بقلم: د. محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف
ولقد ذكر الراسخون في العلم ـ كل في تخصصه الشرعي أو الطبي أو غيرهما ـ الأضرار المتعددة, والمفاسد المتنوعة التي تنتج عن تعاطي المخدرات ونشرها, بالنسبة للأفراد والجماعات والشعوب...
أ ـ فذكروا من أضرارها الدينية: أن تعاطيها أو المتاجرة فيها, أو نشرها بأية صورة من الصور, يمثل لونا شنيعا من الزيغ في العقيدة, ومن الضعف في الدين, ومن الاستخفاف بأحكام شريعة الاسلام, والاستهانة بشعائره...
لأن الفقهاء بأحكام شريعة الاسلام, قد أجمعوا علي حرمة تعاطي هذه المخدرات بمختلف أسمائها وأنواعها, وصدرت الفتاوي المتعددة من كبار العلماء بذلك.
وفضلا عن ذلك فإن القوانين التي أصدرتها الدولة تؤيد وتؤكد الفتاوي الشرعية التي صدرت في هذا الشأن من أولي الأمر في الأمة.
وطاعة أولي الأمر واجبة شرعا ماداموا لم يأمروا بمعصية بدليل قوله ـ عز وجل ـ[ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا]
(سورة النساء الآية:59).
ولقد نقل فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم ـ رحمه الله ـ في فتواه التي سبق أن ذكرنا خلاصة لها ـ عن الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أنه قال في إحدي فتاواه: هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلها ومستحلها تؤدي إلي سخط الله ـ تعالي ـ وسخط رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وسخط عباده المؤمنين...
وهي تشتمل علي ضرر في دين المرء وفي عقله في خلقه وفي طبعه...
ومن تعاطاها وزعم أنها حلال, فإنه يستتاب ـ فإن تاب وإلا قتل مرتدا, ولا يصلي عليه, ولايدفن في مقابر المسلمين, وإن القليل منها حرام ـ أيضا ـ بالنصوص الدالة علي تحريم الخمر, وتحريم كل مسكر.
ب ـ وذكروا من أضرارها الصحية: أن متعاطيها كثيرا ما يصاب بأمراض خطيرة, منها ما يتعلق بكبده, ومنها ما يتعلق بأعصابه, ومنها ما يتعلق بقلبه, أو بغير ذلك من سائر حواسه.
قال بعض الأطباء: تبين التأثير الخطير الذي تحدثه المخدرات في صحة المدمنين, إذا ثبتت إصابة المدمن إبان إدمانه بالأعراض المرضية والعصبية كفقر الدم, وضعف النبض, وارتجاج المخ, ولغط القلب, واحتقان الكلي, وضيق التنفس, وفقدان الشهية, وحصول الأرق الشديد, والنزلات المعوية, والآلام في المفاصل...
ومما لا شك فيه أن الضعف الذي يحيق بجسم المدمن من شأنه أن يجعله أكثر تعرضا للعدوي بالأمراض, وبخاصة مرض السل, فضلا عن أن بعض المخدرات يؤدي إلي تعرض المدمن للإصابة بالملاريا, والخراجات, وخفقان القلب, والمغص الشديد, والقيء الدائم, والزيادة في العرق والإفرازات...
جـ ـ وذكروا من أضرارها الاقتصادية: أن المدمن للمخدرات والمتعاطي لها, يؤدي له ذلك الي ضعف بدنه, وانحلال قوته, واضمحلال عزيمته, ووهن صحته...
ولا شك في أن كثرة عدد المتعاطين لهذه السموم في أية أمة, يؤدي إلي ضعف إنتاجها, ويحرمها من قوة أبنائها ومن حيويتهم ومن طاقاتهم الانتاجية في كل مجالات الإنتاج الزراعي, والصناعي, والتجاري, والاستثماري...
ومتي ضعف الإنتاج: انخفض مستوي المعيشة, وانتقلت الأمة من ضعف إلي ضعف, ومن فقر إلي فقر, وإذا ذهب الفقر إلي بلد قال له الشقاء والاضطراب والخراب... خذني معك.
د ـ وذكروا من أضرار المخدرات في الجانب الاجتماعي: تفكك الأسرة, لأن قائدها والمسئول عنها إذا تعاطي المخدرات, فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يعرف ما يجب عليه نحو أبويه, ونحو أولاده, ونحو زوجته, ونحو أقرب الناس إليه...
وبسبب إدمانه للمخدرات تصاب أسرته بالشقاء وبالمصائب وبسوء الحال, لأن هذا الإدمان من نكباته أن يحول الأغنياء إلي فقراء, والعقلاء إلي سفهاء, والسعداء إلي أشقياء...
وقد ثبت في حالات كثيرة, أن الإدمان مرتبط بالجنون وفقدان العقل, وأن فئة كبيرة من هؤلاء الذين تعاطوا هذه السموم, صاروا من نزلاء مستشفيات الأمراض العقلية...
ولا تسل عما يسببه تعاطي هذه السموم, ومن تشريد الأسرة, ومن ترمل الزوجات, ومن بؤس الأطفال!!