بعد ان اقترحه د. منصور بعشر سنوات
المجلس المصري لحقوق الانسان يطلب تعديل المناهج الأزهرية

في الجمعة ١٠ - نوفمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

تباينت ردود الأفعال في الأوساط الدينية والتعليمية بالأزهر وذلك على إثر اقتراح تقدم به المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقاهرة للمطالبة بتعديل مناهج التعليم الأزهري بما يتوافق مع تجديد الخطاب الديني .

وقد انقسمت ردود الافعال إلى فريقين البعض يتحفظ على هذا الاقتراح من منطلق أن مصطلح الخطاب الديني مصطلح غامض ومشبوه، والفريق الآخر والمتمثل في الكثير من أساتذة الأزهر يجمع على ضرورة تطوير هذه المناهج لتكون ذات صلة أكبر وأعمق بقضايا الواقع الراهن، ولتدعيم ثقافة الداعية الإسلامي للرد بمنطق علمي على الشبهات التي تثار ضد الإسلام.

ومن المؤيدين لهذا الاقتراح الدكتور جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، نائب رئيس جامعة الأزهر سابقا والذي يقول : «إننا نؤيد الدعوة لتجديد الخطاب الديني وتطوير المناهج الدراسية أيضا، ذلك أن هذه المناهج هي التي تتشكل ثقافة الداعية الإسلامي الذي يبين للناس حقائق الاسلام الصحيح»، مؤكدا أن رابطة الجامعات الإسلامية انتهت من وضع خطة تفصيلية للمناهج الدراسية في العلوم الدينية التي يدرسها طلاب كليات الدعوة وأصول الدين وغيرها من الكليات والمعاهد الدينية التي يتخرج منها الدعاة.

وحول ملامح هذه الخطة أشار الى أنها تعمل على تطوير المناهج التي يدرسها طلاب الكليات الدينية الازهرية وغيرها في الجامعات الإسلامية، حتى تتصل بالواقع ولا تركز على حفظ النصوص من دون فهمها، كما تتضمن الخطة موضوعات وقضايا معاصرة للرد على الشبهات التي تثار ضد الاسلام وحقوق المرأة وحقوق غير المسلمين في المجتمعات الاسلامية وحقوق المسلمين في المجتمعات غير الاسلامية (الاقليات الاسلامية في الخارج)، فضلا عن ادخال علوم حديثة الى هذه المناهج، كعلم النفس مثلا، للمساعدة في تسليح الداعية بالعلم وتأهيله للخطابة والتأثيرالقوي في من يخاطبهم، وبالتالي يتحول الداعية من موظف إلى داعية حقيقي يستطيع أداء مهمته على أكمل وجه.

وتابع الدكتور عبد السلام قائلاً : لقد قامت رابطة الجامعات الإسلامية بالتنسيق مع وزارة الأوقاف المصرية بإعداد برنامج لتأهيل الدعاة المتميزين وتدريبهم على تطوير الخطاب الديني وقد تم إنجاز ثلاث دورات منه، موضحا أن هذا البرنامج يتضمن شقين، الأول خاص بالداعية وبواقع الحياة التي يحياها هذا الداعية من حيث انفتاحه على الواقع ومعايشته لظروف المجتمع وثقافته وعاداته، أيضا ثقافة الداعية ومدى استيعابه لعلوم العصر. أما الشق الثاني فهو خاص بتأهيل الداعية لكي يكون ناجحا ويستطيع التأثير في المجتمع عن طريق تطوير قدراته وتدريبه جيداً على فنون الدعوة والخطابة في ذلك الواقع المتغير.

ويرى الدكتور عبد الصبور مرزوق، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، أن تجديد الخطاب الديني أصبح ضرورة لها أهميتها الكبيرة في عصرنا الحالي، لافتا إلا أن المسألة ليست أن نكتفي فقط بجلاء الصدأ الذي أحدثته العزلة المعرفية عن ثقافة العصر وشؤونه في عقل الداعية، بل من الأجدى ـ في تقديري ـ إضافة ما يلي: توسيع النطاق المعرفي للداعية في مرحلة إعداده الجامعي بمعنى أن يتم النظر في مناهج كليات الدعوة بما يحقق هذا الاتساع في النطاق المعرفي للداعية، وألا يكتفي بتخصصه في المواد الشرعية، بل ينبغي أن تكون له دراسات في الأمور المتعلقة بالناس والحياة، في الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، وغيرها مع إبراز عطاء الإسلام الحضاري فيها.

ويعتقد الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق رئيس لجنة التعليم بمجمع البحوث الإسلامية، أن تجديد الخطاب الديني المعاصر بات ضرورياً بشرط أن يكون نابعا ومتوافقاً مع القرآن والسنة النبوية المطهرة. فالتجديد ـ على حد قوله ـ سمة من سمات العصر، والإسلام بمصادره وأصوله كان ولا يزال معاصرا يستوعب كل المتغيرات، كما أن الاهتمام بالداعية الإسلامي وتثقيفه وتزويده بالعلوم والمعارف الحديثة سيساهم بلا شك كثيرا في تطوير الخطاب الديني ويجعله خطابا فعالا. ومن جانبه يقول الدكتور احمد عبد الرحيم السايح الاستاذ في جامعة الازهر بالقاهرة ان الأمة الإسلامية في واقعها المعاصر تحتاج إلى تجديد الخطاب الديني، ومفهوم تجديد الخطاب الديني معناه أن يكون عقلانيا، لأن الكثير من القضايا التي تعرض من خلال الخطاب الديني تحتاج إلى تعقل والله سبحانه وتعالى يقول «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون». ومن ثم فعن طريق السمع والبصر والفؤاد ينبغي أن تكون العقلانية الإسلامية.. والله سبحانه وتعالى يقول «والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صما وعميانا». ومفهوم هذه الآية أن النص في القرآن الكريم ليس جامدا، وكذلك من يدور حول النص لا ينبغي أن يكون محنطا بل يستبصر الواقع المعاش ويتفهم المسؤولية في خطابه فينطلق من خلال رؤية استكشافية تنطلق من العقلانية وتخاطب العقل.

