فرجت المملكة العربية السعودية يوم الخميس الماضي عن ثلاثةٍ من النساء اللاتي ينتظرن إجراءات مُحاكمتهن، وهُن عزيزة اليوسف، وإيمان النفجان، والدكتورة رقية المحارب. ورغم ذلك ما يزال هناك الكثير من السجناء السياسيين داخل سجون المملكة.
وكشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية اليوم عن سلسلةٍ من التقارير المُسرَّبة التي تُؤكِّد أن أولئك السجناء السياسيين تعرَّضوا لانتهاكاتٍ شديدةٍ على يد السلطات.
ذكرت الصحيفة البريطانية أنَّ السجناء السياسيين في السعودية يُعانون من سوء التغذية والجروح والكدمات والحروق، بحسب تقاريرَ طبيةٍ مُسرَّبةٍ يُقال إنها أُعدِّت لتُقدَّم إلى الملك سلمان، حاكم البلاد. ويبدو أنَّ التقارير تُقدِّم أول دليلٍ مُوثَّقٍ من قلب الديوان الملكي على أنَّ السجناء السياسيين يتعرَّضون لانتهاكاتٍ جسديةٍ شديدةٍ، رغم إنكار الحكومة تعذيب الرجال والنساء المُحتجزين.
أوامرَ ملكية
علمت صحيفة «الجارديان» أنَّ تلك التقارير الطبية ستُقدَّم إلى الملك سلمان مُرفقةً بتوصياتٍ يُقال إنها تشمل عفوًا مُحتملًا عن كافة السجناء، أو إفراجٍ مُبكِّرٍ عن السجناء الذين يُعانون مشاكلَ صحيةً خطيرة.
وتُعَدُّ هذه الخيارات جزءًا من مراجعةٍ داخليةٍ جوهريةٍ يُشاع أن الملك أمر بها، إثر موافقته على إجراء فحوصاتٍ لقرابة 60 سجينًا بينهم الكثير من النساء، من أجل إعداد تقريرٍ جاهزٍ للتداول داخل الديوان الملكي بحسب أحد المصادر.
سُرِّبَت بعض نتائج الفحوصات إلى صحيفة «الجارديان»، التي طلبت من الحكومة السعودية التعليق على تلك التقارير الطبية قبل أسبوع. ورفض مُتحدِّثٌ باسم الحكومة مناقشة القضية، رغم منحه أكثر من فرصة للتعليق. ولم يطعن المسؤولون في صحة تلك التقارير.
ونجحت الصحيفة البريطانية في التأكُّد من صحة محتويات إحدى الفحوصات ودقة معلوماتها بشكلٍ مستقل. وتتوافق أوضاع الأفراد الآخرين الموصوفة في الوثائق مع التقارير المتداولة عن مزاعم التعذيب. لكن الصحيفة لم تتمكَّن من تأكيد تلك التفاصيل.
تزايد الضغط على السعودية بسبب احتجازها ومعاملتها للنشطاء السياسيين خلال الأشهر الأخيرة بحسب الصحيفة، وسط مزاعمَ بتعرُّض بعض الناشطات من النساء للصعق بالكهرباء والجلد إبان احتجازهن. وفي ظل مُعاناة المملكة من تبعات مقتل الصحافي المُعارض جمال خاشقجي، يُقال إنَّ الملك سلمان أمر بمُراجعة قرار اعتقال قرابة 200 رجل وامرأة في حملة قمعٍ أمر بها وريثه محمد بن سلمان، ولي العهد.
فحوصاتٌ طبيةٌ
ذكر مصدرٌ مُطَّلع على المراجعة لصحيفة «الجارديان» أنَّ الديوان الملكي تغاضى عن اعتراضات مُستشاري الأمير محمد، وسعى لإجراء فحوصاتٍ كاملةٍ على عددٍ من المُحتجزين للحصول على لمحةٍ عن أوضاعهم الصحية.
