العلمانية, الأصولية,العلمانية المؤمنة
(هل نحتاج ثورة تقول اشنقوا آخر ديكتاتور بأمعاء آخر رجل دين)
نحن نعيش الآن في عالم يختلف سياسياً واجتماعياً عن عالم الثورة الفرنسية التي كانت فاتحة الحضارة والحداثة في أوربا. حيث تم فصل الدين عن الدولة ,كما يقال في أدبياتنا العلمانية . مع أني لا اتفق مع هذا الرأي ,كون الدين بمفهومه الروحاني كان ومازال يلعب دوراً ايجابياً في المجتمعات الأوربية , بعيداً عن تأثير المؤسسة الدينية الرسمية ,حتى أننا نلاحظ في عصرنا الحا&aaaacute;ي أن مشاركة الأحزاب الدينية المسيحية في الحكومات الأوربية هي مشاركة فعالة ,لا فرق في كونها مع الائتلاف أو بالمعارضة في كلا الحالتين لها أجندة دينية سياسية , وهي المنسق العام مابين المؤسسة التشريعية والمؤسسة الدينية الرسمية .بمعنى أن للدين دور في الحكومات الأوربية ,لكن هذا الدور لا يتعدى إبداء الرأي أو المعارضة أو النصح في حال حصول خرق أخلاقي للقيم وللأخلاق الدينية .وقد عايشت هذه المواقف من قبل الأحزاب المسيحية عندما تم طرح بعض القوانين للتصويت التي تجيز الشذوذ الجنسي أو التي تسمح بالإجهاض الطبيعي....وغيرها ,وحتى انتقادهم لبعض القوانين في البرلمان الأوربي والتي تتعارض وقيم الدين الأخلاقية. بالطبع الأحزاب المسيحية في أوربا استطاعت إيجاد المشترك مع الأحزاب العلمانية ,وهذا الوضع لم يحصل إلا بعد تجارب أليمة جداً كلفت الطرفين الكثير من الضحايا والخسائر.لكنهم في النهاية استطاعوا تجاوز الخلافات واتفقوا معاً على آلية للحكم تضمن مشاركة الجميع من خلال صناديق الانتخابات الديمقراطية ,ووضعوا دساتير تكفل الحفاظ على هذه الآلية ,وتكفل شرعية تبادل السلطة , وشرعية الأكثرية بالحكم ,وشرعية وجود المعارضة كشكل من أشكال الحكم الديمقراطي ,بحيث أعتبر مقياس الحرية في هذه الأنظمة هو بمقدار ما تُعطى للمعارضة من مساحة لأخذ دورها في مراقبة أداء الأكثرية ومحاسبتها بكامل الحرية .وبالطبع كان لابد في هذه الحال من وجود مؤسسة قضائية مستقلة تحكم بالعدل في حال تمادي الأكثرية الحاكمة في خرقها للدستور أو للقوانين المرعية .تلجأ إليها غالباً المعارضة ,وحكمها دائماً نافذ المفعول . آليات الحكم الديمقراطي في أوربا تخضع باستمرار للتطوير , وخاصة في إيجاد الوسائل العملية لتوسيع مشاركة المواطن ومن ثم إيجاد جسور دائمة مابين ممثلي الشعب في البرلمانات والمواطنين .ومن جهة أخرى تطوير العلاقة مابين السلطة التشريعية والتنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بدور فعال إلى جانب المعارضة في مراقبة أداء الأكثرية ,وخاصة فيما يتعلق بحقوق المواطن وكفالة حرياته المنوه عنها بواسطة الدستور .
نعود الآن إلى العالم العربي . وهل فعلاً نحن بحاجة إلى ثورة علمانية ديمقراطية ,نحقق من خلالها شعار إعدام أخر حاكم مستبد بأمعاء أخر رجل دين. عندها ستتحقق أهداف العلمانيين العرب ,وتخلوا لهم الساحة لحكم الدول العربية بدون معارضة دينية وحتى أصولية تقلق عليهم سعادة التمتع بحكم الشعوب العربية.
وهل يمكن فصل الدين عن الدولة في عالمنا العربي والإسلامي. قبل أن نخوض في هذه المقولات .لابد أن نبحث علىن معنى فصل الدين عن الدولة من منظار العلمانية العربية ,وموقف الاصولية والحركات الاسلامية.
العلمانيون العرب يرفضون تطبيق الشريعة الإسلامية لأنها تشكل ظلماً لهم ولبعض الناس في المجتمعات العربية. لذلك لابد من فصل الدين عن الدولة . الحركات الأصولية والإسلامية تعتقد بضرورة تطبيق الشريعة لأنها حسب اعتقادهم هي شريعة سماوية غايتها تطبيق الحكم الآلهي الذي جاء لمصلحة الإنسان . وهي ضد العلمانية الملحدة التي لا تعترف بحاكمية الشريعة الإسلامية .
ليس من الممكن التوفيق بين النظريتين بأي حال من الأحوال ,وهذا بنظر العلمانية والأصولية .أي المشترك بينهم هو عدم الاتفاق.
