أريد كيلو من لحم الحمير»، أثار قرار الجزائر السماح باستيراد لحوم الحمير والبغال والخيول، دهشة المواطنين، بعد أن أعلن القرار في الجريدة الرسمية في البلاد.
Rبداية من شهر مارس/آذار 2019، ينتظر أن تدخل أطنان من لحوم الحمير، البغال والخيول، بعد رفع الحظر عن استيرادها من قبل الحكومة وفقاً لقوانين رسمية جديدة.
استيراد هذه الأنواع من اللحوم، أثار استغراب الجزائريين، الذين لم يتعودوا على أكل مثل هذه اللحوم سواء لأسباب دينية أو لعدم تقبلها كسائر الشعوب العربية.
الأمر الذي أثار تساؤلات حول دوافع قرار الجزائر السماح باستيراد لحوم الحمير والبغال والخيول.
هل تفضل لحوم الحمير طازجة أم مجمدة؟
في الوقت الحالي، لا يوجد في الجزائر سوى محلات تعد على رؤوس الأصابع مخصصة لبيع لحوم الخيول لا غيرها.
ولكن ينتظر أن تدخل شحنات من لحم الحمير، البغال والخيول البلاد بداية من الشهر القادم، وستكون متوفرة وفقاً لكل الطلبات، أي طازجة، أو باردة أو مجمدة.
وحرصت القوانين المتعلقة بهذه اللحوم في الجريدة الرسمية، على إبراز شروط، وصيغ استيراد هذا النوع من اللحوم، مع تحديد قيم الاقتطاع من الرسوم وقيمة الضرائب الخاصة بكل مستورد.
استيرادها يأتي ضمن خطة لتطوير قطاع الواردات
ويأتي السماح باستيراد هذه اللحوم ضمن خطة لرفع حظر واسع النطاق عن أعداد كبيرة من الواردات والتي تجاوزت 851 سلعة، منها الهواتف المحمولة والأجهزة المنزلية والمواد الخام وبعض السلع الغذائية ومنتجات أخرى.
من إفريقيا، وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ولم يذكر قانون رفع حظر الاستيراد الأخير في الجزائر، مصدر تلك المواد كانت قارة أو دولة، باستثناء غينيا.
الخبير الاقتصادي فارس مسدور، قال في تصريح لـ»عربي بوست» إن هناك دولاً معروفة بتوريد تلك المواد الاستهلاكية مثل بعض دول إفريقيا الاستوائية مثل الغابون وأوغندا وغانا، إضافة إلى جنوب شرق آسيا كالصين والهند، وأمريكا اللاتينية، كالبرازيل، الأرجنتين والبيرو».
وأضاف أنه حتى الدول الأوروبية تصدر بعض تلك المواد التي يراها الجزائريون فائقة الغرابة، كلحوم وشحوم الخنازير والبغال، وهي مواد طبعاً لها ترقيم في القانون المواد المسموح استيرادها دولياً.
ما الدافع وراء قرار الجزائر السماح باستيراد لحوم الحمير والخيل؟، والسؤال الأهم من سيأكلها؟
«إن هذا القرار جزء خطط الجزائر لتحقيق حرية التجارة وفقاً للقوانين العالمية»، بهذه الكلمات شرح مسعود بقاح مدير المبادلات التجارية بوزارة التجارة بالجزائر، أسباب هذا القرار الذي أثار استغراب الجزائريين.
وقال «إن القوانين المنظمة لعملية الاستيراد تهدف إلى تحسين الاقتصاد الوطني».
وانتقد المسؤول الجزائري الضجة التي أثيرت بشأن استيراد هذا النوع من اللحوم.
وقال بقاح في لقاء تلفزيوني «إن الوزارة بالفعل أعطت رخصاً لاستيراد لحوم الحمير والبغال، وذلك تلبية لمطالب الآلاف من العمال الأجانب العاملين بمئات الشركات الأجنبية في الوطن.
وطمأن مدير المبادلات التجارية بوزارة التجارة الجزائرية المواطنين من كون العملية مراقبة، ومدروسة وموجهة أساساً إلى الأجانب المقيمين في الجزائر، خاصة منهم العمال بالشركات الأجنبية».
وشدد على أن «هذه اللحوم ستوجه بشكل مباشر لهم وتحت رقابة كبيرة».
ولكن البعض يرى أن القرار سيتسبب في ضياع ملايين الدولارات
الخبير الاقتصادي الجزائري فارس مسدور، يرى أن استيراد هذا النوع من اللحوم جزء من الطرق الملتوية التي اعتمد عليها أباطرة المال والأعمال وبعض المسؤولين في تهريب العملة الصعبة نحو الخارج.
وقال فارس مسدور لعربي بوست «لا يمكن تفسير القرار إلا أن يأتي في إطار مساعي مسؤولين ورجال مال وأعمال، لابتكار طرق سهلة ومختصرة لتهريب العملة إلى الخارج وتضخيم الفواتير، بداعي استيراد مواد هي أصلاً لا تستهلك إلا بمقدار ضئيل في الواقع».
واتهم مسؤولين بقطاع التجارة في الجزائر، بالتقصير والتسهيل الفاضح في تعاملات التصدير والاستيراد.
والحديث عن أسعار تلك المواد في السوق الجزائرية غير ممكن بتاتاً في نظر الخبير الاقتصادي فارس مسدور، لأن أغلب تلك المواد يتم استيرادها لغرض تضخيم الفواتير وتهريب العملة.