ويُعتقد أن الأسماء التي خضعت لتلك الفحوصات تشمل عادل أحمد باناعمة، ومحمد سعود البشر، وفهد عبد العزيز السنيدي، وزهير كتبي، وعبد العزيز فوزان الفوزان، وياسر عبد الله العياف. وعَلِمَت صحيفة «الجارديان» أنَّ قائمة النساء شملت سمر محمد بدوي، وهتون أجواد الفاسي، وعبير عبد اللطيف النمنكاني.
وتناهى إلى علم الصحيفة البريطانية أنَّ الفحوصات أُجرِيَت في يناير (كانون الثاني)، وأن التقارير الطبية التي تحمل ختم السرية، أُدرِجَت في عرضٍ مُفصَّلٍ يشمل ثلاث توصياتٍ عامةٍ للملك بشأن الخطوة التالية.
وتشير التعليقات عن المحتجزين إلى أنَّ كثيرًا منهم تعرَّضوا لمعاملةٍ شديدةٍ السوء ويُعانون من عدة مشكلاتٍ صحية، بحسب التقارير الطبية التي اطَّلعت عليها الصحيفة. وفي جميع الحالات تقريبًا طالبت التقارير بنقل السجناء من الحبس الانفرادي إلى مركزٍ طبيٍ على وجه السرعة.
وأوردت «الجارديان» أنَّ الملاحظات على حالة المُحتجزين شملت التعليقات التالية:
- «يُعاني المريض من فقدان وزنٍ شديدٍ وقيءٍ دمويٍ مُتواصل. هناك أيضًا عددٌ من الجروح والكدمات المُتفرِّقة في مختلف أجزاء الجسم».
- «هناك أيضًا عددٌ من الإصابات الظاهرة على الصدر وأسفل الظهر».
- «يجب نقل المريض من الحبس الانفرادي إلى عيادةٍ مُتخصِّصةٍ لتلقي العلاج الفوري وإجراء المزيد من الفحوصات الطبية».
- «يُعاني المريض صعوبةً في المشي نتيجة وجود عددٍ من الكدمات الظاهرة في منطقة الساقين. وتظهر عدة إصاباتٍ أيضًا على ساعده ومنطقة أسفل الظهر. وتظهر آثار سوء التغذية والجفاف الواضح على الجلد».
- «يُعاني المريض من عدة كدماتٍ ظاهرةٍ على جسده، وخاصةً في مناطق الظهر والبطن والفخذين. ويبدو أنه يُعاني سوء التغذية نتيجة نقص الطعام، بالإضافة إلى شحوبٍ في الوجه وضعفٍ عامٍ في الجسم».
- «لا يستطيع المريض الحركة مُطلقًا بسبب جروحٍ في الساقين، بالإضافة إلى ضعفٍ شديدٍ في الجسم نتيجة سوء التغذية ونقص السوائل».
- «يُعاني المريض حروقًا شديدةً في مختلف أجزاء جسمه. لم تلتئم الجروح القديمة تمامًا نتيجة الإهمال الطبي».
- «يُعاني المريض صعوبةً في الحركة نتيجة سوء التغذية الشديد ونقصٍ عامٍ في السوائل. وهناك أيضًا عددٌ من الكدمات والجروح والقُرَح في مختلف أجزاء جسمه».
حقوق الإنسان الغائبة في السعودية
أفادت الصحيفة البريطانية بأنَّ بعض المستشارين أوصوا الملك بأن يُصدر قرارًا بالعفو عن كافة السجناء السياسيين، والإفراج عمَّن سجنوا منذ عام 2017، وأولئك الذين يُعانون مُشكلاتٍ صحية.
وتواصلت الصحيفة مع السلطات السعودية يوم 21 مارس (آذار) من أجل الحصول على تعليق. وقال مُتحدِّث رسميٌ إنه سيُجيب على استفسارات الصحيفة، لكنَّه لم يُرسل تعليقًا حتى الآن.
وذكرت تقاريرَ إعلاميةٌ سابقةٌ أن المُتحدِّث باسم السفارة السعودية في واشنطن قال إنَّ المملكة وقَّعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وتحظر استخدامه في البلاد. وأضاف أن المملكة «تأخذ كافة مزاعم سوء المعاملة على محمل الجد، سواءٌ بحق المُتَّهمين الذي ينتظرون محاكمتهم، أو السجناء الذين يقضون فترة عقوبتهم».
