-1-
كل ما قلناه في مقالاتنا السابقة لم يكن فيه لومٌ، ولا لائمة على الفلسطينيين، ولكنه كان على "حماس"، وعناصرها.
كيف لنا أن نلوم الضحية الفلسطينية في غزة، التي قتلتها "حماس"، قبل أن تقتلها إسرائيل.
بل ربما تمَّ قتل هذه الضحية في وقت واحد من "حماس" اليمين، ومن إسرائيل اليسار واليمين.
فالذي يثير القاتل الشرس، ويتحداه دون توزان وتكافؤ القوى والإمكانات، ويسبب في القتل تحت أي ظرف من الظروف، هو القاتل الحقيقي بعينه.
-2-
فرغم أن إسرائيل احتلت غزة منذ،1967 وأقام&EcEcirc; فيها مستعمراتها، وحاصرتها من جميع الجهات براً وبحراً وجواً، ووضعت كل آة فلسطينية في غزة تحت المراقبة، وأوجدت آلاف الجواسيس – وهو ما يؤكده كثير من المراقبين، ومنهم اللواء المصري والباحث الاستراتيجي حسام سويلم – الذين كانوا سبباً في اغتيال إسرائيل لكثير من قادة "حماس"، وعلى رأسهم الراحل الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، ونزار ريان وغيرهم.. رغم هذا كله، فإن ما فعلته إسرائيل من قتل وتنكيل بأهالي غزة أقل بكثير مما فعلته "حماس" المسئولة عن هذا القتل والتنكيل مسؤولية كبرى، بإلغائها اتفاقية التهدئة في 13/12/2008.
فجريمة القيادة الكبرى، ليس في قتل مواطنيها، ولكن أن تكون هي المتسبب في قتل هؤلاء المواطنين.
فهتلر النازي لم يقتل شعبه الألمان، بقدر ما كان السبب – بجنونه وشبقه الزعاموي – في تدمير ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. وكذلك كان كل الديكتاتوريين في العالم. ولعل الديكتاتور العربي الأعظم صدام حسين، وحافظ الأسد، وعبد الناصر وغيرهم كانوا على هذا النحو من الجنون بالعظمة، والاستهتار بالأعداء. فصدام حسين في الحرب العراقية – الإيرانية وفي حرب الخليج، كان المسبب في محنة العراق الكبرى، وحافظ الأسد في جنون عظمة سوريا الكبرى وما فعله في لبنان طيلة ثلاثة عقود، كان سبباً في حصار سوريا الإقليمي والعالمي على هذا النحو الآن. وعبد الناصر في استجابته لنداء الزعامة والعظمة القومية عام 1967 نكب مصر نكبتها الكبرى، التي لا زالت آثارها حتى الآن. والذين تغنّوا بأمجاد صدام والأسد وعبد الناصر في الإعلام العربي، خلَّفوا لنا أبناء أوفياء لتراث آبائهم، وهم اليوم يقتفون أثر السلف، وما خلف.
-3-
للعقلاء فقط:
- ماذا تريد حماس أن تحقق من إسرائيل، من خلال حريق ودمار قطاع غزة على هذا النحو؟
- هل تريد تحرير فلسطين 1948؟
فإذا كان هذا هو الهدف، فإن ما عجزت عنه كل الدول العربية عسكرياً بجيوشها الجرارة أن تحرره، لن تستطيع حماس بقدراتها العسكرية المتواضعة جداً وبسلاحها البدائي أن تفعله. وما لنا بعد ستين عاماً من ذبح الضحية الفلسطينية الكبرى 1948، وعبثنا الجنوني بالثأر والتحرير، إلا أن نتوسل للقاتل وللضمير العالمي – إن وُجد - بإنصافنا ولو بالفتات المتبقي، بعد أن جربنا كل الأسلحة البيضاء والسوداء. وإلا فكل محاولة – بعد ستين سنة من المأساة – لانتزاع الفتات بالقوة من تحت مائدة طعام الغيلان، لن تؤدي إلا إلى المزيد من الحرمان والسطو. ولنفعل في فتات فلسطين (ما تبقى من الضفة الغربية وقطاع غزة) ما فعله في سنغافورة (700 كلم² فقط) الرجل المعجزة "لي كوان يو"، الذي جعل من سنغافورة مثالاً عالمياً يُحتذى. ففلسطين ليست بحاجة ملحة إلى مزيد من الأرض ولكنها بحاجة ملحة إلى قيادة مخلصة، وزعيم مخلص وأمين، مثل "لي كوان يو" وليس إلى زعماء من أمثال عرفات، ومحمود عباس، وأحمد ياسين، وخالد مشعل، وإسماعيل هنيّة، وغيرهم.
