1 ـــ أكتب هنا حزنا على ضحايا غزة ، ليس بالشجب والإستنكار ولكن بالتأمل والإعتبار . ما أكتبه لا يعجب الكثيرين ، ولكن واجب من يتصدى للأصلاح أن يكتب ما يعتقده حقا ،يستوى عنده غضب الكثيرين أو إعجابهم .
2 ـــ وصلت حماس إلى تشكيل الوزارة فى ظل سلطة مرتبطة بإتفاقيات سلام دولية ، وانتهت حماس إلى قتال السلطة الفلسطينية والإنفصال عنها ،والدخول فى معركة خاسرة سلفا مع إسرائيل . عقدت هدنه أنهتها حماس فكان الرد الإسرائيلى هو توجية ضربة لحماس.وبإعتبار أن إسرائيل هى الأقوى فهى التى تنهى الحرب وقتما تريد ، وقد أوقفت إطلاق النار من طرف واحد حتى لا تنغص إحتفالات ترسيم الرئيس الجديد فى واشنطن ، التى بدأت يوم الأحد 18 يناير 2009 .
كان يمكن لحماس ـ وهى مجرد حكومة فى السلطة التى يرأسها محمود عباس ـ أن تقوم بواجبها كحكومة فى رفع المستوى المعيشى لأبناء غزة و الضفة بما يجعلهم فى مستوى الفرد الفلسطينى الذى يعيش داخل اسرائيل . كانت هناك مشروعات مطروحة للتنمية بالتعاون مع اسرائيل ،أهمها تحويل غزة الى سوق دولية مفتوحة ومشروعات للتصنيع والتصدير ، لكن حماس تنكرت لدورها الدستورى ورفعت نفسها فوق السلطة التى تتبعها ، وأنتهى الأمر بها الى حصار وتدمير غزة وقتل وجرح الآلاف من الأبرياء بدلا من رعايتهم و الحفاظ على حياتهم وتوفير معيشة كريمة لهم.
تحليل موقف حماس من اسرائيل يبدأ بالتعرف على ثقافتين مختلفتين، أحداهما هى ثقافة ( القطيع ) لدى العرب والمسلمين ، والأخرى ثقافة ( الفرد ) لدى الغرب ، من إسرائيل إلى أوربا وأمريكا .
3 ـــ طبقا لثقافة (القطيع) تعلن حماس إنتصارها على إسرائيل برغم مئات القتلى وآلاف الجرحى والتدمير الهائل لغزة فى مقابل خسائر لا تذكر فى الجانب الإسرائيلى .
ولكن طبقا لثقافة ( الفرد ) أو ( الفردية ) فإن إسرائيل تحرص على حياة كل مواطن إسرائيلى ، يهوديا كان أوعربيا يحمل الجنسية الإسرائيلية ، وهى تنتقم بكل حزم لكى تؤمن حياة الفرد الإسرائيلى مدنيا كان أم جنديا . ولم تستطع صواريخ حماس البدائية العشوائية أن تصل إلى عمق إسرائيل حيث يعيش عرب 48 الذين يعيشون فى حماية اسرائيل ولكن بعض صواريخ حزب الله قتلت بعضهم فى حرب 2006 ، وإسرائيل تستطيع بطائراتها أن تشن حرب المدن على قطاع غزة ـ كما كان يحدث فى حرب صدام مع إيران ـ وتستطيع إسرائيل إبادة قطاع غزة لولا ثقافة ( الفرد ) التى تعنى الحرص على حياة الأفراد المسالمين .
