الذين أنعم الله عليهم
2. الصِّدِّيقون
1.كانت الحلقة الأولى عن مجموعة {النبيين} التي جاء في آخر فقراتها أن قاعدة (كل رسول نبي) ليست صحيحة بدليل أن هود وصالح وشعيب وذوالكفل ليسوا من النبيين ولكن هود وصالح وشعيب من الرسل وذوالكفل من الصالحين. وعرفت من تعليق بعض الإخوة قاعدة جديدة هي أن (كل نبي رسول وكل رسول نبي) وهذه القاعدة خاطئة أيضاً وسوف يرد تفصيل مجموعة الرسل من النبيين ومجموعة الرسل من غير النبيين إن شاء الله في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة.
2.وردت مادة الجذر {ص، د، ق} في جذوع مختلفة في لسان القرءان منها (تصدَّق والمتصدقين والمصَّدِّقين والصدقات) ومنها (صدَّق وتصديق ومصدِّق وصدِّيق) ومنها (صدَق وصِدْق والصادق والصادقون). وما يهمنا هنا هو الزمرة الثانية التي يدخل فيها الصِّدِّيقُون. صِدِّيق على وزن فِعِّيل وهذه الصيغة مع صيغة فُعَلة مثل هُمَزة ولُمَزة من صيغ المبالغة (مصطلح نحوي) التي اعتمدها المجمع اللغوي أخيراً وخيراً فعل فهي تدل على المبالغة أكثر من صيغتي فَعِل وفَعِيل الدالتين على الصفة المشبهة (الثابتة) أكثر من دلالتهما على المبالغة.
3.الصِّدِّيقون يمثلون مجموعة قائمة بذاتها تدخل مجموعةً جزئيةً في مجموعة (الذين أنعم الله عليهم) ومجموعة الصديقين تحتوي على مجموعة وأشخاص.
أما المجموعة فهم (الذين آمنوا بالله ورسله) كما ورد في آية الحديد 19 < وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ >.
وأما الأشخاص فهم إبراهيم وإدريس ومريم ويوسف وهارون.
1.إبراهيم: < وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ـ مريم 41>. إبراهيم صدِّيق ونبي وحتى الآن نرى إبراهيم يدخل في الصديقين والنبيين وهو كان صديقاً قبل أن يكون نبياً وذلك لأنه صدَّق بالله وملكوته من خلال منهاجه الحنيفي و لأنه صدَّق الرؤيا التي رآها في منامه < وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ـ الصافات 105ـ106>
2.إدريس: < وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ـ مريم 56>. إدريس صدِّيق ونبي على منهاج إبراهيم وذُكِر مع إسماعيل وذي الكفل بأنه من الصابرين والصالحين.بالإضافة إلى أنه رُفِع مكاناً عليَّاً.
3.مريم: < مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ـ المائدة 75> ومريم صديقة لأنها صدَّقت بكلمات ربها وكتبه < وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ـ التحريم 12>. وأنظر إلى هذا التركيب (كانا يأكلان الطعام) إذ أن مريم لم تأكل من الطعام الذي نعرفه المتمثِّل بالرطب لحظة أن هزَّت جذع النخلة إلا بعد ولادة المسيح لأنها كانت تأكل من رزق الله الذي كان يأتيها حتى تتهيأ لحمل المسيح ساعات قليلة.
4.يوسف: < يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ـ يوسف 46>. وجاء وصف يوسف بالصدِّيق على لسان رسول الملك.
5.هارون: < وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ـ القصص 34>. وجاء وصف هارون بفعل (يصدقني) على لسان أخيه النبي موسى.
وهنا يقفز السؤال: هل هذه المجموعات الجزئية {النبيين، الصديقين، الشهداء، الصالحين} تصاعدية بحيث تشمل أية مجموعة كل المجموعات التي قبلها مما يعني أن الصالحين هم شهداء وصديقون ونبيون وأن الشهداء صديقون ونبيون وأن الصديقين نبيون؟ أم أنها مجموعات منفصلة؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتذكر أن كلا من النبيين الكريمين إبراهيم (الشعراء 83) ويوسف (يوسف 101) قد دعا ربه أن يلحقه بالصالحين.
والخلاصة في موضوع الصديقين أن إبراهيم وإدريس ويوسف وهارون من الصِّدِّيقين ومن النبيين ومريم من الصديقين. والله أعلم.
وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة من إجابة السؤال الأول.