من تناول الطعام إلى دخول الحمام.. كيف يمارس رواد الفضاء حياتهم اليومية؟

في السبت ١٤ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

يبدو القيام بأداء متطلبات الحياة اليومية أمرًا يسيرًا لنا على سطح الأرض؛ حيث ننعم بجاذبية تحفظ توازننا، وبظروف مناخية معتدلة، لكن كيف تسير هذه الأمور خارج الأرض، وكيف يُحافظ رواد الفضاء على نظافتهم الشخصية خلال بعثاتِهم الطويلة في بيئات تنعدم فيها الجاذبية، وتندر إمدادات المياه.

بالطبع، سيكون من المستحيل أن تتناول طعامك، أو تغسل يديك، أو تذهب إلى الحمام بنفس الطريقة التي تتبعها على الأرض! ولا شك أن تنفيذ هذه المهام يتطلب بعض الحيلة والبراعة. هذا ما نتناوله في السطور التالية التي توضح الطريقة التي يتغلب بها رواد الفضاء على تلك المعوقات.

تناول الطعام

إذا سألنا هذا السؤال: «كيف يأكل رواد الفضاء في الفضاء»؟ قبل 50 سنة كانت الإجابة لتكون مختلفة تمامًا عما هي عليه اليوم. في السنوات الأولى من سفر الفضاء، استخدم رواد الفضاء القش لامتصاص الطعام المجفف، والطعام المعجون الموضوع داخل أنابيب. أما اليوم فيقوم رواد الفضاء بتناول الطعام بالطريقة نفسها التي يتناولونها هنا على الأرض.

في العادة يجري تجفيف الأطعمة جزئيًا أو كليًا للحفاظ عليها من أن تفسد، وتتعرض اللحوم للإشعاع قبل وضعها على متن المكوك؛ لمنحها فترة صلاحية أطول. ويتناول رواد الفضاء ثلاث وجبات يوميًا، بالإضافة إلى وجبات خفيفة دورية تمامًا كما يفعلون على الأرض. ويضمن خبراء التغذية أن يأكل رواد الفضاء غذاءً متوازنًا يمدهم بالفيتامينات والمعادن، أما متطلبات السعرات الحرارية فتختلف من رائد إلى آخر.

يأتي طعام الفضاء في عبوات يمكن التخلص منها، صُمّمت لتكون مرنة وسهلة الاستخدام، وكذلك لزيادة المساحة عند التخزين أو التخلص من حاويات المواد الغذائية؛ إذ يجب على رواد الفضاء التخلص من عبواتهم عند الانتهاء من تناول الطعام، ويمكن لرائد الفضاء الاختيار من بين عدد من أنواع الأطعمة، مثل الفواكه، والمكسرات، وزبدة الفول السوداني، والدجاج، واللحم البقري، والمأكولات البحرية، والحلوى، والكعك… إلخ. وتشتمل المشروبات المتوفرة: القهوة، والشاي، وعصير البرتقال، وعصير الليمون.

تُنظّم وجبات الطعام وفق الترتيب الذي سيأكل نحوه رواد الفضاء، ويجري تخزينها في خِزانات تُوضع في شِباك حتى لا تطفو. وعندما يحين وقت تناول الطعام، يذهب رواد الفضاء إلى منطقة المطبخ في منتصف المكوك. وهناك، يُضيفون الماء إلى الأطعمة المجففة من محطة إعادة التميؤ، التي توزع المياه الساخنة والباردة.

ويُزود كل مكوك بكمية من الطعام تكفي الطاقم طوال مدة المهمة، ويُوضع لكل رائد فضاء نظام غذائي آمن آخر، يكفيه لمدة ثلاثة أسابيع إضافية من الطعام، تُستخدم في حالة مواجهة الطاقم لحالة طوارئ،  وتُجفّف هذه الأطعمة عادة حتى تبقى صالحة لفترة أطول.

غسل الأسنان

عندما يتعلق الأمر بنظافة الفم، توجد بعض المستلزمات الخاصة التي يستخدمها رواد الفضاء. على سبيل المثال يتوفر لهم معجون أسنان في صورة علكة يقومون بمضغها، وتعمل على تنظيف الأسنان دون الحاجة إلى استخدام الفرشاة التقليدية. هناك أيضًا معجون أسنان قابل للهضم والامتصاص، يمكنهم بلعه بعد التنظيف؛ مما يلغي الحاجة إلى إزالة المعجون المستخدم.