4 ـــ وهنا تتجلى حقيقة الصراع بين ثقافة ( الفرد ) لدى إسرائيل وثقافة ( القطيع ) لدى حماس . غزة من أشد أماكن العالم إكتظاظا بالسكان ، وحماس تختبىء وتحتمى داخل هذا التكاثف السكانى ، ومن عمقه تضرب عشوائيا إسرائيل ، ويمكن لإسرائيل أن ترد بصواريخها الحقيقية لتدمر كل منطقة يخرج منها صاروخ حمساوى ،وهو عمل سهل عسكريا ، ولكن إسرائيل إختارت الأصعب ، وهو حصر الحرب ضد حماس فقط . ولكن منصات صواريخ حماس تتنقل من مسجد إلى مدرسة إلى سطح عمارة بين جماهير متكاثفة، فلا بد أن تترصد الصواريخ الإسرائيلية المصدر لتصيبه فيقع الضحايا المدنيين بعد أن يكون مطلقو الصواريخ الحماسية قد فروا منه . حماس تفعل ذلك متعمدة وفق ثقافة القطيع ، فتجعل إنتصارها ليس فى حماية أطفال غزة ونسائها وشيوخها ، ولكن فى تقديم أهل غزة ضحايا للرأى العام العالمى ، لتقوم مظاهر شجب واستنكار ضد إسرائيل ، وفى النهاية تحصل حماس على دعم مالى ومعنوى عربى ودولى ، بينما تتعثر إسرائيل دوليا فى تبريرها لسقوط الضحايا فى غزة ، ويضيع المسئول الحقيقى عن تعريض المدنيين إلى الحظر. هذا مع أن عدد ضحايا غزة لا يمكن مقارنته بعدد ضحايا صدام أو البشير وغيرهم من طغاة العرب والمسلمين. وفى النهاية فدماء أولئك الضحايا من غزة تقع فى رقبة حماس وليس اسرائيل ، فلقد غامرت بهم حماس فى معركة غير متكافئة وهى تعلم علم اليقين أنها ستنهزم وأن أبناء غزة سيقتلون. المضحك المبكى أن حماس قامت ببناء مخابىء لقادتها كما تفعل اسرائيل فى حماية مواطنيها،ولكن حماس لم تكلف نفسها أن تبنى مخابىء لأهل غزة ، لأن هدف حماس هو أن يسقط أكبر عدد من الضحايا فتكسب حماس سياسيا ودعائيا . وهذا هو الانتصار الرخيص الذى يعلنه اسماعيل هنية وهو يسير على جثث المساكين من أبناء غزةوفوق أطلال غزة .
5 ـــ وربما يتأكد إعلان حماس إنتصارها إذا قامت اسرائيل بمحاسبة أو مؤاخذة أى مسئول فيها عن تقصيره فى الحرب .
فثقافة الحرص على حياة الفرد داخل إسرائيل تضع على كاهل القادة مسئولية عظمى ، فى حماية الفرد الإسرائيلى المدنى والعسكرى حيا ، واحترام رفاته ميتا بالحرص على استرجاع جثته إذا مات فى أرض العدو،وبالتالى فإن أى تقصير ينتج عنه فقدان حياة فرد إسرائيلى واحد يستوجب محاكمة ذلك القائد المسئول ...
هذه ثقافة لا يعرفها الطغاة العرب والمسلمون الذين يقيمون مقابر جماعية وسرية لمواطنيهم ،أى بدلا من توفيرالأمن والحماية والمساكن لهم فإن الطغاة عندنا يوفرون لمواطنيهم السجون والمقابرالجماعية والسرية ،ولا يجرؤ أحد على محاسبتهم فى قتلهم مواطنيهم .
وعندما تحاسب اسرائيل مسئوليها على تقصيرهم فى حماية الفرد الاسرائيلى فان ثقافة القطيع عندنا تفسر ذلك على أنه إعتراف بهزيمة إسرائيل ، وفى الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل انهزم حزب الله عسكريا وتم تدمير لبنان جزئيا ولكن العرب إعتبروا محاكمة بعض القادة الإسرائيلين إعترافا من اسرائيل بالهزيمة ، لأن ثقافة القطيع عندنا أنه ليس مهما أن يموت معظم القطيع طالما ظل قائد القطيع ثابتا على عرشه . وقائد القطيع سواء كان فى السلطة أو يعمل على الوصول إليها يخدع الجماهير بأهداف مستحيلة التحقيق لتضحى بنفسها من أجله إلى الأبد .
وما يحدث فى غزة هو إفراز متجدد لتلك الثقافة الملعونة "ثقافة القطيع" .
فى حرب حزب الله مع لبنان ضاع الآلاف من الضحايا من أهل لبنان ، وظل حسن نصرالله حيا يخطب يتحدث عن إنتصاره ، وحوله مئات الآلوف يهتفون بحياته ، ولم يسائله أحد عن الحرب التى قرر خوضها من جانب واحد فقام بتعريض لبنان كله إلى خطر فوق طاقته،خرج حسن نصرالله من الهزيمة أقوى مما كان ، بل إزداد مؤيدوه داخل وخارج لبنان.
6 ـــ فى حروب صدام تتأكد ثقافة القطيع إلى درجة مضحكة مبكية ...
