعم جماعة الإخوان المسلمين للثورة لم يكن بناء مصر ديمقراطية، وإنما بناء مصر تقوم على الشريعة الإسلامية.

ما دور الجيش؟

السيسي عندما كان وزيرا للدفاع

من ناحية أخرى، ورغم أن الجيش ساعد الثورة، فإن هدفه كان بناء مصر قوية من خلال الجيش القوي، وليس نقل السلطة إلى حكومة مدنية. وأدى هذا التعقيد في الأولويات إلى وضع غير متوازن في مصر في عملية التحول الديمقراطي. فضلاً عن ذلك، اتخذت الجهات الفاعلة الخارجية التي أدت دوراً حاسماً في الثورة، مثل اتجاه «دعونا ننتظر ونرى ما سيحدث» الذي تبنته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، موقفاً لا يصبّ في مصلحة ديمقراطية ناشئة في مصر في المستقبل المنظور.

ونظراً إلى الوضع في سوريا، حاز الأسد تأييداً نوعياً من المجموعات نفسها التي أيدت مبارك. إلا أن الموقف اختلف في سوريا منذ أن دعم الجيش نظام الأسد خلال الثورة، مثلما دعم الجيش الليبي نظام القذافي. وفضلاً عن ذلك، لم يكن الإصلاحيون في سوريا يمثلون أغلبية كما كانوا في الحراك المصري. يوضح همفري أن الحرب في سوريا هي «حرب بالوكالة» في صورتها الاعتيادية، مضيفاً أن الحرب بالوكالة قوضت النُّهج الدبلوماسية، وتحولت الأحداث من كونها أزمة إنسانية إلى أخرى تتعلق بالأمن الدولي عندما استخدمت سوريا الأسلحة الكيميائية. 

على الجانب الآخر، فعلى الرغم من أن الأطراف الدولية الديمقراطية دعت الأسد للتنحي، فلم تتمكن تلك الأطراف من التدخل لدعم الإصلاحيين مباشرةً مثلما فعلوا في ليبيا بسبب فشل جهود مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتوصل لتسوية ودبلوماسيته. وهكذا، كانت الاختيارات الوحيدة المتاحة أمام المجتمع الدولي هي اللجوء إلى فرض عقوبات دولية على السفر والاقتصاد. كان تنحي الأسد سيكون ممكناً فقط لو دعم الجيش الإصلاحيين. لكن حتى لو كان الأسد قد تنحى، فما كان ذلك ليُقدم وحده أرضاً صلبة لتنشأ الديمقراطية لو كانت الفترة الانتقالية طويلة بما يكفي لتنشب نزاعات جديدة مثلما حدث في مصر. كان حدوث شيء كهذا سيؤدي بسوريا إلى حرب أهلية أخرى، وليس تحولها إلى الديمقراطية.

ونستنتج من ذلك أنه على الرغم من أن الإصلاحيين يناهضون الحكومات الاستبدادية، كما هو الحال في مصر، ففي سبيل التوصل لحكم ديمقراطي مستدام، من المهم معرفة مصادر دعم النظام المناهض للديمقراطية في الماضي، والتوسع والتحول المؤسسي في الميدانين السياسي والاقتصادي. وتُعتبر حرية الأفراد، والشفافية الانتخابية والأحزاب السياسية المتنافسة والمجتمعات المدنية القوية هي أعمدة إرساء الديمقراطية، ولذلك فالتأكد من وجود تلك المقومات هو أمر مهم لقيام مجتمع ديمقراطي. وقد تكون المراحل الخمس للديمقراطية عند هنتنغتون هي نقطة البداية للتفكير وتقييم انطلاق موجة ثالثة لإرساء الديمقراطية في بلاد مثل مصر وسوريا. ومع ذلك، لا يمكن أن تكون هذه هي الأداة الوحيدة لتقييم كل محاولة لإرساء الديمقراطية جرت منذ بداية الربيع العربي.

اجمالي القراءات 2342