أما عن معجون الأسنان، فيستخدم رواد الفضاء أنبوبة معجون أسنان بدون غطاء قابل للفصل؛ حتى لا يطفوا الغطاء بعد نزعه في البيئة منعدمة الجاذبية. ولكي يقوم رائد الفضاء بغسل أسنانه، يُخرج أولًا أنبوب معجون الأسنان الخاص به، والذي يمكن أن يكون من أي ماركة تجارية يُفضلها كما هو الحال على الأرض، ويضع القليل على فرشاة الأسنان، ثم يقوم بوضع الأنبوب في نِقاط مُثبتة على الحائط؛ حتى لا يطفو بعيدًا، وبعدها يقوم بُشرب قليل من الماء من كيس صغير، ويقوم بتنظيف أسنانه، ثم يبتلع المعجون القابل للبلع.

غسل الأيدي

لا يختلف غسيل الأيدي في الفضاء عنه كثيرًا على الأرض، بخلاف استخدام رواد الفضاء غسولًا خاصًا لا يحتاج للشطف بالماء بعد التنظيف. في الفيديو التالي يوضح رائد وكالة الفضاء الكندية «كريس هادفيلد» كيف يقوم بغسل يده على متن محطة الفضاء الدولية.

يستخدم هادفيلد غسولًا يُسمى «No Rinse Body Bath Pouch Assy»، ويضغط على الأنبوب الذي يحتوي على هذا الغسول الممزوج بالماء؛ فيتطاير في صورة كرات عائمة أمامه، فيُمسك بها بين يديه، ثم يقوم بفرك يديه معًا. وفي النهاية، يقوم بتجفيف يديه باستخدام منشفة، وقُضي الأمر.

الحلاقة وقص الشعر

لا تختلف الحلاقة في الفضاء عنها على الأرض كثيرًا؛ كل ما تحتاجه هو كريم الحلاقة، والشّفرة، والمناشف. بالإضافة إلى ذلك يستخدم بعض رواد الفضاء ماكينة الحلاقة الكهربائية؛ لأنها لا تتطلب الماء، إلى جانب أنها تقوم بجمع الشعر المتساقط تلقائيًا.

وتتطلب الحلاقة في الفضاء عناية أكثر قليلًا؛ لأن الشعر الذي يسقط منك يمكن أن يطفو في الأرجاء، وينتهي به الأمر لأن تتنفسه، ويصل إلى أجهزة الكمبيوتر، وكل شيء على متن المحطة. لذلك يستخدم رواد الفضاء كريم حلاقة خاص بهم، يُسمى «Astro-Edge». يستخدم رواد الفضاء هذا الكريم، ويقومون بالحلاقة العادية، ويمسحون الشفرة في كل مرة باستخدام قطعة قماش، ومن ثم ينظفون أنفسهم بعد الانتهاء.

أما عن قص الشعر، فيستخدم رواد الفضاء ماكينة خاصة لقص شعر الرأس، يتصل بها جهاز تفريغ يُشبه المكنسة الكهربائية؛ وذلك حتى يلتقط قصاصات الشعر ويمنعها من أن تطفو في الأرجاء.

الاستحمام

يوجد على متن مكوكات الفضاء، ومحطّة الفضاء الدولية، وحدة خاصة لأخذ حمام كامل للجسم. وعندما يريد رواد الفضاء أخذ حمام مُنعش، يتوجهون نحو غرفة أسطوانية خاصة بالاستحمام، حيث يستخدمون الصابون السائل، والمياه، والشامبو، ويُبلّلون أنفسهم بالمياه ويغتسلون تمامًا مثلما يفعلون على الأرض.

وبالطبع، نتيجة وجودهم في بيئة منعدمة الجاذبية، فإن قطرات الماء والصابون لا تتدفق إلى أسفل في المجفف، بل تطفو حولهم في الأرجاء؛ ولذلك يستخدم رواد الفضاء المناشف لمسح الماء الزائد، إلى جانب وجود جهاز خاص للشّفط؛ يعمل على تبخير الماء الفائض من أجل التخلص من مياه الصرف.