بدون سبب مقنع يهجم صدام على إيران، فلا يلبث أن ينهزم ، ولأن الخمينى وصدام وإيران والعراق يؤمنون بثقافة القطيع فقد تبارى الخصمان فى التضحية بالمدنيين ... الخمينى يستعمل الشباب المراهق فى مقدمة جيشه كتائب عارية ليسيروا فى حقول الألغام لتنفجر فيهم (ويدخلواالجنة )،ويصبح سهلا على الجيش الإيرانى التقدم . وصدام يقتل مئات الألوف من العراقيين الأكراد والشيعة لأنه يشك فى ولائهم له ،بل يقتل بعض قادة الجيش عندما انهزموا فى الحرب مع إيران . ثم يدخل فى حرب الكويت ويخرج من الكويت مهزوما مدحورا ولكن يعلن إنتصاره ويجعلها ( أم المعارك )، بينما يصبح العراق تحت الحصار. ومن الطريف أن المنتصر فى هذه الحرب وهو جورج بوش الأب يخسر فى الإنتخابات بينما يظل المنهزم الأكبر صدام حسين فى مقعده إلى أن ينتقم منه جورج بوش الأبن، وينتهى الأمر بصدام إلى الإختفاء فى حفرة يخرج منها مستسلما مذعورا، ولو كان لديه ذره من الكرامة لانتحر . أى سقط بكل المعايير ، ولكن طبقا لثقافة القطيع فلا يزال لصدام محبوه ومريدوه ...
7ـــ عبدالناصر إنهزم فى حرب 56 وفقد سيناء واستعادها منقوصة بإستيلاء إسرائيل على قرية أم الرشراش المصرية التى أسمتها ( إيلات ) ، وأصبح لإسرائيل حق الابحار فى خليج العقبة من مضايق تيران الى باب المندب وخليج عدن ، ومع ذلك ظللنا نحتفل بالإنتصار على العدوان الثلاثى كل عام فى 23 ديسمبر. وتألق عبدالناصر المهزوم وأصبح بطلا وزعيما طبقا لثقافة القطيع التى تذوب عشقا فى البطل المهزوم. ومن يومها إستخف عبدالناصر بالمصريين والعرب فاتبعوه طبقا لعقلية كل فرعون طاغية (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )( الزخرف 54 ) ولو كان الشعب المصرى من الرجال المؤمنين بثقافة الفرد لاختلف الوضع وقيل عنهم ( فاستخف قومه فقتلوه ) ولكنها ثقافة العبيد وثقافة القطيع .
وتمادى عبدالناصر فى طغيانه فتمادى القطيع فى تقديسه ، وانتهى الأمر بهزيمة كبرى فى حرب 1967 التى لا نظير لها فى التاريخ العربى الحديث والمعاصر ، ولو كان هناك وعى حقيقى لقام بتعليق عبدالناصر مشنوقا ،ولكن ما إن أعلن عبدالناصر تنحيه عن السلطة حتى خرجت مظاهرات القطيع تنادى بعودته ، فعاد أقوى مما كان. ولا يزال عبدالناصر أحد الآلهة الكبار فى العالم العربى وفق ثقافة القطيع ، فليس مهما أنه المسئول عن هزيمتى 1956 و 1967 ، وعن مئات الألوف من الضحايا قبلهما وبعدهما ، ليس مهما عدد الأفراد الضحايا من القطيع ،إنما المهم هو خلود الزعيم ...
8 ـــ لم تنجب ثقافة القطيع عبدالناصر أو صدام أو حماس فقط ،بل أنجبت كثيرين، ليس أولهم قذافى ليبيا وليس آخرهم بشير السودان .
لكى يظل البشير فى السلطة استمر فى حرب السودانيين فى الجنوب وأضاف حرب دارفور. وفى خلال الحروب الأهلية السودانية زاد عدد القتلى من السودانيين الأبرياء على المليون فرد ، هم ليسو بشىء طالما بقى الزعماء الطغاة فى السلطة . بل أصبح السودان – أغنى بلد عربى أفريقى – أفقر وأضل سبيلا فى ظل حكومة البشير التى تسمى نفسها حكومة الإنقاذ . وفى النهاية ضاق المجتمع الدولى بالطاغية السودانى فأصبح أول رئيس فى سلطته يكون متهما أمام الجنائية الدولية وهو مازال فى الحكم .
