بمليارات الدولارات.. دبي وجهة تهريب الذهب من أفريقيا

في الأربعاء ٢٤ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كشف تحليل مقارن لبيانات إجمالي واردات الذهب الأفريقي الداخلة إلى الإمارات مع الصادرات المعلن عنها من الدول المنتجة له عن وجود عمليات لتهريب الذهب بمليارات الدولارات من أفريقيا كل عام عن طريق إمارة دبي، التي تمثل بوابة للأسواق في أوروبا والولايات المتحدة ومركزا لصناعة المعدن النفيس في الإمارات.

وتظهر البيانات الجمركية، التي زودت أبوظبي بها هيئة كومتريد (قاعدة بيانات تابعة للأمم المتحدة)، أن الإمارات استوردت ذهبا قيمته 15.1 مليار دولار من أفريقيا في 2016، أي أكثر من أي بلد آخر في العالم، وذلك ارتفاعا من 1.3 مليارات دولار فقط في 2006، وأن جانبا كبيرا من هذا الذهب لم يكن مسجلا ضمن صادرات الدول الأفريقية، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

ونقلت الوكالة عن شركات تعدين في أفريقيا تأكيدها أنها لا تصدر إنتاجها من الذهب إلى الإمارات، ما يشير إلى أن واردات دبي من الذهب الأفريقي قد تكون من مصادر غير رسمية.

وفي هذا الإطار، تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية من المنتجين الكبار للذهب رغم أن صادراتها الرسمية تمثل نسبة ضئيلة فقط من إنتاجها التقديري، الذي يتم تهريب أغلبه إلى أوغندا ورواندا.

وقال مدير الهيئة الحكومية التي تتولى تسجيل المعادن النفيسة في الكونغو "تيري بوليكي": "بالطبع هذا أمر مقلق لنا لكننا لا نملك أدوات تذكر لمنعه".

وليس بمقدور أحد أن يذكر رقما دقيقا لقيمة الذهب الإجمالية التي تخرج من أفريقيا بهذه الطريقة، لكن تحليل البيانات الجمركية بالإمارات يشير إلى ضخامة الرقم.

إنتاج مهرب

وتتنامى على المستوى العالمي أساليب إنتاج الذهب غير النظامية من خلال استخراجه على نطاق محدود، وتمثل هذه الأساليب مصدر رزق لملايين الأفارقة وتساعد البعض في تحقيق دخل لا يمكن أن يحلموا به من الأنشطة التقليدية.

وتؤدي هذه الأساليب إلى مشكلات بيئية وصحية كبيرة، بسبب تسرب مواد كيماوية إلى الصخور والتربة والأنهار، ولذا تشكو حكومات دول أفريقية، مثل غانا وتنزانيا وزامبيا، من إنتاج الذهب وتهريبه على نطاق واسع بالمخالفة للقوانين، وعبر عمليات إجرامية أحيانا.

وقال رئيس غانا "نانا أكوفو أدو"، بمؤتمر عن التعدين في فبراير/شباط الماضي، إن نشاط تهريب الذهب انتقل من المرحلة الفردية إلى عمليات واسعة النطاق محفوفة بالخطر، تديرها "عصابات تخضع لسيطرة خارجية".

وليست كل حلقات سلسلة تهريب الذهب الأفريقي مخالفة للقانون، فبعض العاملين في استخراجه يعملون بشكل قانوني ويبيعون ما يستخرجونه عادة إلى وسطاء ينقلون الذهب جوا للخارج مباشرة أو يبيعونه عبر حدود أفريقيا المليئة بالثغرات.

وهكذا يختفي أصل المكان الذي جاء منه الذهب قبل نقله مع مسافرين إلى خارج القارة، ويتم ذلك في كثير من الأحيان في حقائب السفر اليدوية.

طفرة استيراد

وشهد عام 2016 طفرة إماراتية في استيراد الذهب الأفريقي، إذ سجلت آخر إحصاءات "كومتريد" كمية تشكل مثلي تلك التي استوردتها الصين، وهي أكبر دول العالم استهلاكا للذهب.

وبلغت قيمة واردات الصين من الذهب 8.5 مليار دولار في ذلك العام لتحتل المرتبة الثانية بفارق كبير.

وأعلنت الإمارات، عام 2016، عن واردات ذهب من 46 دولة أفريقية بقيمة 7.8 مليارات دولار، غير أن 25 دولة منها فقط زودت "كومتريد" ببيانات عن صادراتها.

أما باقي الدول الـ21 فكشف تحليل البيانات الجمركية أن الإمارات استوردت ذهبا منها بقيمة 3.9 مليارات دولار، بما يفوق القيمة التي أعلنت هذه الدول تصديرها بما يعادل ثمن 67 طنا.

وخلال السنوات العشر الأخيرة أصبحت للذهب الوارد من أفريقيا أهمية خاصة لدبي، حيث أظهرت بيانات "كومتريد" أنه منذ 2006 إلى 2016 ازداد الذهب المستورد من أفريقيا الذي أعلنت عنه الإمارات من 18% إلى ما يقرب من 50%.

