الباب الأول
الفكر السني ـ الشيعي/ مصدره ومنهجه

حسن جرادات في الأحد ٠٢ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الباب الأول
في الجرح والتعديل (لدى اهل السنة)

من المعلوم بداهة والمتفق عليه عند الذين عملوا في تصنيف الحديث، وجوب كون الرواة الذين نقلوا الحديث ثقاتاً عدولا لكي يكون هذا الحديث صحيح السند، وقد وضع المشتغلون في تصنيف الأحاديث صفات للراوي العدل بينها الدكتور صبحي الصالح في كتابه علوم الحديث ومصطلحه حيث جاء فيه:
(ويريدون بعدالة الراوي استقامته التامة في شؤون الدين، وسلامته من الفسق كله، وسلامته من خوارم المروءة. وقد عرّف الخطيب البغدادي العدل بأنه " من عُرف باداء فرائضه ولزوم ما امر به، وتوقي ما نهي عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحري الحق والواجب في افعاله ومعاملته، والتوقي في لفظه [لما] يثلم الدين والمروءة، فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه، ومعروف بالصدق في حديثه " …
والمروءة التي ينبغي توافرها في الراوي المعدّل كثيراً ما قيست بالمقاييس الخلقية الإنسانية المشتركة. ويستشهد الخطيب البغدادي على ذلك بقول النبي (ص): {من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو من كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته}).
هذه الصفات للراوي العدل كما يراها المشتغلون في تصنيف الأحاديث نرى نقيضها في العديد من رواة البخاري كمعاوية وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم؛ فمروان بن الحكم كان قد قتل الصحابي طلحة بن عبيد الله غيلة بعد ان اعتزل الأخير القتال يوم الجمل، (كما انه ضرب عنق ثمانين رجلاً تخلفوا عن مبايعته) . وعمرو بن العاص معروف تاريخه كذراع يمنى لمعاوية في كل ما اقترف من جرائم، اذ يكفي انه تآمر مع ابي موسى الأشعري على خلع الخليفة المبايع علي (ر)، وهوشريك في دماء عمار بن ياسر وكل الشهداء الذين سقطوا في معركة صفين عندما كان علي (ر) يحاول وقف تمرد معاوية، وقد تحدث عمرو عن نفسه وهو على فراش الموت: (ولما حضرته الوفاة نظر الى ماله فقال ليتك بعر او ليتني مت في غزوة ذات السلاسل، لقد دخلت في امور ما ادري ما حجتي فيها عند الله، اصلحت لمعاوية دنياه وافسدت آخرتي، عمي عني رشدي حتى حضر اجلي، لكأني به حوى مالي واساء خلافتي في اهلي) . اما معاوية فإنه غني عن التعريف؛ فبعد استيلائه على السلطة بالسيف والكذب وشراء الذمم، حكم بغير ما انزل الله في دماء الناس وأموالهم، وفي حدود الله كذلك؛ فقد قتل عمار بن ياسر ـ مع من سقط من الشهداء ـ في معركة صفين، (وقتل الصحابي حُجر بن عدي مع عدد من اصحابه لأنه كان يعترض على أئمة الجمعة عندما كانوا يسبون علياً وينالون منه على المنابر، تلك الجريمة التي كان معاوية يوصي عماله بها عندما يوليهم) ، (ومعاوية هو اول من ورّث المسلم من الكافر…كما انه كان اول من قصر دية المعاهد الى النصف