إذا كان التصوف قد حكم على الشريعة وأهلها بأنهم أهل الظاهر المخادع غير الجلي، وأنهم _أي المتصوفة_ أهل الباطن، أصحاب الأسرار والدرجات العلى ، وأن الحق مع الباطن المكنون، لا الظاهر الظني،
وكان للقرآن ظاهر وباطن فقالوا : إن للقرآن ظاهراً وباطناً والمراد منه باطنه دون ظاهره المعلوم من اللغة، ونسبة الباطن إلى الظاهر كنسبة اللب إلى القشر، وإنّ باطنه يوَدّي إلى ترك العمل بظاهره واستدلّوا على ذلك بقوله سبحانه:
(فضُربَ بَينَهُم بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيه الرَّحمَةُ وَظاهِرُهُ مِن قِبَلِه العَذاب).الآية 13 من سورة الحديد
إذا كان هذا هو موقف المتصوفة من القرآن، فما هو موقف القرآنيون الجدد؟!! ومن هم ابتداءً؟
والقرآنيون الجدد: هم الذين ينظرون للقرآن الكريم ككتاب لوغرتمات، عصي الفهم ، بعيد المنال، لا تدركه أبصار وعقول المكلفين بتدبره ،بل اقتصر فهمه على قريحتهم المعصومة وتدبرهم المحكم،
فبات القرآن تارة كتاب رياضيات مبهم "فمجموع الآيات بالحروف مع حذف حرف العلة يساوي عدد النجوم السيارة والطيارة ووووو الخ،"
وتارة كتاب لغة لا هي عربية ولا هي هندية ، بل هي لغة أقرب إلى الميتافيزيقة، يصر صاحبها وكأنه يكلم عجماً، أنها علماً وأننا جاهلون بها، وكأن القرآن كتاب ألغاز ونزل بلغة أخرى، فترى أحدهم مثلا يقول:
إذا اتسق نصف الآية الأول مع الثالث أنتج لنا نصف القطر ويكون الديل أن النظرة المبعدية قد أثمرت أنه بلا جدال صار أن قول الله تعالى: ( يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي اتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما افاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامراة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان اراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم وما ملكت ايمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما) سورة الأحزاب - سورة 33 - آية 50
أنه لم يمكن ثمة ملكة يمين بمعنى (الأمة الجارية) وأنها المستضعفة، وأن النكاح هنا لا يعني الزواج ووو.
وترى آخر أصبح الفعل عنده "يدل على المد مع الدفع مع الاتصال و يدل على الهد وعدم المد مع ثبات العامل الفزيائي"، والفعل من هذا المنطلق يدل على أنه مفعول به ..
وكأني استمع للممدوح فرج معلق المصارعة يقول: (مع اللف مع الدوران مع الطرح أرضاً) ثم بعد كل هذا الكلام الغث يطلب منا أن نقتنع .
وأبادر فأقول : إن اللغة العربية كلغة (واللسان العربي) كلسان فهمه أصحابه قبل أن يكون هناك قرآن يتلى، فكانت اللغة ولم يكن ثمة قرآن ، فهي أسبق منه وهو لاحق عليها ، وكل نبي جاء بلسان قومه ففهم الناس مثلا: أن اليهود هم يهود المدينة أصحاب الكتاب وأن النصارى هم أنصار عيسى عليه السلام ولم يفهموها قط كما فهمها أحدهم أنها العصبية والتطرف ووو.
ولا يدعي أحدهم أن صاحبنا أنتج فهما آخر للقرآن، أو اجتهاداً جديداً، بل أراه أنتج عبثاً، لأن اللغة إذا كانت اسبق وهذا لا شك فيه ، فما فهموه من المفردات هو الأولى والاصوب. وتأمل قوله تعالى: (ولو جعلناه قرانا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ااعجمي وعربي قل هو للذين امنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في اذانهم وقر وهو عليهم عمى اولئك ينادون من مكان بعيد) سورة فصلت - سورة 41 - آية 44
إذن فقد بات القرآن مع القرآنيين الجدد كتاب طلاسم وألغاز ولوغرتمات ، فما أشبه طريقهم بطريق التصوف بل هم أضل، فإذا كان التصوف يرون الباطن، فهؤلاء يرون أن الباطن والظاهر باطلاً، وقد احتكروا الفهم وألفوا نظريات ولووا أعناق الآيات قصراً، وبات علينا أن نتعلم نظرياتهم العجيبة، لنطبقها على الآيات كي نحسن الفهم ، وكأن الله أراد أن يضللنا ، وأن يعسر علينا الأمور والفهم، وأن يصبح التدبر صعباً بعيد المنال وهو القائل جلا وعلا
( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) سورة القمر - سورة 54 - آية 17
فالله الله
والسلام عليكم.