كارين آرمسترونج
تدافع عن النبي محمد
(صلي الله عليه وسلم)
يبدو أن حربا باردة ضد الإسلام توشك أن تحل محل الحرب الباردة التي كانت ضد الاتحاد السوفيتي ، هذا ما قالته الباحثة كارين آرمسترونج في كتابها عن سيرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم والذي قام بترجمته د. فاطمة نصر ود. محمد عناني ..
وهو كتاب لا يقتصر فقط علي إنصاف نبي الإسلام ، بل ربما يزداد منه المسلم العادي معرفة بالإسلام.
• إن أروع مافي الكتاب هو الفصل الأول ، وقد استعرضت فيه تاريخ العداء الغربي للإسلام ورسوله في العصور الوسطي بسبب دوافع سياسية ، حيث رسم الغرب صورة خيالية لمحمد أو " مهاوند" ووضعوا فيه وفي الإسلام كل ما يكرهون ، ثم تمثلت في رواية " آيات شيطانية " لسلمان رشدي كل تلك الملامح البذيئة عن النبي ، وأدت الفتوى بقتل سلمان رشدي إلي استرجاع تلك الصورة القديمة للذهنية الأوربية ، خصوصا بعد تفجر المذابح الإرهابية الأصولية ، وهذا ما دفع كارين آرمسترونج إلي تأليف هذا الكتاب الرائع كي تؤكد كما جاء في نهاية الكتاب حاجة الغرب ليتخلص من أحقاده القديمة وليقترب أكثر من فهم شخصية محمد الذي " كان ذا عبقرية تستعصي علي الإدراك ، وقد أسس دينا وموروثا حضاريا لم يكن السيف دعامته ودينا اسمه الإسلام الذي يعني السلام والوفاق"
• وفي باقي فصول الكتاب التسعة اعتمدت المؤلفة في فهم الإسلام والسيرة النبوية علي القرآن الكريم والمصادر التاريخية القديمة كابن هشام وابن سعد والطبري ، وربطت النصوص القرآنية والتراثية بأحوال الجزيرة العربية ، وعقدت مقارنات بينها وبين التراث المسيحي واليهودي ، وذلك في إطار محاولاتها لتقريب الصورة الإنسانية للنبي محمد(صلي الله عليه وسلم) من العقل الغربي ، ولتصحيح مفاهيم الغرب . وبرزت شخصية المترجمين(د.فاطمة نصر ، د. محمد عناني) في تصحيح بعض معلومات الكتاب وبعض الأسماء ، وفي إغفال بعض الجمل غير اللائقة التي أوردتها المؤلفة عن تصورات الغرب للنبي محمد. وبهذا المنهج نظرت المؤلفة إلي الإسلام باعتباره دينا محليا مختصا بالعرب والشرق الأوسط ، وقد تأثر بالقيم السائدة في الجزيرة العربية وهذا ما نختلف فيه معها، ولكن ما عدا ذلك كانت موضوعية ومنصفة في كل ما قالت ، ونكتفي بالإشارة السريعة إلي بعض ما قالته.
• فقد أشارت إلي عقلانية الإسلام التي لم ينشأ عنها صراع بين البحث العلمي والمرجعية الدينية بمثل ما حدث في أوربا . كما ساعدت هذه العقلانية علي إقامة تراث علمي بين المسلمين تأثرت به أوربا في العصور الوسطي برغم كراهيتها للإسلام والمسلمين .
• وأشادت المؤلفة ببعض الحقائق الإسلامية التي يجهلها الغرب ، مثل حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وعدالة الإسلام الإنسانية والاقتصادية ، ودافعت عن الإسلام والرسول في موضوعات أساء الغرب فهمها مثل تعدد الزوجات للنبي والمسلمين والجهاد والقتال في الإسلام ، كما دافعت عن الإسلام والنبي في بعض الألغام التي وردت في التراث مثل روايات قتل اسري من بني قريظة ، وزواج النبي بزينب بنت جحش ، وشككت في رواية الغرانيق .التي اعتمدت عليها " آيات شيطانية ".
• بل هناك أكثر من ذلك ، إذ أنها برؤية عقلانية فهمت من القرآن حقائق إسلامية لا تزال غائبة عن أكثرية المسلمين ، مثل أن معني الإسلام هو الاستسلام لله وحده، وأن التوحيد يعني نبذ الأولية المقدسة مع الله والاكتفاء بالله تعالي ربا، حيث كانت الجاهلية تعرف الله ولكن تتخذ معه الأولياء والأرباب.
وأشارت إلي أن القرآن هو معجزة النبي الوحيدة، ولذلك قامت بتفسير شق الصدر والغمامة وغيرهما من المعجزات الواردة في التراث بتفسيرات تبريرية مقارنة.
وتناثرت بين كتابها عبارات التقدير والتبجيل للنبي محمد ، إذ تعتبره أعظم العباقرة في التاريخ إذ جمع العرب علي عقيدة التوحيد في (23) سنة ، بينما استغرق ذلك من أنبياء بني إسرائيل سبعمائة عام ، وكان مثالا للتآخي والرقة والشفقة ، ولم يكتف بالدعوة وإرساء أمل جديد ، بل جاهد لإقامة مجتمع عاد ل، وحقق في نهاية حياته ذلك الإعجاز ، إذ قضي علي العنف القبلي والوثنية وجعل العرب مستعدين لبدء مرحلة العالمية.
• وهناك فارق شاسع يبعث علي الأسى ، بين دفاع كارين آرمسترونج عن النبي والإسلام وبين ما يفعله بعض المسلمين العلمانيين الذين كتبوا عن حكومة قريش ومجتمع يثرب في عصر النبي . ومبعث الأسى أن الروايات التراثية هي نفسها ، ولكن استخدامها هو الذي يتغير حسب الموضوعية أو الهوى ، وتبعا لذلك الاستقطاب السياسي الراهن الذي يجعل العلمانيين والأصوليين السياسيين يتجاذبون الإسلام فيما بينهم في صراع سياسي يضر بالإسلام والمسلمين.