وأخذ النصف الآخر لنفسه، بعد ان كانت دية المعاهد كدية المسلم) ، (كما انه اوصى "الفاتحين" بان يأخذوا له الذهب والفضة قبل تقسيم الغنائم بينهم) ، (كما انه ابطل حد القطع لرجل سرق بعد ان توسلت له أمه قائلة: اجعل العفو عنه في الذنوب التي تستغفر منها [!] فخلى سبيله فكان اول حدّ ترك في الاسلام) ، وهو اول من اتخذ الخصيان لخدمة الجواري، اما قوله وهو على فراش الموت لابنه يزيد: (واخضعت لك اعناق العرب) فإنه قول يفوح منه نتن الجاهلية القبلية، كما انه يدل على شهوة للحكم والرياسة والتسلط على الناس كانت تقود هذا الرجل كما هو حال الكثيرين من رجال الدول على مر العصور!
ولكي لا يصبح هذا البحث كتاب تاريخ فإني اكتفي بهذه النبذة السريعة عن ثلاثة من رواة البخاري، علماً ان كتب التاريخ المعتمدة لدى اهل السنة مليئة بالاحداث البشعة التي ينتسب ابطالها للإسلام، فهذه النبذة السريعة اضافة الى دلالتها على عدم الحكم بما انزل الله في الفترة التي كان الحديث يتداول بين الناس ليخدم السلطة الحاكمة، فإنها تبين عدم عدالة هؤلاء الرواة الذين يوثقهم البخاري ويمد الناس " بالفكر الاسلامي " من خلالهم.. تبين عدم عدالتهم بناءً على شروط العدالة التي وضعها البخاري وغيره أنفسهم. ام ان قتل الصحابة وسب صاحب البردة ليلة الهجرة على المنابر، ووقف حدود الله وسرقة المال العام وغير ذلك من الجرائم لا تخرم مروءة هؤلاء، فيبقوا ثقاة عدولاً يمرر " الفكر الاسلامي " من خلال اقوالهم وأفعالهم ليصل الى جميع انحاء العالم والى يوم القيامة؟!!
هل يكون تحري الحديث الصحيح بترك رواية الرجل الذي كذب على الفرس وأوهمها ان بيده طعاماً كي يمسك بها، وفي الوقت ذاته تؤخذ روايات الذين قتلوا الصحابة ولعنوهم على منابر الجمعة، مالكم كيف تحكمون؟!!
ان القرآن الكريم المنزل من عند الله الحاكم العادل قد سبق المشتغلين فيما يعرف بعلم الجرح والتعديل في تبيانه للعدل من الناس وتمييزه عن المفسدين وعن القتلة المجرمين، فقال عز من قائل:
" ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " (21 الجاثية).
" أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون " (35 القلم).
" وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلاً ما تتذكرون " (58 غافر).
الله سبحانه يقول هذا وأصحاب الحديث يضعون الصحابي وقاتله على قدم المساواة في الثقة والعدالة!! بل ان الصحابي المقتول ليس بعدل عندهم لأنه " شق عصا الطاعة "!!
فإن قال قائل لندع هؤلاء الرواة جانباً ولنأخذ بالأحاديث المروية عن الثقاة من الرواة، قلت ان المقاييس التي يصنف بناءً عليها غير العدول عدولاً هي مقاييس غير موثوقة، وأن الذي يعدِّل غير العدل هو ايضاً غير موثوق بكل ما يقدم.
وقد روى البخاري نفسه أحاديث تبين فساد العديد من رجاله اضافة للروايات التي يوردها تاريخ أهل السنة التي أشرنا اليها آنفاً، حيث نورد هنا عدداً من هذه الأحاديث؛

