غارقون في الفشل.. لماذا نفتقد ثقافة إدارة الأزمات؟

في الأربعاء ٣٠ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ومع دخولنا المتسارع لعام 2019، ما زالت مجتمعاتنا العربية تعاني العديد من الأزمات والكوارث، بل هناك شعوب كاملة تعاني الهجرة والتشرد وضيق العيش، وحروب مستمرة، ودمار رهيب، وأفق يكاد لا يتضح، وعيون ترنو إلى مستقبل مشرق. لقد أضحت الأزمات من المفاهيم واسعة الانتشار وكثيرة الاستخدام في مجتمعاتنا ولدى الباحثين ومراكز الدراسات العربية، حيث أصبحت أجد وأرى العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية وطلبة الدراسات العليا يركزون في أبحاثهم عن تناول موضوع الأزمات والكوارث بشكل متفاعل، ويقدمون العديد من التوصيات والمقترحات الهادفة لمعالجة قضايا وأزمات الأمة المختلفة، أضف لذلك عقد العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل في هذا المجال؛ نظراً لأن عدد الأزمات المحتمل حدوثها فيما يبدو لا نهائي خاصة في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع العربي.

         إن منظماتنا العربية وقيادتها مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بالتوجه الحقيقي الجاد والفاعل والمشترك مع كل صناع القرار وفئات المجتمع بكافة مكوناته، للتعامل مع الأزمات كافة بأساليب إدارية متقدمـــــــــــــة عصرية ووفق منهجية علمية؛ تعمـــل علــى تحقيق المناخ المناسب للتعامل مع تلك الأزمات والتغلب عليها والخروج منها بأفضل الطرق والوسائل، وتحقيق الرفاهية للأفراد.

         إن التعامل مع مختلف الأزمات المتتابعة التي تعصف بمجتمعاتنا العربية ينبغي أن لا يخضع للإجراءات نفسها المنصوص عليها في التعامل مع المشاكل المختلفة من خلال الإهمال والتغافل عن هموم الأفراد؛ حيث أن طبيعة الأزمات كبيرة وخطيرة ومتشعبة وتتناول العديد من الجوانب التي تمس بقضايا جوهرية، وهي بحاجة إلى التدخل السريع والحاسم والسليم، باستخدام إجراءات حقيقية فعلية تساعد على التعامل مع الأزمات في ظل ضيق الوقت وتسارع الأحداث.

كما أن الأزمات المختلفة والمتنوعة التي تضرب المجتمعات العربية ينبغي ألا تخضع للعشوائية، وسياسة الفعل ورد الفعل، بل لا بد لصناع القرار وقيادتنا أن يضعوا التعامل مع الأزمات للعمليات المركزية من خلال قيادة مشتركة؛ لمنع وقوع الأزمات، والحد من آثارها السلبية، وذلك من خلال التخطيط الحقيقي الفعلي السليم من خلال وضع التصور الدقيق للواقع والمـستقبل، وتوقــع الأحـــداث التي مــــــن الممكــن أن تتـزامن مـــع ذلــــك الواقع، والإعـــــــداد للطـوارئ بالتحـديد المــــسبق لما يجب عـمله، والكيفية التي يتـم بها هذا العمل، والوقت المحدد لها، والإمكانات الماديــــة والبـــــــشرية اللازمة لذلك، كما نحن مطالبون أكثر من أي وقت سابق للتوافق والوحدة والتنسيق المترابط بين الجهود المختلفــــة التي تبــذل لإدارة الأزمــــــات العربية، بتحديـد الأعضاء الموكلة إليهم الأعمال الخاصة بمعالجة الأزمـــــــات، والمهام المرتبطة بذلك، والهيئات الخارجية المــــــساندة.

إن قيادة المنظمات والمؤسسات العربية مطالبين لنجاح التعامل الفاعل للتغلب على كل الأزمات أن يتم ذلك من خلال معالجة كل الأمراض التي عصفت بواقعنا وسوء الإدارة، وأن يكون هناك نية حقيقية شاملة لعملية الإصلاح الإداري، وتسخير مقدرات المنظمات والمؤسسات لصالح اكتساب المعرفة، وزيادة المهارة، وتطوير القدرة على التعامل مع الأزمات المختلفة.

إن وجود ثقافة تنظيمية متجنبة للأزمات أو مستعدة لمواجهتها هي ثقافة قوية تولد مجالاً للقوة الاجتماعية مشحوناً بالطاقة تقوي العاملين وتدفع المنظمة نحو مواجهة الأزمات بكل قوة وفاعلية، فالقيادات العربية بالمنظمات التي تسود بها هذه الثقافة البناءة لديهم قدرة على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم والعاملين بالمنظمة والمجتمع المحلي والبيئة المحيطة، ويستخدمون أساليب إدارية وقائية تحقق الاستجابة السلسة للأزمات في حالة وقوعها.

إن قيادة الأزمات تتطلب التعاطف والتماسك وتعميق هذه القيمة يساعد في تماسك المجتمع العربي من خلال التواد والتراحم والتواصل، والعمل على التوجيه والتناصح المتبادل والمكاشفة والوضوح وتبادل الرأي من منطق الحب المتبادل والحرص على المصلحة العامة بالمجتمع العربي قيمة ذات اعتبار من منطلق ثقافتنا العامة في بعدها الديني فالدين النصيحة، والتناصح واجب ديني كما أنه واجب وظيفي يجب أن يتحلى به ويؤديه قادة المنظمات وأفراد المجتمع.

إن عيون الأفراد في المجتمع العربي ترنو لمعالجة حقيقية للأزمات كافة من منظور بناء مجتمع متقدم يحقق الريادة ويتغلب على الأزمات كافة التي غرقت بها المنظمات العربية وأصبحت في سبات عميق، إن الأمل المنشود يتعاظم برغم من ضباب كثيف يسود أجواء البيئة العربية، هو بحاجة إلى قيادة حقيقية للخلاص.. قيادة الأزمات.. قيادة استراتيجية.. قيادة حقيقية وحسب.

اجمالي القراءات 2114