كل شيء في الحيتان يدعو للدهشة، وليس من العجب أن تلهم هذه المخلوقات واحدة من أعظم الروايات في تاريخ الأدب الأميركي والعالمي "موبي ديك" التي كتبها هرمان ملفيل متأثرا بما شاهده وشعر به في رحلات صيد الحيتان التي شارك فيها بالفعل.
يروي الصيادون قصصا عن الحيتان يستعصي الكثير منها على التصديق، فعلى الرغم من ضخامة الحيتان فإن البشر -بل العلماء- لا يزالون حتى اليوم يجهلون الكثير عنها.
فعلى سبيل المثال، صور مؤخرا فريق من الباحثين في جامعة هاواي واحدا من أكثر سلوكيات الحيتان الحدباء إثارة للدهشة، في سابقة لتوثيق مشاهد من هذا النوع الذي يتجلى فيه الذكاء الفائق للحوت الأحدب.
هناك حيلة عجيبة للصيد تعلمتها بعض الحيتان الحدباء، وهي أن تغوص إلى ما أسفل أسراب الأسماك أو القشريات المستهدفة في مجموعة تسبح في دائرة تحيط بالأسماك، في حين تطلق تيارا كثيفا من فقاعات الهواء تشكل ما يشبه "الشبكة" التي تحبس داخل محيطها الطرائد، قبل أن تقوم بعض الحيتان باختراق هذه الشبكة من الأسفل مبتلعة في طريقها الفرائس التي أربكتها شباك فقاعات الهواء.
من الهواء وتحت الماء
لم يكتفِ فريق البحث بتصوير الحدث من الجو باستخدام الطائرات المسيرة "الدرون"، وإنما ثبتوا أيضا كاميرات خاصة ولواقط على أجساد الحيتان لالتقاط الصورة من منظورها.
ويقول لارس بيجدر خبير الأحياء المائية في برنامج أبحاث الثدييات المائية بجامعة هاواي إن "لدينا زاويتين مختلفتين تماما، تظهر لنا زاوية الدرون تفاصيل شباك فقاقيع الهواء وكيف تبدأ في الطفو إلى السطح بينما تخترقها الحيتان من الأسفل وتطفو معها".
أما الكاميرات المثبتة على أجساد الحيتان فتظهر لنا ما يراه الحوت أثناء قيامه بنفخ الفقاعات بكثافة تحت الماء، وقد كانت مطابقة البيانات المستقبَلة من الجهتين عملية مثيرة للغاية.
ويقول بيجدر إن "هذه اللقطات المصورة تكتسب أهميتها من كونها سمحت لنا برؤية كيف تتلاعب هذه الحيتان الماهرة بفرائسها، كاشفة لنا عن تفاصيل لم تطلع عليها قط من قبل عيون البشر".
ويأتي ذلك التوثيق في إطار الجهود البحثية الساعية لفهم المزيد عن الحيتان الحدباء وعاداتها الغذائية، في محاولة لحمايتها من تهديد الانقراض الذي بسببه منع صيدها دوليا منذ العام 1985.
دهاء لافت
تزور الحيتان الحدباء المهاجرة عادة ألاسكا في الصيف، حيث الطعام الوفير، قبل أن تعود في الشتاء إلى المياه الأكثر دفئا حول هاواي، حيث تنجب صغارها وتتعهدها بالرعاية في فترة لا تأكل فيها إلا أقل القليل، ولهذا تحتاج إلى ملء بطونها من خيرات ألاسكا لتكوين مخزون غذائي يعينها على الأيام الشاقة المقبلة في هاواي.
لكن المثير للاهتمام هنا أن طريقة الصيد بفقاقيع الهواء هذه هي تقنية تتعلمها وتتناقلها مجموعات من الحيتان، فليست كل الحيتان الحدباء تستخدم هذه الطريقة، وحتى مجموعات الحيتان التي تستخدمها لا تنفذها جميعا بنفس الطريقة تماما.
لكن الثابت أن كل حوت يشترك في هذه الحيلة الجماعية يحصل على دوره في النهاية ونصيبه الوفير من الغنائم.
يذكر أن هناك مشاهدات لأنواع أخرى من الحيتان تستخدم حيلا مشابهة، مثل حيتان بريدي ودلافين ساحل فلوريدا التي يعرف عنها تعلمها طريقة الصيد بحلقات الطمي، وفيها تثير الدلافين بذيولها رواسب الطمي في قيعان المناطق الضحلة لتكوين حلقات تحبس داخلها أسراب الأسماك.