(شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم)
أشهد أن لا اله إلا الله
(إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )
إن المنافق يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وفي هذه الآية شهدوا بأن محمداً رسول الله ، فهل الإشكالية هنا في شهادتهم ذاتها بأنه رسول الله؟
سواء كانت الشهادة تعني الإقرار بالرسالة، أو تعني الحلف بأنه رسول، والحلف توكيد يحمل في طياته معنى الإقرار يقيناً.
إن الإشكالية بالقطع ليست في شهادتهم أنه رسول لله رب العالمين، بل في أن هذا القول جاء باللسان، وكذب به القلب وجحده، لذلك شهد الله بكذبهم، بعدما أخبر بصحة الخبر ذاته . ( والله يعلم إنك لرسوله).
أشهد أن محمد رسول الله.
وأقطع أن كل مسلم ( على ملة إبراهيم) يشهد بهذه الحقيقة في المطلق ،أي لو أن المؤمنين/ المسلمين، هم من شهدوا بأنه رسول الله ، لما قال الله عنهم ، والله يشهد إن المسلمين لكاذبون.
ولا أظن أن الدكتور/ أحمد صبحي منصور يخالفني الرأي إلى الآن في هذه الحقيقة، فما المشكلة إذن ؟
المشكلة في أن أ.د. أحمد صبحي منصور، يرى أن قول المسلمين _( المحمدين ) حسب ما وصفهم _ بالشهادتين معاً كفراً، حيث جاء في مقاله: التقوى جوهر الإسلام ما نصه :
فشهادة الإسلام واحدة وليست إثنتين ، فهى شهادة أنه لا اله الا الله فقط. ومن شهد بهذا فقد آمن بكل الأنبياء دون أن يفرق بينهم ، أو أن يرفع واحدا من بينهم فوق الآخرين. حين يضاف الشهادة بمحمد رسولا فهنا تفضيل له على غيره من الأنبياء وتمييز له عنهم ، وهذا كفر بالإسلام . لكن لماذا يعد ذلك كفراً ، لأن ذلك حسب كلام الدكتور تفضيل لمحمد عليه الصلاة والسلام و تفرقه بين الرسل.
لكن من قال أن كل مسلم ينطق الشهادتين يقصد بها هذه التفرقة؟!!
ومن قال أن كل من نطق بالشهادتين، يقصد التفضيل والتقديس لمحمد عليه الصلاة السلام في ذاته.
إني وجدت الدكتور أحمد في كثير من الآيات التي تأتي بطاعة الله ورسوله يقول: أن المقصد هو طاعة الله، وما انزله الله على رسوله، وأنا لا أخالفه في هذا قط، لكن شهادتي أنه رسول الله ،هي ذاتها تحمل ذات المعنى، أي أن ما جاء به هو الحق، وأن رسالته هي الحق، أي أنه يحمل الرسالة الخاتمة، التي أعادت ملة إبراهيم دون تحريف بعدما مسها التحريف والتصحيف.
(واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ااقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين ) سورة آل عمران آية 81
فالرسول هنا أيا كان اسمه إذ صدق بما جاء به النبي الذي قبله وجب عليهم أن ينصروه ويؤمنوا به.
وهو ما أقره المنافق باللسان ، وجحده بقلبه.
وإلا فلو عدنا للآية ثانية، وتصورنا أنها :
إذا جاءك المؤمنون/ المسلمون/ قالوا نشهد إنك لرسول الله/
لكن الجواب من الله والله يشهد إن المؤمنين لكافرون .. هل نتصور هذا. القول بالشهادتين لا يعني أبداً التفضيل في ذاته مطلقاً، بل يعني أن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام هي الرسالة المهيمنة والحاكمة والخاتمه والشاهدة على جميع الأمم، ولنتدبر قوله تعالى في سورة النساء ( فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) آية 41
وقوله تعالى في سورة النحل (ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) آية 89
أظن أن الدكتور يوافقني الرأي هنا أن محمد عليه السلام لم يكن ليشهد على الأمم إلا لأنه يحمل هذه الرسالة، فهو جاء ليشهد عليهم بما أبلغهم به في الدنيا، ولو كان عيسى عليه السلام هو الخاتم لكان هو الشاهد على الأمم ، ولكن شهادة محمد هنا كونه يحمل المنهاج الكامل، ولما كان ذلك فقولنا أن محمد رسول الله في الشهادة لا يعني إلا تصديقا بهذا المنهاج الخاتم، أي أن محمدا هنا يمثل بما يحمل النهج الأخير، أي وكأننا نقول نشهد أن الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه.
لكن لماذا محمد بالذات ، لماذا لا نقول وأن إبراهيم رسول الله مثلا؟
إن الأمر ليس تفرقة قط بل :
لأن محمداً هو خاتم النبيين، أي لو كان إبراهيم هو الخاتم، لقلنا وأشهد أن إبراهيم رسول الله، وذكر الاسم لا يعني شركاً، بل يعني صدق المنهج الذي يحمله، وكون محمداً عليه السلام هو الخاتم، وقد أكمل الدين الحق وأتمه، قلنا نشهد أن محمد رسول الله.
ان الأمر تماما كما في في هذه الآية
(من يطع الرسول فقد اطاع الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا)
فطاعة الرسول هنا كونه مبلغ عن ربه، أي طاعته فيما يحمل لنا من رسالة وهداية ونور ( القرآن) أو حتى أمر تكليفي مباشر وقت حياته صلى الله عليه وسلم.
أياً كان الأمر فإن التلازم هنا في الطاعة هو ذاته التلازم في الشهادة / وأن محمد رسول الله هو ذاته (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله احق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين) سورة التوبة آية 62
خلاصة القول: أن الشهادتين في ذاتها لا تحمل بالضرورة التفرقة ولا تحمل بالضرورة شركاً بل تحمل تصديقاً بالرسالة التي بعث بها النبي الخاتم.
والله تعالى أعلم.