1)… عن أبي سعيد عن النبي (ص) قال: { ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار }/ج1، كتاب الصلاة؟ ص115. (وفي رواية أخرى يدعوهم الى الله)/ ج2 ص208
اقول: ان الذين شاركوا في معركة صفين التي استشهد فيها عمار رضي الله عنه، وكانوا مع الفئة القاتلة، جميعهم شركاء في دم عمار خاصة أولئك القادة الذين يتحملون الوزر الأكبر كمعاوية وعمرو بن العاص، وهم مع بغيهم، دعاة الى النار كما ينص عليه حديث البخاري، وهم بوصفهم دعاة الى النار يضاهون المشركين الذين وصفهم القرآن بالدعاة الى النار في قوله تعالى في سورة البقرة: " … ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم أولئك يدعون الى النار والله يدعو الى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ". ام ان قتل عمار ومن بعده حُجر بن عدي ورفاقه لا يخلّ في (الاستقامة التامة في شؤون الدين، والسلامة من الفسق كله، والسلامة من خوارم المروءة)؟! كيف يكون الداعي الى النار ثقة عدلاً لدى البخاري ويبقى " صحيحه " صحيحاً، ينهل منه المسلمون فكرهم الاسلامي ويقدمونه للعالم؟!

2) … عن عبد الله بن عمرو عن النبي (ص):{ من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً}/ج2، كتاب الجزية والموادعة، ص296
اقول: هذا الحديث يبين جزاء من يقتل معاهداً. فما جزاء من يقتل صحابياً كحجر بن عدي الذي قتله معاوية مع عدد من رفاقه لأنهم حاولوا وقف لعن علي رضي الله عنه، وما جزاء من يدفن المسلمين أحياءً كما فعل معاوية بأحد رفاق حُجر (عبد الرحمن العنزي رضي الله عنه)، وما جزاء من هدم نظام الخلافة وأنشأ مكانه مملكة بني أمية، وألغى بذلك مبدأ الشورى من النظام الاسلامي؟ لقد اخبرنا الله سبحانه ما هو جزاء من يفعل ذلك فقال: " ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً مهينا "، فكيف يكون هذا الذي يبشره الله بالنار ويتوعده هذا الوعيد، كيف يكون ثقة عدلاً، وحلقة في سلسلةٍ ينقل الاسلام من خلالها الى العالم اجمع؟!

3) { من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم. ولعن المؤمن كقتله. ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله} ج4، كتاب الايمان والنذور، ص 263
عندما يروي البخاري هذا الحديث الذي فيه لعن المؤمن كقتله، وفي الوقت ذاته يروي تاريخ اهل السنة انفسهم ان علياً رضي الله عنه كان يُلعن على منابر الجمعة في عهد معاوية، وقد استمر لعنه رضي الله عنه ستون عاماً الى ان الغاه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ووضع بدلاً منها آيات من القرآن الكريم لا زالت تتلى عقب خطبة الجمعة حتى يومنا هذا: " ان الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي "، يروي البخاري هذا الحديث ويصنف الذين اقترفوا هذه الجريمة في مصاف الثقات العدول من الناس!
من ناحية أخرى لماذا لم يعتمد الذين جمعوا الحديث على نصوص القرآن لتحكم على الحديث ان كان يوافق القرآن او يناقضه؟ لنجد العديد من الاحاديث تصطدم مباشرة بنصوص قرآنية صريحة، كالحديث الذي يصف حواء (ع) بالخائنة لزوجها؟!
لماذا لم يعتمد الرواة الا على " ثقة ومصداقية " الراوي الذي يعيش تحت وطأة الارهاب والقتل على يد الحجاج وأمثاله، ان القاضي لا ينبغي له ان يقضي بين الخصوم وهو جائع او غضبان، فكيف بالذي يخاف على عنقه من سيف الحجاج، كيف يكون كلامه موثوقاً ليصاغ فكر الأمة بناءً عليه؟!
وفي هذا السياق تجيء قصة " الامام النسائي " مع رجال السلطة الأموية خير شاهد على عدم مصداقية تلك الحقب لتكون حاضناً ومؤسساً للفكر الاسلامي؛ فقد (سأله اصحاب معاوية من اهل الشام تفضيله على عليّ كرم الله وجهه فقال: الا يرضى معاوية رأساً برأس حتى يفضل علياً. وسألوه ايضاً عما يرويه لمعاوية من فضائل فقال ما اعرف له فضيلة إلا " لا اشبع الله بطنه " فما زال به اهل الشام يضربونه في خصييه بأرجلهم حتى اخرجوه من المسجد ثم حمل الى الرملة فمات بها، وفي رواية اخرى انه طلب ان يحمل الى مكة وتوفي بها) .
في هذه البيئة صيغ " الفكر الاسلامي " وصنعت العديد من الاحاديث لدعمه وتعزيزه، ودورنا هو بيان ان ما اقترف من افعال يرفضها المنهج والفكر الاسلامي، لا علاقة للفكر الاسلامي ولا للمنهج الاسلامي بها، وان الاحاديث التي تروى لتبرير تلك الأفعال وكذلك الاحاديث التي تخالف المنهج والفكر الاسلامي الصحيح فإن رسولنا محمد (ص) منها براء.






اجمالي القراءات 6401