دخول الحمام

يُمثل الجزء الأصعب في هذا الأمر عندما يحتاج رواد الفضاء إلى قضاء حاجتهم خلال عملهم خارج محطة الفضاء أو المكوك. وفي هذه الحالة، يجري تجهيز بدلة الفضاء بحفاضات؛ حتى يتمكن رواد الفضاء من العمل في الخارج لساعات طويلة، خاصة خلال عمليات السير في الفضاء.

أما في الداخل فتُجهّز مركبات الفضاء بمراحيض ذات مواصفات خاصة تحتوي على أماكن لوضع القدم، وأخرى للفخذ وغيرها؛ حتى لا يطفو رواد الفضاء بعيدًا عند المكان المخصص. أيضًا بسبب حالة انعدام الوزن تعتمد المراحيض على مضخة الهواء كوسيلة للشفط من أجل تفريغ وإزالة النفايات.

وعند التبول، يستخدم رواد الفضاء أنبوبًا كبيرًا متصلًا بالجزء السفلي من المرحاض. هذا الأنبوب ليس مُفرغًا، بل يحتوي على هواء ينتشر خلاله، ويقوم بحمل البول إلى خزان. وقد صُمّمت جميع أنابيب محولات البول من الناحية التشريحية بطريقة تسمح لكل من الرجال والنساء باستخدام نفس المرحاض.

النوم

بعد قضاء يوم طويل في أداء المهمات، لا شيء يحتاجه رائد الفضاء أكثر من الحصول على قسط من النوم الهادئ المريح، لكن يختلف النوم قليلًا في الفضاء، حيث لا يوجد جاذبية تأخذك لأسفل، وكل شيء عديم الوزن؛ لذلك يلجأ رواد الفضاء إلى ربط حقائب نومهم في الجدار أو السقف؛ حتى يتمكنوا من النوم دون الطفو في الأرجاء، والاصطدام بشيء ما.

في «محطة الفضاء الدولية (ISS)»، التي تبعد عن الأرض 400 كيلومتر، ينام معظم أفراد الطاقم في كبائنهم الصغيرة، وإذا لم يكن هناك ما يكفي من تلك الكبائن للجميع، فيمكن لرواد الفضاء النوم في واحدة من وحدات محطة الفضاء الدولية. ويتميز الركن الأمريكي بها بوجود مقصورات خاصة عازلة للصوت، حيث يمكن لأفراد الطاقم الاستماع إلى الموسيقى، واستخدام الكمبيوتر المحمول، وتخزين المتعلقات الشخصية في درج كبير، أو في شِباك مُتصلة بجدران الكابينة، التي تحتوي أيضًا على مصباح قراءة، ورَفّ للكتب، ومكتب.

وتدور محطة الفضاء الدولية حول الأرض كل 92 دقيقة؛ لذلك يرى أفراد الطاقم حوالي 16 شروق وغروب للشمس في اليوم. لذا فليس من السهل عليهم معرفة وقت النوم، إلى جانب أن هذا النشاط المستمر بين النهار والليل يمكنه أن يُفسد الإيقاع اليومي للجسم.

وللتغلب على ذلك، يعمل رواد الفضاء وينامون وفقًا لخطة زمنية يومية، والتي عادة ما يجري تحديد موعدها لمدة ثماني ساعات من النوم في نهاية كل يوم من أيام البعثة. أيضًا بإمكان رواد الفضاء ارتداء غطاء للعينين أو غلق النوافذ لحجب ضوء الشمس عنهم وهم نائمون.

وفي حالة عانى أحد أفراد طاقم محطة الفضائية الدولية من أية اضطرابات في النوم، أو مشكلات نفسية أو سلوكية؛ فإن أطباء الصحة السلوكية يقفون على بعد مكالمة هاتفية واحدة منه؛ إذ تُوفر مجموعة الصحة والسلامة السلوكية بمركز جونسون للفضاء التابعة لـ«ناسا» الدعم النفسي لرواد الفضاء قبل وأثناء وبعد رحلاتهم الفضائية. ويُساعد «العلاج السلوكي المعرفي للنوم (CBT)» رواد الفضاء، وغيرهم من سكان الأرض في معالجة مشاكل النوم.

اجمالي القراءات 4231