أمريكا لم تعد بحاجة للشرق الأوسط.. مستقبل قوتها تحدده العلاقة مع هذه الدول

في الأحد ٢١ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أمريكا لم تعد بحاجة للشرق الأوسط، ولكنَّ الساسة الأمريكيين لم يدركوا ذلك بعد. 

بهذه الكلمات يعيد تقرير  لمجلة The National Interest الأمريكية رسم أولويات السياسة الأمريكية، مطالباً بالتخلي عن الممارسات التي كبدت واشنطن مليارات الدولارات وآلاف الأرواح بسبب مغامراتها في الشرق الأوسط.

يقول كاتب التقرير يبدو أن المخططين المحترفين يواجهون دوماً مشكلة هي بطء رؤيتهم للتغييرات الاستراتيجية التي تحدث أمامهم، وهذه ما يعانيه المخططون الأمريكيون فهم لم يستوعبوا بعد أن أمريكا لم تعد بحاجة للشرق الأوسط.

وهنا نموذج على التفكير الاستراتيجي السليم الذي يواجه أصحابه بالرفض وحتى السخرية إلى حين تثبت الأحداث وجهة نظره.

إذ يضرب أحد أبرز الأمثلة على ذلك عبر وقوف ونستون تشرشل وحيداً في وقت كساد بريطانيا العظمى أمام صعود نجم أدولف هتلر. وقد واجه سخرية لسنوات من جانب «الخبراء» وأقرانه في مجلس العموم.

أمريكا لم تعد بحاجة للشرق الأوسط.. لماذا؟

في الشرق الأوسط، تواجه الولايات المتحدة اليوم تغيرات استراتيجية مهمة، ينبغي الاستفادة منها بالسرعة الواجبة.

والنتيجة هي عودة تركيز السياسة على دبلوماسية القوى العظمى، بدلاً من الحروب الصغيرة اللانهائية التي لا معنى لها في الشرق الأوسط، والتي تكلف الكثير من الأمريكيين أرواحهم وتستنزف موارد البلاد.

 ما العنصر المغيّر لمعطيات اللعبة ولا يعترف به أحد أو يقدّره بالشكل المناسب؟ النفط والغاز الصخري الأمريكي.

 لم تعد أمريكا تحتاج النفط والغاز من الشرق الأوسط. هناك موارد وفيرة للوقود الحفري لتلبية احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة، سواء من الإنتاج المحلي أو من موردين آخرين من خارج الشرق الأوسط، ما دمنا نعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز.

 وأشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى هذا الوضع الراهن للمرة الأولى عندما قال منذ ثلاثة أسابيع إن الصين والهند واليابان والدول الأخرى ينبغي عليها حماية مسار الشحن عبر مضيق هرمز، وليس الولايات المتحدة، لأننا لم نعد بحاجة إلى نفط وغاز منظمة أوبك بعد الآن. يمكن أن نجادل بشأن مزايا الانسحاب الأمريكي من المضيق، ولكن لا جدال حول حاجتنا لمصادر الطاقة من الشرق الأوسط. كان محقاً، لا نحتاج إليها.

أمريكا كانت تهتم بالمنطقة لسببين

منذ عام 1979 وحتى وقت قريب لم يكن للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط إلا اهتمامان استراتيجيان رئيسيان: (1) الطاقة؛ و(2) احتواء إيران/دعم إسرائيل. 

ومع اختفاء اهتمامنا الأول والأساسي، تتغير رقعة الشطرنج الجيوسياسية في الشرق الأوسط بلا رجعة، وتزداد قوة السطوة الأمريكية عالمياً؛ فقد أصبح لدينا اكتفاء ذاتي من الطاقة، ولم نعد نعتمد على البلدان المستبدة لتزويدنا بالطاقة. لذا يظل محور الاهتمام الرئيسي للولايات المتحدة هو الاستقرار الإقليمي في المنطقة. ولحسن الحظ، ليس الاستقرار مطلباً أحادياً من طرف الولايات المتحدة. إذ تشارك إسرائيل والسعودية والأردن ومصر والإمارات وعدد كبير من الدول الأخرى هذا الاهتمام.