وحذَّر عددٌ من خبراء حقوق الإنسان صحيفة «الجارديان»، إبان إعداد التقرير من أنَّ مُحاولة التواصل مع عائلات الأشخاص المُحتجزين ستُعرِّض أفراد العائلة الذين يعيشون داخل المملكة لمخاطرَ كبيرة.
وأكَّدت المنظمات الحقوقية والنشطاء الذين يتتبعون تلك الاحتجازات أنَّ تسعةً من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التقارير الطبية كانوا رهن الاحتجاز في يناير. وتتنوع أسباب القبض عليهم، ولم تُنشر جرائمهم المزعومة في بعض الحالات.
وكانت مُنظمة «هيومان رايتس ووتش» قد دعت المملكة إلى «الإفراج الفوري عن كافة نشطاء حقوق الإنسان والمُعارضين السلميين المُحتجزين، ودعت المُراقبين الدوليين إلى فتح تحقيقٍ شاملٍ وشفافٍ بشأن المُعاملة التي تعرَّضوا لها».
وأضاف المُتحدِّث باسم المُنظمة: «زعم المُحتجزون السعوديون والناشطات من النساء أنَّ السلطات أساءت مُعاملتهم بقسوةٍ لا تُوصف. وأنهم تعرَّضوا للصعق بالكهرباء والجلد والتحرش الجنسي. ويبدو أنَّ التقارير الطبية المُكتشفة مؤخرًا تُؤكِّد ما يقولونه منذ عدة أشهر».
وقال ناشطٌ حقوقيٌ، تحدَّث للصحيفة بشرط الحفاظ على سرية هويته: «إنَّ الأوصاف المشمولة في التقارير تتوافق مع الأدلة التي جمعها النشطاء، بما في ذلك أنَّ السجناء يُحتجزون في زنازين الحبس الانفرادي».
وأضاف الناشط أنَّ الطريقة الوحيدة للتأكُّد من صحة التقارير بالكامل هي تمكين المُراقبين المُستقلِّين من الوصول إلى الأفراد المذكورين في التقارير، بحسب ما أوردته الصحيفة، ونشر تقييمهم للأوضاع أمام العامة.
وتابع الناشط أنَّ السجينات تعرضن للصعق بالكهرباء والتقييد إلى الكراسي، والضرب على الفخذين والظهر والأرداف بالعقال. وأدَّى ذلك الجلد إلى كدماتٍ دائمة. وقيل إنَّ السجينات يُعانين أيضًا فقدان وزنٍ شديد، لدرجة تناثر الأقاويل عن فقدان إحدى السجينات لنصف وزنها بحسب الناشط.
وأوردت «الجارديان» تصريحات جاستن شيلاد، الباحث المساعد لشؤون الشرق الأوسط بلجنة حماية الصحافيين، الذي قال: «إنَّ قضية الصحافي فهد السنيدي أظهرت مدى وسطوة الحملة القمعية التي أمر بها ولي العهد».
وأضاف: «هذا ليس شخصًا أثار الرأي العام فعليًا في ما يتعلَّق بالمواضيع التي يُغطِّيها… وحقيقة أنَّه مُحتجزٌ دون سببٍ واضحٍ، وأنه لم يُعرف بكونه شخصيةً مُثيرة للجدل، تُظهر شمولية حملة قمع محمد بن سلمان لحرية الصحافة والصحافة المُستقلة، وأي تعليقٍ يحمل لمحاتٍ تُشير إلى طبيعةٍ نقديةٍ أو مستقلة. وخلال الأبحاث التي أجريتها عن المملكة العربية السعودية (والاحتجازات السياسية)، وجدتَ حاجز صمتٍ لم أرٓ له مثيلًا في أبحاثي عن ليبيا أو سوريا أو اليمن أو العراق… إذ وصلت مستويات الخوف والترهيب وتكميم المعلومات بالكامل إلى مستوياتٍ تتخطى ما نُشاهده في مناطق الحرب التي كان يُديرها تنظيم (داعش) داخل المنطقة».