ويقول «سنجد تلك المواد مستوردة حقاً في الوثائق والفواتير والتعاملات البنكية في تحويل الأموال، لكن في المحلات والأسواق فهي غير موجودة أصلاً، وإن وجدت فهي بشكل نادر، وبعضها يوجه للتحويلات الصيدلانية والتجميل، واستهلاك الأجانب».
وأردف «أن عملية استيراد هذه اللحوم، تكلف الخزينة العمومية ملايين الدولارات سنوياً، دون أن يظهر لها أي أثر، وأعتقد أن صراع بارونات المال والأعمال هو ما كان سبباً في صدور القانون الأخير في الجريدة الرسمية، أو بالمختصر هو صراع مصالح لا غير.
ويبدو أنها ستستخدم لمآرب أخرى
المرسوم الصادر بالجريدة الرسمية الجزائرية الأخيرة لم ينص إن كانت اللحوم المسموح استيرادها هي في الأصل موجهة للاستهلاك، واكتفى بوصفها بالبضائع موضوع التقييد عند الاستيراد.
ولكن بعض الخبراء يرون بأن استيرادها لن يقتصر هدفه على الاستخدام الغذائي بل سيكون لأهداف أخرى أيضاً.
رئيس المنظمة الجزائرية للمستهلكين مصطفى زبدي، يرى أن ما أدرج ضمن فئة اللحوم والأجبان ومشتقاتها، هي موجهة أصلاً للاستهلاك، أكان استهلاكها وفق نظام غذائي معين أو عن طريق تحويلات أو تصنيع مواد أخرى.
ولكنه استدرك قائلاً لـ»عربي بوست» إن هناك بعض اللحوم والشحوم تدخل إلى الجزائر على أنها لحوم حيوانية، لكنها توجه لتحويلات صناعية لاستخلاص مواد تجميل مثلاً، أو كإضافات غذائية.
وحول حجم استهلاك لحوم الحمير، البغال والخيول في الجزائر.. يقول زبدي «إن المنظمة لم تسجل على المستوى الوطني أي محل متخصص ببيع تلك اللحوم، باستثناء لحوم الخيول والتي تباع في محلات معروفة».
ورجح زبدي أن استيرادها يكون «لغرض توجيهها إلى مطاعم وفنادق معروفة، أو بطلب من الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، خاصة في مجالات الأشغال العمومية والمحروقات».
وهناك من يرى علاقة للحوم الحمير بالانتخابات الرئاسية
وتساءل الخبير الاقتصادي فارس مسدور عن سر اختيار هذا التوقيت بالضبط، لرفع الحظر عن استيراد لحوم الحمير البغال والخيول.
وقال إن توازي رفع الحظر مع بداية جمع التوقيعات للمرشحين للانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/نيسان 2019، والحديث المتكرر حول ترشيح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة «ربما يكون له دور في طرح مثل هذه المسائل المثيرة للجدل».
بدوره، ربط الناشط بن سديرة السعيد، قرار السماح بدخول شحنات من لحوم الحمير، بالواقع السياسي في البلاد.
وكتب في صفحته الرسمية على فيسبوك «في ظل الكرنفال القائم بخصوص الانتخابات الرئاسية واستعداداً لاستقبال أول شحنة من لحوم البغال والحمير وقبل أن نشبع من هذه اللحوم من حقنا طرح السؤال التالي:
– متى يتم تعيين رئيس المجلس الدستوري الجديد الذي بدونه لا يمكن إجراء الانتخابات؟؟؟ ومن سيكون؟؟؟
– أين اختفى الفريق قايد صالح رئيس الأركان حامي مؤسسات الدولة وبالأخص دستورها وما هو موقفه من هذا الكرنفال؟؟؟.
وظهرت فتوى مثيرة للجدل تحلل استهلاك لحم الحمير
ودخل رجال الدين أيضاً في الجدل القائم بشأن رفع الحظر عن استيراد لحوم الحمير والبغال في الجزائر.
فقد أفتت نقابة الزوايا الأشراف في الجزائر بجواز أكل لحم الحمير، في أعقاب سماح الحكومة باستيرادها من الخارج.
وقالت «إن ذلك لا ضرر ولا ضرار فيه، وإنما هو مكروه فقط، في منكر في صوته.
واستدلت بصحة كلامها بكتاب الشيخ الفارس «منافع ودوافع لما خلق الله».
ولأن هذه الفتوى أثارت الكثير من الجدل، فقد نشرت بعدها نقابة زوايا الأشراف توضيحاً عبر صفحتها الرسمية بفيسبوك، تقول فيه «إن ما صدر منها سابقاً فهم بالخطأ «وأنها ليست أهلاً للفتوى حتى تحلل أكل لحم الحمير».
وكان لافتاً الموقف الذي أخذه رئيس نقابة مشايخ الزوايا في الجزائر الشيخ «علي عية» في مواجهة الفتوى المنسوبة للنقابة.
فقد رد على هذه الفتوى المثيرة للجدل بالتأكيد على التحريم الكلي لأكل لحوم الحمير، وفقاً لنصوص من الكتاب والسنة، واعتبر أن لحوم الحمير التي أجيز أكلها هي الوحشية، وهي منقرضة تماماً».