وأضاف السايح أن كثيرا من المناهج التي توضع للدارسين والباحثين والدعاة الى الله تعالى تحتاج إلى عقلانية واعية، وأنه من حكمة الله سبحانه وتعالى أن آيات الله التشريعية والكونية في القرآن الكريم ختمت بقول الله تعالى «لعلكم تعقلون»، «وأن في ذلك لآيات لأولى النهي» مما جعل التفكير العقلاني ضرورة حياتية، ونحن نرى أن كثيرا مما ينشر بين الناس أو يدرس أو يقرأ يحتاج إلى عقل يتدبر، وإلى عقلانية تنهض بأعباء المسؤولية لتعالج كثيرا من الأمور التي تحدث بين الناس.

ويلفت الدكتور السايح إلى مسألة مهمة، مؤكدا أنه يجب أن يضاف إلى تجديد الخطاب الديني أن كتب التراث تحتاج إلى تنقية مما علق بها لأن تاريخنا الطويل قد مر بمنحنيات خطيرة شابها ما شابها من الغنوصية والباطنية والمذاهب الهدامة والتيارات التكفيرية فأضافت إلى التاريخ الإسلامي شبهات ومرويات وحكايات وأساطير يتردد صداها في خطابنا الديني، وكأنها قرآن منزل والإسلام بريء من كل هذه الأشياء، لأن الإسلام جاء إلى الإنسانية العاقلة الفاعلة البانية، والأمة الإسلامية الآن تشكل جزءاً من المجتمع الإنساني الكبير ولا بد أن تساهم الأمة الإسلامية في صنع مستقبل البشرية، ولا نستطيع القول في ظل الخطاب الديني أن هناك في مجتمع ما أقلية وأكثرية لأن المجتمع الإنساني كله يعمل على نشر الأمن والسلام في المجتمعات كلها ولا بد أن يساهم المسلمون في صنع الحضارة الإنسانية ليكونوا فاعلين في مجتمعاتهم.

ويتحفظ الدكتور عبد الحكم عبد اللطيف الصعيدي، الأستاذ بجامعة الأزهر، على مقترح المجلس القومي لحقوق الإنسان وفقا لما نشرته "الشرق الاوسط"، ففي ظنه أن الكلام الذي يدور في مثل هذه الأروقة «حق يراد به باطل»، ذلك أن مصطلح الخطاب الديني مصطلح مشبوه وقد اختير هذا المصطلح بعناية ودهاء وخبث، إذ أن الهدف منه أن يطغى على مصطلح الدعوة الإسلامية ويحل محلها، وكذلك تابعه الاخر (تجديد الخطاب الديني) وأيضاً المصطلح الذي يعتبر ثالثة الأثافي وهو مصطلح (التعامل مع الآخر)، فهذه المنظومة من المصطلحات التي يراد منها بالدرجة الأولى الالتفاف حول الدعوة الإسلامية وإقصاؤها عن الساحة تماماً.

ويتابع قائلاً: للأسف الشديد أن هذه المسألة قد مرت بسلام وانطلت على المختصين، وهذا هو ما أريد لها، ونحن حينما ننظر في تأصيل الفكر الإسلامي في منابعه الأساسية القرآن والسنة نجد أن الدعوة الإسلامية هي الواجهة الإعلامية للدين الإسلامي، ويعرف الدارسون وغيرهم هذا، وقد راج هذا المصطلح قرابة خمسة عشر قرنا خلت من عمر الدعوة الإسلامية، مشددا على أن الدعوة الإسلامية دعوة متطورة منذ أن نشأت وذلك كي تفي باحتياجات المدعوين على مختلف الأعصار والأمصار وهذه طبيعتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي دعوة رحيمة ترفق بالناس أكثر من رفقهم بأنفسهم، وهي متسعة ورحبة بحيث تشمل الأعداء قبل الأصدقاء والوقائع أكثر من أن تذكر، وحسبنا أن نسلط الضوء على واقعة تدل على صدق ذلك كله، يذكر الجميع قصة ذلك الرجل الذي دخل المسجد فأخذ يبول في ناحية من نواحيه فتعالت حوله الصيحات وأراد الجميع النيل منه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم هدأ من روعهم وروعه، وقال: «قطعتم على الرجل بولته، هلا تركتموه يقضي حاجته ثم أرقتم عليها سجلا ـ إناء من ماء»، ثم أخذ يلاطف الرجل ويقول له: يا أخ العرب إن المساجد لا تصلح لشيء من هذه النجاسات إنما جعلت للصلاة والطهارة». فأخذ الرجل يستريح للنبي صلى الله عليه وسلم ومعاملته الحسنة، وبعد أن انتهى اللقاء وهم بالانصراف إذا به يرفع يديه إلى السماء ويقول «اللهم ارحمني ومحمد فقط ولا ترحم بعدنا أحدا من العالمين»
يذكر ان د. احمد صبحي منصور كان اول من دعى الى تعديل المناهج الدينية فى الأزهر من اجل ان تساير دعوة التجديد الديني من خلال مشروع جعل التعليم المصري اكثر حساسية لمشاكل الاقليات والذى تبناه مركز ابن خلدون منذ منتصف التسعينيات .
اجمالي القراءات 6241