9 ـــ القذافى الذى لا تنتهى عجائبه مهووس بإفتعال المشاكل حتى تلتفت إليه أنظار العالم وتتكلم عنه ،وله فى ذلك حيل وآلاعيب يقوم بها أمام الكاميرات تحت أعين العالم فى إجتماعات القمة العربية وفى غيرها. أحس بانشغال العالم عنه فأراد أن يرغم الغرب على الالتفات اليه فنشر جرثومة الإيدز بين بعض الأطفال الضحايا الليبيين واتهم بعض الممرضات البلغاريات وطبيبا فلسطينيا بهذه الفعلة الشنعاء.وهى تهمة ساقطة ينفيها تاريخ القذافى نفسه ، فالقذافى مشهور بقتل خصومه بلا محاكمة أو بمحاكم سرية ، بل كانت اللجان الثورية تشنق الطلبة فى الشوارع والجامعات، ولو كان حقيقيا أن الممرضات البلغاريات أرتكبن تلك الجريمة ما كان أسهل على القذافى تدبير قتلهن بدون ضجة . ولكنه يعشق الضجة ويريد أن يحتفظ لنفسه بالعناوين الكبرى فى الإعلام الغربى والعربى ، لذا إفتعل هذه القضية واستمرت عدة سنوات من الإستجواب والتعذيب والمحاكمات إلى أن تمت التسوية ...وكسب العقيد العتيد ... وليس مهما إصابة أطفال أبرياء بالإيدز،فقد تمت إضافة عددهم الى آلاف الأرقام من ضحايا القذافى داخل وخارج ليبيا .
10 ـــ قيل عن الأقرع بن حابس أنه الأحمق المطاع لأنه كان (إذا غضب غضب له مائة ألف سيف لا يسألونه عن سبب غضبه).هذا الأعرابى الصحابى( الأحمق المطاع ) يلخص ثقافة القطيع، فهو فرد واحد لا يختلف عن أى فرد من أفراد قبيلته المائة ألف . لكل منهم نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات ، ولكن ثقافة القطيع جعلت المائة ألف فرد قطيعا مملوكا لفرد واحد هو الأقرع بن حابس ، ليس مهما أنه (أحمق) أو أنه (أقرع) أو أنه (ابن حابس) ، المهم أنه قائد القطيع المطاع.
ثقافة القطيع البدوية القبلية فى حالة الأقرع بن حابس تحولت فى الخلافة العربية إلى تشريع يحمل إسم ( الراعى والرعية).هو مصطلح مستقى من البيئة الصحراوية ولكن أصبح ذا مدلول سياسى وفقهى، فالراعى وهو الخليفة الطاغية له حق قتل من يشاء من الرعية ، وسلب ما يشاء من أموالها شأن أى راعى يملك الغنم ، يذبح منها ما يشاء ويستثمر منها ما يريد ، وتعزز ذلك الإفك بفتوى تجعل من حق الإمام أى الحاكم أن يقتل ثلث الرعية لإصلاح حال الثلثين .
وحتى الأن فلا يزال أولئك الطغاة مقدسين فى التعليم والاعلام و المساجد ، حيث لازلنا أسرى لثقافة القطيع .
11 ـــ وفى عصرنا حملت ثقافة القطيع مسميات جديدة أهمها القومية العربية والأمة الإسلامية ... وقادتهما يتصارعان حول ملكية القطيع من العرب والمسلمين...
عبدالناصر رفع راية القومية العربية ليمتلك القطيع العربى من المحيط إلى الخليج وبدلا من أن ينفرد بحكم مصر وحدها فليكن الحاكم الأوحد والمالك الأوحد لكل القطيع العربى ، وانتهى الأمر بهزيمته، ولكن لايزال له أتباع طبقا لسياسة القطيع ، وسار على نهج عبدالناصر آخرون مثل صدام والقذافى وجبهة التحرير الفلسطينية من ياسر عرفات إلى ياسر عبدربه .
والوهابية السعودية أنتجت الأخوان المسلمين فأنتج الأخوان المسلمون حركات محلية وإقليمية ودوليه، من التنظيم العالمى للاخوان المسلمين فى عهد حسن البنا الى تنظيم القاعدة فى عصرنا ،ومن حزب التحرير الى حماس والجهاد فى غزة والضفة . ومع الإختلاف السياسى بينهم جميعا إلا أن الثقافة الوهابية السنية تجمعهم ، وكل منهم يعطى لنفسه حق الحديث بإسم " الأمة الإسلامية " ليس فقط من المحيط إلى الخليج ولكن من أندونسيا إلى السنغال ، ومن باكستان والشيشان إلى البوسنة وكينيا وأوغندا والسودان .
