كم كان ابن عربي رائعا عندما قال :
أدين بدين الحب أنى توجهـت
ركائبه .. فالحب ديني وإيماني
هناك خطأ واضح في عالمنا .. كلنا نعرفه ولكننا نصر علي تجاهله .. حكومات وشعوب .. وهو ما يؤدي الي الشحن والتعصب والتحزب الطائفي والارهاب باسم الدين .. و الخطر الحقيقي هو تجاهل المشكلة .. التي أصبح يعاني منها المجتمع المصري وباقي المجتمعات المسماة عربية في الثلاثين عاما الأخيرة .. مشكلة ترك الحكومات لجماعات وأفكار تعصب ديني علي جميع الجبهات .. تعمل في الشاع بين البسطاء .. في ظل بطالة وفقر .. تماما مثل ترك الحكومة المصرية لمشكلة المواصلات العامة وتنظيمها طالما استطاع سائقي الميكروباس وأصحابها أن يسدوا الفجوة مع كل ما يسببوه من فوضي في شوارع ومدن مصر ..
ماحدث في مجال الخطاب الديني والخدمات الاجتماعية هو نفس الشيء ,, لقد تركت الدولة واجبها في الرعاية الاجتماعية والصحية بل والتعليمية .. لتملأها جمعيات مفروض أنها خيرية ولكنها في الحقيقة جمعيات أساسها ديني تقدم مع الخدمات الاجتماعية وجبات دسمة من التطرف الديني .. لابد أن تؤدي في النهاية الي احتقان طائفي نتيجته الوحيدة هو مايحدث من أحداث طائفية مقيته .. وعنف بين الطوائف الدينية حتي داخل الدين الواحد ..
ما هي علاقة المسجد أو الكنيسة بتقديم خدمات صحية إلا إن كانت الحكومة تخلت عن واجيها .. أثناء الزمن الجميل كانت التبرعات الخيرية والصدقات من مسلمين ومسيحيين تبني المستشفيات ثم تتولي إدارة هذه المستشفيات جهات متخصصة لا تفرق بين مسلم ومسيحي .. ويكون عملها فقط تقديم الخدمة الصحية لمن يحتاجها .. هكذا بنيت مستشفيات علي مستوي عالي .. مثل العجوزة والقبطي في القاهرة والمواساة في الاسكندرية ..
ولكن الآن هناك مستوصفات تابعة لكل مسجد وكنيسة .. وكأن المرض يفرق بين المسلم والمسيحي والملحد .. وتقدم هذه الدكاكين التي تسمي نفسها مستوصفات مع الدواء والعلاج وجبات دسمة من الأفكار الدينية المتعصبة ..
ونفس الشيء يحدث في التعليم والخدمات الاحتماعية .. لقد تخلت الدولة عن واجبها .. فملأتها جماعات دينية متطرفة .. وملأها تجار المخدرات وساثقي الميكروباس ..
مشكلة زاد في حجمها .. مشاكل أخري اقتصادية وسياسية تتمثل في غياب الحريات العامة وسيطرة قلة علي كل شيء .. الثروة والسلطة .. وغياب الأمل في التغيير .. والتداول السلمي للسلطة .. والتوزيع العادل للثروة ..
الجميع يعرف انه لا حل الا وجود دولة مدنية قوية .. وأحزاب مدنية قوية ودستور مدني يتيح التداول السلمي والدوري للسلطة ونظام ضرائبي عادل لا يستطيع التهرب منه القوي أو المسنود ... ليمكن إعادة توزيع الثروة في شكل خدمات اجتماعية من ضمان اجتماعي وتأمين صحي وإعانة بطالة ..
أما من ناحية الاحتقان الطائفي .. فلا يوجد إلا حل واحد وهو تبني وثيقة الحرية الدينية .. التي وقعها الأزهر ثم حاول التنصل منها والأدهي أن مجلس الشعب المصري الذي من المفروض أنه عصب الدولة المدنية استطاع تعطيل هذه الوثيقة عبر لجنة الشون الدينية .. ولذا مجلس الشعب مسئول الي حد كبير في زيادة الاحتقان الطائفي بالقضاء علي هذه الوثيقة ..
فماذا تقول هذه الوثيقة ..
"
نؤمن بحق كل فرد في الإيمان بأي دين يشاء، وأن لكل إنسان، رجلا كان أو امرأة، حقا مقدسا في اعتناق، أو رفض اعتناق دين من الأديان، من دون التعرض لأي أذى من قبل أي جهة دينية أو سياسية ويجب التأكيد علي أنّ اللجوء إلى العنف لتأكيد وجهة نظر دينية أو لإجبار آخرين على اعتناقها هو أمر مرفوض بتاتاً. وأن لكل فرد الحق في مناقشة حقائق دينه دون خوف من انتقام.
وأن لكل إنسان بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو الوطني، الحق في أن يعيش بسلام مع جيرانه مهما كان معتقدهم.
وبناء على ذلك، فإننا نصر على أنّ لأتباع جميع الأديان حقاً مقدساً في أن يُشركوا الآخرين في معرفتهم وأن يعيشوا بسلام مع حصيلة هذه المعرفة".
ماذا في هذه الوثيقة ليعترض المعترضون وتقوم بسببها حملة شعواء علي الأزهر وشيخه .. أن هذه الوثيقة هي أمل كل الشعوب العربية وليس مصر فقط ..
إن هذه الوثيقة هي نتيجة لإدراك من وقع عليها أن هناك متطرفين من جميع الأديان وإن تبنتها الدولة كقانون ستقطع الطريق علي هؤلاء ومع الوقت ستصبح ثقافة عامة تمنع أي احتقان طائفي وتحمي هذا الوطن بجميع أبناءه ... فالوطن الحقيقي ليس فيه أغلبية وأقليه .. ولكن به مواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات .. وأهم هذه الحقوق حرية الاعتقاد والدعوة السلمية وحرية التعبير السلمي ..
ومرة أخري كم كان ابن عربي رائعا عندما قال :
أدين بدين الحب أنى توجهـت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
إن الإيمان الحقيقي هو الحب .. حب الله .. وحب الإنسان لأخيه الإنسان .. وليس التعصب لدين معين أيا كان ولا لمذهب معين ايا كان ..
من غير تبني الدولة لإصلاحات دستورية وسياسية حقيقية .. ومن غير عدالة اجتماعية .. ومن غير تبني ثقافة وثيقة الحرية الدينية .. سنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة من التطرف والتعصب والتخلف الحضاري ... وستطل علينا الفتن الطائفية .. وسيظل من نطلق عليهم مختلين عقليين أو الفئة الضالة يمارسون العنف باسم الدين ..
اللهم إني أبلغت .. اللهم فاشهد
عمرو اسماعيل