هل وافقت إثيوبيا على طلب مصر ملء خزان سد النهضة في 7 سنوات، وهل يكفي هذا لحل الأزمة؟

في الأحد ١٧ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

انتهت اجتماعات وزراء الري بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم، بحضور خبراء أمريكان ومراقبين من البنك الدولي، وأعلن الوزير السوداني عن موافقة إثيوبيا على طلب مصر بشأن ملء خزان السد في سبع سنوات، دون صدور بيان مصري أو إثيوبي، فهل يعني ذلك انفراجه في الأزمة الأخطر في وادي النيل وإفريقيا؟

ماذا حدث؟

أصدرت وزارة الري السودانية بياناً، أمس السبت 16 نوفمبر/تشرين الثاني، عقب ختام الاجتماع الأول على مستوى وزراء الموارد المائية في مصر والسودان وإثيوبيا، بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين، جاء فيه حدوث «تقدم» في المفاوضات التي أُجريت السبت والجمعة في أديس أبابا.

اجتماع أديس أبابا هو الأول ضمن أربعة اجتماعات فنية تم الاتفاق عليها أثناء الاجتماع الذي استضافه وزير الخزانة الأمريكي ستيفين مونتشين في واشنطن، الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني، بحضور وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان، والهدف من تلك الاجتماعات هو حسم النقاط الخلافية، وأبرزها عدد سنوات ملء بحيرة السد، والمدى الزمني لتشغيله، وآلية مواجهة نقص إمدادات المياه لدولتي المصبّ مصر والسودان، في أثناء سنوات الجفاف.

البيان الصادر عن الجانب السوداني فقط قال إن مفاوضات أديس أبابا «أحرزت تقدماً، وضمن ذلك ملء السد في فترة زمنية قد تصل إلى 7 سنوات، وفق هيدرولوجية نهر النيل الأزرق»، وشملت المفاوضات، وفق البيان «موضوع التشغيل الدائم لسد النهضة، وتأثيراته على منظومة السدود في كل من السودان ومصر».

ماذا يعني ذلك؟

عدم صدور بيان ختامي حول نتائج اجتماعات أديس أبابا التي استمرت يومين يحمل أكثر من تفسير، أولها الرغبة في إحاطة المفاوضات التي يفترض أن تستمر حتى منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، بسياج من السرية؛ تفادياً للشحن الإعلامي في كل من مصر وإثيوبيا، خصوصاً بعد أن تصدّر «الخيار العسكري» الحديثَ حول أزمة السد بين البلدين في الأشهر القليلة الماضية، منذ إعلان مصر عن وصول المفاوضات لطريق مسدود، والدعوة لتدخل وسيط دولي.

بحضور أمريكي ودولي.. وزراء إثيوبيا ومصر والسودان يبحثون ملء سد النهضة
وزير المياه والري المصري، محمد عبدالعاطي/الأناضول

التفسير الآخر هو أن يكون كل طرف لا يزال متمسكاً بموقفه، ما يعني عدم التوصل لحلول وسط، وبالتالي الاتفاق على مواصلة النقاش في الجولة المقبلة من المفاوضات، بداية ديسمبر/كانون الأول المقبل في القاهرة، على أن يصدر بيان عن الجانب السوداني يتّسم بالتفاؤل، مما يسهم في تخفيف حدة التناول الإعلامي للأزمة، حتى لا تتفاقم، ويعود الحديث عن «الحرب» مرة أخرى.

هذا التفسير يرجحه بيان وزارة الري المصرية الذي صدر قبل البيان السوداني بساعات، وجاء فيه أن المناقشات شملت «العناصر الفنية الحاكمة لعملية ملء وتشغيل السد، والتعامل مع حالات الجفاف، والجفاف الممتد، وحالة إعادة الملء».

البيان المصري قال إن الاجتماعات «اختُتمت بالاتفاق على استمرار المشاورات والمناقشات الفنية حول المسائل الخلافية كافة خلال الاجتماع الثاني، المقرر عقده في القاهرة في 2 و3 ديسمبر/كانون الأول المقبل، طبقاً لما تم الاتفاق عليه في اجتماعات واشنطن».

