توحيد الرؤى ... اللسان العربي ( 1 )

احمد شعبان في السبت ١٠ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة
من الطبيعي أن يكثر الحديث كما هو حاصل الآن حول ألفاظ القرآن الكريم وكيفية فهم المعاني التي تدل عليها ، وتباينها مع الألفاظ التي نتحدث بها .
من هنا يمكنني القول بأننا بدأنا الوقوف على أبواب التحرر من التلقين ، وذلك حينما نبحث بموضوعية عن جذور أزمتنا ليست الراهنة فقط ولكن أزماتنا المزمنة على مدار التاريخ الإسلامي
نحن نعيش ورطة حضارية مستمرة وسط عالم تتحكم فيه القوى ، ولأن مرجعيتنا القرآن الكريم الذي نستقي منه كل توجهاتنا ، فاختلفنا حوله مما جعلنا مختلفين على أرض الواقع بل ومتقاتلين ، وكان الفرز الطائفي والقتل على الهوية طوال تاريخنا ، والتردي الحضاري الملازم لنا ، ناهيك عن الدمار البشري الذي نراه بأعيننا صباح مساء نتيجة لضعفنا الناشئ عن فرقتنا واختلافنا حتى كنا وما زلنا مطمعا لباقي البشر ، بل أكاد أن أجزم كما كتبت في منتصف الثمانينات بأننا بحالتنا هذه سنكون هنود حمر القرن الواحد والعشرين .
وقد كتبت حول ذلك فيما يشبه المعادلة كإجابة عن سؤال مفاده ماذا يراد بنا :
فكانت الإجابة : يراد بنا الاستغلال وفرض الوصاية وإبادة المقاوم منا بصفتنا أمة ضعيفة متخلفة ضارة بسبب فرقتنا واختلافنا الناشئ عن تديننا .
وعليه يجب أن نقوم بعملية إصلاح فكرنا الديني .
وفي الحقيقة أن هذا الموضوع هو همي وشغلي الشاغل منذ ما يربوا على الثلاثين عاما .
وهذا الاهتمام من ناحيتي ينصب في جانبه الأكبر حول معاني ألفاظ القرآن الكريم حتى نخرج من الفرقة والاختلاف بالدرجة الأولى ، وأود التأكيد هنا عن الفارق بين الاختلاف والذي هو الثبات والجمود لرؤية المختلف ، والتنوع الذي هو ظاهرة صحية لكي يضع أمامنا الحد الأقصى من الاحتمالات والتي يجب أن نأخذ بأحسنها مع الأخذ في الاعتبار وجوب التصحيح الدائم لها .
ولما كانت الألفاظ هي حاملة المعنى لذا كان لزاما على أن أدرسها حسب قدراتي المتواضعة بما يفي بالغرض الذي أريده وهو المعاني .
فحسب معرفتي التي توصلت إليها للسان العربي الذي أنزل به القرآن الكريم وتباينه مع اللغة العربية التي نتحدث بها .
لم أجد إلا فارق واحد لا غير ألا وهو : النظام " البركة " – المنطق – المنهج العلمي في التناول - اختر ما شئت - .
وعليه إذا ما ضبطنا ألفاظنا العربية التي نتحدث بها استرشادا بالقرآن الكريم فسوف يستقيم الأمر ونقترب من الحقيقة قدر الإمكان .
وعند هذه النقطة تحديدا سوف تقترب رؤانا لأن هناك من يسحب ألفاظ القرآن الكريم مع الألفاظ الاصطلاحية أو المعربة في سلة واحدة لفهم معاني القرآن الكريم ، ومنهم من يرى أن ألفاظ القرآن الكريم ألفاظ ليس لها دخل بالألفاظ التي نتحدث بها اللغة العربية .
ولكن حين التحقق من أن ألفاظ العربية التي نتحدث بها تحتاج مجرد ضبط فقط سيقترب كلا الطرفين بعضهم بعضا ، وتكون المسألة أكثر سهولة في التناول ، فلا تأويلات ولا باطنية ولا تهويمات ولا ترادف ولا مجاز بل معاني حقيقية للألفاظ ، وتصبح مجرد كلام مألوف ومنظم ومتبع في كثير من الكتابات منذ آلاف السنين .
وبعد هذه المقدمة يمكننا أن نبدأ :

لننظر أولا إلى مدى صحة القول الشائع " أن القرآن الكريم أنزل باللغة العربية " .
نجد أن القرآن الكريم لم يذكر أبدا أنه أنزل بلغة ، ولم تذكر كلمة لغة في القرآن الكريم مطلقا ، في حين وردت أربعة مشتقات لمادتها ، وهى : " لغو ، لغوب ، ألغو ، لاغية " وكلها ألفاظ مذمومة في القرآن وتحمل معنى في مجمله " عدم النظام " ، وعليه فكلمة لغة تعني الكلام غير المنظم لذلك نجد علماء اللغة يعترفون بأن بناءها لا يتبع المنطق ( اعتباطي ) ، فحاشا لله أن يرسل إلينا كتاب غير منظم .
وحينما نسائل أنفسنا كيف دخل علينا هذا اللفظ - لغة - لم أجد أمامي سوى أنه ترجمة لكلمة لوجيك الإنجليزية بمعنى ( منطق ) فترجمناها لفظا وعملا مثل باقي اللغات العالمية " بناؤها اصطلاحيا " ، والتي وصفها سوسير بالغير موضوعية ، وجاء في كتاب النيلي بالاعتباطية ، لكنها تفي بالغرض كاصطلاح بين الناس .
وقد جاء الخلط حين سحبنا هذه اللغة الاصطلاحية على القرآن الكريم والذي يتناقض مع ما جاء في كتاب الله " ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم ... ، والذي بدأت بعض آياته ببعض من حروف العربية المقطعة ، مما يدل على أن كل حرف له معناه المستقل .
لذا من الخطأ أن نردد مقولة " أن القرآن أنزل باللغة العربية " ولا يجب أن نقول إلا كما أخبرنا القرآن الكريم " بلسان عربي " .
ومن هنا يمكننا الانتقال إلى العلوم الطبيعية والتي جاء بناؤها موضوعيا "علميا " فالعناصر الكيماوية نجد أن كل عنصر منها مستقل بخصائصه ، وفي نفس الوقت يدخل في مساهمات مع عناصر أخرى لتكوين مركبات أو مخاليط لها سمات قد تبدوا مختلفة في ظاهرها ولكنها في الحقيقة تعبير عن كل سمات العناصر الداخلة في المركب .
وحديثي هنا على مستوى المخلوط والذي يمكن اعتباره بالمستوى الأفقي مجرد علاقات " لمس " ، وليس المستوى الأكثر عمقا المركبات المستوى الرأسي تداخل العلاقات " مس " ، وهذا يحتاج إلى مستوى أعمق من التجريد والذي أعتقد أنني أفتقر إليه بعض الشيء .
فإذا ما وضعنا الألفاظ مقابل المخلوط ، وقد وضعت هذا التقابل لسبب هام وهو أن قوانين الكون متسقة مع بعضها في قانون واحد ما زلنا نحاول التعرف عليه " والسماء رفعها ووضع الميزان .." وحتى الآن لم نستطع رغم إقتراباتنا الحثيثة منه .
فماذا عن كلمة عربي ؟
وهذا له حديث لاحق بإذن الله تعالى .

اجمالي القراءات 13119