أمام هذا الواقع ,كيف يمكننا حل هذه الإشكالية .التي مازالت تتفاعل وقد تشتعل في النهاية لتحرق الأخضر واليابس. حيث تدفع الشعوب المغلوبة على أمرها الثمن الغالي في النهاية بسبب هذه المغامرة الحمقاء.
مشكلة الجهل هي عدم الاستفادة من تجارب الأخريين , ولهذا يعيد الجاهل أو الشعوب الجاهلة تلك التجارب بحرفيتها وبخسائرها الفادحة .ولو أنهم درسوا تلك التجارب بتجرد لوفروا على شعوبهم ذلك الثمن الباهظ.
المجتمعات الأوربية لا تحكمها عقيدة واحدة ,ونحن لدينا عقائد مختلفة , في كلا العالمين توجد عقائد مختلفة .وهذه هي سنة الحياة . الفرق بيننا وبينهم أنهم أوجدوا طريقة إدارة الاختلاف الايدولوجي والعقدي .أما نحن مازلنا نؤمن بأن أقصر الطرق وأفضلها هي استبعاد الأخر ,ولم نرقى بفكرنا العملي الى مرحلة راقية حضارية في قبول الأخر ,والبحث عن المشترك . وإيجاد آلية للحكم نستطيع من خلالها التوفيق ما بين العلمانية .والأصولية والحركات الإسلامية .ولتكن هذه الآلية هي الديمقراطية التي هي أفضل ما أنتجته البشرية لأسلوب الحكم.وخطأ الطرفين في الاعتقاد بأن الديمقراطية وكأنها مشروعاً عقائدياً حتى نختلف عليه. الديمقراطية لا علاقة لها بالعقيدة ولا بالطوبى الدينية أو العلمانية.هي وسيلة وقاعدة هامة ولا بديل لها اليوم للتوصل إلى التسويات الاجتماعية والسلام الأهلي .بدل القتل العشوائي والحروب المذهبية والطائفية.لذلك لابد في النهاية من بدأ الحوار الصعب بين الطرفين .لأن كل طرف هو من نسيج هذه الأمة من نسيج هذه المجتمعات .العلمانية أصبحت حقيقة واقعة في مجتمعنا العربي لها وجودها السياسي والاجتماعي الكبير ولها قوتها السياسية وغيرها. والأصولية والحركات الإسلامية هي أيضاً من نتاج مجتمعاتنا العربية لم نستوردها من الغرب أو اليابان ولها قوتها السياسية والاجتماعية الكبيرة. لهذا وكون الوجود لكلا المكونين وجوداً لا يمكن تجاوزه ,بحيث أصبح بحكم الموضوعي ,لذا لابد من أن نعمد مبدأ الحوار. وعلى العلمانية العربية أن تدرك أن الدين الإسلامي هو دين ودنيا.ليس فقط للعبادة لكنه ثقافة وحضارة.لهذا يمكن أن يكون الإنسان علمانياً من جهة ويعطي الإسلام الأهمية .وعليه أن لا يؤمن بالعلمانية وكأنها دين .وأن لا يعتبر الإسلام ث
تراثاً عفى عليه الزمن.الإسلام يجب أن يكون جزءاً من ثقافة الأمة وحضارتها وهويتها وأحد مرجعياتها الأساسية. وعلى الحركات الإسلامية .أن لا تعبر أن العلمانية هي شكل من أشكال الالحاد.بل أن عليها أن تتعامل معها من خلال إعادة الثقة ,إظهار حسن النية في التعامل مع العلمانية ,على اعتبار أن العلمانية العربية لا يمكن أن تتخلى عن هويتها وأخلاقها الدينية ،كما هو الحال مع العلمانية الأوربية التي حافظت عليها لكن بشكل حضاري .
لهذا لابد من إيجاد الأرضية المشتركة التي يجب أن تقوم على قواعد يمكن الاتفاق عليها. من أجل التعايش,على أن لا تكون غايتها دمج العقائد ,لأن هذا الأمر من رابع المستحيلات , وللوصول إلى هذه الغاية .لابد من تقديم بعض التنازلات من قبل الطرفين .وإيجاد صيغة يقدمها طرف ثالث للاتفاق له صفة العلماني المؤمن.الذي يجمع في رؤيته مابين العلمانية والإسلام البعيد عن الطائفية والمذهبية والخلافات العقدية .والمتمسك بكتاب الله الجامع القابل للأخر على اعتباره أخ في الإنسانية .والمؤمن بالحل الديمقراطي . ولا أعتقد أن ذلك من الأمور المستحيلة طالما هناك من ينادي بهذا التوجه في عالمنا العربي والإسلامي من قوى خيرة واعية ومنهم هذا التجمع الواعد من أهل القرآن إن أحسنوا التعامل بما يؤمنوا به.
لهذا أرى أن من واجبنا أيضاً البحث عن الوسائل التي يمكن معها تفادي الصدام .والبدء بإقامة جسور الثقة مابين الطرفين. نحن ندرك صعوبة ذلك ولكن لا خيار أمامنا إلا هذا الخيار.
.