وإزاء ذلك، قال "فرانك موجيني"، مستشار التنمية الصناعية بالاتحاد الأفريقي، الذي أسس وحدة المعادن التابعة للمنظمة: "كميات كبيرة من الذهب تغادر أفريقيا دون قيدها في سجلاتنا، والإمارات تتربح من البيئة غير الخاضعة للتنظيم في أفريقيا".

لماذا الإمارات؟

وتمثل التجارة في الذهب ما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، ومع ذلك لم تعلن أي من الشركات الصناعية الكبرى، ومنها "أنجلو جولد" و"أشانتي" و"سيباني-ستيلووتر" و"جولد فيلدز"، أنها تصدر الذهب لها.

وبالاستفسار من 23 شركة للتعدين في أفريقيا، أنتجت أصغرها حوالي 2.5 طن في 2018، قالت 21 شركة منها إنها لا ترسل ذهبا إلى دبي لتنقيته، بينما امتنعت شركتان عن الرد.

وكان السبب الرئيسي الذي ذكرته الشركات التي لا ترسل الذهب للإمارات هو أن وحدات التنقية بها "غير معتمدة لدى رابطة سوق لندن للمعادن النفيسة التي تتولى وضع المعايير للصناعة في الأسواق الغربية".

وقال المدير التقني في سوق لندن "نيل هاربي" إن الرابطة "لا تشعر بالارتياح في التعامل مع المنطقة" بسبب مخاوف تتعلق بنقاط ضعف في الجمارك والمعاملات النقدية والذهب المنقول يدويا.

ويقول محققون وأفراد يعملون بصناعة الذهب إن السهولة التي يمكن للمهربين بها نقل الذهب في حقائب اليد على الطائرات المسافرة من أفريقيا تسهم في خروج الذهب دون تسجيله، كما أن محدودية القواعد التنظيمية في الإمارات تعني أن الذهب المستخرج بشكل غير مشروع يمكن أن يستورد بصفة قانونية معفى من الضرائب.

وفيما نقلت "رويترز" عن تجار أفارقة أنه "من الممكن استيراد الذهب إلى دبي دون وثائق تذكر"، قال رئيس وحدة السلع بمركز دبي للسلع المتعددة "سانجيف دوتا" إن "عددا محدودا جدا من وحدات التنقية تقبل الذهب المستورد في حقائب اليد".

ردود حكومية

وبينما قدمت "رويترز" تحليلها إلى 14 حكومة أفريقية، قالت 5 حكومات منها إنه يعكس قلقا قائما من تهريب الذهب من بلدانها وإنها تحاول معالجة هذه المشكلة، وقالت حكومة واحدة إنها لا تعتقد أن تهريب الذهب يمثل مشكلة لها، وامتنعت بقية الحكومات عن التعليق.

وتعمل بعض الدول ومنها ساحل العاج، على أخذ خطوات تدريجية لتنظيم عمليات التعدين غير المشروع، بينما أرسلت غانا وزامبيا قوات أمنية إلى مناطق التعدين لوقف العمليات حتى يتسنى تسجيل العاملين في التعدين ووضع القواعد التنظيمية.

ولانزعاج غانا من أن يلحق سيل من المشروعات، التي تعمل بقيادة صينية في الأساس، الضرر بالبيئة، ألقت القبض على مئات من عمال المناجم الصينيين وطردت الآلاف في السنوات الست الأخيرة.

وفي نهاية الشهر الماضي منعت غانا استيراد معدات الحفر بصفة مؤقتة لمحاولة وقف زيادة كبيرة في التعدين غير المشروع باستخدام المعدات الثقيلة.

وفي السودان، الذي يعد من أكبر المنتجين للذهب في أفريقيا، كشفت الحكومة النقاب عن خطة حجمها 3 مليارات دولار تعمل بمقتضاها بنوك خاصة مع البنك المركزي لشراء الذهب من صغار المنتجين وتعرض أسعارا تقلل من إغراء بيعه في السوق السوداء.

وفي الإطار ذاته، قدر تقرير برلماني تنزاني أن 90% من الإنتاج السنوي من الذهب المستخرج بشكل غير مشروع يُهرب إلى خارج البلاد، وتريد الحكومة أن يشتري البنك المركزي هذا الإنتاج.

وفي مارس/آذار أطلق الرئيس التنزاني "جون ماجوفولي" خطة لإقامة مراكز تضفي الصبغة الرسمية على هذه التجارة عبر فتح الباب أمام فرص التمويل والأسواق التي تعمل وفقا للقواعد التنظيمية.

وفي بوركينافاسو يعتقد وزير المناجم "عمر إيداني" أن تهريب الذهب من بلاده إلى الإمارات يتم على نطاق واسع.

وقال "إيداني" إنه يتم الإعلان للسلطات عن كمية تتراوح بين 200 و400 كيلوجرام فقط من الذهب من بين 9.5 طن تقدر الحكومة أنها حصيلة الإنتاج من أعمال حفر غير مشروعة كل عام.

وأشار إلى أن جانبا كبيرا من الذهب يُهرب من بوركينا فاسو، التي لا تطل على أي بحار أو محيطات، إلى توجو المجاورة المطلة على ساحل المحيط الأطلسي، إذ لا تفرض توجو أي ضرائب فعليا على المعدن النفيس.

اجمالي القراءات 2153