كل منهم يخاطب " أمة الإسلام " يقولها مهدى عاكف فى مصر وإسماعيل هنية فى مقره السرى فى غزه وابن لادن فى مقره السرى فى تورابورا.كل منهم يدفع بأبناء الأمة الأسلامية إلى الإنتحار كى يصل سعادته إلى الحكم مستبدا ، أو كى يحتفظ سعادته بالحكم مستبدا .مع أن سعادته مجرد نفس بشرية ، ومجرد فرد مثل ملايين الأفراد الذين يريدهم أن يضحوا بأنفسهم من أجله.
وليحشد الجماهير خلفه ليظل فى الحكم أو لكى يصل إلى الحكم لابد أن يخلق عدوا ويدخل فى حرب ويظل فى حالة حرب حتى لا يعلو صوت فوق صوت المعركة الذى هو صوت فخامته . ليس مهما أن يكسب الحرب ، وليس مهما ضحايا الحرب ،المهم هو سلطان جلالته وبقاء سموه وخلود سعادته وسماحة سيادته.
12 ـــ ثقافة القطيع هى نفسها ثقافة الإستعباد وثقافة العبيد وثقافة الإستبداد والإستعباد والاستبعاد ، ثقافة الاستهبال وعبادة الأبطال ....
هذه الثقافة " الفرعونية" تناقض الإسلام ، ليس فقط لأن الإسلام هو دين الحرية والديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان - وقد أثبتنا ذلك من خلال مؤلفات استمرت من ربع قرن – ولكن لأن الإسلام مع ثقافة " الفرد " التى يؤمن بها الغرب.
الخطاب فى القرآن يأتى لبنى آدم والذين آمنوا،أى للمجموع ، ولكن يأتى أيضا للإنسان الفرد وبصيغة (النفس ) التى تعبر عن الفردية الذاتية لكل شخص. والأهم من ذلك أن تطبيق التشريع مسئولية فردية فمن شاء من الأفراد أن يؤمن فليؤمن ومن شاء منهم أن يكفر فليكفر ، ومن أهتدى من الأفراد فإنما يهتدى لنفسه ، ومن ضل من الأفراد فقد ضل على نفسه ، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
لقد خلق الله تعالى كل فرد مميزا ببصماته فى الإبهام وفى الصوت وفى العين وفى الشفاة وفى الجينات الوراثية ، ولكل نفس بصماتها وكينونتها الخاصة ، أى خلقنا الله تعالى أفرادا ، وسنأتى يوم القيامة أفرادا (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)( الانعام 94 ) ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )( مريم 93 ـ )
لكى نخلص غزة وفلسطين والعرب والمسلمون من عار ثقافة القطيع لابد من إصلاح التعليم ونشر الوعى بالديمقراطية وحقوق الإنسان وثقافة " الفرد" وأن الحاكم هو الخادم لذلك الفرد المواطن .... وليس العكس .
أخيرا
إلى متى يظل الفرد العربى والمصرى و المسلم ضحية رخيصة لأولئك الطغاة ؟ والى متى يظل يموت وهو يهتف بحياة الجلاد الطاغية؟
فى سبيل عظمة حماس لا بد من التضحية بغزة وآلاف القتلى والجرحى ، وفى سبيل عظمة عبدالناصر لا بد من التضحية بمئات الألوف من المصريين فى حروب خاسرة وفى معتقلات ظالمة موحشة ، وفى سبيل عظمة صدام حسين لا بد من التضحية بعدة ملايين من العراقيين والإيرانيين وخسارة آلاف البلايين وضياع العراق وتشريد ملايين العراقيين .وفى سبيل عظمة القذافى لابد من إفقار ليبيا وقهر الليبيين ودخول ليبيا فى معارك وهى ليست مؤهلة للزعامة أو القيادة .وفى سبيل إبقاء البشير فى الحكم لا بأس من تقسييم السودان ، وإفقار السودانيين ليصل السودان إلى نقطة الصفر . وهكذا فى كل بلاد العرب والمسلمين .
هذه بعض خطايا ثقافة القطيع التى تقوم من أجلها المظاهرات وتعقد من أجلها المؤتمرات .
ألا لعنة الله على ثقافة القطيع .