هل تم بالفعل إحراز تقدم في المفاوضات؟

الجانب المصري لم يتحدث عن إحراز تقدم، خصوصاً في نقطة هامة كنقطة عدد سنوات ملء خزان سد النهضة، حيث إن موافقة إثيوبيا -إذا كانت موافقة نهائية وتمت بالفعل- على ملء خزان السد على سبع سنوات، تعد بالفعل تقدماً ملحوظاً في هذه النقطة، وهذه نقطة لافتة، خصوصاً أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يتعرض لانتقادات شعبية حادة بسبب اتفاق إعلان المبادئ، الذي وقَّعه في الخرطوم في مارس/آذار 2015، وهو الورقة القانونية الوحيدة التي وقعت عليها مصر وإثيوبيا والسودان، وجميع بنودها في صالح أديس أبابا، وبالتالي حدوث تقدم في تلك المفاوضات أمر لن يريد الجانب المصري عدم الاحتفاء به إعلامياً.

الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

العودة للبيان السوداني ربما توضح أنه لم يحدث اتفاق نهائي في عدد سنوات ملء خزان السد «وضمن ذلك ملء السد في فترة زمنية قد تصل إلى 7 سنوات وفق هيدرولوجية نهر النيل الأزرق»، (قد تصل إلى 7 سنوات تعني أنها قد تكون أقل).

هل سيكون تنازل إثيوبيا في سنوات ملء خزان السد كافياً؟

لكن على فرض أن الجانب الإثيوبي قد وافق بالفعل على أن تستمر عملية ملء خزان سد النهضة إلى سبع سنوات، وهو ما كانت القاهرة قد اقترحته سابقاً ورفضته أديس أبابا، هل سيكون ذلك كافياً لانتهاء الأزمة ومعالجة المخاوف المصرية؟

الإجابة عن هذا السؤال تكمن في المخاوف المصرية من أن يؤثر سد النهضة على حصة المياه التي تصل إليها من خلال نهر النيل، الشريان الأول للحياة فيها، وهذه الكمية تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب منذ خمسينات القرن الماضي، ولذلك لا ترفض مصر قيام إثيوبيا ببناء السد، لكنها تريد ألا يؤثر بناؤه على حصتها من المياه.

نقاط الخلاف المتمثلة في العناصر الفنية الحاكمة لعملية ملء وتشغيل السد، والتعامل مع حالات الجفاف، والجفاف الممتد، وحالة إعادة الملء، هي أمور مرتبطة، الهدف منها بالنسبة للجانب المصري هو ألا تقل حصة المياه الواصلة سنوياً عما هي عليه الآن، أو على الأقل بحسب ما أعلنه الجانب المصري سابقاً، عن 40 مليار متر مكعب، لكن الجانب الإثيوبي يرفض الالتزام بأي مقترح مصري يؤخر انتهاء أديس أبابا من بناء السد وتشغيله، حيث تعتبره الحكومة الإثيوبية طوق النجاة بالنسبة لها تنموياً وسياسياً.

هذه المعطيات ربما تفسر سبب عدم إعلان الجانب المصري عن «إحراز تقدم»، انتظاراً للتوصل لاتفاق يضمن الحد الأدنى من المطالب المصرية على الأقل، خصوصاً أن الجانب الإثيوبي لا يزال رافضاً للوساطة، ومتمسكاً بما تم الاتفاق عليه في إعلان المبادئ الذي وقعه السيسي، والذي يشترط موافقة الأطراف الموقعة على مبدأ اللجوء للوساطة أو التحكيم.

وفي ضوء ذلك، ربما لا تكون موافقة الجانب الإثيوبي على إبداء المرونة في النقطة الخاصة بملء خزان السد لتصل إلى سبع سنوات كافية للتوصل لاتفاق ينهي الأزمة الأخطر، والتي حذرت المجموعة الدولية للأزمات في تقرير لها في يوليو/تموز الماضي، أنها قد تتسبب في إشعال أول حرب بسبب المياه في الكوكب.

اجمالي القراءات 1875