واليوم إسرائيل لم تعد تحتاج الحماية الأمريكية  

وعلى الرغم من ضرورة بقاء إسرائيل حليفاً أساسياً للولايات المتحدة، يحتاج  الأمريكيون إلى أن يعترفوا بأن إسرائيل اليوم دولة مستقلة وغنية وقوية، وأنها قوة نووية وطرف فعال على الساحة الدولية، ولم تعد ضحية عاجزة أمام الاضطهاد العربي، حسب تعبير الكاتب الأمريكي.

وقال «ومع بقاء التزام أمريكا تجاه إسرائيل ثابتاً بلا تغيير، تحتاج واشنطن إلى السماح لإسرائيل باتخاذ موقف عالمي أقوى، بوصفها جهة فاعلة مستقلة وصديقة، وألا تتحمل أمريكا الكثير من مسؤوليات «الشقيقة الكبرى» لإسرائيل في كل الأمور الأمنية والمالية». 

وأضاف «لا يدرك معظم الأمريكيين أنه منذ عام 1985 وحتى اليوم، ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في إسرائيل من 7,000 دولار لكل إسرائيلي إلى أكثر من 41,000 دولار». ومع اكتشاف شركة Noble Energy لحقل النفط البحري ليفاثيان، أصبحت إسرائيل مستقلة من حيث الطاقة. لذا بعيداً عن المساعدات الأجنبية المتمثلة في المشتريات العسكرية لإسرائيل من الولايات المتحدة، لم تعد إسرائيل بحاجة إلى الكثير من الدعم المالي من الولايات المتحدة.

 إذ أن تحوّل إسرائيل على مدار العقود الماضية من دولة اشتراكية وزراعية بعقل جمعي إلى مجتمع رأسمالي بارز (يرجع الفضل في ذلك بشكل كبير إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وطبقة رواد الأعمال الإسرائيليين) شيءٌ يستحق عدم التجاهل عند تقييم ما يجب أن تبدو عليه التزامات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والمنطقة ككل في المستقبل.

والسياسة الأمريكية تجاه إيران زادتها قوة 

وفيما يتعلق بإيران، يرى المحافظون الجدد إن الولايات المتحدة لا يمكن أبداً أن تنفصل عن الشرق الأوسط، ويجب أن تستمر في التضحية بأرواح آلاف الأمريكيين وإنفاق مليارات الدولارات في حرب لا نهائية لمواجهة التهديدات الإيرانية.

يعلق الكاتب قائلاً إنهم محقون في جانب من هذا، يجب بقاء القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ويجب أن تستمر سياسة واشنطن في احتواء إيران والضغط عليها. وقال: لم تتغير سياسات أمريكا تجاه إيران منذ استيلاء آية الله الخميني على السلطة منذ أربعين عاماً. 

ولكن يمكن القول إن موقفها أصبح أسوأ، وذلك نتيجة الحرب غير المجدية ضد العراق، التي قلبت موازين القوى في المنطقة لصالح إيران. 

 

الولايات المتحدة أرسلت قوات للسعودية بعد تزايد التوتر مع إيران

وبعد أكثر من عقد كامل، لا يزال العراق يتعافى من تبعات الحرب. بالتأكيد يجب التعامل مع التهديد النووي الإيراني على محمل الجد، وقد يتطلب عملاً عسكرياً استباقياً بالتنسيق مع حلفاء أمريكا في المنطقة. 

ولكن بعد التضحية بآلاف الأرواح الأمريكية وإهدار الكثير من الأموال التي كانت كافية لإنقاذ الضمان الاجتماعي وضخ بعض التمويلات إلى الالتزامات الطبية والرعاية الطبية غير الممولة، يمكننا القول إن وضعنا في المنطقة أسوأ مما كان عليه من قبل. تحتاج واشنطن إلى فكر جديد تأخر طويلاً، حسب الكاتب الأمريكي. 

