لماذا أصبح الأسافل يحاكمون الفضلاء؟
لماذا أصبح الأسافل يحاكمون الفضلاء؟

د. شاكر النابلسي في الخميس ٠٤ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-بدءاً، أقدم اعتذاري الشديد، في ذنب لن أغفره لنفسي أبداً، وهو تأخري وتقاعسي وانشغالي، عن الكتابة للإثني عشر كوكباً سورياً، الليبراليون الذين يقبعون في السجون السورية، وهم قيادة إعلان دمشق (وفاء حوراني، رياض سيف، علي العبد الله، وليد البني، أكرم البني، أحمد طعمة، طلال أبودان، جبر الشوفي، فائز سارة، د.ياسر العيتي، محمد حاجي درويش، مروان العش)، وغيرهم من السياسيين الليبراليين السوريين كميشيل كيلو، وكمال اللبواني، وعارف دليلة، وحبيب ص&C; صالح، وفواز تللو، وحسن السعدون.
حقاً، إنني غافل ومقصّر أيضاً في حق هؤلاء المناضلين الليبراليين. والغريب أيضاً أنني لم أقرأ على صفحات "إيلاف" الليبرالية لأي كاتب ليبرالي صادق، كتب عن هؤلاء السياسيين الأحرار. بل كنت أقرأ بين فينة وأخرى، بعض ما يكتبه حلاقو النظام السوري، ومزينوه عن المعارضة السورية "الملعونة"، والمشتومة، والمُداسة ببساطير مخابرات النظام.


-2-وأصدقكم القول، أن الذي حفَّزني لكتابة هذا المقال، عن المعتقلين السياسيين السوريين، هو الصديق الصدوق د. عبد الرزاق عيد، المناضل السوري الشريف، والمفكر السياسي، الذي كان من ضمن الموقعين على بيان الـ "99" عام 2000 والذي كانت أهم بنوده:
- إلغاء حالة الطوارىء والأحكام العرفية المطلقة، في سوريا، منذ عام 1963.
- إصدار عفو عام، عن جميع المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي، والضمير، والملاحقين، لأسباب سياسية، والسماح بعودة المشردين، والمنفيين السياسيين جميعاً.
- إرساء دولة القانون، وإطلاق الحريات العامة، والاعتراف بالتعددية السياسية والفكرية، وحرية الاجتماع، والصحافة، والتعبير عن الرأي.
فهل انتهى ربيع دمشق؟
سؤال يطرحه عبد الرزاق عيد في كتابه المهم (يسألونك عن المجتمع المدني، ربيع دمشق الموؤد، 2004). ويجيب عليه بقوله:
هل كان ثمة ربيع دمشقي بالأصل؟ أم ذوبان الجليد، كما وصف إيليا إهرنبرغ، مرحلة ما بعد الستالينية؟
-3- ثمة مناخ أسطوري من الخوف في سوريا. وهذا الخوف الساكن في الأعماق، يُعبِّر عن نفسه، في منظومة متكاملة من التفكير الأسطوري، القائمة جوهرياً - حسب "ميرسيا إلياد" - على فكرة "قابلية تكرار الأحداث" (ص287-288). وعلى المستوى الفردي، فإنه بمقدار ما تزداد مساحة الخوف، في الداخل الإنساني، تضيق مساحة الشعور بالحب، والشجاعة، والإحساس بالكرامة (ص57). وكلما ازداد البطش استفحالاً، ازدادت النفوس خواء وفقراً. وقوة الحاكم – كما يقول أفلاطون – ليست إلا نتاج ضعفه (ص58).
 
-4- 
وفي كتاب عبد الرزاق عيد (يسألونك عن المجتمع المدني: ربيع دمشق الموؤد، 2004)، تعرفنا على عقل ليبرالي مميز، وعلى مفكر سياسي عربي من طراز رفيع. ومن الدروس المستفادة من هذا الكتاب، قول عبد الرزاق عيد الحق، فيما يتعلق بالعَلْمانية، التي تعتبر من الإشكاليات العربية "المذمومة" لدى المدِّ الديني الأصولي:
إن الفصل العلماني، يُركّز على علاقة الفصل بين "الدين والدولة"، وليس بين "الدين والمجتمع"، أو بين "الدين والشعب". وهذا التركيز يهدف إلى سحب "ورقة الدين" من اللعب السياسي الذرائعي بها، من قبل الأصولية التكفيرية، أو من قبل منتحلي الأصالة، دعاة الطائفية، الذين يشرعنون للطائفية باسم الدفاع عن دين الأمة المنتهك (ص198).
كذلك يقول لنا عبد الرزاق عيد، بأن الديمقراطية ليست بدلة جاهزة. وإذا كانت الديمقراطية نتاج السياق الغربي – كما يدّعي التيار الديني والبعثي – فإن القومية أيضاً هي نتاج عقل الألمان، وليست نتاج عقل يعرب بن قحطان (ص 121).
 
-5-وفي مقالات عبد الرزاق عيد، التي تلت هذا الكتاب، الكثير من الأفكار التنويرية الحداثية. ومنها ما يُعلِّق فيها على الأحكام القضائية السورية المتعسفة، بحق كواكب إعلان دمشق، والذي جاء تحت عنوان "أسافل سوريا يحاكمون فضلاءها" ويقول فيه:
"الحكم الصادر بحق الأصدقاء الأفاضل في قيادة إعلان دمشق (الاثنا عشر كوكباً) في سماء سوريا، لتزداد الظلمة ظلاماً وحلكةً مع مشهد تسفيل القضاء إلى هذا الحد. فعندما يُسفَّل القضاء في مجتمع، فلن يبقى فيه مكان رفيع، ولا علو، ولا سمو، ولا رفعة. إنه السقوط إلى الحضيض. فتشرشل لم يهتم لكل وقائع الخراب، التي لحقت ببريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن اطمأن إلى أن القضاء قائم. فعندما يكون القضاء تكون الدولة. فمن السهل إعادة بناء الجغرافية الطبيعية للدولة، لكن التحدي الكبير هو في بناء الجغرافية البشرية للدولة التي هي القضاء تعريفاً واحداً.

اجمالي القراءات 10986