فمشكلة فلسطين ليست إسرائيل، وليست أمريكا، وليس تقاعس أو تفاعس الدول العربية، ولكنها مشكلة عدم وجود زعيم كـ "لي كوان يو"، أو حتى كبن غوريون.
-4-
وللعقلاء فقط:
- هل تريد حماس بحربها على إسرائيل، أن تقيم الدولة الفلسطينية على شكل خلافة إسلامية، وهي التي تتوسل اليوم إلى (طوب الأرض)، لكي توقف إسرائيل عدوانها على غزة، وهو نفس التوسل الذي قام به حزب الله 2006، بعد أن كانت "حماس" و"حزب الله" هما البادئين (حماس بصواريخها على إسرائيل، وإلغاء الهدنة في 13/12/2008، وحزب الله بخطف الجنديين الإسرائيليين) والباديء أظلم، كما نقول نحن العرب في تراثنا.
لقد جاء الجواب على هذا المطلب، من خلال امتناع مجلس الأمن في اجتماعين على عدم إصدار قرار بوقف إطلاق النار. وهي إرادة دولية، لعب فيها الاستعمار أم لم يلعب، فتلك هي النتيجة. فالشرعية الدولية – سواء اعترف بها الحلف الرباعي (إيران – سوريا – حزب الله- حماس) أم لم يعترف – لا ترفض الرأفة بالفلسطينيين اليوم وإيقاف العدوان عليهم، ولكنها ترفض الرأفة بـ"حماس" وعناصرها، سيما وأن إسرائيل قالت في أكثر من بيان وأكثر من مناسبة – سواء كذباً أم صدقاً – بأنها لا تقاتل الفلسطينيين، ولكنها تقاتل "حماس" وعناصرها، والدليل أنها تحصر القتال في قطاع غزة، ولا تشمل به الضفة الغربية، والفلسطينيين، في مخيمات الشتات.
-5-
وللعقلاء فقط:
- هل ظن قياديو "حماس" في غزة، ودمشق، وبيروت، أن العالم سوف يقف معهم بشوارعه ونوارعه، وسوف يرغم إسرائيل على وقف النار، فيخرج زعماء "حماس" من جحورهم، كما فعل حزب الله 2006، ليعلنوا للعالم انتصارهم الإلهي؟
وللعلم، فإن الرأي العام الدولي، قد تغيّر كثيراً بعد كارثة 11 سبتمبر 2001، وأصبح موقف الغرب من الأصولية الدينية الإسلامية – و"حماس" و"حزب الله" و"القاعدة" أحد أركانها السياسية الرئيسية – بعد الهجمات على أمريكا وسفاراتها في الخارج وعلى العواصم الأوروبية، وبعد غزو أفغانستان والعراق، أكثر عداءً لهذه الأصولية، بعد أن دفع الغرب من دماء أبنائه، ضحية أحلام وآمال الأصولية الخيالية. وهم يعلمون اليوم بأن الأصولية الدينية، في كافة أنحاء العالم العربي - ما عدا بعض دول الخليج – هي التي تحرك الشارع العربي، على هذا النحو.
السلام عليكم.