لمحات فى سورة (المسد)
قرأت فى تفسير الجلالين :
({تبت يدا أبي لهب وتب } لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم قومه وقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال عمه أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا، نزل { تبت } خسرت { يدا أبي لهب } أي جملته وعبر عنها باليدين مجازاً لأن أكثر الأفعال تزاول بهما، وهذه الجملة دعاء { وتبَّ } خسر هو، وهذه خبر كقولهم: أهلكه الله وقد هلك، ولما خوَّفه النبي بالعذاب، فقال: إن كان ابن أخي حقاً فإني أفتدي منه بمالي وولدي نزل: { ما أَغنى عنه ماله وما كسب } أي وكسبه، أي ولده ما أغنى بمعنى يغني. {سيصلى نارا ذات لهب } { سيصلى ناراً ذات لهب } أي تلهب وتوقد فهي مآل تكنيته لتلهب وجهه إشراقاً وحمرة{وامرأته حمالة الحطب } { وامرأته } عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته وهي أم جميل { حمالةُ } بالرفع والنصب { الحطب } الشوك والسعدان تلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم. {في جيدها حبل من مسد } { في جيدها } عنقها { حبل من مسد } أي ليف وهذه الجملة حال من حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدر. )
والذى أعرفه أن :
تفسير الجلالين ( جلال الدين السيوطى وجلال الدين المحلى )هو مختصر مبسط لكل التفاسير السابقة ، وبالتالى يجب ان يكون أكثرها سلاسة و فهما. حين تقرأ تفسير ابن كثير تتوه فى الروايات الكثيرة التى تبعدك عن الآية التى من المفروض أن يفسرها. وحين تقرأ تفسر الطبرى تجد صعوبة اكثر فى الفهم. ولكن تفسير الجلالين أكثر اختصارا وأكثر يسرا. ولكن تجد أيضا فيه بعض العسر و الكلكعة فى النحو التى لا لزوم لها .
والغريب أننى قمت بتجربة مع نفسى.
حاولت تفريغ ذهنى مما علق به من تفسير الجلالين لسورة (تبت يدا أبى لهب ) .
وأعدت قراءة السورة مرة ومرات ، وفى كل مرة أتمعن معناها ، وأفكر فيها .. ووجدت معناها يقترب من عقلى بسهولة بدون تفسير الجلالين او غيره.
وثبت لى ان هذه التفاسير هى الاكثر تعقيدا ، وانها هى التى تقوم بتغريب القرآن عنا، مع أن المفروض انها (تفسر ) القرآن الكريم.
أى ان القرآن لا يحتاج الى تفسير لأنه يفسر بعضه البعض ، ولكن يحتاج الى تامل و تدبر.
ورأيى كالاتى :
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (
معنى السورة واضح وبسيط.
الله تعالى يلعن ابا لهب ، بتعبير بسيط هو الدعوة بقطع يده ، ونفهم من هذا أن يد أبى لهب امتدت بالسوء لرسول الله عليه الصلاة و السلام، وأن أبا لهب إغتر بماله فقال تعالى إن ماله لن يفيده شيئا فى الدنيا لأنه سيموت تاركا ذلك المال وكل ما كسبه من ثروة ، وفى الاخرة مصيره النار ذات اللهب ، وستكون معها امرأته التى وصفها الله تعالى بأنها حمالة الحطب، ونفهم من ذلك أنها كانت تحمل الحطب من الصحراء ( وهو حطب فيه شوك ) لتؤذى به رسول الله عليه الصلاة و السلام. وجزاؤها يوم القيامة أن يوضع فى عنقها قيد من حطب و ليف .
هذا هو المعنى من داخل الايات ببساطة ودون رفع ونصب وروايات وقال وقيل ..
وتأتى الهداية وهى المطلوب من القصة. وهذا ما لم يفعله علماء التفسير..
ما هى العبرة من هذه السورة ؟ .. وهى تعليق على قصة أو حادثة ، ولكن ملامح القصة فيها ضاعت لصالح العبرة.
بل ان القصة فى القرآن عادة تهمل اسماء الأشخاص ، ولكن هنا بالذات تاتى باسم البطل فى القصة وهو أبو لهب .. لأن ذلك لتأكيد العبرة من القصة.
ونحن محتاجون للعبرة من هذه القصة بالذات ، ولكننا لم نعرفها ولم نستفد منها.
العبرة أن الأنساب و القرابة لا تغنى عن أحد .
فهذا عم رسول الله يذكره الله تعالى بالاسم ويحكم مقدما عليه بالخسران فى الدنيا والاخرة ، مثله فى ذلك مثل أقارب آخرين لأنبياء سابقين مثل ابن نوح ووالد ابراهيم (آزر) و زوجة نوح وزوجة لوط . لم تغن القرابة عن أى أحد منهم ، ومصيرهم النار ، والله تعالى يقول (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ) ( المؤمنون 101) أى لا وجود للأنساب يوم القيامة و لا يسأل أحد أحدا يومها ، ويقول تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) (لقمان 33 ) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) ( عبس 34 ـ).
هذا ما تناساه المسلمون من كل الطوائف خصوصا الشيعة و الصوفية الذين يجعلون القرابة من النبى عليه السلام كهنوتا دينيا ، بل وجعلوه كهنوتا سياسيا أقاموا على أساسه دولا مثل العباسية و الفاطمية ، وحتى الآن هناك الدولة الهاشمية فى الأردن ، وأخرى فى المغرب ، وهناك الملايين من (الأشراف ) الذين يزعمون الانتساب للنبى عليه السلام ويرتبون لأنفسهم حقوقا دينية على المسلمين ، بل إن التشيع قائم على اساس هذا الكهنوت الدينى والسياسى.
كل أولئك لم يقرءوا سورة ( المسد ) أو (تبت ) .ولم يقرءوا الايات الأخرى التى ذكرتها .
وكل التفاسير تجاهلت هذا المعنى وركزت على الرفع و النصب و الفاعل و المفعول وقال فلان وروى علان و ذكر تيسان ..
أى أضاعوا العبرة ، وهى الأساس فى هذه القصة. ولذلك لم يهتدوا .
ولكننى أتساءل :
لقد كان أبو لهب حيا حين نزلت هذه السورة فى مكة ، وفيها يحكم الله تعالى مقدما عليه بأنه سيموت كافرا ..
كان يمكن لأبى لهب أن يعلن اسلامه ظاهريا ليثبت أن القرآن الكريم قد كذب ـ فقد أسلم وحسن اسلامه ولا بد أن يدخل الجنة ، وبذلك يحدث تعارض بين هذه السورة المكية واسلام أبى لهب.
ولكن الذى حدث أن ظل أبو لهب على كفره وتحقق فيه وعد الله.
وسألت نفسى : شخص كاره للاسلام مثل ابى لهب حريص على تكذيب ابن اخيه ..لماذا لم يفعل ذلك ليكيد للاسلام وليثبت أن ابن أخيه كاذب؟
هل السبب غفلته ؟ أم السبب أن الله تعالى قدّر عليه مسبقا أنه لا يؤمن.
وحينئذ تأتى أسئلة أخرى عن القضاء و القدر و علم الله تعالى ، وتدخله فى القضاء و القدر.
طبعا هذه قضية معقدة ..لا يتناقش فيها سوى أولو العلم.
ولم أجد الاجابة
لذا أطلب التوضيح من أهل القرآن.