من وجهة نظر الكاتب يجب أن ينطوي أي محور عقلاني وحكيم للسياسة الأمريكية على العناصر التالية، في ظل استقلال أمريكا في مجال الطاقة عن منظمة أوبك:

  • تشكيل حلف الناتو في الشرق الأوسط من السعودية، ومصر، والأردن والإمارات قادة رئيسيين (وعضوية غير رسمية لإسرائيل، آملين أن تصبح يوماً ما عضواً رسمياً). لندع هذه الدول القومية «تنضج» بوصفها جهات فاعلة على الساحة العالمية وتتحمل مسؤولياتها الأساسية من أجل استقرار «جيرانها»، وبدعم كامل من الولايات المتحدة.
  • الحفاظ على دعم الأمن القومي الأمريكي لإسرائيل، مع نقل تركيزنا في العلاقات الثنائية من الشواغل العسكرية إلى التبادل الاقتصادي والنهوض بالعلاقات التجارية بين البلدين. تقف إسرائيل في موقف قوي يمكنّها من الدفاع عن نفسها، بدعم هادئ ومستمر من الولايات المتحدة، وينبغي أن تركز واشنطن  أكثر على الشراكة التجارية مع «الأمة الناشئة» واعتبارها مصدراً لتطوير الأعمال، في كلا الاتجاهين. نحتاج إلى استثمارات إسرائيلية أكبر في الولايات المتحدة، واستثمارات أمريكية أكبر في إسرائيل.
  • الحفاظ على القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة من خلال قواعدنا والوجود البحري، مع إسناد المزيد من المسؤوليات إلى الجهات الإقليمية الفاعلة 
  • نقل المزيد من المسؤوليات عن قابلية الملاحة واستقرار مضيق هرمز إلى المستهلكين الأساسيين لنفط منظمة أوبك. يجب الحفاظ دائماً على الوجود الأمريكي في المنطقة، ولكن حماية خليج مفتوح أمام الحركة التجارية ينبغي ألا تكون مسؤولية أمريكا وحدها أو حتى مسؤوليتها الأساسية.
  • تخفيض أو منع المساعدات الأمريكية الخارجية إلى كل الدول القومية باستثناء الدول المشاركة في تحالف «الناتو» الشرق أوسطي أو أصدقائنا القدامى الحقيقيين في المنطقة أو كلتا المجموعتين. ينبغي استغلال أموال دافعي الضرائب الأمريكيين بشكل أفضل وأكثر استراتيجية.
  • ينبغي أن نكون أكثر حزماً ورفضاً لإراقة الدم الأمريكي في المنطقة. وأن نكون أكثر معارضة للاشتباك عسكرياً إن لم يكن هناك مصلحة أمنية مباشرة للولايات المتحدة أو تهديد فوري. وأن نكون أكثر اهتماماً بأموال دافعي الضرائب والملاءة المالية للجمهورية الأمريكية.

هذه الدول هي التي ستحدد مستقبل القوة الأمريكية وليس الشرق الأوسط

يقول الكاتب منذ نهاية الحرب الباردة، لم يعد هذا هو العالم الذي تهيمن عليه القوى العظمى. كدنا ننسى كيف يبدو ذلك، ومن ثم جهلنا بالتحول المذهل للإطار الاستراتيجي للشرق الأوسط.

بعد ثلاثين عاماً من السياسات والإجراءات الأمريكية في المنطقة، التي تكون في الغالب متهورة وغير فعالة. 

تتوقف فعالية السياسة الخارجية الأمريكية في المستقبل على كيفية تعامل واشنطن مع الصين، والهند وروسيا، والاتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول القومية العالمية المؤثرة.

 -وبهذا الترتيب تحديداً- وليس على كيفية تعاملنا مع الشرق الأوسط. حان الوقت لكي يعترف صانعو السياسة في الولايات المتحدة بتغير الظروف الاستراتيجية «التي كانت قائمة منذ جيل كامل»، تغيراً حاسماً وقاطعاً.

ويستخلص الكاتب إلى أنه يمكن وفقاً لهذا الفهم حماية عدد لا يُحصى من أرواح الأمريكيين مع التوقف عن إهدار الموارد الأمريكية بلا طائل.

اجمالي القراءات 2514